array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 90

معضلة التنمية والبيئة في دول مجلس التعاون الخليجي

الخميس، 01 آذار/مارس 2012

لا شك في أن تحرك قطار التنمية ودوران عجلة الإنتاج في دول مجلس التعاون الخليجي منذ سبعينات القرن المنصرم عقب الطفرة النفطية التي شهدتها تلك الدول قد خلفا وراءهما تحديات ومشكلات بيئية عديدة، ومن ثم أضحت هناك ضرورة ملحة للتعامل مع تلك التحديات والمشكلات البيئية، وفي الوقت ذاته الحفاظ على دوران عجلة التنمية والإنماء.
في الواقع أن مسألة الجمع بين التنمية وحماية البيئة أصبحت معضلة كبرى، فالتنمية الاقتصادية ضرورة لا غنى عنها وباتت تفرضها متطلبات ومقتضيات الحياة الحديثة، كما أن الحفاظ علي البيئة وحمايتها غدا مطلباً إنسانياً على مستوى الأفراد والجماعات والدول، وأصبح مطلباً دولياً تبنته الأمم المتحدة التي أنشأت وكالة متخصصة لهذا الغرض هي برنامج الأمم المتحدة للبيئة‏.‏ وهكذا مضى مطلب التنمية الاقتصادية وحماية البيئة جنباً إلى جنب.


ووفقاً لمعطيات الواقع فإن معضلة التنمية والبيئة لدى دول مجلس التعاون الخليجي بدت أكثر وضوحاً وتأزماً في الآونة الأخيرة، بعد أن شرعت العديد من الأقطار الخليجية بتبني مجموعة من السياسات والبرامج والخطط الاقتصادية والاجتماعية التنموية الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل القومي، وتنوع القاعدة الاقتصادية، للخروج من مسألة الاعتماد على ثروات العوائد النفطية كمصدر رئيسي للدخل، وذلك من خلال ضخ العديد من الاستثمارات في مجال الصناعات البتروكيماوية ومتطلباتها بغية تحقيق أكبر إفادة من الثروة النفطية، وقد حققت هذه الأقطار تقدماً ملموساً وملحوظاً في هذا الإطار، إلا أن هذا الأمر انطوى على مخاطر ومشكلات بيئية عديدة، وكانت له انعكاساته على التوازن البيئي في تلك الأقطار. فالانخراط بهذا المجال صاحبته مخلفات ضخمة عادت على البيئة بالعديد من الملوثات، وبالتبعية تعمل ظاهرة التلوث علي تغير معالم البيئة، واضطراب التوازن البيئي، فتتعرض التربة مثلاً للتآكل والتصحر، والمسطحات المائية والهواء تعاني من قدر كبير من الغازات السامة، مما تترتب عليه مشكلات بيئية عديدة تسهم في إحداث خلل بيئي واضح. ومن ثم بدا واضحاً وبشكل جلي أن مطلب حماية البيئة يصطدم بمطلب التنمية الاقتصادية في الأقطار الخليجية التي بدأت تواجه ما يعرف بمعضلة التنمية والبيئة‏.‏ فلا شك في أن الانخراط بمسألة الإنماء والتنمية ومضاعفة عجلة الإنتاج قد صاحبه تفاقم ظاهرة التلوث البيئي.

لقد أضحت معضلة التنمية والبيئة مطروحة بقوة على الصعيد الدولي، ولا سيما مع تعاظم القلق وتصاعد المخاوف على مستقبل البشرية في ظل التردي المستمر للبيئة، وبروز العديد من المؤشرات والظواهر التي تشير إلى أن هناك ثمة مشكلات بيئية كبرى باتت محدقة بالعالم، وتعالت بعض الأصوات المطالبة بوضع حدود للنمو الاقتصادي، وذلك‏ فيما عرف بنظرية حدود النمو، التي تعرضت إلى انتقادات شديدة، ووجهت إليها العديد من أسهم النقد، فكيف يمكن لنا في ظل هذا الانفجار السكاني وضع قيود وحدود على مسيرة التنمية والإنماء، مما دفع العديد من المراكز البحثية المعنية بهذه القضية للبحث عن مخرج لهذه الأزمة، وبالفعل بعد دراسات متأنية تم طرح نظرية بديلة أكثر منطقية وواقعية، هذه النظرية انطلقت من التفاؤل بمستقبل البشرية، ومواجهة المعضلة بمنهاج جديد لاتجاه التنمية في الحاضر بمراعاة المستقبل وذلك فيما عرف بنظرية التنمية المستدامة.

مطلب حماية البيئة في دول الخليج يصطدم دائماً بمطلب التنمية الاقتصادية 

ويقصد بالتنمية المستدامة، التنمية (الاقتصادية والبيئية والاجتماعية) التي تُلبي احتياجات الحاضر من دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة، والتنمية المستدامة ليست حالة ثابتة من الانسجام، وإنما هي عملية تغيير واستغلال الموارد، وتوجيه الاستثمارات، واتجاه التطور التكنولوجي، والتغييرات المؤسسية التي تتماشى مع الاحتياجات المستقبلية، فضلاً عن الاحتياجات الحالية، حيث يتم العمل على تحسين ظروف المعيشة لجميع الناس من دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية إلى ما يتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل، ويعد الحفاظ علي البيئة ركناً أصيلاً ومحوراً أسياسياً في إطار التنمية المستدامة.

وبناءً على ما سبق ينبغي على الأقطار الخليجية أن تراعي ضمن خططها التنموية الاهتمام بالبيئة والحفاظ على مواردها، باعتبارها أحد مكوّنات التنمية الشاملة والمستدامة التي تحرص الدول المتقدمة على تحقيقها، وأن تكون هناك مساهمة جادة وفاعلة في تحمّل مسؤولية حماية البيئة وتنمية مواردها حفاظاً على نقائها وتنوّع أنماط الحياة فيها، لأن المحافظة على البيئة واستثمارها باتا يخدمان أهداف التنمية الشاملة والمستدامة أيضاً، فالبيئة الجيدة والنظيفة بلاشك تعد أحد مقوّمات التنمية، ومن ثم فلا بد أن يكون الاهتمام بالبيئة والحفاظ على مواردها أحد المحاور الرئيسية في أي رؤية تنموية مستقبلية حتى يمكن توفير حياة كريمة في ظل بيئة طبيعية وسليمة. وقد خطت بعض الأقطار الخليجية خطوات حثيثة في هذا الاتجاه، كما تم طرح العديد من المبادرات الهادفة إلى الحفاظ على البيئة، مثل مبادرة إطلاق أول مدينة في العالم خالية من الانبعاثات الكربونية لتنمية مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة، وبدء استخدام الطاقة الشمسية والإفادة منها، فدول الخليج تمتلك طاقة شمسية إذ أحسن استخدامها ستعود بالنفع على البيئة والاقتصاد والمجتمع، ناهيك عن المبادرات الأخرى التي تستهدف تنمية الوعي البيئي حول بعض القضايا البيئية المهمة، كالمحافظة على الكائنات الحية.

في الحقيقة إن التزام دول مجلس التعاون الخليجي بحماية البيئة والحفاظ على مواردها لا بد أن يكون توجّهاً تنموياً حقيقياً، وهذا لن يكون من دون إدماج المعايير البيئية في السياسات والبرامج والخطط والمشروعات التنموية المختلفة في المستقبل، من أجل تحقيق التوازن بين التنمية والبيئة والحفاظ على حق الأجيال المتعاقبة في التمتع بالحياة في بيئة نظيفة وصحيّة وآمنة، كذلك نؤكد على أهمية مد جسور التعاون في المجال البيئي مع كافة المنظمات الدولية المعنية بالعمل في هذا الشأن والإفادة من تجارب تلك المنظمات في هذا المضمار، وخاصة أن هناك اهتماماً عالمياً في الوقت الآني بالحفاظ على البيئة وحياة المجتمعات الإنسانية على الأرض. وأضحى هذا الأمر من أهم التوجهات العلمية والفلسفية والتطبيقية التي تنحو نحوها معظم الدراسات والبحوث، لذا فإننا نشدد على أهمية أن تتواصل دول مجلس التعاون الخليجي مع هذه المنظمات كي تجد حلاً ناجزاً وفاعلاً لمعضلة التنمية والبيئة بإقرار آليات نظرية التنمية المستدامة وإعمال التوازن بين قضية التنمية ومسألة الحفاظ على البيئة والحيلولة دون تلويثها.

مقالات لنفس الكاتب