; logged out
الرئيسية / من أجل فهم أفضل لأحداث البحرين

العدد 90

من أجل فهم أفضل لأحداث البحرين

الخميس، 01 آذار/مارس 2012

في شهري فبراير ومارس من العام المنصرم، حصلت مملكة البحرين، وبشكل لافت للنظر، على اهتمام المجتمع الدولي. فعلى غرار بعض دول المنطقة في فترة (الربيع العربي)، كانت البحرين مسرحاً لاحتجاجات ومظاهرات عامة. كانت مطالب المتظاهرين هي إصلاحات سياسية واجتماعية في المملكة. ولكن، على الرغم من تزامن هذه الأحداث مع ثورات الربيع العربي، إلا أن وضعية البحرين الجيوسياسية والاستراتيجية تتطلب فهماً أفضل لهذه الأحداث وما تمثله من أهمية للولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى، وعلى دول الجوار في الخليج العربي. يحاول هذا المقال توصيل صورة (عقيمة التعصبات) لأي طرف لأحداث البحرين.

إن دولة البحرين هي عبارة عن مملكة دستورية تحكمها عائلة آل خليفة منذ ١٧٨٣. وتُعتبر هذه الدولة، التي يصل عدد سكانها إلى ما يقارب المليون نسمة، أصغر دولة من الناحية الجغرافية في منظمة مجلس التعاون الخليجي، كذلك من صفاتها، طبيعتها الديموغرافية التي تتصف بشدة تعقيدها وطبقيتها. فبحسب بعض الخبراء، هناك علاقة صاخبة ومنذ زمن بعيد بين الأغلبية الشيعية، الذين يشكلون ما يقارب ٧٠ في المائة من سكان البلاد، والعائلة الحاكمة السنية في السلطة. غير أن العقد الأخير من القرن الماضي كان كثير الحراك بين الجانبين. فقد تظاهر العديد من السكان ضد السلطة المطلقة، غياب الحقوق السياسية والمدنية، العنصرية الطبقية، وضد الفساد. فمن بين المطالب التي كان ينادي بها المتظاهرون في ذلك الوقت هو العودة إلى دستور ١٩٧٣ ولعودة الانتخابات، التي قام الأمير عيسى بن سلمان بتعليقها مع تعليق الدستور في أغسطس ١٩٧٥. غير أن هذا الحراك الشعبي واجه يداً من حديد من قبل الحكومة. فبحسب (مجموعة الأزمات الدولية) International Crisis Group، واجه هذا الحراك اليد الحديدية للحكومة، فقد زجت هذه الأخيرة بآلاف البحرينيين في السجون مجبرة العديد من الناشطين على خيار المنفى.

وانتهت تلك الحقبة بوفاة الأمير عيسى في عام ١٩٩٩ وتَوْلِيَة ابنه حمد على العرش. فالسلطة العليا في البلاد تتمثل في شخص الملك حمد بن عيسى آل خليفة. كذلك، يسجل الواقع البحريني وجود أعضاء من الأسرة المالكة في مناصب عسكرية وسياسية مهمة جداً. غير أن وصول الملك حمد إلى العرش مثّل افتتاح عصر جديد في الحياة السياسية البحرينية. كان حمد يسعى للحد من الخلافات عن طريق الوعود بإصلاحات سياسية من خلال فتح باب للحوار مع قادة المعارضة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين وتفضيل العودة لرجالات المنفى. هذه الوعود الملكية الوطنية تجسدت بالوصول إلى وثيقة وطنية تجعل البحرين مملكة دستورية وتمهد لوجود مجلسين تشريعيين، الأول يصل نوابه بالاقتراع الوطني، أما الثاني فعن طريق التعيينات الأميرية. ففي عام ٢٠٠٢ كانت أول انتخابات وطنية، منذ ٣٠ عاماً، للأعضاء الأربعين لمجلس الشورى البحريني.

غير أن الملك حمد قام في فبراير ٢٠٠٢ بالتصديق، وبشكل أحادي الطرف، على نسخة معادة الصياغة للوثيقة الوطنية والتي اعتبرتها المعارضة في تلك الأثناء غير مقبولة. ويشير بعض المحللين إلى أن هذا التصديق وضع حداً لحقبة التفاؤل في الحقل السياسي البحريني، مما جعل بعض الأحزاب السياسية الشيعية المعارضة تمتنع عن المشاركة في انتخابات عام ٢٠٠٢. وخوفاً من خسارة القنوات الرسمية للمشاركة في اتخاذ القرار، قررت الأحزاب السياسية المعارضة المشاركة في انتخابات ٢٠٠٦. وفي تلك الانتخابات حصل حزب الوفاق البحريني على ١٧ مقعداً في مجلس الشورى، ليصبح بذلك المجموعة السياسية الأهم بهذا المجلس. وفي الانتخابات الأخيرة التي حدثت في أكتوبر ٢٠١٠، حصل حزب الوفاق على ١٨ مقعداً بالمجلس. إلا أن الكثير من المراقبين يؤكدون أن المعارضة الشيعية لن تتمكن بسهولة من الحصول على عدد أكبر من المقاعد. وفي الحقيقة وبحسب أحد البحوث للكونغرس الأمريكي، فإن الحكومة البحرينية متهَمة بالتعديل على الدوائر الانتخابية لتفضيل المترشحين السنة، وبذلك تمنع الشيعة من إمكانية الوصول إلى أغلبية في البرلمان البحريني. أضف إلى ذلك الدور الذي لعبته الجهات الأمنية قبل شهر من انتخابات أكتوبر ٢٠١٠ من إلقاء القبض على١٦٠ شيعياً منهم ٢٣ قائداً سياسياً متهمين بمحاولة استخدام العنف لتغيير الحكومة. هذا، فعلى الرغم من بعض المحاولات الخجولة للإصلاحات الديمقراطية أثناء العقد المنصرم مع وصول الملك حمد للعرش، إلا أن السلطة لا تزال مقيدة والأجواء المنحازة في البلاد ضد الأغلبية الشيعية ما زالت مخيمة على العمل السياسي في المملكة.

تأثيرات (الربيع العربي) على البحرين

استلهاماً بالثورة التونسية والمصرية اللتين استطاعتا التخلص من رؤوس النظام، خرج آلاف البحرينيين للتظاهر في العاصمة المنامة للمطالبة بإصلاحات سياسية واجتماعية. وعلى الرغم من أن أغلبية المتظاهرين كانوا شيعة، إلا أن المطالب لم تكن عليها صيغ دينية مذهبية. فما طالب به المتظاهرون كان ينحصر في تحسين للفرص الاقتصادية، إيجاد فرص عمل، تحسين الخدمات، إصلاحات دستورية، انتخابات برلمانية حرة ونزيهة، إيجاد مجلس استشاري يمثل الشعب بجميع طوائفه، الإفراج عن السجناء السياسيين وإنهاء الفساد والتعذيب في البلاد، حيث إن الشيعة البحرينيين يؤكدون أنهم ضحية التمييز والعنصرية في مسألة التوظيف والخدمات الاجتماعية والعامة. فأغلب الشيعة مستبعدون من الحصول على وظائف في السلطة أو في الأجهزة الأمنية، حيث يقدر المراقبون نصيب الشيعة البحرينيين من الأجهزة الأمنية بـ ٥ في المائة. كذلك رفض المتظاهرون التعديلات غير العادلة على الدوائر الانتخابية التي ليس لها هدف إلا تهميش التمثيل السياسي للطائفة الشيعية، ورفضهم للسياسات الحكومية التي تحاول التعديل على التوازن الطائفي والديموغرافي للدولة كان أحد مطالبهم من التظاهر. بهذه السياسات، تمنح الحكومة الجنسية لأجانب، أغلبهم سنة قادمون من اليمن، سوريا، الأردن وباكستان، رغبة في التقليل من شأن الانتشار الشيعي في البلاد.

وأخذ الاحتجاج بعداً جديداً في ١٧ فبراير ٢٠١١ عندما قامت قوات الأمن بطرد المتظاهرين من دوار اللؤلؤة الموجود في قلب العاصمة المنامة، مما أدى إلى قتل ٤ أشخاص. وعلى الرغم من هدوء الأجواء بعد ذلك، استمرت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن. ففي شهر مارس، قرر المتظاهرون فرض حضر دخول للحي المالي بالعاصمة. في تلك الأثناء طلبت حكومة البحرين المساعدات العسكرية من أعضاء مجلس التعاون الخليجي لحماية المواقع الحساسة. ففي ١٤ مارس ٢٠١١، دخلت البحرين قوات عسكرية خليجية تحت مظلة (درع الجزيرة)، مكونة من ألف عسكري سعودي و٥٠٠ منهم إماراتيون. ونتيجة لذلك، أعلن الملك حمد حالة الطوارئ في البلاد واضطرت القوات العسكرية لطرد المتظاهرين من دوار اللؤلؤة مُوْدِيْن بذلك خسائر بشرية جديدة. رسمياً، كانت مهمة درع الجزيرة بالبحرين هي حماية بعض المواقع الاستراتيجية في المملكة. غير أنه، وبحسب بعض الخبراء والمراقبين، إرسال درع الجزيرة للبحرين يشير إلى أن المملكة وحلفاءها بالمنطقة اختاروا المسار الذي يبعد أي احتمالية لحل الأزمة بطريقة المفاوضات، على أقل تقدير على المدى القريب.

إن الأحداث التي مرت بمملكة البحرين تهم وبالمجال الأول الدول المجاورة وحلفاء المملكة. ولهذا الشأن، قام وزراء خارجية دول الخليج العربية بعقد أول اجتماع طارئ لهم حول هذا الشأن بالمنامة في شهر فبراير ٢٠١١. استُخدِم هذا الاجتماع للإشارة إلى دعم المنظومة الخليجية للنظام البحريني. ويجب أن نفهم أن أحداث البحرين كان من الممكن أن تنتشر بكافة أرجاء المنطقة. في الواقع، دول المنطقة كانت خائفة من انتشار الاضطرابات في بلدانهم. لذلك، وبرأي توبي جونز في أحد مقالاته على الشبكة، أخذت الحكومات الخليجية كافة القنوات الأساسية للوصول إلى حلول ترضيهم في مثل هذه الظروف.

ربما تكون المملكة العربية السعودية الدولة الأكثر قلقاً من أحداث البحرين، وهذا ما تشهد به المساعدة العسكرية التي قدمتها الرياض للنظام البحريني. فإيران هي القوة الشيعية في المنطقة، والرياض تنظر للاضطرابات بالبحرين على أنها تهديد شبه وجودي، لأنه من جهة ترى حكومة الرياض أنها سابقة خطيرة من الممكن أن تؤثر سلباً في وضعها الداخلي. فالسعودية تخشى من أن تؤثر أحداث البحرين في الشيعة السعوديين الموجودين في المناطق الشرقية من البلاد. ومن جهة أخرى، تعتبر حكومة الرياض أن الاضطرابات بالبحرين هي بدافع إيراني لخدمة المصالح الفارسية بالمنطقة. فوجود حكومة شيعية بالبحرين سوف يدق ناقوس الخطر على الرياض التي ستشعر بأن هذا الوجود هو انتشار للتأثير الإيراني على المنطقة، عوضاً عن البرنامج النووي الإيراني الذي يقلق قادة دول الخليج. ففي الفكر السياسي السعودي، ما زال القلق يتعاظم عندما يقوم العديد من الصحفيين والساسة الإيرانيين بمواصلة التفكير بتغيير الممالك السنية في المنطقة، فالتأكيد الإيراني على أن البحرين هي المحافظة ١٤ لإيران هو تهديد ليس للبحرين فقط وإنما لدول المنطقة. لهذا، فبحسب عدد من المراقبين، المساعدات العسكرية السعودية للبحرين هي رسالة سياسية مباشرة لإيران.

من جهة أخرى، أنكر النظام الإيراني المساعدات العسكرية الخليجية للبحرين واعتبرها احتلالاً وتدخلاً عسكرياً. فإيران تؤكد مساندتها الروحية لمطالب الشعب البحريني من غير أن يكون لها أي نوع من التدخل المباشر مع المتظاهرين. لكن، في إبريل ٢٠١١، قامت البحرين بطرد أحد الدبلوماسيين الإيرانيين من المملكة بحجة علاقاته المفترضة مع شبكة تجسس من الكويت. كذلك، وبحسب وكالة (رويترز)، قامت غرفة التجارة بالبحرين بدعوة دول الخليج إلى مقاطعة البضائع الإيرانية ووقف العمليات المالية مع إيران، متهمة طهران بالتدخل في الشؤون الداخلية البحرينية وعدم احترامها لسيادة المملكة، مما يجعل خوف الخبراء يتزايد من وصول البحرين إلى حلبة صراع بين السعودية من جهة وإيران من جهة أخرى. وفي هذه الحالة، سيكون الصراع ليس إقليمياً فحسب، وإنما سيكون ذا طابع عالمي مما يضفي عليه صفة الطولية بالوقت.

وفي حالة وصول الشيعة إلى فوز سياسي في البحرين، فإن الكثير من المحللين السياسيين يشيرون إلى تأثير ذلك على التوازن الإقليمي للقوى، لاحتمالية ميول هذا الفوز لإيران على حساب المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.

البحرين مركز محوري لاستراتيجية واشنطن بالمنطقة

تعتبر البحرين أحد الحلفاء المهمين لواشنطن في منطقة الخليج العربي. فبنظرة إلى الحضور الأمريكي في المنطقة، نلاحظ وبشكل واضح مدى أهمية هذه الجزيرة الصغيرة جغرافياً كمحور أساسي لاستراتيجية الولايات المتحدة بالمنطقة.

ومن أهم المسائل التي ترتكز عليها العلاقات البحرينية-الأمريكية هي مسألة الدفاع الأمني. فبحسب ريتشارد ويتز، قامت الدولتان بالتوقيع على اتفاقية تعاون دفاعية تسمح لواشنطن باستخدام القواعد العسكرية الجوية للبحرين مع السماح كذلك للبنتاغون الأمريكية بوضع معدات الدفاع بالبحرين. أيضاً، قام الأمريكيون كذلك ببيع العديد من الأسلحة العسكرية المتطورة للمنامة، من ضمنها طائرات حربية، هيلوكبتر مقاتلة ودبابات. ففي عام ٢٠١٠، قامت الولايات المتحدة بتوفير ما يعادل ٢٠ مليون دولار كمساعدات عسكرية للبحرين. كما نلاحظ تحولاً سريعاً وكبيراً في العدد والتعقيد والنوعية في السفن الأمريكية الموجودة بالبحرين. ففي عام ٢٠١٠، قامت (البنتاغون) الأمريكية بالتوقيع على مشروع بمبلغ ٥٨٠ مليون دولار، لمضاعفة حجم القاعدة البحرية الأمريكية في المنامة، حيث إن البحرين مركز الأسطول الأمريكي الخامس وما يقارب ٢٣٠٠ أمريكي يتمركزون فيها. ويتكون الأسطول الأمريكي الخامس، بحسب إحدى خدمات البحوث للكونغرس الأمريكي، من كاسحات الألغام، ومجموعة حاملة طائرات وسفن برمائية وغيرها من السفن التي تكون في مهمة بالمنطقة. فالقاعدة البحرية تسمح بامتداد القوة والتنسيق ومعاونة عملية البحرية الأمريكية في منطقة الخليج العربي والمناطق المجاورة. فمن خلال موقعها الاستراتيجي، تدعم هذه القاعدة المهام في البحر الأحمر، وبحر العرب، وخليج عمان وفي مناطق من المحيط الهندي كما في قرن إفريقيا. فعلى سبيل المثال، قام الأسطول الأمريكي الخامس بلعب دور كبير في العمليات ضد القراصنة الصوماليين. وبوجه عام، المنطقة العملية التي يشرف عليها هذا الأسطول تمتد بمنطقة تشمل ما يقارب عشرين دولة.

وكذلك، تقوم البحرين بدور مشهود في العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان والعراق. فمن القاعدة العسكرية البحرينية انطلقت القوات الأمريكية لعملية الحرية الدائمة بأفغانستان (Operation Enduring Freedom) ولعملية حرية العراق بالعراق (Operation Iraqi Freedom). خلال هذه العمليات، استخدمت البحرين الفرقاطات لحماية السفن الأمريكية ولاستقبال آلاف العسكريين الأمريكيين. كما شاركت المنامة في الائتلاف لطرد عراق صدام حسين من الكويت في عام ١٩٩١ عندما استقبلت المنامة ما يقارب ١٧٥٠٠ جندي و ٢٥٠ طائرة عسكرية. فبشكل عام، وحتى لو لم تشارك المنامة في الائتلاف العسكري للهجوم على العراق في عام ٢٠٠٣، فإن وجود قاعدة بحرية أمريكية في المملكة كان مهماً جداً لهذا التدخل الأمريكي.

علاوة على ذلك، وجود الأسطول الأمريكي الخامس بالمنطقة مهم جداً لحرية مرور النفط في الخليج ولجعله عين مراقبة قريبة جداً من إيران. فالبحرين وفّرت لواشنطن قاعدة عسكرية في قلب الخليج العربي، فمن خلال هذه القاعدة تستطيع القوات الأمريكية حماية ومراقبة حركة النفط خلال عبوره مضيق هرمز. كذلك من خلال هذه القاعدة، تستطيع واشنطن التجسس على الثروة النفطية الإيرانية ومساندة دول المنطقة الحلفاء في حالة أي تهديد ضدها، حيث إن السفن الأمريكية من مسؤوليتها ضمان حماية النقل البحري واعتراض كل السفن التي تحاول التعدي على العقوبات الاقتصادية أو سفن القراصنة التي تحاول الاستيلاء على السفن التجارية بالمنطقة. لهذا، فإن هذه المنطقة مهمة جداً بالنسبة للمصالح الأمريكية.

وبحسب الأهمية الاستراتيجية لمملكة البحرين بالنسبة لواشنطن، فإن مسألة الاضطرابات العامة في هذه الدولة هي مسألة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة. فالاضطرابات التي من الممكن أن تنتشر في المنطقة من الممكن أن تعرقل المهام الأمريكية لحماية مصالحها فيها. حيث يشير المراقبون إلى أنه، وعلى الرغم من أن المتظاهرين في البحرين لم يُظهروا أي أحاسيس مضادة لأمريكا، إلا أنه من الممكن أن يكون صعباً جداً على الولايات المتحدة المحافظة على قاعدتها البحرية في المملكة في حالة حدث تغيير للنظام.

ومن الممكن كذلك فهم أهمية البحرين من خلال وجهة نظر إيرانية. فبحسب عدد من المحللين، ربما ستعم الفرحة إيران عندما يرحل الأمريكيون، مما يعني إمكانية طهران من ممارسة تأثير أكبر على هذه الجزيرة العربية. ومن المؤكد أن واشنطن سوف تجد صعوبة بالغة في تهديد إيران أو جعلها تحترم العقوبات الدولية ضد برنامجها النووي من غير القواعد العسكرية بالبحرين. فالأسطول الأمريكي الخامس يُعتبر سوراً واقياً ضد التهديدات الإيرانية. فخسارة هذه القاعدة العسكرية تعتبر فادحة جداً بالنسبة للولايات المتحدة.

الموقف الأمريكي تجاه أحداث البحرين

في شهر ديسمبر ٢٠١٠، قامت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بوصف البحرين بأنها شريك نموذجي لواشنطن وللدول الأخرى التي تسعى إلى إصلاحات سياسية. كانت كلينتون تصف نفسها بأنها منبهرة بالتزام الحكومة بالإصلاحات الديمقراطية. غير أنه ومع رد حكومة البحرين على المتظاهرين الذي خلف عدداً من الضحايا قد وضع الحكومة الأمريكية في موقف لا تُحسد عليه. من جهة، يرى دوف زارخيم أنه لو دعمت واشنطن النظام البحريني أو على أقل تقدير أن هذا الأخير استطاع ترسيخ نفسه بمساعدة الرياض، فإن العديد سيقرأ النتائج على أنها نصر للقمع وإشارة واضحة على المساحة الفارغة في الموقف الأمريكي تجاه الحراك الديمقراطي في المنطقة. إلا أن البروفيسور ف. جورج جوز يرى أن أحد أهداف السياسة الخارجية لواشنطن هو احتواء إيران، فسقوط النظام في المنامة وطرد الحضور العسكري الأمريكي من البحرين سيكونان بلا شك أحد مظاهر النصر لإيران وفشلاً بالنسبة للسياسة الأمريكية تجاه طهران. أضف إلى ذلك أنه مع الإعلان عن إنهاء المهمة الأمريكية من العراق وسحب قواتها، يشعر العديد بهبوط في التأثير الأمريكي على المنطقة. إذاً، إدارة الرئيس أوباما تواجه معضلة في المنطقة، ألا وهي كيف باستطاعتها الاستمرار بدعم الحراك الديمقراطي في المنطقة مع الأخذ بالحسبان مصالحها الأمنية في المنطقة؟

كانت واشنطن تُظهر نفسها على أنها قلقة بشأن أحداث البحرين وبشأن استخدام القوة من قبل الأمن ضد المتظاهرين. فدعت الخارجية الأمريكية الجانبين إلى ضبط النفس والحزم. وفي شهر فبراير الماضي، قامت كلينتون بالتأكيد على أن العنف الذي أدى إلى مقتل العديد بالبحرين يعتبر غير مقبول وأن السلطات البحرينية يجب عليها السير في طريق الإصلاحات الديمقراطية. غير أنه وفي الوقت نفسه الذي تطالب فيه الخارجية الأمريكية بإصلاحات ديمقراطية، تواصل واشنطن دعمها للنظام بالمنامة. فالسفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، سوزان رايس، صرحت بأنه لا يوجد هناك أي تعارض بين المطالبة بإصلاحات وبين إبقاء الشراكة مع الحلفاء. في هذا الشأن، يرى كنث كاتزمان في أحد بحوث الكونغرس، أن واشنطن تريد حماية مصالحها الاستراتيجية وتخاف من إمكانية وصول نظام شيعي يساعد في زيادة التأثير الإيراني بالبحرين إلى درجة أن يضطر الأمريكيون لترك قواعدهم العسكرية في هذه الجزيرة. لكن، الخاتمة التي يرغب في أن يراها الأمريكيون في هذا الشأن هي الانتقال التدريجي إلى مملكة دستورية حقيقية. بهذه الطريقة لا يوجد هناك أي انقطاع راديكالي للنظام وإنما إصلاحات سياسية ديمقراطية مناسبة. وبالنسبة لإدارة أوباما فإن وجود حل وسط من الممكن أن يحل مسألة أحداث البحرين. غير أن الرد العنيف الذي استخدمته القوات الأمنية ضد المتظاهرين لم يزد الطين إلا بلة مما جعل هؤلاء الأخيرين يطالبون باسقاط النظام. وفي الوقت الحاضر، بحسب رأي سلمان شيخ، فإن أحداث البحرين تُظهر مدى محدودية التأثير الأمريكي بالمنطقة. فمطالب إدارة أوباما بتسريع عملية الإصلاحات السياسية واستنكارها للعنف لم تؤد إلى النتائج المرجوة.

وفي الختام لقد حدثت مؤخراً تطورات في ملف الأحداث البحريني منها صدور (تقرير البسيوني) الذي أقر بانتهاكات وتعدٍ من قبل قوات الأمن على المتظاهرين. فقد صرح تقرير لجنة تقصي الحقائق بأن السلطات الأمنية استعملت (القوة المفرطة وغير المبررة) ضد المحتجين. وفي هذا الإطار قَبِلَ الملك حمد تقرير اللجنة وتعهد بمحاسبة المتجاوزين. ومما أشار إليه تقرير اللجنة أيضاً هو غياب الأدلة التي تثبت الدور الإيراني في أحداث البحرين. إلا أن جمعية الوفاق البحرينية أكدت على موقعها الإلكتروني أن الوضع السياسي والحقوقي في المملكة يزداد سوءاً، مشيرة إلى أن التأزم يبدو أكثر من المرحلة السابقة. فالمقام لا يتسع للقول إن أحداث البحرين قد انتهت، فما زالت الاضطرابات موجودة على أرض الواقع. ولذلك يجب على الحكومة أن تسعى إلى احتواء المعارضة ومواصلة المشوار في الحوار الوطني لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف قبل الوصول إلى مرحلة لا يمكن العودة فيها للوراء. ولن يبدأ هذا السعي إلا بفهم معمق للأحداث حتى تستطيع الحكومة رسم خريطة طريق ترشدهم للوصول إلى كيان ملكية دستورية. 

مقالات لنفس الكاتب