; logged out
الرئيسية / العراق بعد الانسحاب الأمريكي: وحدة أم تقسيم؟

العدد 89

العراق بعد الانسحاب الأمريكي: وحدة أم تقسيم؟

الأربعاء، 01 شباط/فبراير 2012

يبدأ العراق مرحلة جديدة بعد الانسحاب الأمريكي، حيث يستطيع بعدها أن يتمدد إقليمياً وعربياً. إذ إن نظرة متفحصة للمشهد العراقي تنبئ بمدى الإحباط الذي واجه إدارة الاحتلال الأمريكي في كيفية التملص من المستنقع العراقي الذي ظن الأمريكان للوهلة الأولى أنه سيكون نزهة، تتابع بعده سقوط أحجار (الدومينو) وإعادة هيكلة المنطقة وإدخال الكيان الصهيوني بوصفه لاعباً أساسياً وحيداً ممتلكاً للقوة النووية، وبذا يضمنون تقسيم المنطقة حسب رؤيتهم باعتمادهم أوراقاً جديدة تتمثل في الأدوات الجديدة التي انتدبوها تساندها مراكز القوة الجديدة باستبدال القديمة منها ذات البعد الأيديولوجي والكثافة السكانية بعد أن غيبوا الشارع العربي وحكموه بهراوة الحديد والنار.

لقد تركت أمريكا العراق ضعيفاً تنهشه الانقسامات الداخلية، والفساد، والمطامع الإقليمية، مكشوف الحدود ناقص السيادة لأنه لا يزال يرزح تحت ثقل البند السابع، مكشوف الأجواء، بلا طيران وقوة جوية، وبلا دفاع جوي ولا رادارات وبلا جيش مؤهل ومدرب ومجهز بما فيه الكفاية. انتهت الحرب الوقائية والاستباقية التي شنتها إدارة جورج دبليو بوش اليمينية ليلة 20- 19 مارس 2003 بدعم من بريطانيا وبعض الدول الهامشية غير المهمة على رقعة الشطرنج الدولية، ومن دون موافقة أو تفويض أممي أو دولي صادر عن مجلس الأمن والأمم المتحدة، وانتهى الاحتلال رسمياً في 31 ديسمبر 2011، قبل أن يستعيد العراق عافيته أو يعيد بناء نفسه بعد. في حين بلغت تكلفة الحرب أكثر من 800 مليار دولار ونترك للجيوسياسيين مهمة استخلاص الدروس والعبر، ونرى بوضوح أن النتائج لا تصل إلى مستوى المخاطر ولا الوسائل التي وفرت لأن حكم التاريخ سوف لن يرحم الرئيس الأمريكي السابق وبطانته في كذبهم وغيهم وادعائهم بوجود أسلحة الدمار الشامل التي يعرفون مسبقاً أنها غير موجودة، والديمقراطية التي تركوها عرجاء متعثرة وآيلة للسقوط في أية لحظة. وقد اعترف جورج بوش نفسه بضحالة معلوماته الاستخباراتية بخصوص أسلحة الدمار الشامل في العراق والتي شن باسمها حملته العسكرية على العراق كما قال في مقابلة معه على قناة (آي بي سي) التلفزيونية في الأول من ديسمبر سنة 2008 ولم يعتذر أو يتأسف على ذلك. وقد سبق لوزير خارجية بوش كولن باول أن تهجم على وكالة المخابرات المركزية في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 8 سبتمبر 2005 لأنها خدعته بخصوص أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق ولم تخبره بالحقيقة قبل تورطه في خطابه المثير للسخرية في الأمم المتحدة.

إزاء هذه المعضلة ينقسم المحللون إلى قسمين الأول متفائل والآخر متشائم:                          

الفريق الأول يرى بحسب تقرير لوكالة (أنباء الشرق الأوسط) إمكانية أن يتبوأ العراق مكانته في معادلة القوة الإقليمية من خلال مبادرة لدمج العراق في محيطه الخليجي ليكون بوابته إلى العرب وهو بالفعل ما اتجه إليه الخليجيون والعراقيون المعنيون وذلك بنسج شبكة من المشاريع والمصالح المتبادلة تتسع مع مرور الزمن لشتى مجالات التعاون الاقتصادي والمدني لتؤكد خيار التعايش الإقليمي.

كما يتمثل السبيل لتحقيق ذلك أيضاً في رأي هؤلاء، في دخول أقطار مجلس التعاون الخليجي منفردة ومجتمعة في شبكة مصالح متداخلة على نحو وثيق مع العراق لتؤكد خيار التعامل الإقليمي وتجعل الأمن والاستقرار في هذه المنطقة حقيقة قائمة.

جاء الانسحاب الأمريكي تطبيقاً لاتفاقية أمنية وقعت عام 2008 بين بغداد وواشنطن
دول الخليج العربية تأتي في مقدمة المعنيين بالتأكيد على عروبة العراق وانتمائه القومي
دمج العراق في محيطه الإقليمي الخليجي يدعم فرص استقراره الداخلي

وتبدو دول الخليج العربية في مقدمة المعنيين بالتأكيد على عروبة العراق وانتمائه القومي لكونها الأكثر تداخلاً معه بالمعايير كافة، فإذا كسبت دول الخليج العراق فإنها تكون قد حفظت أمنها الإقليمي وعززت من ثقلها في المعادلة الإقليمية وفي الوقت ذاته سيصبح الخليج بوابة العراق إلى أشقائه العرب يؤكد من خلالها انتماءه وهويته.

إن العراق يعتبر قوة متوسطة في محيطه الإقليمي بدوائره الثلاث الخليجية والعربية والشرق أوسطية، فالمقاربة الكلية لمكانة العراق الجغرافية تشير إلى حالة متوسطة تقترب من كونها متقدمة وذلك بمعيار عدد ومكانة الدول المجاورة له وحساسية تخومه ذاتها في الحسابات الجيواستراتيجية الإقليمية والدولية.

ويتضح هذا البعد في الكتلة الديموغرافية للعراق ذات الموقع المتوسط على مستوى محيطه الإقليمي خليجياً وعربياً وعلى مستوى الشرق الأوسط فيبلغ عدد سكانه وفقاً للمؤشرات المتاحة نحو 29 مليون نسمة ويقع في الترتيب الـ 41 عالمياً والخامس عربياً والثاني خليجياً بعد إيران ذات الـ 66 مليوناً والأربعمائة ألف نسمة ويفوق تعداد العراق السكاني تعداد سوريا والأردن مجتمعين، حيث يفوق سوريا بأكثر من ثمانية ملايين إلا أنه لا يصل سوى 37 في المائة من عدد سكان تركيا البالغ نحو 77 مليون نسمة.

كما يعد العراق قوة متوسطة على صعيد ثروته المادية في إطار بيئته الإقليمية، فهو صاحب رابع أكبر احتياطي نفطي عالمي بعد السعودية وكندا وإيران على التوالي، ويحتل أيضاً العراق المرتبة العاشرة عالمياً على صعيد مخزونه من الغاز الطبيعي وبعد كل من إيران وقطر والسعودية والإمارات على صعيد النظام الإقليمي الخليجي، بل يعد العراق قوة متوسطة في إطار بيئته الإقليمية فهو يمتلك ثاني أكبر عدد من القوات المسلحة في الخليج بعد إيران.

 

 

وفي هذا الصدد يسعى العراق للتوصل إلى اتفاق للدفاع الجوي المشترك مع دول الخليج العربية من أجل تأمين مجاله الجوي بعد انسحاب القوات الأمريكية. وذكر مكتب الرئيس العراقي جلال الطالباني أن العراق يعتمد على اقتراح توقيع اتفاق مشترك للدفاع الجوي مع دول الخليج لا يغطي المجال الجوى العراقي وحده وإنما المنطقة كلها.

ومما يؤكد النظرة المتفائلة للفريق الأول ما يظهر في الأفق من متغير إقليمي استراتيجي قد يعزز من فرص الأمن الإقليمي وقد يعمق غيابها المديد، فدمج العراق كما يقول هؤلاء في محيطه الإقليمي الخليجي يدعم فرص استقراره الداخلي ويزيد من منسوب التفاعلات المدنية مع هيئاته المختلفة مما يجعل من القوة العراقية عامل ترجيح لفرض الأمن في الخليج.

ويأتي في هذا السياق انسحاب أمريكا من دون وضوح استراتيجي مع العراقيين، بل إن العدد المحدد للمدربين الأمريكيين يكاد يهدده غياب الحصانة التي يرفض العراقيون منحها لهم حتى الآن، ويمكن أن يسود المشهد العراقي طبقاً لذلك زيادة سطو قوة المركز بمعنى السيطرة على مفاصل مهمة في أغلب المحافظات إن لم تكن جميعها، وأغلب مجالس المحافظات وخصوصاً الوسط والجنوب بوضعها الحالي يكاد يكون تابعاً لنفس القائمة الانتخابية لرئيس الحكومة أو بعض الكتل المتحالفة معه وهو ما يمكّن الحكومة المركزية من إيجاد أكثر من منفذ لبسط نفوذها بشكل كبير.

تضاف إلى ذلك الترتيبات التي جرت بين حكومة المركز وحكومة الإقليم في كردستان وهدوء التوتر بشكل كبير وهذا يعني اتفاقاً ضمنياً على إيجاد جبهة موحدة في الأيام المقبلة ضد أي محاولة للتمرد سواء المسلح أو الانفصال بشكل غير قانوني.

أما الرأي الثاني المتشائم فهو يرى أن العراق سيظل لسنوات طويلة تابعاً لغيره لأن الاحتلال الأمريكي وفر قدراً كبيراً من المكاسب لإيران ولو بطريقة غير مباشرة جعل منها اللاعب الإقليمي الأكثر نفوذاً وتأثيراً في الساحة السياسية العراقية بعد أن قام بعملية تصعيد لعدد من القوى السياسية الداخلية التي لها ارتباطاتها الأيديولوجية الشيعية مع نظام ولاية الفقيه في إيران وإن اختلفت درجة الالتزام الأيديولوجي إلا أنهم جميعاً يشتركون في كونهم قوة شيعية تمثل غالبية البرلمان العراقي ترتبط بصورة أو أخرى بالموقف الإيراني.

ولذلك فإن إيران ستكون هي مفتاح تمديد بقاء القوات الأمريكية في العراق وعندئذ سيظل العراق لسنوات طويلة تابعاً لغيره من القوى ولأدوارها الإقليمية والدولية على حد سواء.

وعلى الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي أوباما انتهاء الحرب في العراق وسحب كامل الجنود الأمريكيين إلا أن هناك من يشكك في حقيقة الانسحاب ويرى أنها نظرية مؤامرة، فالأمريكيون لا يريدون الانسحاب من البلاد وهم يختلقون الحجج للبقاء أو لإبقاء قواعد عسكرية ثابتة وهو ما يتضح مما سيبقى في العراق من هذه القوات بعد الانسحاب وهو 157 عسكرياً و763 متعاقداً مدنياً على أرض العراق رغم تدريب القوات العراقية.

 وقد أشارت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة تنوي الانخراط بالعمل عن قرب مع القطاعات العراقية غير العسكرية كالاقتصاد والفضاء والزراعة وغيرها.

والمعروف أن الانسحاب الأمريكي من العراق جاء بعد ثماني سنوات وتسعة أشهر من عبور القوات الأمريكية للحدود ذاتها في الاتجاه المعاكس في بداية الغزو الذي أطلق عليه (عملية تحرير العراق) وبدأت هذه العملية بقصف بغداد ثم تحولت إلى نزاع طويل قتل فيه عشرات الآلاف وأطاحت بنظام الرئيس العراقي صدام حسين. كما جاء بعد أن بلغ عدد الجنود الأمريكيين ذروته عام 2007 بانتشار 170 ألف جندي لاستتباب الأمن ومواجهة العمليات المسلحة بقي حوالي 50 ألفاً منهم لدى انتهاء العمليات القتالية في أغسطس 2010.

وجاء الانسحاب الأمريكي أيضاً تطبيقاً لاتفاقية أمنية وقعت عام 2008 بين بغداد وواشنطن علماً بأن الرئيس الأمريكي باراك اوباما أكد في أكتوبر الماضي الانسحاب الكامل إثر رفض العراق منح آلاف الجنود الأمريكيين حصانة قانونية.

 وقد بلغت حصيلة الضحايا العراقيين منذ بداية الغزو الأمريكي في 2003 أكثر من 100 ألف قتيل بينما سقط من جانب الاحتلال الأمريكي 4500 قتيل و32 ألف مصاب في حرب تكلفت مليارات الدولارات.

مجلة آراء حول الخليج