; logged out
الرئيسية / العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون ودول إفريقيا جنوب الصحراء

العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون ودول إفريقيا جنوب الصحراء

السبت، 26 تموز/يوليو 2014

من المؤكد أن علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع دول إفريقيا جنوب الصحراء تمثل جهوداً تعاونية متواصلة بين مجموعتين من الدول الفاعلة قربت بينها مجموعة من العوامل والمحددات لعل أبرزها يتمثل في القرب الجغرافي، ولكن على الرغم من كل هذه الخصائص التي تميز علاقات دول المجلس مع دول إفريقيا جنوب الصحراء إلا أنها كثيرا ما وصفت بأنها متأرجحة ومتقلبة تشكلها في أغلب الأحيان مجموعة من المتغيرات والتطورات في البيئة الإقليمية والدولية على السواء وخاصة في فترة الحرب الباردة مما قلل من أهميتها الاستراتيجية وأكسبها صفة الظرفية وعدم الثبات.

وفي أعقاب أزمة الطاقة في عام 1973 وتداعياتها شهدت العلاقات بين دول الخليج العربية ودول إفريقيا جنوب الصحراء نقلة نوعية تمثلت في إسهامات دول المجلس في تخفيف الآثار السلبية لأزمة الطاقة على اقتصاداتها الهشة والمتمثلة في ارتفاع أسعار البترول إلا أن تركيز العلاقة في الجانب المالي فقط وعلى الرغم من أنه ساعد دول إفريقيا جنوب الصحراء على تجنب الآثار التضخمية التي أفرزتها الأزمة وساهم في تمويل تنفيذ الكثير من مشاريعها وخططها الانمائيه وذلك عن طريق القروض الميسرة التي قامت بتقديمها الصناديق الوطنية الانمائية والمتعددة الأطراف التي أنشأتها، وساهمت فيها دول الخليج العربية في مطلع سبعينات القرن الماضي، إلا أن هذا النمط من التعاون المالي بين دول المجلس ودول إفريقيا جعل العلاقة بين الجانبين تسير في اتجاه واحد، وقلل من فرص اكتشاف آفاق وميادين جديدة للتعاون وبخاصة في المجالات التجارية والاستثمارية على الرغم من امتلاك إفريقيا لكثير من الثروات الزراعية والمعدنية غير المستغلة، كما أن ارتباط معظم الدول الإفريقية بعلاقات تجارية ومالية مع الدول الغربية التي كانت تحكمها في الماضي قد جعل الأسواق الإفريقية حكراً على هذه الدول، وصعّب من مهمة دول المجلس في ولوجها والتنافس فيها. هذا إلى جانب تبني كثير من الدول الإفريقية للسياسات الاشتراكية، الأمر الذي يكرس هيمنة الدولة على إدارة الاقتصاد مما أدى إلى أضعاف القطاع الخاص الإفريقي وتقليص دوره في العملية الاقتصادية.

إلا أن التطورات والمستجدات التي حدثت في البيئتين الإقليمية والدولية في أعقاب نهاية الحرب الباردة والمتمثلة في بروز ظاهرة العولمة الاقتصادية والاعتماد المتبادل وتحرير التجارة والدور الرائد للقطاع الخاص في العملية الاقتصادية والاتجاه نحو تشكيل التجمعات والروابط الاقتصادية على المستوى الإقليمي، خلقت واقعاً جديداً يحتم على الدول النامية التعاون في ما بينها وذلك بتعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية حتى تستطيع التعايش مع هذا الواقع الجديد ولمواكبة هذه المتغيرات شرعت دول إفريقيا جنوب الصحراء بالتخلي عن الكثير من السياسات التي كانت تتبناها في الماضي واستبدالها بسياسات جديدة تتماشى مع المتغيرات الجديدة، فعلى الصعيد السياسي اتجهت لإرساء التعددية السياسية ومبدأ الحكم الرشيد والشفافية السياسية ومحاربة االفساد وحل النزاعات المسلحة التي عصفت باستقرار القارة لعقود عديدة. أما على الصعيد الاقتصادي فقد شرعت العديد من الدول الإفريقية بالتخلي عن كثير من السياسات الاشتراكية التي كانت تتبناها إبان حقبة الحرب الباردة، وقامت باستبدالها بسياسات ليبرالية جديدة تكرس اقتصاد السوق القائم على تحرير أسعار صرف العملات وإزالة المعوقات والقيود أمام الواردات وتخفيض التعرفة الجمركية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، الأمر الذي أدى إلى ازدهار ونمو القطاع الخاص الإفريقي وبخاصة في دول مثل كينيا ونيجيريا وساحل العاج وغانا، كما أدى ظهور جنوب إفريقيا كدولة عصرية ومتقدمة تملك العديد من المقومات الصناعية والاستثمارية إلى زيادة اهتمام دول مجلس التعاون بإفريقيا جنوب الصحراء.

أما على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي فمنذ مطلع التسعينات أصبحت مبادرات القطاع الخاص وليس الحكومات هي المحرك الرئيسي لتدفق التجارة والاستثمار ورؤس الأموال، كما شهدت أيضاً اتجاه دول المجلس لتنويع مصادر دخلها غير النفطية وذلك بالسير في اتجاه الصناعات الخفيفة والمتوسطة وبخاصة في مجال الاتصالات والبرمجيات والحاسوب، هذا إلى جانب المنتجات البتروكيماوية. ونظراً لموقعها الاستراتيجي أصبحت دول المجلس، وبخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، قاعدة لإعادة التصدير وتجارة الترانزيت وإدارة الموانئ والمناطق الحرة، ففي سبيل تنمية تجارتها مع إفريقيا ذات الكثافة السكانية العالية قامت حكومة دبي بتأجير ميناء جيبوتي وتشغيله ليكون مدخلها للأسواق الإفريقية الواعدة، كما قامت شركة اتصالات (الثريا) بإبرام شراكات استراتيجية مع بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء لتعزيز التعاون بينهما.

ولكن على الرغم من كل هذه التطورات الإيجابية والتي تبشر بنمو وازدهار العلاقات التجارية بين دول مجلس التعاون ودول إفريقيا جنوب الصحراء إلا أن بعض العوائق والعراقيل تقف في طريق انطلاقها وتعزيزها، ولعل أبرز هذه التحديات عدم وجود استراتيجية واضحة ونافذة لدول مجلس التعاون تجاه إفريقيا جنوب الصحراء إضافة لعدم وضوح الهدف والتصور المشترك بين المجموعتين، كما أن طبيعة الإرث الاستعماري وعلاقات ما بعد الاستقلال واحتكار الأسواق الإفريقية بواسطة الدول الاستعمارية أضرت بتطور علاقات إفريقيا التجارية مع الكتل الأخرى بما فيها دول مجلس التعاون، كما أن ضعف التنسيق والتعاون بين غرف التجارة والصناعة بين الجانبين إضافة إلى عدم وجود اتفاقيات نافدة وفعالة تنظم المبادلات التجارية بينهما. هذا بالإضافة لعدم توفر المعلومات الأولية عن حجم الأسواق الإفريقية لدى دول مجلس التعاون إلى جانب ندرة المعلومات عن الأداء الاقتصادي في دول إفريقيا جنوب الصحراء، فضلاً عن عدم ملاءمة المناخ الاستثماري في الدول الإفريقية الذي يفتقر للقوانين المالية والامتيازات الضريبية. كما أن صعوبة الاتصالات بين الجانين نسبة للإشكاليات اللغوية تشكل عاملاً سلبياً أمام تطوير علاقات الجانبين. ولكن على الرغم من كل هذه العقبات إلا أن الدور المرتجى أن تلعبه الغرف التجارية الرئيسية في إفريقيا ومثيلاتها في دول مجلس التعاون في إزالة العوائق التي تعترض طريق تعزيز العلاقات التجارية بين الجانبين وذلك عن طريق إطلاق المبادرات وإبرام الاتفاقيات وتبادل المعلومات وإقامة المعارض التجارية والترويج للمشروعات سوف يكون من العوامل المؤثرة في دفع العلاقات بين الجانبين، كما أن قدرة إفريقيا على الاندماج في الاقتصاد العالمي سوف تزيد بالضرورة من فرصها في الدخول في التحالفات والشراكات الاستراتيجية مع المجموعات والتكتلات التي تجاورها مثل دول مجلس التعاون.
 

مجلة آراء حول الخليج