; logged out
الرئيسية / النفوذ السعودي في أزمة الشرق الأوسط

النفوذ السعودي في أزمة الشرق الأوسط

الأحد، 01 نيسان/أبريل 2007

(إخواني الملوك والرؤساء والأمراء العرب: الظروف ليست لصالحنا). بهذه العبارات المؤثرة تحدث ياسر عرفات سنة 1982 أمام نحو عشرين من القادة في قمة فاس. حينها كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد تم طردها للتو من بيروت إثر اجتياح الجيش الإسرائيلي لها، وكان الزعيم الفلسطيني في بداية مسيرة سياسية ودبلوماسية طويلة وبراغماتية انتهت بتوقيع اتفاقيات أوسلو بعد مرورعقد من الزمن.
كان ريغان في السلطة، وكان العرب لا يزالون منقسمين كعادتهم. هناك جبهة للرفض (الجزائر، سوريا، اليمن الجنوبي، منظمة التحرير الفلسطينية)، مصر مطرودة من الجامعة العربية بسبب عقدها سلاماً مع إسرائيل (سلام (بارد) امتد حتى اليوم)، وبينما يجتمع القادة العرب في فاس كان القذافي بأسلوبه البهلواني يقوم بزيارة لبولندا وتشيكوسلوفاكيا حيث يتم التملق له رغبة في بتروله؛ قبل أشهر من ذلك الوقت ـ في ذروة الحصار الإسرائيلي لبيروت ـ نصح القائد الفذ للجماهيرية العربية الاشتراكية المقاومة الفلسطينية بأن (تنتحر بشرف).
في هذا الاجتماع المنعقد المغرب سنة 1982 فرض الاعتدال والسياسة الواقعية نفسيهما. وهكذا تفاهم العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز، الذي كان قد اعتلى العرش مؤخراً، مع الرئيس عرفات على إطلاق استراتيجية للسلام يمكن أن تقبل بها أوروبا وربما أيضاً واشنطن، تقوم على الخطة التي كان قد تقدم بها، عاماً قبل ذلك، فهد نفسه عندما كان لا يزال وليا للعهد. قبل عامين بالضبط (13/6/1980) كانت أوروبا قد أصدرت إعلان (البندقية) التاريخي الذي أقر لأول مرة أن القضية الفلسطينية ليست مجرد مشكلة لاجئين، وأن من الضروري الوصول إلى حل عادل يضمن للشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير؛ كما أكد الأعضاء التسعة أيضاً أن المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة غير شرعية حسب القانون الدولي، وأنهم لن يسمحوا بأية مبادرة منفردة في اتجاه تغيير وضعية القدس. ورغم أن الإعلان لم يطالب بإقامة دولة فلسطينية إلا أنه مهّد الطريق لذلك.
وعلى مستوى آخر، تبنت خطة ريغان (01/9/1982) التي أعلن عنها قبل أسبوع من انعقاد القمة العربية في فاس فكرة إعلان البندقية بشأن كون القضية الفلسطينية لا يمكن اختزالها في مشكلة اللاجئين، لكنها لم تعترف بحدود 1967 وبدت غامضة بشأن القدس، فيما تحدثت عن ربط الضفة الغربية وقطاع غزة بالأردن.
هكذا كان السياق الذي تحرك فيه السعوديون خلال عقد الثمانينات عندما كتب عنهمWilliam Quandt (سنة 1981) أنهم (يسايرون عندما تثار قضايا مثيرة للجدل ويشعرون بالرعب في مواجهة الأزمات. ولأنهم يدركون حدود إمكاناتهم وتعرضهم للخطر، يتصرف السعوديون بحذر في السياسة الخارجية. إنهم ليسوا زعماء. هم على الأكثر صناع إجماع).
صحيح أن هذا الوصف ينطوي على عيوب، لكنه يتضمن أيضاً بعض الفضائل. أليس من الفضائل التحرك بحذر والقدرة على خلق الإجماع؟ فعلا، على المستوى الداخلي ليس النظام السعودي نموذجياً تماماً.
كل ما أحاوله هنا هو تقييم دور الرياض كأحد الفاعلين في العلاقات الدولية بمنطقة الشرق الأوسط؛ هذا الدور الذي اطرد على امتداد ثلاثة عقود ليؤهلها اليوم لاحتلال موقع محوري في ما يتعلق بإيران وفلسطين والعراق ومناطق ساخنة أخرى.
في سنة 1975 كانت الرياض قد شرعت فعلاً بالتحرك بنشاط وخلق الإجماع هنا وهناك. فقد تمكن ولي العهد حينذاك فهد بن عبدالعزيز من توطيد العلاقات مع العراق البعثي، المعادي تقليدياً للعائلة السعودية؛ وفي السنة ذاتها سعى وتوصل إلى اتفاق سوري - عراقي حول مياه الفرات. وفي سنة 1975 أيضا قام خالد، الحديث العهد بالملك، بخطوة خجولة لكنها تعتبر جريئة بالنظر إلى الوضع في السعودية عندما صرح باستعداده للإعتراف بحق إسرائيل في الوجود ضمن حدود ما قبل 1967 مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية على هذه الأراضي.
وبعد ذلك بعامين قام الرئيس المصري السادات بخطوة محفوفة بالمخاطر وتاريخية عندما ذهب إلى القدس ـ راغباً في (جعل الأمل منهجاً للسلوك) ـ ليدافع أمام البرلمان اليهودي عن ضرورة توقيع سلام عادل. وفي سبتمبر 1978 تم عقد قمة كامب ديفيد (بين كارتر والسادات ورئيس الحكومة الإسرائيلي بيغن) التي قادت إلى معاهدة السلام الإسرائيلية - المصرية. وكان رد فعل أغلب الدول العربية شرساً. وشعرت الرياض بالغضب، لكنها ـ متحلية بالصبر شبه الأبدي الذي تمنحه الصحراء ـ اعترضت في البداية على نبذ مصر، فلم تقطع العلاقات معها وأقنعت العراق بأن يتصرف بنفس الطريقة، بل إن فهد حاول حتى اللحظة الأخيرة أن يحصل من السادات على عرض اتفاقيات كامب ديفيد أمام وزراء الخارجية العرب والمسلمين للنظر فيما إذا كانت تصلح كأساس لالتزام مقبول، لكن السادات وكارتر لم يوافقا، وبعد ذلك بأشهر وقعت القاهرة وتل أبيب معاهدة للسلام. حينها فقط أقدمت الرياض على قطع علاقاتها مع مصر التي تم أيضا طردها من الجامعة العربية. وفي العمق، ما ترفضه المملكة العربية السعودية وتدينه هو القرار المصري بالتصرف على نحو منفرد.
إن استراتيجية السادات أدت فقط إلى استعادة سيناء، فيما امتنعت إسرائيل عن التقدم على طريق حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وقد تعين انتظار أكثر من عقد من الزمن قبل التوصل إلى اتفاقيات أوسلو للسلام (1993) التي نضجت خلال مؤتمر مدريد (1991)، لكن بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين، سنة 1995، تعرضت عملية السلام لتقلبات عدة قبل أن تتوقف تماماً. ولم يكن بإمكان مصر ـ التي توسطت دائماً في العلاقة مع حركة فتح العلمانية ـ أن تمارس الدور نفسه مع حركة حماس الإسلامية، وهو ما دفع الرياض إلى دخول الحلبة، لا سيما أن أهم تدخلين دبلوماسيين قامت بهما سابقاً كان لهما أثر قوي. ففي سنة 1990 جمعت في الطائف مختلف الفرقاء ونجحت في وضع حد للحرب الطويلة الأمد والقاتلة بين الأشقاء في لبنان. وفي سنة 2002 رعت إعلان بيروت المهم، الذي عرض على إسرائيل إنهاء النزاع وإقامة علاقات دبلوماسية وتوقيع معاهدة للسلام مقابل قبول تل أبيب بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية، كما طلبت الجامعة من إسرائيل أن تعلن ـ على غرار الدول العربية ـ أن السلام العادل يمثل بالنسبة لها هي أيضاً خياراً استراتيجياً.
ولذلك نقول إن مشهد المنطقة في سنة 2007 كارثي. فإسرائيل ليست مهتمة بالتوصل إلى سلام عادل في فلسطين، والولايات المتحدة وأوروبا لم تتقدما بأية مبادرة جدية للسلام منذ ست سنوات، فيما يتفاقم التمزق الداخلي للمجتمع الفلسطيني والذي يعود، من بين عوامل أخرى، إلى الحصار الغربي لحماس إثر وصولها إلى السلطة بطريقة شفافة وديمقراطية.
وفي لبنان يلوح خطر الحرب الأهلية من جديد، وفي العراق أدى الاجتياح الأمريكي إلى فوضي لا مثيل لها (في سنة 2005 حاولت الرياض دون جدوى إقناع الرئيس العراقي المؤقت باستبدال قوات التحالف المحتل بقوات عربية وإسلامية)، والنشاط الإيراني في المنطقة على أشده. وفي حين تبدو مصر عملياً خارج اللعبة في مواجهة هذه الأوضاع، قامت المملكة العربية السعودية ـ مستندة إلى الشرعية المستمدة من وضعها كراعية للأماكن الإسلامية المقدسة ومدعومة بقدراتها المالية ـ بدعوة الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية وفرضت اتفاق تهدئة بين الفلسطينيين. وبموازاة ذلك قامت بمضاعفة نشاطها الدبلوماسي تحسباً لاحتمال الانسحاب من العراق إذا ما فاز الديمقراطيون الأمريكيون، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من نفوذ إيران الشيعية في العراق الذي يمثل الشيعة أغلبية مواطنيه.
وتملك إيران مصالح وحضوراً غير مباشر في العراق ولبنان وفلسطين، لكنها لا يمكن أن تتجاهل "فاتيكان" الإسلام السني، الرياض، لأن الشيعة لا يمثلون أكثر من 10 في المائة من مجموع المسلمين، ولأنها تؤكد حرصها، مثل الرياض تماماً، على أمن واستقرار الخليج العربي ـ (الفارسي) وإلا فكيف سيمكنهما تصدير كل نفطهما؟ لهذا ترغب السعودية في التأثير في إيران وردعها، قدر الإمكان، عن القيام بتصرفات معينة، وليس المواجهة معها. كما أنها تعترض على حصول عدوان أمريكي آخر. إنها تفعل ما كان على واشنطن وبروكسل أن تقوما به: الاعتراف بدور إيران، لكن مع إلزامها بالاندماج في نظام العلاقات الدولية بالمنطقة. وقد حصلت الرياض حتى الآن على دعم إيران لاتفاق عباس ـ هنية، وتبحث عن دعمها لتفاهم بين الشيعة والسنة في لبنان. وبالمناسبة فقد حصلت الدبلوماسية السعودية على اعتراف (24/2/2007) وزير خارجية فرنسا الذي صرح بأن (فرنسا ستكون على استعداد للتعاون مع حكومة الوحدة الوطنية الجديدة في فلسطين، شريطة أن تتشكل على أساس اتفاقات مكة). وكما هو معلوم فإن الاتفاقات المذكورة لا تشير إلى إسرائيل، لكنها تضمن احترام اتفاقاتها مع الفلسطينيين، الأمر الذي يفترض اعترافاً ضمنياً بالدولة اليهودية من طرف حماس.
وبالتالي الدور الآن على إسرائيل؛ وقد آن الأوان أن يتصرف الاتحاد الأوروبي فعلاً لا أن يكتفي بالتصريحات، فهناك فرصة جديدة كامنة، حيث ستنعقد قمة للجامعة العربية يوم 28 مارس 2007 في المملكة العربية السعودية التي يبدو أنها تنوي إحياء مبادرة بيروت لسنة 2002: الاعتراف المتبادل بين العرب وإسرائيل، والتوصل إلى معاهدة للسلام وفق الأسس المذكورة. فهل ستضيع الفرصة مرة أخرى؟

نشر في صحيفة (البايس) الإسبانية، عدد السبت 17 مارس 2007
اميليو مينينديث ديل فاييي - دبلوماسي إسباني ونائب بالبرلمان الأوروبي عن الحزب الاشتراكي

مجلة آراء حول الخليج