; logged out
الرئيسية / إيران ليست جزيرة: استراتيجية لتعبئة جهود دول الجوار

إيران ليست جزيرة: استراتيجية لتعبئة جهود دول الجوار

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2005

صدرت هذه الورقة أصلاً باللغة الإنجليزية عن مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي 2005©
تُرجمت هذه الورقة بناءً على اتفاقية بين مركز الخليج للأبحاث ومؤسسة كارنيجي للسلام العالمي 2005©
جميع حقوق الترجمة محفوظة لمركز الخليج للأبحاث 2005©

من المؤكد أن إيران في حاجة إلى ضمانات تؤكد لها أن الولايات المتحدة الأمريكية ستحترم سيادتها واستقلاليتها في حال تخلِّيها عن مساعي تطوير برامج أسلحة نووية، كما أن الدول المجاورة لإيران في حاجة إلى تأكيدات بأن طهران ستحترم مصالحها. ومن الواضح أن الدول العربية متردِّدة في مسألة الدخول في حوار أمني إقليمي لأسباب عدة، من بينها سياسة الكيل بمكيالين التي تستخدمها واشنطن في ما يخص الترسانة النووية الإسرائيلية والطريقة التي تتعامل بها إسرائيل مع الفلسطينيين.

ومن أجل حشد كل الأطراف الدولية ضد مسألة التسلّح النووي الإيراني، لا بد للولايات المتحدة من الإقرار بأن الملف النووي الإيراني وأمن منطقة الخليج العربي والدور الأمريكي في الشرق الأوسط والوضع النووي الإسرائيلي والعلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية كلها أمور مرتبطة بعضها ببعض، ولا يمكن حلها من دون موقف أمريكي أكثر توازناً.

تتمتع إيران بالقوة التي تجعل من الصعب على الولايات المتحدة الأمريكية وحدها إجبارها على التخلي عن امتلاك أسلحة نووية. ولا تحتاج واشنطن إلى الأوروبيين فقط، بل إلى العرب أيضاً من أجل إثبات الأسباب التي تجعل مسألة بناء ترسانة نووية في إيران لا تصب في مصلحتها الوطنية. ولأن إسرائيل أيضاً تسعى إلى منع إيران من بناء أسلحة نووية، فعليها أيضاً اتخاذ الخطوات التي تسهّل من جهود الولايات المتحدة الرامية إلى تشكيل تحالف يعمل معها في تحقيق هدفها المتمثل في وقف بناء ترسانة إيران النووية. ومن الضروري أن تشتمل أي استراتيجية في هذا الإطار على عنصر علاقة الاتحاد الأوروبي مع إيران والجهود التي بذلها معها في إطار محاولات معالجة مسألة ملفها النووي.

ويقول القادة الإيرانيون إنهم يسعون إلى تخصيب اليورانيوم من أجل مساعدتها على توليد الكهرباء والحصول على مصدر رخيص للطاقة، لكن هناك العديد من الوسائل الاقتصادية التي يمكن استخدامها في بناء محطات الطاقة. ومن الواضح أن إيران تسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية من أجل استخدامها كخيار لمنع الولايات المتحدة من تهديد سيادتها ولمنع تكرار وقوع حرب مؤلمة على غرار الحرب التي اندلعت بينها والعراق في عام 1980، إضافة إلى تأكيد قوتها في منطقة الخليج العربي التي تحشد فيها باكستان وإسرائيل والولايات المتحدة أسلحة نووية. ومن المؤكد أيضاً أن أي حكومة في إيران ستسعى إلى تحقيق تلك المصالح بغض النظر عن توجهاتها ونوعيتها، سواء كانت حكومة متشددين أو رجال دين معتدلين أو تكنوقراط. وهذا ما عبّر عنه جون بولتون وكيل وزارة الخارجية الأمريكية بالقول: (حتى المعتدلون في الطبقة الحاكمة في إيران يؤمنون بضرورة امتلاك أسلحة نووية).

وفي إطار تعاملهم مع الملف، فإن المسؤولين في إدارة الرئيس بوش وبدلاً من معالجة الأسباب التي تقف وراء إصرار إيران على امتلاك الأسلحة النووية، رأوا أن تغيير النظام الحاكم في طهران يمثل حلاً للتحدي النووي الإيراني. لكن المشكلة هنا تكمن في أن الإصلاحيين في إيران فقدوا الكثير من مواقعهم السياسية خلال الفترة الأخيرة، مما أرغم إدارة بوش على استخدام تكتيك السعي إلى تأخير مسيرة إيران التقنية بغية الاستفادة من تغيير النظام. وهذا هو السبب الذي جعل الولايات المتحدة لا تعارض مسألة استهلاك المزيد من الوقت في المفاوضات الجارية بين إيران والاتحاد الأوروبي. لكن في الوقت ذاته تقوم واشنطن حالياً بإعداد خطط عسكرية سرية وعلنية لتحطيم أكبر قدر ممكن من المنشآت النووية الإيرانية ولتحييد الحرس الثوري الإيراني وكل الأطراف المتشددة.

ولحسن الحظ، وعلى الرغم من أن هناك وسائل عدة لتأخير مساعي إيران الرامية إلى امتلاك الأسلحة النووية، من بينها الصعوبات الفنية الكبيرة التي تواجهها إيران في هذا الجانب، إضافة إلى التلويح باستخدام الخيار العسكري الأمريكي وتفعيل العمل الدبلوماسي الأوروبي، فلا التأخير التكتيكي ولا تغيير النظام يمكن أن يؤديا إلى إزالة الأسباب التي تدفع إيران إلى تطوير ترسانتها النووية.

نحو استراتيجية إقليمية فاعلة

من أجل إيجاد حل واقعي للملف النووي الإيراني، فإن الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة إلى استراتيجية تخاطب المصالح القومية للإيرانيين النابعة من تاريخ بيئتهم الأمنية والروحية. فالإيرانيون ـ وبمختـلـف ألوان طيفهم ـ يريدون أن يتأكدوا من أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تغزو بلادهم أو تتدخل فيها من أجل إملاء رؤيتها أو تحديد من يحكمها. وقد أدخل تاريخ علاقات واشنطن مع طهران منذ الإطاحة بنظام مصدق في عام 1953 شعوراً لدى الإيرانيين بأن الولايات المتحدة لا تريد استقلالاً حقيقياً لبلادهم. كما أن الإيرانيين يريدون أن يتأكدوا من ترحيب وقبول الولايات المتحدة الأمريكية والعراق والدول العربية الأخرى المجاورة لهم بدور بلادهم والاعتراف بها كقوة رئيسية في المنطقة وفي المحيط العالمي السياسي والاقتصادي أيضاً، كما أن عليهم توفير الظروف اللازمة التي تجعل إيران لا تفكر في تطوير أسلحة نووية والاحتفاظ بها للدفاع عن نفسها ضد أي اعتداءات محتملة من قِبل القوى الكبرى على غرار ما تفعله باكستان.

وفي المقابل، يتعين على إيران أن تغيّر سياساتها لإيجاد ظروف أفضل، لكن على الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً أن تشجّع أي تيار يتبنى تفكيراً إيجابياً في طهران عبر دعم ومساندة الجهود الدبلوماسية التي يقودها الاتحاد الأوروبي، وفوق كل هذا وذاك، عبر إثباتها أنها لن تقوم بأي عمل عدائي ضد إيران إذا ما تخلت عن امتلاك أسلحة نووية يمكن أن تدعم وترفع من وتيرة تهديدات المجموعات الإرهابية. لكن، ونظراً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الدول المجاورة لإيران، فإن واشنطن لن تقوم بذلك، كما أن طهران لن تثق بأي تأكيدات أمريكية في ظل غياب آلية أمنية واضحة في المنطقة.

ومن المؤكد أن إيران ستكون في حاجة إلى وجود منطقة يسودها الازدهار والأمن تُعامل فيها باحترام ولا يُنظر إليها فيها كبلد يجب أن يخضع لحصار عسكري وعزلة اقتصادية ومضايقات سياسية وعمليات سرية. ومن أجل جعل الازدهار والاستقرار في المنطقة أمراً واقعاً وملموساً، يجب على الدول المجاورة لإيران إضافة إلى تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، أن تتأكد من أن إيران لا تسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية من أجل استخدامها في دعم الإرهاب أو توجيهها ضد إسرائيل. ويتطلب كل هذا ضرورة حشد جهود الدول العربية وحثها على تشجيع إيران للدخول في حوار دبلوماسي إقليمي يتضمن الولايات المتحدة والقوى الخارجية الأخرى.

ومن المؤكد أن عناصر التيار الحداثي والتقدمي في إيران يدركون تماماً أن لبلادهم مصلحة كبيرة في أن تفعل ما يؤكد لجيرانها العرب أن وجود إيران قوية لن يشكِّل تهديداً لها يجعلها تسعى إلى إقامة روابط أمنية وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. ويدرك عناصر هذا التيار جيداً أن بلادهم ستحصل على دور أفضل على المستويين الإقليمي والدولي إذا ما توافرت الظروف اللازمة التي تجعل الدول المجاورة لها وبقية دول العالم لا تنظر إليها كأحد مصادر تهديد الأمن التي يجب احتواؤها. ومن بين أحد النجاحات التي حققها الرئيس محمد خاتمي منذ تسلّمه مقاليد الحكم في عام 1997 تمكّنه من تحسين علاقات بلاده مع الدول العربية المجاورة لها ذات الأغلبية السنية، خصوصاً المملكة العربية السعودية ومصر، لكن المضي قدماً في طريق تطوير الأسلحة النووية سيضر بذلك النجاح، وسيجعل الدول العربية أكثر ميلاً إلى الوقوع تحت المظلة الأمنية الأمريكية، بغض النظر عن محاولات طهران لإظهار أن مساعيها إلى تطوير الأسلحة النووية ترمي إلى موازنة القوة الإسرائيلية. لكن التيار المتشدد في إيران غير عابئ بما تفكر فيه الحكومات العربية الحالية. ويقول أصحاب هذا التيار إن الروابط الأمنية بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية ستضر بالشعوب العربية.

بناء ائتلافات

من المؤكد أن أفضل الطرق لإضعاف موقف الفصيل المتشدد الداعي إلى الاستمرار في تطوير الأسلحة النووية في إيران هي زيادة التكلفة التي يمكن أن تتكبدها بلادهم إذا ما أصرّت على امتلاك تلك الأسلحة، كما ان أفضل الطرق لجعل تلك التكلفة أمراً واضحاً بالنسبة لطهران تتمثل في جمع كل الأطراف الإقليمية ذات الصلة في ملتقى أمني إقليمي يتناقش فيه الإيرانيون والعراقيون والسعوديون والأتراك والدول الخليجية الأخرى حول كيفية معالجة كل المخاطر إذا ما أريد للمنطقة أن تعيش في استقرار وتحقق الازدهار.

ونظراً لأن موضوع الأسلحة النووية موضوع حساس لا يمكن الإعلان عنه كموضوع رئيسي للنقاش، فإن الملتقى يجب أن يركِّز على مناقشة المتطلبات الأمنية في المنطقة في مرحلة ما بعد صدام حسين. ومن أجل تمهيد المناخ السياسي اللازم للأطراف الأخرى للمشاركة، يجب أن تتم الدعوة إلى ذلك الملتقى عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، وليس عن طريق أي دولة منفردة. ومن المؤكد أن طهران في حاجة إلى أن تحصل على تأكيدات من جاراتها بأنها إذا ما توقفت عن سعيها لتملُّك أسلحة نووية سيكون من السهل بناء إطار أمني إقليمي تعاوني لا يهدد سيادتها واستقلاليتها. أما إذا ما أصرّت على المضي قدماً في طريق تملُّك الأسلحة النووية، فإنها ستواجه خطر الحصار الاقتصادي واحتواءً عسكرياً وسياسياً تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها ستجعل الدول المجاورة لها تسير في الطريق نفسه، وتحاول امتلاك أسلحة نووية أو بيولوجية.

لكن بناء مثل هذا الائتلاف الإقليمي لن يكون أمراً سهلاً، حيث إن واشنطن ستواجه التغلب على المخاوف العميقة في جانب الدول العربية التي تشعر كثير منها بأن الولايات المتحدة أصبحت متشددة ومتغطرسة خلال فترة ولاية بوش الأولى، وتتخوّف من أن يستمر الوضع على حاله خلال فترة ولايته الثانية.

ومن الواضح أن حكومات الدول العربية وشعوبها قلقة جداً بشأن ترك مسألة حماية سيادتها الوطنية للولايات المتحدة أكثر من قلقها من مسألة احتمال صنع إيران لقنبلة نووية. وعندما يطلب من الدول الإسلامية ممارسة ضغوط على إيران فإن معظمها يضع في حساباته سياسة الكيل بمكيالين مع مسألة امتلاك إسرائيل أسلحة نووية وانتهاكها للقوانين والقرارات الدولية المتعلقة بتعاملها مع الفلسطينيين. لذلك، فإنه ينبغي على واشنطن أن تتبع منهجية متوازنة وتلعب دوراً دبلوماسياً متوازناً وواضحاً في ما يخص الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني إذا ما أرادت أن تركّز أنظار الدول العربية والأوروبية على التهديدات والمخاطر التي يمكن أن تنجم عن وجود إيران نووية.

حشد جهود الدول العربية

كانت عقبة الكيل بمكيالين حاضرة بقوة خلال زيارة قام بها كاتب هذه الورقة إلى مصر ودول الخليج العربية خلال الفترة الأخيرة، إذ استمع أكثر من مرة إلى آراء تركزت في هذا الجانب. فعلى سبيل المثال، صرح أحد المسؤولين المصريين بالقول: (نحن نعتبر أن البرنامج النووي الإيراني يشكِّل تهديداً خارجياً للأمن المصري، لكن في الجانب الآخر تشكِّل إسرائيل تهديداً مباشراً لنا، لذلك لا بد من معالجة الوضع في الجانبين).

أما بالنسبة لدول الخليج العربية، فهي وعلى الرغم من ديناميكيتها، فإن موقفها لا يزال سلبياً إلى حد ما. ويبرز هذا الموقف من خلال ما قاله أحد المسؤولين خلال جلسة غداء، حيث قال: (أعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة القضاء على المنشآت النووية الإيرانية، لكن من الأفضل أن يتم ذلك عبر الوسائل السلمية وليس عن طريق الحرب، لكن في كل الحالات نحن لا نستطيع العيش في ظل وجود إيران مسلحة بقنبلة نووية). ورد عليه الكاتب متسائلاً: (إذا ما هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية إيران، فماذا ستفعل الشعوب العربية؟ هل سيشجعون مثل تلك الخطوة؟). وجاء رد المسؤول الخليجي بالنفي وقال إنهم سيكونون غاضبين. وعاد الكاتب ليسأل المسؤول الخليجي عن موقف حكومته وهل ستدعم الولايات المتحدة الأمريكية سياسياً؟ وسارع المسؤول إلى الإجابة بالقول: (بالطبع لا). ويشرح أحد المحللين العراقيين الموقف بشكل أوضح، حيث يقول: (إن قادة الدول الخليجية يدعمون مسألة نزع أسلحة إيران النووية، لكنهم لا يستطيعون الإعلان عن موقفهم هذا بشكل صريح، وذلك لأنه سيُفسَّر جزئياً على أنه موقف داعم لإسرائيل). لذلك، فإن قدرة الولايات المتحدة ستصطدم بهذه العقبة وتتوقف عند تخوم النظرة التي تركّز على مشكلة التعامل بمكيالين من قِبل واشنطن مع الحكومة الإسرائيلية.

وفي هذا الإطار، توصل دانييل يانكيلوفيتش في بحث أجراه حول توجهات الرأي العام إلى خلاصة مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة إلى تقديم رؤية تؤكد نظرة جديدة لها في العالم الإسلامي عن طريق توجيه سياساتها الخارجية وجهة تتسم بالعدالة، لأن العالم الإسلامي ينظر إلى السياسات الأمريكية الحالية على أنها ليست عادلة. وأشار يانكيلوفيتش في هذا الجانب إلى )أمر لا يمكن تجاهله أو الهروب منه مطلقاً، وهو الحاجة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام للقضية الفلسطينية العادلة).

المساعدة الإسرائيلية الممكنة

أعتقد أن الأمريكيين والإسرائيليين لم يأخذوا في الاعتبار بشكل كامل الكيفية التي أدت بها مسألة التوسع العدائي الإسرائيلي في بناء المستوطنات في الضفة الغربية إلى جعل المسلمين في أي مكان من العالم يشعرون بالحنق وبأن العالم يتعامل بعداء ضدهم. وصحيح أن العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية ليست السبب المباشر وراء المشكلات التي تشهدها الدول العربية والعنف الممارَس فيها ضد المصالح الأمريكية، لكنها تشكِّل عقبة سياسية رئيسية أمام مساعي حث المجتمعات العربية على مشاطرة الولايات المتحدة الأمريكية رغبتها الرامية إلى محاصرة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية. كما أن استمرار إسرائيل في عدم الوفاء بالتزاماتها وتجاهلها للقوانين والقرارات الدولية والأحكام القانونية التي صدرت ضد مسألة توسيع المستوطنات وإقامة الجدار العازل أمور جعلت المسلمين يشعرون بأنه من غير المناسب أن يرجوا من الولايات المتحدة وإسرائيل جميلاً عبر محاربة الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.

ومن جانبهم، فإن الإسرائيليين محقون في شعورهم بأنهم مهددون من قِبل المجموعات الإرهابية، ورفض إيران وسوريا الاعتراف بوجود إسرائيل. ويأمل كثيرون بأن تؤدي خطوات مثل مبادرة رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون بالانسحاب من غزة وأربع مستوطنات في الضفة الغربية، إضافة إلى انتخاب قيادة فلسطينية جديدة إلى إحياء عملية السلام من جديد. كما أن سوريا بعثت خلال الفترة الأخيرة بإشارات تفيد برغبتها في العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل. لكن في الجانب الآخر قد لا يستطيع شارون الصمود أمام حركة المستوطنين المعارضة للانسحاب وتفكيك المستوطنات، وقد لا يكون راغباً في مناقشة شروط مقبولة حول مسألة تحويل سيادة الضفة الغربية والوضع النهائي للقدس.

ويمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تستعيد بعضاً من شرعيتها المفقودة كراعية للعدالة الدولية عن طريق الطلب من الإسرائيليين القيام بالمزيد من الخطوات في طريق السلام والتشديد على أن شارون بات مقتنعاً بالانضمام إلى النهج الداعي للسلام. ومن التطورات الجديرة بالاهتمام خلال الفترة الأخيرة احتجاج مجموعة من إحدى وحدات القوات الجوية الإسرائيلية على خطوة إزالة نحو 1500 منزل فلسطيني وإعلانها صراحة أن تلك الخطوة تشكِّل انتهاكاً لكل معايير العدالة. وانصبّت خطوة أخرى في الإطار ذاته، وتمثلت في الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا الإسرائيلية الذي نص على عدم شرعية الجدار الأمني الذي تقوم الحكومة الإسرائيلية ببنائه في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية. كما برزت احتجاجات قانونية أيضاً على السياسة التي تبنتها حكومة شارون سراً خلال العام الماضي ونصت على مصادرة ممتلكات الفلسطينيين غير المأهولة في القدس الشرقية.

ومن المهم القول هنا إن الفلسطينيين لا يمكن أن يستفيدوا من ممتلكاتهم وبيوتهم لأن الحواجز التي وضعتها إسرائيل تمنعهم من الوصول إليها، كما أن السلطات الإسرائيلية لا تسمح لهم بحرية الحركة منها وإليها. وبدلاً من مساندة المجموعة الإسرائيلية التي تطالب حكومتهم باتباع أساليب أكثر عدلاً، التف الأمريكيون بمن فيهم الديمقراطيون والجمهوريون على السواء لمساندة حكومة شارون التي ظلت، وحتى الآن، تتبع سياسات استيطان لا تجد الدعم أو المساندة من معظم الإسرائيليين. ولا بد من القول هنا إنه ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تساند حكومة شارون في معارضتها للمستوطنين الذين يصرّون على التمسُّك بقانونهم الإلهي ويرفضون دعم حكم القانون الديمقراطي. وأعتقد أن إحدى الاستراتيجيات الحيوية المهمة التي يجب اتباعها هي تلك التي تتمثل في مساعدة شارون على التخلص من المخاوف التي يشعر بها تجاه النوايا الإيرانية، ونؤكد هنا أن حشد العرب للالتفاف حول ائتلاف يتكون من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يرمي بجدية إلى منع انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط وستكون هذه الاستراتيجية ضخمة ومثيرة للاهتمام.
ويمكن لإسرائيل أيضاً أن تساعد بشكل مباشر في مسألة منع انتشار الأسلحة النووية عبر توقفها عن إنتاج البلوتونيوم عندما تتوقف إيران بشكل نهائي عن الأنشطة المرتبطة بإعادة تدوير الوقود النووي. وستؤدي خطوة مثل هذه إلى إيجاد أساس جديد لوقف كل الأنشطة المرتبطة بتخصيب اليورانيوم في كل أرجاء المنطقة.

ومن المؤكد أن إيران ومصر والسعودية، وربما دولاً أخرى، ستطلب المزيد من إسرائيل، لكن يجب أن يتم تذكيرهم بشكل مباشر وواضح بأن إسرائيل لا تهدد وجود الدول الموجودة أو سيادتها، وأن لها الحق في الاحتفاظ بقوة ردع استراتيجية ما دامت هناك دول لا تعترف بوجودها وتدعم المنظمات الإرهابية التي تهدف إلى تدميرها. إن السبيل الوحيد لإيجاد منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهو الأمر الذي تقول إسرائيل وإيران ومعظم الدول العربية إنها تدعمه، يتمثل في أن تطبق كل دول المنطقة، بما فيها الدولة الفلسطينية المستقبلية، سياسات لا تهدد الدول المجاورة لها.

ويجب على الولايات المتحدة أن تنتهج مثل هذا النهج وتدعم التغييرات التي طرأت في السياسات الإسرائيلية في هذا الجانب وتساند منهجيات الاتحاد الأوروبي تجاه إيران بقوة. ومن أجل تدعيم هذه الخطوة وتحقيق الفائدة القصوى منها، يجب اتباعها بخطوة أخرى تتمثل في إيجاد أرضية صلبة يتم الانطلاق من خلالها لدفع مصر والدول العربية الأخرى للانضمام إلى إطار جهود دبلوماسية قوية تجاه إيران. ومن المؤكد أن العرب لن يستطيعوا تأييد واشنطن علناً في مساعيها الرامية لاحتواء الخطر الإيراني، وأظهرت أحداث الفترة الحالية التزاماً علنياً من قِبل القادة العرب بدعم المبادرات المرتبطة بتحقيق السلام والأمن في المنطقة، لكن الخروج باستراتيجية أوسع وأشمل لسلام المنطقة وأمنها سيعزِّز من موقف الولايات المتحدة في طلبها للمزيد من الدعم العربي داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي من أجل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه الملف النووي الإيراني. ويجب تحريك العرب المتخوّفين من المدّ الشيعي في إيران والعراق من خانة الوقوف على هامش خط الجهود الرامية إلى إيجاد إطار أمني إقليمي شامل لا يعالج مصالحهم فقط، بل مصالح إسرائيل وإيران والمجتمع الدولي بأكمله أيضاً. ومن هنا، فإن وضع سياسات وأهداف تنصب في إطار معالجة الوضع الأمني في إيران ومنطقة الخليج العربي وإسرائيل ومنع انتشار الأسلحة النووية هما أمران مرتبطان بعضهما ببعض ارتباطاً وثيقاً.

تبعات سيناريو الخيار العسكري

قال أكثر من مسؤول إسرائيلي التقاهم الكاتب خلال زيارة قام بها إلى المنطقة مؤخراً: إن إسرائيل (لا يمكن أن تعيش في ظل وجود إيران مسلحة نووياً). وعلى الرغم من تشدُّد هذا الرأي، فإنه يفتح الفرصة أمام تعريف وتفسير ما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
ومن الواضح أن وجود إيران تمتلك أسلحة نووية هو أمر أكبر من أن يُحتمل، وإذا ما امتلكت إيران قدرات نووية باستخدام اليورانيوم والبلوتونيوم فإنها ستقترب من امتلاك أسلحة نووية. ويبرز هنا سؤال مهم حول ما إذا كانت إسرائيل تستطيع العيش في ظل وجود إيران تمتلك مفاعل طاقة نووية باستخدام وقود يتم إرجاعه إلى روسيا؟ وهنا تكمن الفوارق. لكن الانطباع العام هو أن الإسرائيليين يمكن أن يقبلوا بمسألة تصميم إيران على توليد طاقة كهربائية نووية وفقاً لأسس وترتيبات يوافق عليها المجتمع الدولي.

وفي المقابل، فإنه إذا ما رفضت إيران القبول بمثل تلك الترتيبات وعملت بدلاً من ذلك على إنتاج اليورانيوم المخصب أو فصل البلوتونيوم، فإن إسرائيل ترى ضرورة القيام بعمل عسكري يفضل أن تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. لكن من المهم القول هنا إن الضربة العسكرية لن تقضي على المخاوف أو تضع حداً للتهديدات، فهنالك اعتقاد واضح في أوساط الإسرائيليين والأمريكيين بأن إيران لا تزال تخفي منشآت نووية خوفاً من تعرُّضها للتفكيك. كما أن إيران و(حزب الله) ومنظمات أخرى سترد بهجمات على إسرائيل. وانطلاقاً من هذه الخلفية، فإن الهجوم العسكري يستثير القوميين الإيرانيين بدلاً من تهدئتهم. وباختصار، نقول إنه ليس هناك من خيار عسكري فاعل يمكن أن يحد من قدرة إيران على إنتاج أسلحة نووية أو يؤدي إلى إيجاد حكومة جديدة في إيران تتخلى عن امتلاك الأسلحة النووية أو تخصيب اليورانيوم.

لكن، وعلى الرغم من ذلك، ووفقاً لما قاله أحد المسؤولين الإسرائيليين، فإنك (إذا توصلت إلى خلاصة مفادها أنك لن تستطيع إطلاقاً العيش مع شيء ما، فعليك أن تتصرف وتقوم بعمل ما. وقد تكون التبعات مفجعة، لكن هذه التبعات ستأتي متأخرة. وفي المقابل، قد تكون تبعات عدم التصرُّف أو القيام بعمل ذات تأثيرات مباشرة، لذلك يجب القيام بعمل لتعيش يوماً آخر يعطيك فسحة لتحديد ما يجب أن تفعله لمواجهة التبعات التي ستأتي متأخرة).

وليس من المتوقع أن تؤدي أي ضربة عسكرية أمريكية ـ إسرائيلية ضد إيران إلى تشجيع مصر والسعودية على السعي لامتلاك أسلحة نووية، بالقدر نفسه الذي سيؤدي إلى تشجيعها على السماح لإيران بالمضي قدماً في طريق تطوير أسلحتها النووية، لكنها ستؤدي أيضاً إلى تبعات سياسية كبيرة. فأي ضربة عسكرية يتم توجيهها إلى إيران من دون تفويض من قِبل مجلس الأمن الدولي، سيُنظر إليها كاعتداء وانتهاك للقوانين الدولية، وبالتالي ستصير إيران نفسها في حلٍّ من أي قيود تمنعها من تطوير أسلحة نووية، وستجد تعاطفاً لنظرتها هذه من معظم الدول النامية، مما سيؤدي في النهاية إلى الإضرار باتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وإضعافها. ومن الممكن أن تنسحب من المعاهدة دول أخرى، وربما مصر والسعودية أيضاً والمضي قدماً بشكل قانوني في بناء مفاعلات نووية. ونتيجة لذلك، ستجد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل نفسيهما في مواجهة عسكرية ضد الدول الإسلامية، وتأجيج نار الإرهاب باعتبار أنها وسيلة للمقاومة ضد ما سيُعتبر اعتداءً أمريكياً وإسرائيلياً.

ويبرز هنا سيناريو جديد، انطلاقاً من السؤال الذي يقول: لماذا تحاول إسرائيل مساندة مسألة الدعوة إلى نظام منع انتشار الأسلحة النووية غير المعلنة لاستخدامها كملاذ أخير. فالعرب ساندوا أيضاً المعاهدة مع رفضهم للوضع النووي الإسرائيلي. ومن الواضح أنهم فعلوا ذلك لأنهم في حاجة ـ حتى أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ـ إلى نظام قوي لمنع انتشار الأسلحة النووية. وعلى الرغم من أن دول منطقة الشرق الأوسط تعيش في حالة انعدام أمن بسبب وجود أسلحة كيميائية وربما بيولوجية لدى جيرانها، فإن الخطر سيتزايد بشكل أكبر وسيصبح أكثر صعوبة إذا ما أضعفت أو أزيلت القيود الحالية المفروضة على تطوير البرامج النووية. وتتخوّف الحكومات العربية السـنِّية من هيمنة إيران مسلحة نووياً على المنطقة وتغذي بالتالي المد الشيعي وتستثير ثورة شيعية سياسية في العراق ودول الخليج العربي.
ونظراً لأن نظام منع انتشار الأسلحة النووية سيساعد كثيراً، على الرغم من مشكلاته، فإنه ليس بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أن تميلا إلى التخلي عن الجهود الدبلوماسية لإقناع إيران بالتخلي سلمياً عن برامجها النووية.

تدويل منهجية التعامل مع إيران

على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يفاوض نيابة عن المجتمع الدولي مع إيران، وأن الجانبين أبلغا الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتقدمهما، فإنه يجب وضع مجلس الأمن الدولي في الصورة، وذلك لأن تدخل مجلس الأمن الدولي يُعتبر أمراً مهماً، لأنه في حالة رفض إيران أو أية دولة أخرى لأي شروط موضوعية، فسيكون لزاماً على مجلس الأمن أن يقوم بدوره، كما أنه وبالقدر نفسه من الأهمية، فإن تدخل مجلس الأمن سيعطي تأكيدات لإيران بأن الولايات المتحدة والآخرين سيعملون على الوفاء بالتزاماتهم في أي اتفاق يتم التوصل إليه.

ومن بين أفضل الوسائل التي ستؤدي إلى نتائج مرضية، التزام إيران والمجموعة الثلاثية التابعة للاتحاد الأوروبي المكوّنة من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بما تم التوصل إليه في اتفاقية نوفمبر 2004 التي أعطت الأمل بتجنُّب أزمة دولية من خلال نصِّها على تعليق إيران بشكل طوعي لمسألة تخصيب اليورانيوم. وعلى هذه الدول الأربع، وبفضل مساندة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أيضاً، أن تعمل على تحديد وتوفير الاحتياجات الفنية والاقتصادية والسياسية والأمنية اللازمة لتلبية متطلبات إيران والمجتمع الدولي على السواء.

ويتمثل المطلب المركزي للوصول إلى اتفاق نهائي بهذا الشأن في ضمان إمدادات دولية ذات طابع اقتصادي جذاب في شكل وقود نووي لإيران، مقابل تخليها عن تخصيب اليورانيوم وفصل البلوتونيوم. ويجب تضمين هذه الالتزامات والتعهدات المتبادلة في اتفاقية إيجابية لا تتضمن فرض عقوبات ويتم رفعها إلى مجلس الأمن الدولي لتبنّيها وإجازتها، وسيساعد ذلك على التأكيد لإيران أن إمدادات الوقود النووي لن تتوقف أو تُسحب من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية أو أي دولة أخرى، كما أنه سيعطي إشارة باعتراف الولايات المتحدة بسيادة الحكومة الإيرانية، ويشكِّل ضماناً بعدم التلويح بعصا تغيير النظام في إيران. وفي الوقت ذاته، يجب أن تتضمن الاتفاقية الطلب من مجلس الأمن استخدام سلطاته إذا ما رفضت إيران أو الدول المحتملة لإمدادها بالوقود النووي شروط الاتفاقية.

ويمكن لمجلس الأمن أيضاً الاستفادة من الإجراءات المشتركة بين إيران والاتحاد الأوروبي كنموذج دولي جديد تتخلى من خلاله الدول التي تبني منشآت نووية عن تخصيب اليورانيوم وفصل البلوتونيوم، مقابل الحصول على وقود نووي يُستخدم لأغراض اقتصادية بحتة. ومن المؤكد أن إضفاء بُعد دولي على الصفقة الإيرانية سيساعد على منع بروز أي نزعات نشر أسلحة نووية أخرى، وسيلبي مطالب القوميين الإيرانيين المتمثلة في ضمان عدم تعرُّض بلادهم لعزلة أو تمييز.

وفي الختام نقول يجب على مجلس الأمن أيضاً أن يستبق أي أزمة لنشر أو تطوير أسلحة نووية مستقبلية عبر تبنّيه مقترحات روسيا وفرنسا واستصدار قرار يطلب من الدول التي تنسحب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية تفكيك المنشآت النووية التي تقيمها من خلال إطار تعاون دولي وأن تسلّم كل المنتجات النووية التي تم تصنيعها في تلك المنشآت. وعندما تبرز صعوبات في تطبيق هذه السياسة يجب أن يعطي القانون المجتمع الدولي التفويض اللازم لاستخدام كل الآليات الممكنة من أجل إغلاق تلك المنشآت بالقوة.

مجلة آراء حول الخليج