; logged out
الرئيسية / "سفريات" التعذيب بالوكالة وسجن غوانتانامو

"سفريات" التعذيب بالوكالة وسجن غوانتانامو

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2005

إذا استثنينا ما يقوم به المراسلون الصحفيون المستقلون، فسنجد أن جل مصادر الخبر العالمية اليوم مرتبطة بوكالات أنباء تعد على رؤوس الأصابع، نذكر منها وكالة رويترز وجمعية الصحافة (AP) ووكالة الأنباء الفرنسية (AFP) والاتحاد الدولي للصحافة (United Press International-UPI). فهذه الوكالات الأربع تحتكر وحدها مجموع المصادر الإعلامية والإخبارية المتبادلة في العالم، بحيث تمر عبر قنواتها ما مقداره 33 مليون كلمة يوميا، تنفرد الوكالتان العالميتان (AP) و(UPI) بما يناهز 28 مليون كلمة منها. وفي هذا الوضع وفي ظل هذه الشروط لا يمكن تفادي الكلام عن وضع احتكاري لم يسبق له مثيل في العالم وسيطرة ثقافية غربية لا يتنازع فيها اثنان. لا سيما أن العصر أصبح عصر التقنية المعلوماتية بامتياز.

وما يهمنا في هذه الوضعية الاحتكارية المطلقة التأثير الذي تمارسه هذه الوسائط على المفاهيم والمصطلحات، بخاصة منها ما يهم العنوان أعلاه: مكافحة الإرهاب، وكيف يتم الاهتمام بأحداث ووقائع دون أخرى.. ثم ما يسمح بنشره في هذا المجال بالذات. ولماذا يتم حجب المعلومات والحقائق في هذا الشأن؟

ولا بأس من التذكير في عجالة، كيف يتم نعت الجماعات المسلحة العربية بالإرهابية في الصحافة الأمريكية بطريقة ميكانيكية وتلقائية، بالمقابل نلاحظ كيف أن المذابح التي كانت تقوم بها (فيالق الموت) في كل من الهندوراس والسلفادور وحركة الكونتراس في نيكاراغوا قلَّما تمت تسميتها أو نعتها آنذاك في الصحافة الأمريكية بالإرهابية. فحملات التنكيل بالمدنيين والاعتداءات بالقنابل والمتفجرات ضد النقابات واغتيال المعارضين السياسيين عيِّنة كبيرة عن ذلك الإرهاب اليومي الذي اكتوت بناره أمريكا الوسطى أمدا طويلا وغالبا ما تجاهله الإعلام الأمريكي.

ولا يمكن أن نعزي هذا التجاهل من قبل الصحافة والإعلام الأمريكي إلى تواطئ مكشوف مع أجهزة الدولة حول ما يقع في أمريكا الوسطى، بل لغشاوة ثقافية لا تريد أن تعترف بالأثر الرهيب لسياسة تقوم على السيطرة والقبضة الحديدية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية.

فالاعتراف بأن السياسة الأمريكية في المنطقة كانت تستهدف بالأساس قلب النظام (السانديني) بالقوة، بما فيها عن طريق عصابات تم تدريبها وتمويلها والتغطية على أعمالها الإرهابية، يعني المشاركة ضمنا في أعمال تخريبية أو السكوت عليها، وهو في كلتا الحالتين أمر ذو شنآن ومدان. وهو الوضع الذي يترتب عنه لزاما نعت القوة العظمى بالإرهابية، وقد يمنح مبررا لكي ينسحب عليها التعريف نفسه الذي تريد إلحاقه بسوريا وإيران اليوم كدولتين إرهابيتين، وهذا مستحيل. فنحن نعرف أنه حين تصطدم الديمقراطية مع المصالح الأمريكية، عودتنا أنها لا تذرف دمعة حزن على الديمقراطيين. إذ أطاحت بالفعل بمصدق في إيران وأليندي في التشيلي، واليوم تهدد شافيز في فنزويلا. ومن يدري نوع المستقبل الذي ينتظر العراق إذا ما تعارضت الديمقراطية فيه مع مصالحها؟

سيناريوهات الزواج غير المعلن بين الإعلام والسياسة

نتوخى من الربط بين الإرهاب وأجهزة التواصل، وبين هذه الأخيرة وعالم السياسة الكشف عن ارتباط يحمل معه مجازفات خطرة، فالسرعة التي يتم بها الربط بين الحدث وآليات النقل عبر العالم لا ينبغي أن تكون النموذج الذي تصاغ على إثره القرارات والردود السياسية. فالتريث والبحث والتقصي سمة خاصة بالمسؤوليات السياسية.. كما أن السلطة الرابعة معنية بتوضيح وكشف الملابسات وقراءة خفايا الأحداث، إن أرادت بحق خدمة الرأي العام وتنويره بما يحفظ توازنه ولحمته وعدم اللعب بعواطفه خدمة لمصالح معينة.
ونموذج جوزي باديللا، أو عبد الله المهاجر يطرح إشكالية كبيرة للارتباط المعلن بين الإعلام والسياسة واستغلال الحدث الإعلامي من رجال السياسة.

وقصة جوزي باديللا تبدأ على المسرح الإعلامي منذ أن تم توقيفه في 8 مايو 2002 عند هبوط طائرة نقل جوي في مطار شيكاغو قادمة من باكستان. ومنذ بداية الوقائع، لم يعر المدعي العام الفيدرالي ( بمثابة وزير العدل) اعتبارا للشكوك ولا للمسطرة القانونية المتبعة في هذا الباب وتجاهل احتمال البراءة الذي ينص عليه القانون: (المتهم بريء حتى تثبت إدانته). إذ سرعان ما تقدم اشكروفت أمام الكاميرات لإلقاء بيان رسمي من موسكو حيث كان يوجد لتقديم الخبر.

وعندما تتحدث مؤسسة بثقل وزارة العدل الأمريكية، فإن ذلك يصاحبه لجاج وعجاج ويشد الأنظار، حيث من خلاله تابع المراقبون كيفية الربط الميكانيكي بين وقائع اعتقال المتهم وسياسة مكافحة الإرهاب، (إنني أعبر بسرور في هذا اليوم عن حدث له دلالة كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، بحيث تم القبض على إرهابي كان يعد مخطط تصنيع قنبلة إشعاعية في الولايات المتحدة الأمريكية).

وانتهز أشكروفت هذه الفرصة للإشادة بالتعاون الوثيق بين وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) وأجهزة الاستعلامات الداخلية (FBI) والعديد من الوكالات الفيدرالية الأخرى. وهو ما اعتبره المراقبون آنذاك ردا على الانتقادات المتكررة لعدم تعاون الأجهزة بينها واحتكاكاتها المستمرة. وربط وزير العدل بين (عبد الله مهاجر) وتنظيم القاعدة بالقول (لأكون واضحا: أن هذه التأكيدات مستقاة من مصادر مستقلة ومطلعة موثوق بها، تؤكد أن عبد الله المهاجر مشترك مع تنظيم القاعدة للهجوم على المواطنين الأمريكيين الأبرياء).

والكل يتذكر كيف تم تصوير ذلك كنجاح باهر تم تحقيقه ضد الإرهاب الذي تقوده أمريكا، فبعد شهور من الحملات الإعلامية الصاخبة والمتكررة، كانت الإدارة الأمريكية في حاجة ماسة لكي تقدم شيئا للرأي العام، بحيث تم وضع صورة إنسانية لهذا التهديد. وبعد أيام من ذلك عبر الرئيس بوش عن افتخاره الكبير بهذا النجاح الباهر، بحيث عبر رسميا بأن الوضع القانوني لجوزي باديللا هو وضع (عدو مقاتل)، ما يعني حرمان هذا الأخير من أبسط الحقوق التي يتوفر عليها المجرمون وينص عليها الدستور الأمريكي.

وهذه الصفة تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من احتجاز جوزي باديللا إلى ما لا نهاية، وإن استمر ذلك سنين عديدة. إلا إذا أراد المعني بالأمر الكشف عن معارفه بالتنظيمات الإرهابية.. وهو مساومة يمنعها القانون ليس إلا.. وسرعان ما صعد إلى الواجهة وزير الدفاع ليعبر ساعتها: ( أنه لا يهتم بعقابه بل هو جد مهتم بما يعرف).

غير أنه في حالة المسطرة العادية، كان رجال الأمن الفيدرالي هم من يلقون القبض عليه بأمر من قاضي نيويورك، وتقاليد القضاء الفيدرالي حينها تقضي بعرضه أمام محكمة مدنية وتعيين محامٍ وتلاوة صك الاتهام. غير أن شيئا لم يحدث من ذلك، بل إن اشكروفت وزير العدل قام بتصريحه المثير من موسكو حتى قبل تعيين أي دفاع للمتهم ومعرفة ملابسات القضية، بحيث تم تعليق (مسطرة) الاتهام المدني، وتم وضع جوزي باديللا تحت وصاية وزارة الدفاع، ما حرمه من أية استفادة من الحقوق المنصوص عليها في الدستور الأمريكي. وهذا التصرف لم يسبق له مثيل في تاريخ القضاء الجنائي الأمريكي، علاوة على أنه يفرض تعقيدات وإشكاليات (مسطرية) تاريخية بالمعنى الحقيقي للكلمة.

إذ عبر العديد من رجال القانون بالمناسبة بأن السلطات الأمريكية اشتطت في صلاحيتها وتجاوزت الحقوق الدستورية لـ (باديللا)، معتبرة إياه من جانب واحد (مجرم حرب)، مع حرمانه من أية إمكانية للاتصال بالعالم الخارجي. وبالفعل تم حجز باديللا في قاعدة عسكرية بحرية تقع على الحدود الشرقية في زنزانة محروسة ومضاءة طوال الوقت.

وبعد شهرين من ذلك، شكك العديد من المسؤولين الأمريكيين (لم يرغبوا في الكشف عن هويتهم) في أهمية جوزي باديللا، بل إن مجلة (نيوزويك) أكدت بتاريخ 13 أغسطس 2002 أن بحثا جديا قام به عناصر الشرطة الفيدرالية لم يسفر عن أية حجة ضد جوزي باديللا تقضي بأنه كان يعد هجوما في الأراضي الأمريكية، مشيرة لوجود قلة من المعلومات التي لا تكفي لإثبات ما ادَّعته الإدارة الأمريكية على أعلى المستويات القاضي بحصوله على دعم من طرف القاعدة. أما عن التخمين بأنه كان يمتلك القدرة على صناعة قنبلة إشعاعية وتلويث مدينة أمريكية، فهو ضرب من الهذيان ويفوق كل معقول وخارج أية إمكانية.

وفي السادس من مارس 2005، كشفت جريدة (نيويورك تايمز) عن توجيه رئاسي سري أوكل بمقتضاه الرئيس الأمريكي بوش إلى وكالات المخابرات الأمريكية مهمة ترحيل وتسليم معتقلين في سجن غوانتانامو إلى بلدانهم الأصلية بهدف استنطاقهم بطريقة إكراهية وانتزاع اعترافاتهم، وهو يعد تأكيدا لما كانت مجلة (نيويورك تايمز) قد نشرته في فبراير من السنة نفسها، بحيث تم ذلك من دون احترام المساطر القانونية والإجرائية وحتى من دون أدلة ثبوتية ومن دون محاكمة قضائية بعد كل المدة التي قضوها محتجزين سريا في معتقلات عديدة قبل أن يستقر بهم الرحال في قاعدة غوانتانامو ـ المستأجرة من كوبا ـ والتي تقع خارج صلاحيات القضاء الأمريكي بحسب وجهة نظر الإدارة الأمريكية. الأمر الذي أثار العديد من المنظمات الحقوقية العالمية، خاصة أن ذلك الترحيل لم يتم في إطار قضائي، بل تم في سرية تامة. وأيضا من دون ضمانات قانونية تفيد بعدم ممارسة التعذيب عليهم من طرف أنظمة أغلبها عربية متهمة بممارسة التعذيب والإهانات الحاطة بالكرامة الآدمية.

(سفريات) التعذيب بالوكالة

ولذلك برمجت قناة (CBS) برنامجا وثائقيا في يوم الأحد ( 6 مارس 2005)، كشفت بموجبه عن تفاصيل ترحيل قسري اضطلعت به المخابرات الأمريكية على متن طائرة للركاب بوينج 737، تم استئجارها بغاية التمويه، بحيث تم عبرها ترحيل العديد من المعتقلين المتهمين بالإرهاب إلى بلدانهم الأصلية أو إلى العديد من البلدان التي ما زالت يمارس فيها التعذيب الجسدي، بغاية تعذيبهم والحصول على إفادات واعترافات بالإكراه والعنف الجسديين. إذ لجأت الإدارة الأمريكية للتحايل على القانون والدستور الأمريكي الذي يمنع المس بالكرامة الإنسانية أو ممارسة التعذيب في الولايات المتحدة الأمريكية ويعرض صاحبه كيفما كانت درجته وموقعه في السلطة لعقوبات شديدة. فهي الشعرة التي تقصم ظهر أي بعير سياسي يتجرأ على العبث بها أو الاستهتار بقدسيتها.

إذ أماطت العديد من المصادر الإعلامية الأمريكية اللثام عن وجود فعلي لتعذيب يجري بالوكالة لفائدة الولايات المتحدة الأمريكية، جلادوه والقيمون عليه أنظمة قمعية واستبدادية معروفة بممارستها الحاطة بالكرامة الإنسانية وعدم احترام قوانين حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا. إذ يتم ذلك في سجون أعدت خصيصا للإرهابيين خارج أراضي الولايات المتحدة الأمريكية وبحضور أعضاء من مخابرتها المركزية.

وبالرجوع إلى التحقيقات التي قام بها طاقم الصحفيين المحققين، قدمت شهادة كل من خالد المصري المواطن الألماني من أصل لبناني (تم اعتقاله في باص في مقدونيا) وتم ترحيله إلى معتقل بأفغانستان ـ كما شهادة ممدوح حبيب ـ يحمل الجنسية الأسترالية وهو من أصل مصري (تم اعتقاله في باكستان) وتم ترحيله إلى مصر، وبعد ذلك إلى أفغانستان. ثم من هناك إلى قاعدة غوانتانامو.

وإذا كانت وكالة المخابرات الأمريكية قد اعترفت ضمنيا منذ زمن طويل بإلقاء القبض على العديد من مسؤولي القاعدة كرمزي بن شيبة وعبد الرحيم الناشري وأبو زبيدة وخالد الشيخ محمد ورضوان عصام الدين ووضعهم في معتقلات سرية خارج أراضيها، فوزارة الدفاع أيضا بحوزة معتقلاتها مئات من المشتبه بانتمائهم الإرهابي في كل من أفغانستان وغوانتانامو.

غير أن الجديد في الأمر هو الكشف عن مشروع سري يدعى: (الإعادة الخارقة)، يتمحور مضمونه حول تسفير المتهم بغاية تعذيبه في بلدان تمارس التعذيب وبحضور وكلاء جهاز المخابرات الأمريكية. وأول من كشف عن ذلك مجلة (نيو يوركر) في 14 فبراير 2005 في مقال بعنوان مثير يعقد تناظرا بين ما تقوم به بعض الشركات عندما تعمد إلى إغلاق مصانعها في بلدان وجهات ما، ثم تعمد إلى إعادة افتتاحها اليوم التالي في بلدان تضمن فيها الربح مضاعفا.

ووجه التناظر بين هذه العملية الاقتصادية ( أحد أعمدة الليبرالية المتوحشة) وبين هذا البرنامج السري، يكمن في عملية ترحيل المتهم إلى بلدان لا تحترم حقوق الإنسان، وبالتالي يسهل استنطاقهم في غياب الضمانات القانونية العادية لأي متهم، إن لم يكن ممارسة التعذيب عليهم ممارسة شائعة من دون أن تخشى الإدارة الأمريكية محاسبة أو مساءلة من القضاء الأمريكي. فالتسفير السري بهذا المعنى (خارج أراضيها يضمن لها نجاعة ومردودية أعلى للحصول) على كل ما تريده من المتهمين ولو بالعنف والتعذيب، تماما كما تفعل تلك الشركات المتوحشة التي تفكك معدات وأدوات إنتاجها ليلا، لتتم إعادة تركيبها وتشغيلها في بلدان أخرى غير عابئة بحقوق العمال والقواعد والمعايير الجاري العمل بها.

وهذا الإجراء تم استعماله لتفادي الإجراءات القانونية الخاصة بالترحيل، كما هو في الوقت نفسه مؤقت ومرحلي، يتم بموجبه استنطاق المتهم في بلدان شرق أوسطية لإجبارهم وانتزاع اعترافاتهم بالقوة، إذ قامت جريدة (نيويورك تايمز) ومجلة (نيو يوركر) المؤرختان بالخامس من مارس 2005، بعرض تفاصيل ترحيل المخابرات المركزية الأمريكية لما بين 100 و150 معتقلاً سراً إلى كل من معتقلات في مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية والأردن وباكستان، في الوقت الذي تعتبر فيه وزارة الخارجية الأمريكية نفسها أن هذه البلدان تمارس التعذيب، بحيث صرح المحلل السابق في وكالة المخابرات الأمريكية ميخائيل شوير مدير الوحدة الخاصة بابن لادن ما بين 1996-1999 إلى قناة (CBS):
(إنها -تلك البلدان- ليس لها نفس النظام القانوني بالمقارنة مع الولايات المتحدة، ونعرف جيدا ما تفعله أجهزتها القمعية، بحيث تم البحث في هذا الإطار عمن يقوم بعملية التعذيب القذرة مكان السلطات الأمريكية)! لأن الدستور الأمريكي يمنع منعا تاما أي مساس بالكرامة الإنسانية جسديا أو معنويا. ويعرض من يقوم بذلك إلى أقسى العقوبات.. فدونه خرط القتاد.

وميخائيل شوير صاحب كتاب (العجرفة الإمبريالية) (تم نشره سنة 2004) على معرفة كاملة ومُوثقة بالطرق الأمريكية المتبعة لمكافحة الإرهاب، بحيث لا يتورع هذا المسؤول السابق في المخابرات في كتابه هذا عن إدانة صريحة لما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الباب.

ولقد أحاطتنا قناة (CBS) في برنامجها الإعلامي (ستون دقيقة) بالعديد من العناصر والأدلة الإضافية، بحيث عرضت بيانات برامج توقيت سفر طائرة نقل جوي للركاب من طراز بوينج، تم استئجارها من المخابرات الأمريكية لترحيل المتهمين من بلد إلى بلد آخر، مما قدمت إثباتات وأدلة إضافية لما كان قد صرح به العديد من المعتقلين السابقين.

وتم تقديم صور لطائرة بوينج 737 على أرضية مطار غلاسغو في إيرلندا، بحيث اكتشف المحققون الصحفيون أن هذه الطائرة انتحلت عدة أسماء وهمية للعديد من شركات الطيران. وبحسب الطاقم الصحفي المحقق في هذه القضية بلغ عدد رحلاتها 660 رحلة لأربعين بلدا في إطار مشروع التوجيه الرئاسي السري الذي وقعه الرئيس بوش بعد 11 سبتمبر 2001، والذي يسمح بموجبه للمخابرات الأمريكية بترحيل المعتقلين إلى الخارج بهدف استجوابهم بطرق غير قانونية من دون الرجوع إلى القضاء والأجهزة الفيدرالية المختصة قانونياً بذلك.
ومن بين البلدان التي تم تحديد عدد الرحلات الموجهة إليها، نذكر على سبيل الحصر:

- 30 رحلة إلى الأردن.
- 19 رحلة إلى أفغانستان.
- 17 رحلة إلى المغرب.
- 16 رحلة إلى العراق.

وفي الوقت نفسه يشير برنامج الترحيل إلى العديد من السفريات لبلدان كالسعودية ومصر وأوزبكستان وليبيا وغوانتانامو أتت على رأس القائمة. وفي هذا الإطار قدمت (نيويورك تايمز) شهادة لمسؤول من المخابرات المركزية لم يكشف عنه، برر بها جدوى هذا البرنامج: (إن المعلومات التي حصلنا عليها من هؤلاء المعتقلين الذين تم ترحيلهم مكَّنتنا من إحباط العديد من العمليات الإرهابية، وهذا ما أنقذ حياة العديد من المواطنين في الولايات المتحدة وفي الخارج، كما سمح بالقبض على العديد من الإرهابيين). ثم أضاف (إن برنامج التسفير شمل المتهمين الذين كانت تدور حولهم شكوك قوية بمعرفة عناصر لعمليات إرهابية قيد الإعداد فقط. وبحسبه إن الإدارة الأمريكية حصلت على تعهدات وضمانات من طرف بلدانهم الأصلية بعدم تعذيبهم.

وإذا لم يكن الأمر موجها بهذه الغاية، فلماذا تم تسفيرهم ذهابا وإيابا على متن هذه الطائرة، ثم لماذا لم يتم تقديمهم للعدالة لتقول كلمتهم فيها، ولماذا أصلا هذا الترحيل، ما دام بوسع الأجهزة المختصة التحقيق معهم في إطار القانون الأمريكي (يتساءل العديد من المراقبين والمنظمات الحقوقية). إذ أمام احتجاج العديد من المنظمات الحقوقية، لم ينف ذلك مدير التواصل في البيت الأبيض، جان بارتليت واكتفى بالقول: (أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تمارس التعذيب عليهم، ولا تُصدِّر التعذيب إلى الآخرين).

غير أنه بالرجوع إلى شهادة مكتوبة بحوزة الكونغرس في يناير 2005، قدّمها المستشار القانوني للبيت الأبيض آنذاك ووزير العدل حاليا، قال فيها ألبرتو غونزاليس: (أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لا تهدف إلى تهجير أفراد من أمريكا أو من خارجها إلى بلدان نعتقد أن التعذيب سيطالهم فيها لا محالة). وأضاف (بعدم معرفته مطلقا من أن يكون أحد المسؤولين في الإدارة الحالية قد رخص بأي ترحيل لمعتقل ما).

غير أن صحيفة (نيويورك تايمز) كشفت خواء هذه التصريحات وزيفها بعد أن أكدت بمعية الصحف والقناة المذكورة أعلاه، وجود توجيه رئاسي سري خوَّل لوكالة المخابرات الأمريكية ترحيل وتسفير متهمين للخارج من دون الرجوع إلى وزارة العدل وحتى من دون دراسة كل حالة على حدة.

ويكفي أن نسرد في عجالة القصة التي روتها الجريدة الفرنسية الشهيرة (لوموند) (11 مارس 2005) عن الفرنسي مستاق علي فاطل من أصل هندي الذي وصل إلى فرنسا في يوم 7 مارس 2005، وقصة معاناته التي استمرت ثلاث سنوات في معتقل غوانتانامو، بحيث ذُهل المراقبون لما اكتشفوا أن هذا المواطن لم ينتمي قط في حياته إلى تنظيم إسلامي راديكالي، وأن أفكاره لا تمت بصلة إلى هذه التنظيمات. إذ أطلقت المخابرات الفرنسية (DST) سراحه بعد استلامه وإخضاعه لاستنطاق شكلي لم يتجاوز 48 ساعة.

وخرج هذا المواطن إلى الشارع من جديد لا يحتكم على شيء بعد ثلاث سنين عجاف في أقبية أفغانستان ومعتقل غوانتانامو، فهو لم يفهم إلى حد الآن لماذا تم حبسه كل هذه السنين؟ ولا يفهم اليوم كيف تم إطلاق سراحه في هذه العجالة، وبدا كأنه مصاب بالخبل وغير قادر على التركيز بالمرة؟ كما وضح المحامي ويليام بوردون وطاقم المدافعين عنه، مؤكدين ضرورة خضوع موكلهم لفحوصات طبية ونفسية معمقة.

غير أن ما هو جدير بالإشارة إليه هو عدم قدرته على النطق عندما توجه له أسئلة عن اعتقاله في غوانتانامو، بحيث تغور عيناه وتمتلئ بالدموع، إذ تأثر لمصابه كثيرا الطاقم الفرنسي المختص الذي استجوبه وحقق معه بعد ترحيله من غوانتانامو، بسبب ما جرى له وكيف أصبح ينوء تحت ثقل تداعيات وآثار نفسية جسيمة.

ولتوضيح ملابسات قصته بتفصيل كما شخصتها دوائر حقوقية وإعلامية فوق الشبهات، تجدر الإشارة إلى أنه لم يلتحق يوما ما بقواعد التدريب العسكري للقاعدة أو انتمى في يوم ما إلى تنظيم إسلامي حركي. فكل مصيبته أنه قرر يوما السفر من بلده الثاني إلى بلده الأول لصلة الرحم وإحياء وشائج العلاقة مع موطنه الأصلي، إذ كان يقطن في جزيرة لارينيون التابعة لفرنسا ولم يستطع التأقلم كليا مع محيطه الجديد، وصادف أنه كان موجوداً هناك على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية في الوقت ذاته الذي كانت القوات الأمريكية تقوم فيه بمهاجمة حركة طالبان في نهاية سنة 2001.

فهذا الرجل تلقى تعليمه بالهند في ولاية (جوجرات) حيث قضى شبابه وتعلم، ثم اختص في دراسة الأحكام القضائية الشرعية على مستوى عال حتى أصبح أستاذا في الفقه. وفي سن الثانية والعشرين من عمره قرر السفر إلى جزيرة لارينيون الفرنسية حيث يقطن أحد أعمامه الذي يمتهن تعليم القرآن، فأصبح إماما في مدينة القديس بنوا وتزوج فرنسية سنة 1986 ورزق منها ببنتين وحصل على الجنسية الفرنسية.

وفي سنة 1991 تعرض مستاق إلى ظروف نفسية صحية عصيبة، دخل على إثرها المستشفى لمعالجته من الانقباض الحاد الذي كان يعاني منه. ولما خرج قرر زيارة عائلته والعودة إلى موطنه الأصلي الهند. وهذه الشهادة تؤكدها بالكامل زوجته الفرنسية بنيديكت التي صاحبته إلى المطار آنذاك (حسب الاستجواب الذي قامت به يومية (لارينيون) 11 فبراير 2004) في 28 مارس 1991.

وبعد وصوله إلى الهند، قرر الإقامة في المناطق الحدودية بين إيران وأفغانستان كبائع للأقمشة والألبسة والتذكارات القديمة، بحيث تذكر أجهزة المخابرات أنه ليس بحوزتها أية معلومات أو عناصر تثبت انخراطا أو انتماء ما في حركة مسلحة. ومع بداية أكتوبر 2001 موعد الهجوم الأمريكي على أفغانستان، تم اعتقال مستاق علي في حيرات على الحدود، بحيث تم اعتقاله من طرف عصابات قطع الطريق التي باعته للأمريكيين نظير مال. وفي معرض إفادته للمخابرات الفرنسية أشار إلى سجنين أمريكيين بأفغانستان أفظع بكثير من معتقل غوانتانامو. وكشف أيضا عن ثمة أدوية قُدمت له في هذا المعتقل الأخير، بحيث تعرض هو والعديد من المعتقلين الفرنسيين معه إلى مشاكل تنفسية حادة وعانوا من حالة تنويم مستمرة.

وخلافا للمعتقلين الفرنسيين الستة، لم يعلن عن جنسية مستاق علي فاطل عند وصوله إلى القاعدة العسكرية غوانتانامو، وتم تسجيله تحت اسم عربي بحيث لم تتعرف إليه السلطات الفرنسية إلا بعد مرور سنتين كاملتين! إذ لم يتم التعرف إليه لأول مرة إلا في منتصف يناير 2004 من طرف لجنة فرنسية مكونة من رجال أمن ودبلوماسيين زارت المكان آنذاك.

ومما تجدر الإشارة إليه أن هناك 540 شخصاً ينتمون لـ 40 بلداً مازالوا قابعين في غوانتانامو، لم يتم توجيه صك الاتهام إلا لتسعة منهم حتى الآن، وقد مانعت البنتاغون في حصولهم على وضعية أسير حرب، وبالتالي التمتع بما يكفله ميثاق جنيف الدولي. وفي الوقت نفسه لم تعمد الإدارة الأمريكية لاتهامهم بموجب القانون الجنائي الأمريكي، لأنه في هذا الحال يتم وضع المتهمين تحت أحكام الدستور الأمريكي. وهكذا يتم اعتقال هؤلاء من دون أحكام قضائية ومن دون صك اتهام قانوني، كما أنهم في هذه الدائرة لا يعتبرون أسرى حرب أو معتقلين سياسيين، بحيث ليست لهم أية وضعية قانونية.

ومازالت الحكومة الأمريكية تبرر ذلك بموجب أن قاعدة غوانتانامو العسكرية لا تقع في مدار الأراضي الأمريكية حتى يمارس فيها القانون الأمريكي وأحكام الدستور، بحيث لم يعدم أحد وسيلة لفهم مغزى لجوء الإدارة الأمريكية إلى غوانتانامو، حتى تتمكن من أن تنفلت من أي مراقبة قضائية للمحاكم الأمريكية، ولكي تتمكن من وضع هؤلاء تحت رحمتها وحبسهم كما يحلو لها ومن دون تحديد مدة معينة لذلك. غير أن السلطة التنفيذية إذ تقوم بذلك، تكون مشتطة في صلاحيتها وتتعارض مع دستور الولايات المتحدة الأمريكية والقانون الدولي.

وأمام هذا الوضع العصيب استطاع جمع من المحامين لـ 16 معتقلا أن يرفعوا ذلك إلى المحكمة الدستورية العليا، بحيث لزم الانتظار سنتين ونصف السنة لكي تصدر المحكمة في 28 يونيو 2004 قرارين مهمين: ففي الحكم الأول المتعلق بقضية (شفيق رسول ومن معه.. ضد بوش) رفع المتظلمون إلى أنظار المحكمة ـ وهم يحملون جنسيات بريطانية وأسترالية ـ نبأ اعتقالهم خارج الولايات المتحدة الأمريكية في إطار ما تسميه الإدارة الأمريكية بـ (الحرب على الإرهاب) وحبسهم في غوانتانامو من دون حجة أو دليل إثبات على جنحة وحتى من دون القدرة على الإدلاء بما يثبت براءتهم، ما دام أن الحكومة تؤكد صلاحيتها في حبس المتهمين إلى ما لا نهاية، وعدم اختصاص أي محكمة أو قانون بالنظر في أسباب الاعتقال.

وفي الختام تم التركيز على سؤال واحد وجه للمحكمة العليا، يهدف بموجبه المحامون لمعرفة: (هل المحاكم الأمريكية غير ذي صلاحية للتحقيق في ملتمسات الأجانب الذين تم اعتقالهم خارج أراضي الولايات المتحدة الأمريكية في علاقة مع الأعمال الحربية والمعتقلين في القاعدة العسكرية البحرية غوانتانامو في كوبا).

وفي معرض إجابتها ذكرت المحكمة العليا بأن محاكم الولايات المتحدة الأمريكية من تقاليدها أن تكون مفتوحة في وجه غير المقيمين، وبحوزة محاكمها كل الصلاحية للتحقق من شرعية اعتقال أجانب، تم اعتقالهم في نطاق أعمال عسكرية وموجودين في غوانتانامو.
وبموجب هذا الحكم الإلزامي للإدارة الأمريكية أصبح بوسع معتقلي غوانتانامو التظلم أمام محكمة مدنية والاعتراض على اعتقالهم ونقضه أمامها. وشمل رأي المحكمة العليا أن القانون الأمريكي يشمل في نطاق تطبيقه الأجانب الذين يتم حبسهم في أية أراض تمارس فيها الولايات المتحدة الأمريكية وصاية قانونية كاملة وفورية ولو من دون سيادة في النهاية.

وهو ما اعتبرته المنظمات الحقوقية الأمريكية بالذات صفعة للإدارة الأمريكية، بحيث لا يمكن القبول بحجج الإدارة التي زعمت أن الحرب على الإرهاب فوق القانون وليس من صلاحية المحاكم والقضاء الأمريكيين.

صورة العربي.. بين كليشيهات وأحكام مسبقة:

على الرغم من كل ما قيل عن صورة العربي والمسلم في المخيلة الغربية المصاحبة لمعتقل غوانتانامو، فإن ما يهمنا في هذا الباب هو تتبع الإشكالات المطروحة في السياسة الإعلامية العمومية الأمريكية، بحيث واجهت هذه السياسة على الرغم من ضخامة مواردها مشكلتين بنيويتين:

أ - الصورة الأمريكية المعروضة في الإعلام العربي والإسلامي.
ب- صورة العربي في الإعلام الأمريكي وفي الثقافة الشعبية.

وفي كلتا الحالتين تنوء الصورتان معا بحمل ثقيل من الكليشيهات الجاهزة سلفا، لا يتوقع أن يتم رفعها ولا التخلص منها سريعا أو في لمح البصر. ومن باب التوثيق، يجدر أن نعرض بالتحليل كيف تحلل المصادر الأمريكية والعربية الحدث نفسه ـ على سبيل المثال ـ: (الحرب في أفغانستان) وكيف تتم رؤية الآخر في كل منهما. فالعديد من القنوات الفضائية العربية ما زالت تعرض كليشيهات من قبيل: (الولايات المتحدة الأمريكية هي إسرائيل) و(الولايات المتحدة الأمريكية لا تحب العرب).

بالمقابل يرى المستشرق الأمريكي اسبوزيتو أن الحال لا يختلف كثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية: (فصورة العربي والمسلم أصبحت تشكل خطرا ثقافيا، بحيث يتم اعتبار اللون الأخضر بمثابة اللون الأحمر الذي شكله الخطر الشيوعي فيما قبل.. ما دام أن الإسلام أصبح كناية عن التعصب والأصولية وعدم التسامح واضطهاد المرأة).

وبالرجوع إلى وثائق بحث فيدرالي تم إجراؤه خصيصا حول العلاقات بين الجماعات الإثنية والطوائف المذهبية سنة 1994، (عدد المستجوَبين 3000 شخص) كشف أن 42 في المائة من المستجوبين يعتبرون أن المسلمين (ينتمون لدين يساند الإرهاب)، وعبر 47 في المائة منهم بالموافقة على الزعم القائل بأن (المسلمين في مجملهم معادون للغرب وللأمريكيين)، كما (يرى 62 في المائة منهم أن المسلمين يضطهدون المرأة ويحتقرونها).

 وبطبيعة الحال ليس ذلك من دون تداعيات على الأقلية العربية والإسلامية التي تعيش في أمريكا (ما بين 5 إلى 7 ملايين)، ومن شأن تلك الكليشيهات السوداوية أن يصاحبها التوجس وعدم الثقة والتشنج، بحيث لا تسمح للمواطن الأمريكي التعرف عن كتب إلى حقيقة مواطنيه من الديانة الإسلامية.

ومرد ذلك هو الوزن الضعيف للجاليات العربية الإسلامية وحِدَّة الاتهامات لعقيدة هذه الجالية، فجماعات الضغط العربية أو المناصرة لقضاياهم أضعف من الآخرين، ولا تتمتع بمصداقية كبيرة وليست لها القدرة على أن تفرض وجهة نظرها، خاصة في الميدان الأمني والدبلوماسي.
أمام هذا كله وخوفا من التصدع الذي قد يلحق الجبهة الداخلية أو أن تجد الحركات الراديكالية والإرهابية منفذا لها داخل الولايات المتحدة الأمريكية بادرت العديد من مواقع الانترنت الفيدرالية إلى إنجاز تحقيقات وربورتاجات وثائقية مهمة تنقل مشاهد حية وبطريقة واقعية عيش العائلات العربية والمسلمة الأمريكية.

فالإسلام في السنوات الأخيرة ارتبط في أمريكا بصورة المسلم المتشدد في المظهر والزي والمأكل، ولرسم ملامح تذهب في هذا الاتجاه تمت الاستعانة بصورة المسلم في السجون الفيدرالية، بحيث لجأت بعض الدوائر المسيحية إلى تقديم صورة له من خلال صور المسلمين في السجون الأمريكية! إذ تمت الإشارة إلى أن هناك ما يقرب في ولاية نيويورك وحدها ما بين 17 و20 في المائة من السجناء المسلمين، وهي نسبة صورة مصغرة في نظرهم لما هو عليه الوضع في السجون الأخرى الأمريكية، كما يراه الخبراء.

وإذا تأملنا واقع الأحداث التي ربطت بين العرب والولايات المتحدة الأمريكية وتأويلها من قبل المواطن الأمريكي، فسنجد بالخصوص منها ما يعزز هذه الصورة القاتمة لدى المواطن الأمريكي العادي. فقبل 11 سبتمبر 2001 كانت تلك الكليشيهات تتوزع بين خليط من صور آية الله الخميني والقذافي و صدام حسين .

فأثناء أزمة الرهائن الأمريكية في طهران سنة 1980، كشف استطلاع أقيم آنذاك للرأي الأمريكي حول المسلمين نشرته (Middle East Journal)، بأن 70 في المائة من المستجوبين لا يفرقون بين الإيرانيين والعرب ويضعونهم في سلة واحدة. بالمقابل عبَّر 8 في المائة فقط، عن جهلهم بما إذا كانت هناك ثمة علاقة أو ربط بينهم.

وبعد ذلك، تم تركيز هذه الصورة من قبل الأجهزة الإعلامية إثر الهجوم على قوات المارينز في لبنان سنة 1983، وما تلاها من قرصنة لطائرة في لبنان 1985. ثم حادثة لوكربي التي تمحورت كلها على صورة سلبية للعرب والمسلمين عند المواطن العادي.

والعرب والمسلمون يعلق الصحفي غيلين( واشنطون بوست 28 يوليو1985) ضحية صورة سلبية، ترجع بالأساس إلى ظروف جيو-سياسية، قلما يتم ذكرها وشرحها للرأي العام، في حين أن التركيز على عقيدتهم ما هو إلا عملية لذر الغبار، لكي يتم تحميلهم جميعا وزر بعض الجرائم التي يقوم بها البعض ويتم تحميل مسؤوليتها للجميع.

وبعد كل ما ورد، لنضرب مقارنة بين ما ذهب إليه خوان كارلوس ملك إسبانيا وبين ما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية، فمنطق تعامله مع الأحداث الإرهابية التي عرفتها قطارات ضواحي مدريد جد مخالف لمنطق الرئيس بوش: منطق (الخير والشر) و(من ليس معنا فهو ضدنا)، ومنطق الإجهاز على القانون الدولي وبنود الدستور الأمريكي، بخاصة عندما أعلن أن الدولة ستتحمل مسؤوليتها كاملة في البحث والتقصي.. وحذر من خلط الأوراق وإلقاء الاتهامات على عواهنها أو تحميل وزر ما وقع للإسلام والمسلمين.. وهو ما فهم الشعب الإسباني مغزاه جيدا، بحيث لم يتوان في أن يعصف بحكومة أزنار المساندة لبوش، بعد أن كان جل المراقبين والمحللين والمتتبعين يعتبرون أن أمر حصولها على ولاية حكومية أخرى تحصيل حاصل.

 

مجلة آراء حول الخليج