; logged out
الرئيسية / الامبريالية في الميزان: التغاضي الدولي عن تأثيرات الحكم الاستعماري من وجهة النظر التاريخية

الامبريالية في الميزان: التغاضي الدولي عن تأثيرات الحكم الاستعماري من وجهة النظر التاريخية

الجمعة، 01 حزيران/يونيو 2007

كليدا مولاج
تحرير وإعداد: آر. إم. دوغلاس ومايكل دي. كالاهان وإليزابيث بيشوب
إصدار: ليكسنغتون للكتب - 2006
يحتوي هذا الكتاب على مجموعة من سبع أوراق تناقش أنظمة الانتداب والوصاية التي ظهرت في ظل عصبة الأمم والأمم المتحدة. ويركز التحليل على موضوعات مختلفة تتضمن الوضع الدولي لدراسات الحالة المنتقاة في مجال الانتداب والوصاية وأسلوب إدارتها وتنفيذها من قبل القوى التي عُهد إليها ممارسة هذا الانتداب أو الوصاية. ويقدم التحليل أيضاً تفصيلاً للحوارات السياسية المختلفة التي برزت في مواجهة المبدأ الامبريالي السائد في ذاك الوقت، وكيفية التوفيق بين ذلك المبدأ والتطورات التي جرت بين الحربين العالميتين وما بعدهما.
ساهم مايكل كالاهان بفصل بعنوان (الأراضي الخاضعة للانتداب ليست مستعمرات: بريطانيا وفرنسا وإفريقيا في ثلاثينات القرن العشرين). ويرى الكاتب أن نظام الانتداب في عهد عصبة الأمم دمج بين القوتين العالميتين الرئيسيتين في القرن العشرين، وهما الامبريالية ومبدأ الأممية الذي طرحه وودرو ويلسون.
لقد قامت عصبة الأمم بتدويل ومأسسة مبدأ (الوصاية) وألزمت كلاً من بريطانيا وفرنسا بتعهداتهما في الالتزام، ليس بأسس اتفاقيات الانتداب فحسب، وإنما أيضاً بتحمل المسؤولية الأخلاقية إزاء (الثقة الحضارية المقدسة). وكان لهذه العبارة معنى وقوة في ثلاثينات القرن العشرين، ولاسيما بالنسبة إلى أولئك الذين عقدوا العزم على ضرورة الحفاظ على حالة السلم بعد انتهاء الحرب، وهم الذين عَـدُّوا أنفسهم أوصياء على المفاهيم الغربية المتعلقة بمبادئ سيادة حكم القانون والديمقراطية الليبرالية. بالإضافة إلى ذلك، فقد اعتقد كثيرون أن النجاح النهائي لهذه المبادئ يعتمد على الرأي العام الواعي والجهود المخلصة في تنفيذ هذه الالتزامات. ويرى كالاهان أنه بالنسبة إلى أولئك الذين يتولون مناصب قيادية ومراكز مسؤولية في بريطانيا وفرنسا، فإن مصير (الحضارة) يرتبط بقيم (الثقة المقدسة).
وناقش كيفن غرانت وليزا ترايفدي في الفصل الذي أعداه بعنوان (قضية ثقة: حكومة الهند، عصبة الأمم والمهاتما غاندي)، كيف كانت الهند حالة شاذة بين الأعضاء المؤسسين لعصبة الأمم البالغ عددهم اثنين وأربعين عضواً في عام 1919.

فقد كانت الهند العضو الوحيد الذي لم يكن دولة مستقلة ذات سيادة، كما أنها لم تكن ولاية تابعة للإمبراطورية البريطانية. وعلى الرغم من أن نفوذ الهند داخل عصبة الأمم كان محدوداً ومقيداً بالمصالح الامبريالية للإمبراطورية البريطانية، فقد مثلت عضوية الهند في العصبة التزام بريطانيا العلني بمنح الهند استقلالها الذاتي في نهاية المطاف، بالإضافة إلى وضعها كولاية ضمن الإمبراطورية البريطانية. ولم يكن المهاتما غاندي يتصور عضوية الهند في عصبة الأمم على أساس أنها تمثل خطوة مهمة في اتجاه تقرير المصير. وعلى منوال حركة (الخلافة) في الهند، عارض غاندي إعادة توزيع الأراضي العربية التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية على القوى الغربية، وذلك على أساس أن هذا التوزيع يؤدي إلى تقويض الخلافة. وكان غاندي يرى أن عصبة الأمم هي أداة من أدوات الرأسمالية والتوسع المسيحي. وبغض النظر عن هذا الجانب، نجد أن غاندي قد تبنى اللغة الأخلاقية نفسها التي بررت بها عصبة الأمم نظام الانتداب بوصفه (وصاية)، غير أنه أضفى عليها لمسته الخاصة. وكان غاندي يدافع عن الوصاية بوصفها مشروعاً قومياً للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وهي تمثل خروجاً عن المفهوم التقليدي لـ (الوصاية المقدسة) التي تمارسها دولة على دولة أخرى. وفي رفض الوصاية التي توفرها عصبة الأمم، انتقد غاندي عنف الغرب وماديته، وشجب فشل الغرب في دعم تقرير المصير للشعوب الأجنبية الـمُـستعمـرة، ومعظمها شعوب لا تدين بالمسيحية. وعلى الرغم من أن غاندي خصص وقتاً محدوداً للاهتمام بأمر عصبة الأمم بعد منتصف عشرينات القرن العشرين، فإنه عمل لاحقاً على صياغة رؤيته النظرية للوصاية ووضعها ضمن مُثل أخلاقية للتحرير الذاتي للشعوب والدول المستعمرة الأخرى الخاضعة لسيطرة القوى الامبريالية أو الانتداب الأجنبـي. ولم تكن تلك الدعوة تمثل الأخلاقيات المفترضة التي ترتكز على تعاليم المستعمر الداعية إلى الحكم الذاتي، وإنما على بناء أمة ذات هوية وطنية من خلال تحقيق الاستقلال. وفي الواقع، فإنه بعد استقلال الهند بوقت قصير، عـبّـر غاندي عن أمله في أن يصبح نظام الوصاية (الهدية التي ستقدمها الهند للعالم).
وتركز إليزابيث بيشوب، في الفصل المعنون (دور الامبريالية الاقتصادية في وضع فلسطين تحت الانتداب)، على التبعات الاقتصادية لفرض الانتداب على فلسطين. وتسعى الكاتبة لإثارة تساؤلات أساسية بشأن الأساس المادي لقيام الهُويات الإقليمية والـهوية الوطنية في الدولة ـ القومية. وتهدف الكاتبة إلى إثبات أن فرض الانتداب على فلسطين، الذي كان يشمل كما هو معروف فرض سلسلة من الحدود السياسية الاصطناعية الفاصلة، كانت له تبعات اقتصادية ذات أثر سلبي وتدميري عميق على منطقة كانت مندمجة قبل الحرب الكبرى ضمن شبكة إقليمية واسعة للإنتاج والتوزيع والتبادل. وترى الكاتبة أن القوة التي فرضت الانتداب جردت الفلسطينيين من قوتهم الاقتصادية، وبذلك أهدرت إمكان تحقيق الاستقلال السياسي، وهو الهدف النهائي الذي كانت عصبة الأمم تسعى للحفاظ عليه وتحقيقه لكل رقعة أو أرض مستعمرة. وأياً كانت المنافع أو الفوائد العائدة من الإشراف الدولي والمكتسبة من تحقيق وضعية الانتداب، فإنها كانت أقل أهمية من مسؤولية الانتداب تجاه هذا الضرر الاقتصادي البليغ.
أما الفصل الذي أعده هارو توهماتسو بعنوان (تمسك اليابان بفرض الانتداب على البحار الجنوبية خلال الفترة بين عامي 1922 و1947)، فهو يبحث في الانتدابات التي نفذتها اليابان والمعروفة باسم (مناطق البحار الجنوبية الموضوعة تحت الانتداب). ومن الزاوية القانونية، تُبـرِز حالة البحار الجنوبية ثلاث قضايا رئيسية في نظام الانتداب لا تزال تبحث عن حلول، وهي: 1- العلاقة بين عضوية عصبة الأمم والمؤهلات اللازمة لأداء دور القوة التي تمارس الانتداب. 2- قضية ممارسة السيادة على الأراضي الموضوعة تحت الانتداب. 3- عدم عسكرة المناطق الموضوعة تحت الانتداب. وبرزت هذه المصاعب عندما أعلنت اليابان انسحابها من عضوية عصبة الأمم، ولكنها ظلت متمسكة بالاحتفاظ بممارسة الانتداب. وبالنسبة إلى النقطة الأولى، كان هناك إقرار عام بأن الطرف الذي يمارس الانتداب لا يحتاج إلى أن يكون عضواً في عصبة الأمم. وكانت هناك سوابق كثيرة في هذا الخصوص وصلت إلى درجة أن عصبة الأمم منحت تفويضاً في إحدى المرات للولايات المتحدة لكي تفرض الانتداب على أرمينيا. أما في ما يتعلق بالنقطة الثانية، فلم تتمكن السلطات القانونية من التوصل إلى إجماع عام بشأن تحديد موضع ممارسة السيادة على المناطق الخاضعة للانتداب. وكان رد الفعل المفضل هو أن تكمن السيادة في الحليف الأصلي والقوى الشريكة أو المرتبطة به، وذلك لأن هذا الترتيب يستوعب حاجات كل الأطراف المعنية. وبالنسبة للنقطة الثالثة، فقد كانت الحالة الأجدر بالتنويه من بين إيجابيات وسلبيات حالات مناطق البحار الجنوبية الموضوعة تحت الانتداب هي منع الاستخدام العسكري للمناطق الخاضعة للانتداب. إن الإدارة المقبولة دولياً للمناطق المعنية والتزام مبدأ عدم عسكرة هذه المناطق كان الهدف منهما هو تقليص مصادر التوتر بين القوى والأطراف ذات الصلة. غير أن تجربة مناطق البحار الجنوبية الموضوعة تحت الانتداب لم ترتقِ إلى هذا المستوى المأمول في نهاية المطاف، حيث أضحت موضوعاً لتصفية الحسابات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة واليابان من جهة وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وألمانيا من جهة أخرى.
وفي الفصل المعنون (الضعفاء السود في العصر الليبرالي: الرابطة القومية لتعزيز دور الملونين، ومعارضة الاستعمار ومنظمة الأمم المتحدة، 1942 ـ 1945). يركز دانيال ألدريدج الثالث على الجهود التي بذلتها هذه الرابطة في زمن الحرب لإقناع إدارتين من الإدارات الليبرالية للحزب الديمقراطي باتخاذ موقف أكثر حزماً ضد الاستعمار. غير أن هذه الجهود لم تثمر سوى عن نتائج متواضعة، وكانت هذه الرابطة التي قامت بدور استشاري في مؤتمر الأمم حول المنظمات الدولية قد حققت درجة معينة من الشرعية الرئيسية. غير أن الرابطة ظلت عاجزة عن ممارسة نفوذ مؤثر في الممارسات والإجراءات الأمريكية في سان فرانسيسكو. ولا يتفق ألدريدج مع الرأي القائل إن النفوذ الناجم عن ثقل أصوات الناخبين السود كان من الممكن أن يشجع الأمريكيين من أصول إفريقية على الاهتمام بالآراء التي تطرحها الرابطة القومية لتعزيز دور الملونين بشأن قضايا الاستعمار. وكانت أهمية دور الأمريكيين من أصول إفريقية تتزايد خلال أربعينات القرن العشرين بوصفهم من جماعات المصالح السياسية المؤثرة، غير أن الحزب الجمهوري كان يتجاهلهم بصفة عامة. وكان الحزب الديمقراطي لا يزال يعتمد حتى ذلك الوقت على الجناح الجنوبي منه، غير أن رؤاه حول العلاقات الخارجية لم تكن قد اكتسبت صدقية كبيرة. وبناءً عليه، لم يحقق السود تقدماً يذكَر في هذا الخصوص، فقد اضطُر قادة الحكومات الأمريكية خلال فترة الحرب إلى التمسك ببعض التحالفات المثيرة للجدل في بعض الأحيان مع بعض القوى الاستعمارية العالمية الكبرى. وكان (تساهل) واشنطن ومحاولاتها استرضاء القوى الاستعمارية الأوروبية الغربية لا يتسق مع إرثها الذاتي في معارضة الاستعمار، كما أدى ذلك إلى تنفير المناضلين الوطنيين من الدول النامية على النحو الذي لم يكن يخدم المصالح الأمريكية على المدى الطويل. وبهذا الفهم نجد أن الرابطة القومية لتعزيز دور الملونين كانت لها رؤية وقدرة استشرافية أكبر مما كان لدى كثير من صانعي السياسة الخارجية في الولايات المتحدة.
وساهم غوردون موريل بفصل بعنوان (هل هي مرحلة أعلى من الامبريالية؟ الثلاثة الكبار ومجلس الوصاية في الأمم المتحدة والحرب الباردة المبكرة). وناقش هذا الفصل نظام الوصاية الذي أدخلته الأمم المتحدة، وهو نظام يتفق مع سابقة (نظام عصبة الأمم) من حيث إنه يمثل انتقاداً ضمنياً للامبريالية التي سعت إلى تقديم إطار بديل تستطيع الدول القوية من خلاله الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه الدول الضعيفة. وكان ذلك النظام إطاراً طوعياً مستمداً من القانون الدولي، وهو نتيجة للتعاون الدولي. ومثل نظام الانتداب اعترف نموذج الوصاية بأوجه الاختلاف بين المستعمرات والأراضي الخاضعة للوصاية، وألزم السلطات التي تنفذ الوصاية بالسماح للأسرة الدولية بممارسة دور إشرافي معين. أما الدول التي عُهد إليها تنفيذ واجبات القوة التي تنفذ الانتداب فقد فضلت المشاركة في (تجربة كبيرة) أخرى، وعملت من أجل إعداد إطار كانت تأمل في أن يساعد على تحسين سجل عصبة الأمم في هذا الخصوص. وخلال أقل من عقدين، انتهى معظم العمل الذي كان مجلس الوصاية يقوم به، حيث تم إنهاء معظم اتفاقيات الوصاية بعد قيام الدول المستقلة الجديدة. ومن وجهة نظر القادة الوطنيين، الذين احتفوا في مطلع ستينات القرن العشرين باضمحلال الإمبراطوريات السابقة والإزالة شبه الكاملة لنظام الوصاية، فإن هذه الخاتمة قد تكون قوية ومؤثرة، وذلك على الرغم من أن معظمهم ناضلوا من أجل إسقاط التمييز بين تعريف الـمُستعمرة من جهة والأراضي الخاضعة للوصاية من جهة أخرى، وبالتالي الحد من فترة سريان ما كان يسمى (الوصاية المقدسة). ومن المؤكد أن هذا هو رأي السوفييت ومن شايعهم في (الكتلة المعادية للاستعمار) الذين كانوا يستغلون مجلس الوصاية الأممي كمنتدى آخر لمعارضة الغرب وتوسيع نطاق جبهات الحرب الباردة. ومن وجهة نظر أولئك المسؤولين والسياسيين الذين سعوا لإعطاء قوة حقيقية لأفكار ومفاهيم التنمية البشرية، وإن كانت على أسس غربية، فإن الاندفاع نحو نيل الاستقلال السياسي كان يفتح الباب أمام انتشار عدم الاستقرار وتفشي العنف والفقر، وهي عناصر كانت تُعَد تحدياً للموارد الضعيفة المتاحة لكثير من الدول المستقلة حديثاً في مرحلة ما بعد الاستعمار وللأراضي التي كانت خاضعة للوصاية ولشعوبها. وبعد نحو أربعين سنة من هذه التغييرات الكبيرة، لا تزال الأسرة الدولية تبحث عن إجابة عملية لمعالجة مشكلة الكيفية التي يمكن للأثرياء والأقوياء العمل بها لخدمة الضعفاء والفقراء من دون اللجوء إلى فرض السيطرة والهيمنة عليهم في نهاية المطاف.
ويحاول آر. إم. دوغلاس في فصله المعنون (عرض لم يكن بوسعهم رفضه: اليسار البريطاني والمستعمرات والوصاية الدولية خلال الفترة بين عامي 1940 و1951)، يحاول إثبات أن قيام حزب العمال البريطاني بتغيير الجبهة التي يناصرها يعود في معظمه إلى ما قبل فترة تأسيس الأمم المتحدة. وفي الواقع، كانت له علاقة ضعيفة بكفاءة الآلية التي تم إنشاؤها للإشراف على تنمية ورفاهية المناطق التي لا يوجد فيها حكم ذاتي. وكانت مواقف الاشتراكيين حيال ضرورة المحاسبة والخضوع للمساءلة الدولية بعد عام 1945 قد شهدت تغيراً أساسياً نتيجة للأحداث المترابطة التي جرت خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وأدت هذه التجربة إلى تحول كبير في فهم اليسار البريطاني لمعنى الإمبراطورية. ومن وجهة نظر كبار صانعي السياسة في حزب العمال، وغيرهم من المؤثرين في صياغة الرأي العام، فقد خضعت بريطانيا ـ وبموجب دفاعها المستميت عن قيم الحرية الإنسانية إلى (تحرر تطهيري) ساعدها على التحلل من تبعات كثير من خطاياها السياسية والامبريالية السابقة. وبانتهاء الحرب الباردة، أصبح الناشطون من حزب العمال يرون أن تجمع الكومنولث التابع للإمبراطورية لم يعد مصدر حرج يقتضي من البريطانيين الاعتذار عنه، وإنما هو نموذج يُحتَذى من قبل الآخرين. ومن هذا المنطلق، لم تعد (المحاسبة الدولية) تمثل معياراً محايداً يمكن أن تُقاس عليه ممارسات الحكم التي سادت إبان عهد الاستعمار. وبدلاً من ذلك، كان تقييم هذه (المساءلة الدولية) نفسها والحكم عليها يتمان طبقاً لما إذا كانت تساعد على تسهيل انتشار القيم (التقدمية) للممارسة الاستعمارية البريطانية أو أنها تمثل عائقاً أمامها.

مجلة آراء حول الخليج