; logged out
الرئيسية / من أجل اتحاد خليجي

العدد 92

من أجل اتحاد خليجي

الثلاثاء، 01 أيار 2012

دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود دول مجلس التعاون الخليجي إلى تجاوز مرحلة التعاون إلى الاتحاد في (كيان واحد)، مشيراً إلى أنها مستهدفة في أمنها واستقرارها. وأضاف خلال افتتاح القمة العادية الثانية والثلاثين للمجلس في 19/12/2011 (لقد علمنا التاريخ والتجارب ألا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في آخر القافلة ويواجه الضياع، وهذا أمر لا نقبله جميعاً لأوطاننا واستقرارنا وأمننا، لذلك أطلب منكم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد).

معلوم أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية تأسس في 25/5/ 1981، أي منذ ثلاثين سنة، ورغم ذلك فإنه ما زال يسير بخطى بطيئة جداً نحو التكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بحيث إن ما استطاع أن يحققه خلال مسيرته منذ ثلاثة عقود لا يرتقي إلى مستوى عمر هذه المسيرة، ولا يعبر عن القدرات الفعلية لدول المجلس التي تمتلك ثروات وإمكانات وطاقات مالية وبشرية ومادية هائلة جداً.

وغالباً ما تطفو على السطح خلافات كان من المفترض أن يتم منذ زمن طويل تجاوزها مثل العملة الموحدة والاتحاد الجمركي والربط الكهربائي والمائي وتوحيد الضرائب وسهولة انتقال الأشخاص والرساميل والاستثمارات المتبادلة والتجارة البينية وما إلى هنالك من مسائل أخرى، لكن للأسف ما زال البحث فيها عالقاً عند مستوى بعض التفاصيل التي في جزءٍ كبير منها هي تفاصيل هامشية.

وحتى على المستوى السياسي، فالملاحظ أن دول المجلس تعطي الأفضلية للعلاقات الثنائية مع قوى إقليمية ودولية حتى إن كان ذلك على حساب دولة جارة وشريكة في عضوية المجلس إلى حد أننا عندما نتحدث عن سياسة خليجية إنما في الواقع نتحدث عن سياسات قد تكون متقاربة في بعض النواحي ومتباعدة في نواح أخرى.

وعلى المستوى العسكري، ورغم محاولات إيجاد آلية دفاعية مشتركة تتمثل في (درع الجزيرة)، إلا أن الحماسة لانطلاقة فعلية لهذه الآلية متفاوتة بين دولة وأخرى.

ويأتي ذلك في وقت تعلم فيه كافة دول مجلس التعاون أن التحديات التي تهددها هي واحدة، وأن المخاطر التي تحدق بها تستهدفها كلها سواء منها الإقليمية أو الدولية. وحتى الأزمات المالية والاقتصادية التي حصلت سابقاً أو تلك التي حصلت مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية وفي دول منطقة اليورو قد أثرت بشكل سلبي في كل دول مجلس التعاون ولو بنسب متفاوتة.

مجلس التعاون ما زال يسير بخطى بطيئة جداً نحو التكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي
دول مجلس التعاون تمتلك ثروات وإمكانات وطاقات مالية وبشرية ومادية هائلة

ومع المستجدات التي حصلت خلال عام 2011 في العالم العربي والتي أدت إلى الإطاحة بأنظمة في مصر وتونس وليبيا، ومرشح لها إحداث تغيير ما في اليمن وسوريا أو دول أخرى فإن دول المجلس لم تكن بمنأى من تداعياتها وانعكاساتها والتأثير فيها والتأثر بها.

إن خطورة المتغيرات التي حصلت ليس كيف ومتى ولماذا حصلت؟ بل ستكون كناية عن أزمات مفتوحة على كل الاحتمالات لطالما أن التغييرات التي حصلت لم تتضح هويتها بعد، ولم ترس عند حدود مفهومة، ولم ترسخ ما قامت من أجله، أي بناء أنظمة حديثة متطورة قادرة على حل الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

والخوف أن يحصل، كما حصل تاريخياً في كل الثورات، حيث كانت الثورة تنجح في إحداث التغيير، لكنها كانت تفشل في توفير الأمن والاستقرار لأبناء البلد الذي ثار أو لبلدان مجاورة سواء كانت خصماً أو حليفاً.

من هنا كانت الصرخة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نحو ضرورة بناء اتحاد خليجي بدلاً من البقاء في حال التقوقع داخل مجلس يمشي بشكل أبطأ بكثير من سير السلحفاة.

وبقراءة لأبعاد الصرخة التي أطلقها العاهل السعودي يتبين:

* أنه يتخوف على الأمن والاستقرار في منطقة الخليج اللذين لا يمكن أن يتأمنا من دون تضافر جهود دول المجلس مجتمعة.

* يتخوف من تطورات إقليمية قد تكون إيران مصدرها في ظل تنامي قدراتها العسكرية.

* يتخوف من إسرائيل وأطماعها خاصة أن تصرفاتها تؤكد أنها ضد السلام.

* يتخوف من أن تضيع مساع عمرها 30 سنة، وأن تكون النهاية انفلات مجلس التعاون من أية روابط خاصة أن ما تحقق ليس على مستوى الطموحات.

* يتخوف من انفلات الوضع العربي واحتمال عدم قدرة دول الخليج على صيانة أمنها وأمانها في حال كانت متفرقة ومتباعدة.

* يتخوف من تصاعد حدة الصراعات والنزاعات الدولية وعودة أجواء حرب باردة جديدة بعد أن تبين أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد القوة القادرة على إدارة نظام دولي أحادي الجانب، حيث تبرز مطامح وتطلعات لقوى أخرى مثل روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، والصين التي استيقظ فيها التنين الذي كان نائماً، وهناك أيضاً قوى ناشئة مثل الهند والبرازيل وغيرهما.

إن الاتحاد لا يعني على الإطلاق أن تخسر أية دولة خليجية هويتها الوطنية وتراثها وتاريخها، ولا أن تتنازل لأحد عن طاقاتها وإمكاناتها وثرواتها، ولا أن تفقد استقلاليتها وسيادتها، بل الاتحاد هو أرقى أنواع التعاون الذي يكفل تأطير جهود كامل الأعضاء في بوتقة واحدة فيجعل من ست دول خليجية قوة اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية متضامنة ومتعاونة.

والأمل كل الأمل أن تجد صرخة العاهل السعودي صداها الذي تستحقه، وأن تنتقل دول المجلس من ذهنية مجلسية إلى ذهنية اتحادية .

مجلة آراء حول الخليج