; logged out
الرئيسية / دول مجلس التعاون الخليجي.. بين النفوذ الأمريكي والتحديات الإيرانية

العدد 90

دول مجلس التعاون الخليجي.. بين النفوذ الأمريكي والتحديات الإيرانية

الخميس، 01 آذار/مارس 2012

لا توجد منطقة في العالم في الوقت الراهن لها تأثير في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي أكبر من منطقة الخليج العربي، إذ إن أهمية نفط الخليج العربي مضافة إليها أهمية الموقع الجيواستراتيجي لهذه المنطقة تضمنان لها مكانة بارزة في التخطيط الاستراتيجي الأمريكي، من هنا تجسدت الرؤية الأمريكية للنفوذ بصوره وأشكاله المختلفة في دول مجلس التعاون الخليجي التي لطالما شكلت بموقعها وثرواتها نقطة وثوباً للهيمنة الأمريكية على مناطق أخرى في العالم.

يحتضن الخليج العربي الآن (بعد احتلال العراق) أكبر تجمع للقوات الأمريكية في العالم، وسوف تكون المنطقة ذات أهمية محورية في استراتيجية الأمن الأمريكية في المستقبل.

أولاً: في نشأة المجلس ودوافعه

يتكون مجلس التعاون لدول الخليج العربية من ست دول وهي المملكة العربية السعودية ودولة الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة قطر وسلطنة عمان، نشأ هذا المجلس في أبوظبي بتاريخ السادس والعشرين من شهر مايو عام 1981، وتقع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في شبه الجزيرة العربية جنوب غرب آسيا. وهي منظمة سياسية اقتصادية اجتماعية إقليمية حسب المبادئ والأهداف التي حددها نظامه الأساسي، فالمجلس يتمثل تنظيمياً وتعاونياً وإقليمياً بين دول الخليج العربية في مواجهة التحديات التي فرضتها الظروف المحيطة بالمنطقة. وتشتمل مجالات عمله على جوانب اقتصادية وسياسية فضلاً عن الأمن والثقافة والصحة والإعلام والتعليم والشؤون الاستراتيجية والإدارية والطاقة والصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وأن لقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية دوافع وعوامل إقليمية من أهمها:

1- إن طبيعة المنطقة وأهميتها الاستراتيجية فرضتا على أقطارها الحذر في سلوكها الدولي، وأن المهم لديهم هو المحافظة على الوضع الراهن، ولذلك كان القرار الداعي إلى التضامن وإنشاء مجلس التعاون الخليجي بهدف الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة والمحافظة على الأنظمة السياسية السائدة فيها.

2- انهيار حكم الشاه في إيران عام 1979 ومجيء النظام الجديد (أي اندلاع الثورة إلاسلامية في إيران)  قد أدى إلى كثير من المتاعب لدول المنطقة وخصوصاً دول مجلس التعاون التي كان من أهمها القلق الأمني من مسألة تصدير الثورة إلايرانية.

3- اندلاع حرب الخليج الأولى بين جمهورية العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية وانعكاساتها على دول مجلس التعاون، إذ رأت دول المجلس أن الحرب كانت لتغيير الوضع السائد سياسياً وجغرافياً واقتصادياً واجتماعياً، ولا يمكن للمنطقة أن تقبل بتغيير التركيبة السياسية الحالية.

4- إن احتلال أفغانستان من قبل الاتحاد السوفييتي في عام 1979 زاد المخاوف الأمنية عند دول مجلس التعاون التي أصبح لا يبعد عنها أكثر من 500 ميل، وكان هدف الاتحاد السوفييتي منذ القدم هو وصوله إلى المياه الدافئة، وزيادة نفوذه في المنطقة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية.

ثانياً: أهمية الموقع الجيواستراتيجي

تأتي الأهمية الجيواستراتيجية لموقع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال توسطها للعالم القديم، مما أدى إلى تنافس الدول الغربية عليه منذ وقت مبكر من التاريخ، واعتبرت هذه المنطقة في الميزان السياسي الدولي من المحاور الأساسية  في الصراع الدولي والمنافسة الاستعمارية. وأكد ساسة الغرب والعسكريون أهمية هذه المنطقة لذلك حرصوا على تأمين مصالحهم فيها بالسيطرة عليها. ونظراً لهذه الأهمية شهدت هذه المنطقة غزوات وحملات عدة من قبل الدول الاستعمارية، حيث كان أول غزو لها من قبل الإسكندر المقدوني وكان هذا الغزو بهدف تأمين مقامه في مصر ضد أخطار الفرس، إذ أكد على أهمية هذه المنطقة بالقول (إنني لا أستطيع تأمين مقامي في مصر إذا كانت للفرس السيطرة على هذه المنطقة البحرية ). أما بخصوص الاستعمار الأوروبي فأول من جاء إلى هذه المنطقة هم البرتغاليون الذين احتلوا هذه المنطقة في عام 1508، ثم جاء بعدهم الاحتلال الهولندي في عام 1602، وهذا الاحتلال جاء بعد إنشاء الشركة الهندية الشرقية الهولندية، أما بالنسبة للسيطرة البريطانية على منطقة الخليج فكانت أطول سيطرة استعمارية بقيت هيمنتها على هذه المنطقة إلى عام 1971. وازدادت الأهمية  الاستراتيجية لهذا الموقع بعد النصف الثاني من القرن العشرين بعدما اكتشف أن هذه المنطقة تحتضن كمية كبيرة جداً من احتياطي النفط العالمي، ولها دور كبير في التجارة النفطية، ونظراً لهذه الأهمية الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية تحركت أساطيل الدول ذات المصالح البترولية والتجارية وخصوصاً الولايات المتحدة نحو هذه المنطقة لإقامة القواعد العسكرية فيها.

ثالثاً: الخليج العربي منطقة نفوذ للولايات المتحدة الأمريكية

لا شك في أن السياسة المعاصرة للدول الفاعلة على المسرح الدولي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية عدت الأمن في الخليج العربي من أولويات هذه السياسة لأنه يدخل ضمن دائرة مصالحها الحيوية التي يجب تأمينها من أي تهديد محتمل سواء كان هذا التهديد محلياً قادماً من الداخل، أو دولياً مصدره إما عدد من دول الإقليم أو الدول الأخرى التي لا تنتمي إليه. إذ تعرضت منطقة الخليج العربي لعدة أنواع من التهديدات حسب الرؤية الأمريكية كما مبين في الجدول رقم (1).

إذ يمثل الخليج العربي أهمية خاصة للأمن القومي الأمريكي ليس في حالات الحرب فقط،  بل في لحظات السلم كذلك، فهذه المنطقة انتقلت بالتدرج لتصبح أحد مراكز القلب بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية، والتي تعني أن السياسة الأمريكية على استعداد لأي نوع من أنواع الحروب، بما في ذلك الصراع النووي لمنع تلك المنطقة من السقوط بأيدي خصومها.

جدول رقم (1) مصادر تهديد أمن الخليج حسب التصورات الأمريكية

مصدر التهديد

نوع التهديد

المدة

الاتحاد السوفييتي/المد الشيوعي

استراتيجي/عالمي

1970-1990

إيران/العراق

إقليمي/خليجي

1980-2000

الإرهاب/غياب الديمقراطية

داخلي /محلي

2000

المصدر: رسالة ماجستير  للكاتب بعنوان (مكانة العراق في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الخليج العربي (دراسة مستقبلية))، جامعة النهرين، 2010.

وقدر تعلق الأمر بمنطقة الخليج العربي فقد حرصت الولايات المتحدة على إبقائها بعيداً عن أي تهديد سوفييتي، طوال فترة الحرب الباردة والسعي الدؤوب لإبقائها تحت المضلة الغربية الرأسمالية، والتي كانت متمثلة في الوجود البريطاني في الخليج العربي، لأن أي سيطرة سوفييتية عليها ستغير من موازين القوى الدولية لصالح الاتحاد السوفييتي بحكم الوزن الاستراتيجي والنفطي للخليج العربي، إلا أن انسحاب بريطانيا من شرق السويس والخليج العربي عام 1971، أوجد فراغ قوة في المنطقة بات معها من الضروري إيجاد البديل، إلا أن طبيعة الصراع بين الشرق والغرب فرضت على الولايات المتحدة سياسة عدم الانغماس المباشر في شؤون المنطقة مما دفعها إلى الاعتماد على الحلفاء المحليين. من هنا جاءت سياسة العمودين التي تمثلت بمبدأ نيكسون، إذ شكلت كل من إيران الشاه والمملكة العربية السعودية ركني هذه السياسة لأغراض حفظ التوازن وملء الفراغ الذي خلفه غياب دور بريطانيا بوصفها ضامناً لأمن الخليج،إلا أن سياسة العمودين هذه مالبثت أن انهارت عام 1979 إثر سقوط نظام الشاه وحدوث الثورة الإيرانية، لذا فإذا كان سقوط النظام الإيراني قد أسقط معه مبدأ نيكسون لأنه أطاح بأحد مرتكزيه، فإن هذه التطورات الجديدة كانت هي الدافع وراء ظهور مبدأ كارتر الذي شدد على استخدام القوة العسكرية للحيلولة دون سيطرة أية قوة دولية على الخليج العربي لأنها ستعمل بذلك على تعريض المصالح الأمريكية للخطر. لذا أضحت منطقة الخليج منطقة حيوية بالنسبة للولايات المتحدة، وهذا ما حدده ريتشارد نيكسون بقوله (ستكسب منطقة الخليج أهمية استراتيجية بالغة خلال العقود المقبلة، وأن علينا اليوم أكثر من أي يوم مضى أن نعلم من يسيطر على ماذا في الخليج لأنه المفتاح الذي يسمح لنا بأن نعرف من يسيطر على ماذا في العالم). ومن هذا الإدراك الأمريكي انطلق مبدأ كارتر 1980 ليسيطر مباشرة على هذه المنطقة ويعمل على تحويلها إلى ثكنة عسكرية أمريكية، إذ سرعان ما رفع العلم الأمريكي على البواخر في الخليج العربي في عهد ريغان وتحولت المنطقة إلى منطقة نفوذ أمريكية وبدأت التصريحات تهدد كل من يحاول السيطرة على هذه المنطقة وانطلقت هذه التصريحات صوب الاتحاد السوفييتي أولاً، لكنها اتجهت إلى قوى إقليمية فيما بعد ذات طموح  إقليمي وكان العراق في مقدمتها.

وهذا ما تم تأكيده من قبل شوارسكوف (قائد القوات المركزية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط)، والذي أرسل في عام 1989 إلى منطقة الشرق الأوسط لتقدير الأخطار التي يمكن أن تتعرض إليها الولايات المتحدة الأمريكية هناك، حيث أوضح في مذكراته في القسم الثاني من تقريره عن (عاصفة الصحراء) والذي كان مفاده أن العراق هو الخطر الأول على المصالح الأمريكية هناك.

وكان دخول العراق للكويت عام 1990 البداية العملية لحرب الخليج الثانية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على رأس التحالف الدولي ضد العراق والتي لم تدمر الأخير فحسب بل شملت بتأثيراتها كل المنطقة بعدما انهارت كل المعادلات السائدة فيها، وبدأت مرحلة جديدة من تاريخها، وأصبحت الولايات المتحدة اللاعب الأساسي داخل النظام الإقليمي الخليجي، وأصبح اهتمام السياسة الأمريكية في الخليج هو العمل على عزل العراق دولياً وإقليمياً بشكل خاص من خلال قرارات أضفت عليها طابع (الشرعية والالتزام القانوني) طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومن قبل كل الأطراف والعربية على رأسها. إلا أن الاعتبارات السياسية هنا كانت قد لعبت دورها في توظيف الأمم المتحدة لخدمة السياسة الأمريكية ضد العراق بعدما تعرضت مصالحها للخطر إثر دخول العراق للكويت، إذ يعترف الأمين العام الأسبق لمنظمة الأمم المتحدة خافيير بيريز ديكويلار بذلك بقوله إن الحرب في الخليج جرت بتفويض من الأمم المتحدة، لكن لم تكن الأمم المتحدة التي قادتها. وعلى الرغم من أن أزمة العلاقات العراقية – الكويتية هي السبب الظاهري في الحرب إلا أن الأهداف الجيواستراتيجية لها تكمن في ثلاثة أهداف سياسية ومتفاعلة هي:

1- احتواء العراق.

2- تأمين المصالح الأمريكية الحيوية في منطقة الخليج العربي.

3- ضمان الانسياق الدولي وراء الولايات المتحدة الأمريكية.

فاحتواء العراق لأنه يعد القوة الإقليمية الأكثر تهديداً للمصالح الأمريكية في الخليج العربي حسب الرؤية الأمريكية، فقد يتفق الرأي على أن هناك علاقة طردية بين الإدراك والفعل، فعلى وفق نوعية الأول يتحدد مضمون الثاني. والسياسة الأمريكية حيال العراق تجسد مضمون هذه المقولة، فنوعية إدراكها له تفسر أساليب تعاملها معه، أي سياستها، فالولايات المتحدة أدركت أن الحالة العراقية وصلت إلى مستوى التغيير غير المسموح به على الإطلاق، ولذلك عملت على التعامل معه عبر أساليب مختلفة من وقت إلى آخر، فقد أعلنت الإدارة الأمريكية في عام 1993 عن تبني سياسة الاحتواء المزدوج تجاه كل من العراق وإيران بهدف إضعافهما وعزلهما على اعتبار أنهما يشكلان مصدر تهديد للمصالح الأمريكية في الخليج، ولم تكن هذه السياسة ضد قوى عظمى موازية لقوة الولايات المتحدة وإنما كانت سياسة ضد أعداء (واقعيين) أسمتهم بالدولة المارقة، فتم إصدار قرارات من الأمم المتحدة ضد العراق (حصار وعقوبات) اعتبرت هي الأسوأ في تاريخ المنظمة الدولية، أما بالنسبة لإيران فقد أقر قانون (داموتوا)* ضدها والذي حظر على أي شركة الاستثمار في قطاع النفط الإيراني بأكثر من أربعين مليون دولار، إضافة إلى محاولات فرض العزلة السياسية عليها بترويج اتهامات ضدها بكونها دولة تدعم الإرهاب وتساند جماعات تصفها واشنطن بالإرهابية في الشرق الأوسط،مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس  الفلسطينية.

أما في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، فقد سار على نهج أسلافه أيضاً في التأكيد على مواصلة الحصول على النفط الخليجي، إذ حدد أهداف دولته في الخليج بأنها تشتمل في الحاضر والمستقبل على النفط وإدامة تدفقه، ومنع بروز أية قوى إقليمية أو دولية يكون بمقدورها تهديد أو منافسة النفوذ والمصالح الأمريكية في هذه المنطقة. وهذا ما أكده جوزيف ناي أيضاً، أحد أركان إدارة الرئيس كلينتون ومن المدافعين عن (القوة الليَنة)، أن بلاده لن تتردد باستخدام القوة العسكرية في منطقة الخليج، وسوف تفعل ذلك إن اقتضى الأمر، إذا تعرضت المصالح الأمريكية للخطر بأي شكل من الأشكال.

وبوصول جورج ووكر بوش إلى السلطة اعتمد استراتيجية جديدة أساسها الهجمات الوقائية والوجود العسكري المباشر في الخليج العربي لردع أي قوة توسعية تحاول السيطرة على النفط، وسرعان ما أعلن عن ثلاثة أهداف من أجل تحقيق الإمبراطورية الأمريكية تمثلت في الآتي:

1- الحرب على الإرهاب، والتي كانت رد فعل على وقوع هجمات 11 سبتمبر في عُمق الولايات المتحدة الأمريكية.

2- القضاء على دول محور الشر (كوريا الشمالية، إيران، العراق (قبل الاحتلال)، ليبيا) التي لديها برنامج نووي أو هي في طريق الامتلاك.

3- بناء أنظمة الحكم الديمقراطية في الشرق الأوسط بدءاً بالعراق.

وهكذا يبدو أن الرئيس بوش كان قد ركز في مبدئه على القوة الصلبة  في تحقيق هذه الأهداف. 

إذ إن استخدام القوة يبدو أنه سيظل خياراً متاحاً أمام الإدارة الأمريكية إذا شعرت بأن المواقف التي تواجهها تتطلب ذلك، وهو ما عبر عنه الرئيس جورج ووكر بوش بقوله (إننا سندافع عن أنفسنا وعن أصدقائنا بقوة السلاح). إذ إنه من نافلة القول أن الولايات المتحدة تعول كثيراً على قوتها العسكرية في تحقيق أهدافها الحيوية، لذا فهي تخصص جانباً كبيراً من دخلها القومي لتحقيق أمنها القومي على الصعيدين الداخلي والخارجي، إذ إن العامل الحاسم في جعل الولايات المتحدة قوة عظمى وحيدة هو تفوقها العسكري القادر على الحسم في نهاية المطاف والحفاظ على مناطقها الحيوية العالمية، وهذا ما يفسر لنا تزايد إنفاقها العسكري العالمي مقارنةً ببعض الدول الأخرى (كما هو موضح في الشكل رقم (1)).

إن الوجود العسكري الأمريكي في الخليج كان قد ازداد بشكل كبير خاصةً مع الاحتلال الأمريكي للعراق، على الرغم من أن الوجود الأجنبي في المنطقة ليس جديداً بل إن الجديد هو مبررات هذا الوجود، والذي يتغير على وفق التحولات والتطورات التي شهدتها وتشهدها منطقة الخليج العربي، والتي كان أهمها احتلال العراق الذي طرح مبرراً جديداً لإبقاء الولايات المتحدة على وجودها في المنطقة انطلاقاً من رؤية مفادها: أن منطقة الخليج العربي شهدت اختلالاً في موازين القوى في أعقاب احتلال العراق، ومن ثم فإن الصيغة الملائمة لحفظ أمن واستقرار المنطقة، تحدد بجعل الوجود العسكري الأمريكي محوراً لميزان  تعادل القوى في هذه المنطقة البالغة الحساسية العالمية.

الشكل رقم (1): تزايد الإنفاق العسكري 1999- 2008 (دول مختارة)

 

المصدر: معهد سبري SIPRY، قاعدة بيانات الإنفاق العسكري – فبراير 2009

كما أن سياسة توازن القوى تفترض، أما إعادة القدرة العسكرية العراقية إلى سابق عهدها، أو القيام بعمل عسكري ضد إيران لتدمير قدراتها العسكرية، وكلا الخيارين يواجه صعوبات كثيرة في التطبيق. كما أن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة في الوقت الحاضر قد يعرض مصالحها الاستراتيجية للخطر، ويُغري قوى خارجية بالتدخل في المنطقة ولاسيما روسيا والصين وربما الهند، وهي كلها قوى تعمل على موازنة الدور الأمريكي العالمي، وربما ضمن البوابة السعودية، حيث كان أهم تداعيات سحب الولايات المتحدة الأمريكية لغالبية قواتها منها، هو دعوة المملكة إلى ترتيبات عسكرية – أمنية – لا تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل هناك أدوار إقليمية ودولية أخرى. وقد أكد هذا المعنى صراحةً وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل خلال مداخلته في مؤتمر أمن الخليج الذي نظمهُ المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في عام 2006، حيث قال: إن هناك أربعة أطراف أساسية، هي دول المجلس الست واليمن و العراق وإيران، وأضاف أن البعد الدولي للإطار الأمني المقترح يقتضي المشاركة الإيجابية للقوى الآسيوية التي برزت على المسرح الدولي مؤخراً وخاصةً الصين والهند، ورأى أن امن الخليج يحتاج إلى ضمانات دولية لا يمكن توفرها على أساس منفرد، حتى لو جاء من طرف القوة العظمى الوحيدة في العالم. أما في عهد الرئيس باراك أوباما فعلى الرغم من كثرة الحديث عن ليونته ومرونته في السلوك السياسي الدولي إلا أن هذا لا يغير من الثوابت الاستراتيجية المرسومة للولايات المتحدة والتي لا تتغير بتغيير الرؤساء، وأحد أبرز هذه الثوابت هو إدامة النفوذ الأمريكي في المناطق الملحة بالنسبة للمصالح القومية الأمريكية وفي مقدمتها منطقة الخليج العربي، التي لطالما اعتبرت جزءاً من الأمن القومي الأمريكي حسب الرؤية الأمريكية.

رابعاً: التحديات الإيرانية في الخليج العربي

إذا كان العراق قد شكل تهديداً حقيقياً للمصالح الأمريكية في الخليج العربي خلال التسعينات من القرن الماضي، فإن الاحتلال الأمريكي للعراق كان قد فتح الباب أمام إيران لتقوية نفوذها في الخليج، لاسيما بعد  سعيها الدؤوب لامتلاك السلاح النووي على الرغم من استثمار الجهود من قبل المجتمع الدولي في محاولة منه لمنعها من امتلاك هذه الأسلحة، تلك الجهود التي تتألف أساساً من سياسة العصا والجزرة وتركيبات الحوافز والضغوط التي تهدف إلى إقناع طهران بوقف حملتها نحو إنتاج أسلحة نووية، مع احتمال عمل عسكري يلوح في الأفق.

 لذا فقد دأبت إيران على النظر إلى (الشارع العربي) بهدف استخدامه كوسائل لمراوغة التيارات الموالية للسياسة الأمريكية وإظهار العداء للنظم العربية التي تلتقي معها، والنظم العربية الخليجية تأتي في مقدمتها، من هنا فقد شكلت إيران ولا تزال تهديداً للمصالح الأمريكية في المنطقة وحلفائها، خاصةً إذا ما علمنا أن هناك خمسة أهداف رئيسية للأمن الوطني الإيراني في الوقت الحالي تتمثل في الآتي:

1- ملء الفراغ الاستراتيجي في الخليج العربي،كما تدعي، وفي آسيا الوسطى والقوقاز.

2- تحديث قواتها المسلحة وتطويرها، بما يحقق لها فرض قوتها الاستراتيجية والعسكرية على المنطقة.

3- الاستعداد لاحتمالات المواجهة العسكرية مع القوى الدولية أو الإقليمية.

4- الحفاظ على مبادئ الثورة الإسلامية وقيمها، في الداخل، ونشرها في الخارج.

5- بعث الانتعاش الاقتصادي في البلاد.

وفي هذا الصدد قال وزير الدفاع الإيراني علي شام خاني (إن الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية ترتكز على حماية السلامة الإقليمية لإيران ومصالحها، ومنع تشكيل فراغ استراتيجي في المنطقة، والعمل على التكامل الإقليمي وردع التهديدات يأتي جزءاً من القدرة الدفاعية للبلدان الإسلامية التي تستخدم كرادع دفاعاً عن الأمة).  وهذا ما يؤكد سعي إيران لملء أي فراغ في منطقة الخليج العربي، لذا فإن ذلك يشكل تهديداً للمصالح الأمريكية في الخليج العربي، خاصة أن الاهتمام المكثف للقيادة السياسية والعسكرية الأمريكية بهذه المنطقة يرتهن في المقام الأول إلى كونها تحتوي على احتياطيات هائلة من النفط، وكون هذه المنطقة تعد أهم وأكبر قاعدة للوقود ومواد الطاقة ليس بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية فحسب، بل لمجمل الماكنة العسكرية الأمريكية، فبنفط الخليج يجري تزويد الأساطيل الحربية والقواعد العسكرية الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط والمحيطين الهندي والهادي، وهذا ما يفسر لنا محاولة الولايات المتحدة الحيلولة دون ظهور أية قوة إقليمية تهدد مصالحها. وكذلك تشددها إزاء الملف النووي الإيراني، لأنها تدرك أن حيازة طهران للتكنولوجيا النووية المتقدمة ستكون بمثابة اعتراف رسمي بتفوق إيران الإقليمي، وما يعنيه ذلك من تهديد لمصالحها فضلاً عن مصالح حلفائها في منطقة الخليج، كما أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تعيش المنطقة في حالة من عدم الاستقرار المُتحكم فيه، لأنه لو تحقق الاستقرار، فلن تكون هناك حاجة إلى التدخل أو الوجود العسكري الأمريكي أصلاً، ولذلك تريد الولايات المتحدة الأمريكية، إبقاء المنطقة في حالة من التأزم لكي تبرر وجودها فيها، باستخدامها ما يسمى (تجارة التهديد والحماية)، فقد استخدمت التهديد الذي كان يشكله العراق تجاه دول مجلس التعاون الخليجي ودول الجوار، كأداة لتسويغ وجودهـا العسكري ونفوذها السياسـي في الخليج العربي، وعلى أساس توفير الحماية مقابل الحصول على تنازلات لا يستهان بها من دوله، منها ما يتعلق بالتسهيلات المتمثلة في القواعد العسكرية والاتفاقيات الأمنية وصفقات الأسلحة، وبعد انتهاء الخطر العراقي، أصبحت إيران تمثل ذلك الخطر، الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تخويف دول المنطقة منه، بإثارة امتلاكهـا لأسلحة الدمـار الشامـل وتارة ثانيـة باتهامها بدعـم الإرهاب الدولي. على الرغم من أن هذه الادعاءات قد لا تنفي التدخل الإيراني بدول مجلس التعاون وشؤونها الداخلية أحياناً.

إن السيناريو نفسه الذي تم تطبيقه مع العراق طيلة عقد التسعينات من القرن الماضي، ربما يتكرر مع إيران في المستقبل وذلك بهدف زيادة دمج أمن الخليج العربي بالضمانة الأمريكية، بوصفها القادرة على مواجهة أي تهديدات إيرانية محتملة من ناحية، ودفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاستمرار في شراء صفقات الأسلحة الضخمة من ناحية ثانية. وفي ضوء ما تقدم يمكن القول إن هدف الولايات المتحدة الأمريكية هو تحقيق سيادة أمريكية عالمية واستباقاً يستبعد ظهور قوى أخرى منافسة في المستقبل بحيث تتمكن بفضل هذه السيادة من تشكيل قواعد الأمن الدولي على شاكلة المبادئ الأمريكية. لذا فقد سعت بكل السبل للهيمنة على منابع النفط في الخليج العربي والتحكم فيها، أي فرض نظام القوة الواحدة في العالم ضاربة عرض الحائط شركاءها في النظام الدولي الجديد وهي أوروبا واليابان للاستفادة من نفط الخليج. إذ إن سيطرة الولايات المتحدة على الخليج العربي تحقق لها منافع استراتيجية على قدر كبير من الأهمية ومنها:

1- معالجة عجزها النفطي مقابل الزيادة المتنامية لوتائر الاستهلاك الأمريكي للنفط، عن طريق ضمان مصادر أمينة وموثوق بها لتلبية احتياجاتها في هذا المجال.

2- تأمين مجال جغرافي–اقتصادي في ميدان التجارة واستثمار رؤوس الأموال وتصريف البضائع والسلع وتقديم الخدمات.

3- التحكم في السياسة السعرية للنفط للحصول على نفط رخيص، مقابل تنامي قيمة سلعها الاستراتيجية للحصول على أرباح فائضة عن طريق سياسة (البترو دولار).

4- التحكم في الاحتياجات النفطية لدول الغرب الصناعية بما فيها اليابان.

5- إيجاد قواعد عسكرية تؤمن لها القدرة على التحكم في عناصر الموقف في المنطقة، وكذلك تأمين نقاط ارتكاز واندفاع نحو العمق الآسيوي.

6- القدرة على التحكم في عقد وطرق المواصلات البحرية التي تربط ما بين الجنوب الآسيوي والجنوب الأوروبي (المحيط الهندي، بحر العرب، البحر الأحمر، البحر المتوسط ).

ونخلص من كل ما تقدم إلى أن ما تتمتع به دول مجلس التعاون الخليجي من أهمية جيواستراتيجية واقتصادية نفطية وأمنية – عسكرية كان قد جعلها مدعاة لإضفاء الهيمنة والنفوذ الأمريكي عليها لتغدو بعد ذلك من أهم المناطق العالمية وفق الإدراك الاستراتيجي الأمريكي ومن ثم نقطة وثوب للهيمنة الأمريكية على العالم ومنع أي قوة دولية كانت أم إقليمية من الاقتراب من نفوذها هناك حتى إن اقتضى الأمر الرد بدوامة من وسائل الردع الاستراتيجي تتقدمها القوة العسكرية (كما هو موضح في المخطط رقم (1))، وإذا كانت ثمة تحديات تشكل عائقاً بوجه المصالح الأمريكية هناك فهي التحديات الإيرانية وموقفها المعارض للوجود الأمريكي ومحاولتها الحد منه قدر المستطاع، أو إثارة بعض المعرقلات والمخاطر من قبيل التهديد أحياناً بإغلاق مضيق هرمز أو ضرب المصالح الأمريكية الحيوية هناك إذا ما تعرضت منشأتها النووية إلى هجوم أمريكي أو إسرائيلي، ولكن مع ذلك هذا لا ينفي رغبة إيران في التسيد على منطقة الخليج العربي تلك الرغبة التي يكبح جماحها الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة لمنع أية قوة أخرى من منافستها إلى حد أصبحت فيه الولايات المتحدة بمثابة دولة جارة للدول الخليجية ضمن منطقة الخليج العربي. لذا أصبحت منطقة الخليج العربي من وجهة نظر الاستراتيجية الأمريكية منطقة المستقبل والمدخل المهم للمناطق الاستراتيجية الأخرى في العالم، ومن ثم فإن ضمان السيطرة عليها يعد بمثابة نقطة وثوب لاستمرار الهيمنة الأمريكية على العالم.

وتأسيساً على ما تقدم يمكن أن نطرح المصفوفة الآتية  لتأكيد أهمية الخليج العربي في الاستراتيجية الأمريكية:

* من يتحكم في احتياطيات نفط منطقة الخليج العربي يتحكم في التجارة العالمية للنفط ككل بحكم الوزن النسبي المتميز للنفط.

ومن يتحكم في التجارة العالمية للنفط يمكنه التحكم في الاقتصاد العالمي، ومن ثم يصبح الباب مفتوحاً أمامه للسيطرة السياسية والاستراتيجية  على العالم.

مخطط افتراضي رقم(1) من تصميم الباحث يوضح أهمية الخليج في الإدراك الاستراتيجي الأمريكي

*- هو مشروع قانون لمقاطعة إيران من خلال فرض حظر تجاري شامل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على إيران ليشمل كافة الأعمال التجارية التي يقوم بها أي مواطن أمريكي خارج البلاد ماعدا الموارد ذات الطبيعة الإنسانية، وفي عام 1995 قدم عضو مجلس الشيوخ الأمريكي داموتوا مشروع قانون لذلك، وفي عام 1996 أقر مشروع القانون الذي سمي باسمه والذي تم بموجبه فرض عقوبات اقتصادية على الشركات التي تستثمر بإيران وليبيا مبالغ تزيد عن (40000000) دولار. 

مقالات لنفس الكاتب