; logged out
الرئيسية / خصخصة المياه ودورها في إدارة الموارد المائية لدول الخليج

العدد 90

خصخصة المياه ودورها في إدارة الموارد المائية لدول الخليج

الخميس، 01 آذار/مارس 2012

تعد أنظمة المياه العامة أي التي تديرها الحكومة واحداً من الأمور الجيدة في المجتمعات، لكن التغير السريع الذي حدث عن طريق الصناعات الثقيلة والأعمال الزراعية الضخمة أخذ يستنفد المياه بصورة سريعة، لذا أصبحت خصخصة المياه سواء ببيعها مباشرة للقطاع الخاص أو بالمشاركة بين القطاعين العام والخاص موضوعاً له الأولوية وذلك على نحو ما أكده كوفي عنان السكرتير السابق للأمم المتحدة في تصريح قال فيه (إن الحلول الدائمة والفعالة لا يمكن أن تتم إلا إذا اتحدت جهود أصحاب المصالح الاستثمارية مع الجهود الأخرى للمشاركين في العمل وأن هذا لن يحدث إلا بتعبئة وتنظيم القطاع المشترك وهو ما نعتبره تقدماً مهماً).

تعاني دول مجلس التعاون الخليجي أزمة حقيقية في المياه، الأمر الذي جعلها تبحث عن مصادر بديلة لتوفير هذا المصدر الحيوي، لذلك اتجهت إلى تحلية مياه البحر، عن طريق إنشاء محطات التحلية، والتي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة لإنشائها، ونتيجة لذلك فكرت دول المجلس في خصخصة قطاع المياه مثلما يحدث في الإمارات والسعودية.

تعاني دول مجلس التعاون الخليجي أزمة حقيقية في المياه
أصبحت مسألة خصخصة المياه في دول الخليج من المواضيع المهمة وذات الأولوية
خصخصة المياه قادمة إلى البلدان النامية على الرغم من رفض الشعوب لهذه الفكرة

وتعتمد خصخصة موارد المياه على مبدأ (استرجاع التكلفة الكاملة Full Cost Recovery)لإدارة المياه بدءاً من الجمع حتى التنقية والتوزيع والصيانة وهذا يعني تلقائياً زيادة أسعار المياه على المستهلك، وهناك نقاش مضاد مفاده أن مثل هذه الإجراءات قد تكون مفيدة من الناحية البيئية ومن ناحية استدامة الموارد لأنها لا تجعل المياه مورداً رخيصاً أو حتى مجانياً خاضعاً للهدر في البلدان التي تعاني شحاً في المياه بل تجعله مورداً ثميناً يجب إدارته بفاعلية وترشيد.

هناك خمسة أسباب رئيسية للخصخصة:

أولاً: تحسين نوعية المياه (Improvement of water quality).

ثانياً: تحويل الحاجات للاستثمار (Financing needs for investment).

ثالثاً: الحاجة للخبرة والتقنية (Needs for Technical expertise):

رابعاً: الاهتمام بزيادة الكفاءة ورفع مستوى الأداء (efficiency concerns).

خامساً: الطمع والجشع (greeds):

وهناك ثلاثة نماذج رئيسية للخصخصة تمثلها الأوضاع في فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي تستخدم على الترتيب، أولاً: الإدارة بعقد (تفويض)،  Outsourcing (عقد الإدارة): أي أن الشركات مسؤولة فقط عن إدارة النظام، وتعني العمليات الخاصة لصيانة مرافق المياه (O &M) والتجهيز لمختلف الأشياء مثل أعمال المختبر، قراءة العدادات، وتجهيز المواد الكيماوية...إلخ.

فالنظام الفرنسي يسمح بالكثير من الاختيارات بداية من التأجير وحتى الالتزام، الأمر الذي يعطي مرونة كبيرة تتناسب مع الظروف الخاصة للمتعاملين في ما يتعلق بالمشكلة الحساسة الخاصة بملكية البنية التحتية، حيث تبقى الدولة مسيطرة على الجزء الأكبر وتخصص الباقي، ثانياً: أما أسلوب الإدارة البريطاني Asset Sale الذي يعهد بقطاع الماء لوكالة مستقلة، أي يعني خصخصة الماء بالكامل (الماء، التصريف، المجاري والمعالجات...إلخ)، يعني التنازل عن الموجودات (وليس تسليمها بمقتضى عقد التزام) للقطاع الخاص الذي يحرم بذلك المجتمع من أية سلطة، إذ يخضع لقوى السوق ومقتضياته الاقتصادية من دون المقتضيات الاجتماعية، ومع ذلك فإن هذا الأسلوب يدافع عنه بحماسة الفنيون والخبراء الماليون وهذا هو السبب في أن المساعدات الممنوحة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تخصص لصرف رؤوس أموال لإقامة بنية تحتية حديثة بالكامل توضع تحت إشراف شركات خاصة، بدلاً من تحسين كفاءة المعدات والخدمات القائمة، ثالثاً: نظام الشراكة المختلطة (Design, Build and Operate) المطبق في ألمانيا فيطبق أسلوباً مبتكراً هو تكوين شركة تضم شريكاً خاصاً يمثل الأقلية مع أغلبية من المساهمين العاملين ويُعطى عقد الإدارة للشريك الخاص، أي بمعنى التفاوض والتعاقد مع شركات خاصة للتصميم وخدمات البناء باتفاقيات التشغيل والتي تمثل التوسع والأدوات والآلات والأبنية الجديدة وترقية الوسائل، أي أن الدولة تؤجر المياه إلى القطاع الخاص الذي يسترجع التكلفة من المستعملين وتكون الدولة مسؤولة عن التمويل والاستثمار. والمشكلة الرئيسية في هذا النظام هي فقدان التوازن بين من يعهد بالتفويض ومن يتلقاه. وتدل الخبرة العملية على أنه غالباً ما يستجيب القطاع العام لمنطق القطاع الخاص، وعلى الرغم من أن الأشكال الثلاثة تحمل في طياتها بذور الخصخصة إلى أن النموذج الفرنسي هو الأكثر انتشاراً وهو ما يعرف اليوم بالقطاع المشترك. ويبين الجدول (1) المقارنة ما بين إيجابيات وسلبيات الأنظمة الثلاثة من أنظمة مشاركة النظام الخاص.

جدول رقم (1): إيجابيات وسلبيات القطاع الخاص في مجال إدارة المياه

الرقم

النظام

الإيجابيات

السلبيات

1

عقود الخدمات

1- يستفيد القطاع العام من خبرة القطاع الخاص.

2- رفع كفاءة المرافق.

3- سهولة التعاقد حيث لا يحتاج لشروط معقدة

1- لا يحسن الأداء لدى موظفي القطاع العام.

2- لا يقوم بحل مشكلات التعرفة او استرداد التكلفة

2

 

عقود الإدارة 

1- تحسين الخدمات.

2- رفع كفاءة أنظمة التشغيل.

3- تحسين هيكلة المرفق.

4- خطوة أولى نحو الخصخصة.

1- مسؤولية القطاع العام عن تحويل المشاريع وجزء من تكلفة التشغيل.

3

عقود الامتياز

1- القطاع الخاص مسؤول عن جميع الأنشطة.

2- يحقق أعلى كفاءة.

3- التعاقد مقابل مبلغ محدد يمكن أن يحدد له هدف وحوافز أداء.

1- إبرام العقود مسألة معقدة.

2- بحاجة إلى هيئة تنظيم ذات كفاءة عالية.

3- يوجد نوع من الاحتكار.

المصدر: التجربة الأردنية في خصخصة خدمات قطاع المياه، سلطة المياه، عمان، 7/11/2007.

مستقبل خصخصة المياه بين القطاعين العام والخاص:

السؤال المطروح الآن هو هل إن إدارة المياه يجب أن تدار من قبل القطاع الخاص أم القطاع العام؟ وهذا السؤال أيضاً تساءل عنه وزير المياه البوليفي (أبيل ماماني) أثناء انعقاد ندوة المياه العالمية الرابعة التي عقدت في المكسيك في عام 2006 قائلاً: (لم توفر الخصخصة فرصة أكبر لمواطنينا الأكثر فقراً لحصول على المياه) فهل تتعين إدارة المياه من جانب القطاع الخاص أم القطاع العام؟ ويرى مؤيدو الخصخصة أن الشركات الخاصة ستتمكن من إيجاد حل للمشكلات الكبيرة المحيطة بإمدادات مياه الشرب في كثير من الدول النامية ولكن مع ذلك يكون من الصعب –من الناحية العملية- إمداد تلك الشركات للطبقات الفقيرة بالمياه لأنه يتعين على الشركات تحقيق قدر معين من الأرباح تلبية لما يتوقعه حملة أسهمها.

والآن سنأخذ ثلاثة سيناريوهات لنقارن بين التمويل العام والخاص لقطاع الماء.

* السيناريو الأول: مقارنة بين التمويل العام والخاص لقطاع الماء مع افتراض دولة الصالح العام التي تعمل على تنظيم الخدمة العامة وتعمل في بيئة تضمن أفضل التعاقدات.

إن قيام الدولة بإدارة قطاع المياه يجتذب المستهلكين بسبب انخفاض السعر بدلاً من استبعادهم، وذلك يعني نقل الموارد للسكان بتأكيد طبيعة الماء كإرث مشترك، فضلاً عن ذلك فإن الدولة لديها القدرة الأكبر على توزيع المخاطر، وبعبارة أخرى في الوقت الذي لا يستطيع أغلب اللاعبين من القطاع الخاص أن يوزعوا المخاطرة (بسبب عيوب الأسواق المالية) فإن الدولة بفضل الحلول الوسط الاجتماعية لها القدرة على تقاسم المخاطر مع جميع دافعي الضرائب، أي أن انخفاض السعر الذي يمارسه القطاع العام، يعود إلى أن هذا القطاع يستفيد من تأثير الكمية الذي يعوض بالكامل تأثير السعر، كذلك فإن الدولة تسمح بالمحافظة على مبادئ الاستمرارية والحياد والمساواة الواجبة في حالة منتج مشترك كالماء وهذه الحجة هي غياب أي احتمال لإفلاس الدولة، أي أنه لا يوجد خطر للتوقف عن دفع ديونها، فإذا ما قررت شركة خاصة تحتكر توفير الماء أن تعلن إفلاسها لأسباب مالية، ففي هذه الحالة سيحدث جدل كبير قبل أن يتمكن الناس من التأقلم مع هذا الوضع وقدرة الدولة على تمويل عجزها عن طريق الضرائب (في حين أن المساهمين في شركة خاصة ليسوا على الدوام مستعدين لدفع المزيد من رأس المال في حالة ظهور صعوبات) يتبين من خلال ذلك أن القطاع العام لديه ميزة نسبية بالنسبة للقطاع الخاص في تمويل وإدارة منتج مشترك حيوي مثل الماء.

* السيناريو الثاني: مقارنة بين التمويل العام والخاص لقطاع الماء مع الافتراض بأن الدولة تعمل لمصلحة المجموعات التي تمثلها فقط:

هناك رأي يقول إن الخصخصة تؤدي إلى إشراف أقل فاعلية لأنها تتخلى عن ريع معلوماتي لملاك الشركة المخصخصة في حين تتخلى الدولة عن جزء من معلوماتها، وفي المقابل عندما تكون الدولة خاضعة لبعض جماعات الضغط فإن الخصخصة تمنع الحكومة من إدارة المنتج المشترك لمصلحة الجماعات الخاصة التي تمثلها، ويستنتج من ذلك أنه من الأفضل خصخصة الماء عندما تكون الحكومة أكثر خضوعاً للمصالح الخاصة، وهناك رأي آخر يفترض أن البلاد تحكمها أغلبيات عدة تعمل كل منها على تحقيق مصالح ناخبيها الخاصة فإذا كانت إدارة المياه تخضع لاحتكار عام، فإن الأغلبية تستطيع الاستحواذ على الريع الناتج عن استغلاله، في حين أنه إذا كانت الإدارة لاحتكار خاص، فإن الحكومة لن تستحوذ إلا على جزء من الريع وتترك الباقي لملاك الشركة، وهكذا قد تكون الخصخصة مفضلة بقدر ما تشكل ضماناً للناخبين من كل معسكر ضد الاستحواذ على مورد قومي خلال إحدى دورات تبادل السلطة، كذلك فإن الدولة لا تستطيع أن ترتبط بسياسة طويلة المدى بشكل له مصداقية، الأمر الذي يلغي الحافز لدى مديريات الشركات العامة لعمل كافة الاستثمارات الضرورية لأنه يمكن للدولة في أي وقت أن تحرمهم بأثر رجعي من المزايا المرتبطة بهذه الاستثمارات، ومن هنا لا تستطيع الدولة أن تحافظ دائماً على نوعية الماء الذي تقدمه للسكان في الكثير من البلدان.

إذاً هل الإدارة العامة للماء أقل كفاءة من القطاع الخاص؟ تكاد تستحيل الإجابة عن هذا السؤال، فكل من القطاعين له مواطن القوة والضعف (بافتراضات مختلفة)، لذا فحتى إذا دلت بعض الدراسات التجريبية على مدى تحسن في الهياكل المالية للشركات المخصخصة (تناقص نسبة الدين/رأسمال) فيجب ألا نغفل الطبيعة الاقتصادية لهذه الدراسات وأن المدافعين عن السوق يبرزون بشكل مبالغ فيه النجاحات المالية، ليغطوا المآسي الاجتماعية التي تنتج عنها ولهذا السبب يميل كثير من الاقتصاديين أكثر فأكثر نحو إدارة الماء بالتفويض كأسلوب مقبول للتنظيم.

ومن خلال ما تقدم نلاحظ أن خصخصة المياه قادمة إلى البلدان النامية مع العلم أن شعوب هذه البلدان ترفض هذه الفكرة، ولكن الحكومات لها رأي آخر إذ يجب أن يؤخذ الأسلوب المناسب للخصخصة لكي لا تظلم هذه الشعوب إذا ما عرفنا أن النسبة العظمى من هذه الشعوب هي بلدان فقيرة، ولا يستطيع الفقير فيها دفع ثمن التعريفات للحصول على الماء اللازم لاحتياجاته، لذلك يجب على الدولة ألا ترفع يدها عن هذا القطاع المهم، وإن كان لا بد من الخصخصة فإن السيناريو الأخير قد يكون الأكثر ملاءمة لبلداننا. وهو السيناريو الثالث. هذا وسبق أن أوضحنا في بداية البحث الأشكال التنظيمية الفرنسية والألمانية والبريطانية وأشرنا إلى أن النظام الفرنسي يعد السائد والأحسن من بين الأنظمة الثلاثة، وهي الإدارة بعقد تفويض أي مشاركة عام/خاص تتحقق بتسليم الدولة للموجودات العامة على أساس طلب عروض عامة وطنية أو دولية، أو بعبارة أخرى توقع الدولة عقداً بالإدارة المشتركة للماء لشركة ما عليها أن تنفذ الاشتراكات الواردة بدفتر المواصفات والشروط وهذا معناه أسلوب للإدارة يستفيد من مزايا السوق والقطاع العام في الوقت نفسه، حيث يعتقد أن الإشراف القوي للحكومة مقيد لحماية المصلحة العامة وهذه الفقرة من إحدى فقرات المبادئ العامة التي وصفها معهد المحيط الهادي (The Pacific Institute)، ويستمد العقد شرعيته من المنافسة التي تعني عادة تحسيناً في نوعية المنتج وتسمح للإدارة بالتفويض أن تضمن معايير النوعية التي يعجز القطاع الخاص عن تحقيقها أحياناً.

وهكذا يمكن تقدير أهمية المنافسة السابقة على التعاقد، فالدولة بفتح الباب أمام جميع المتنافسين تستطيع اختيار أفضلها قدرة على تحقيق ما ورد في دفتر المواصفات والشروط، والمنافسة هنا تعمل كمرشح يسمح للدولة باختيار شركة ذات مصداقية، أما دفتر المواصفات والشروط فيجب أن يكون قاطعاً في منع أي تجاوزات للسوق بهدف ضمان حق كل إنسان في الماء بصفته يساوي الحق في الحياة، وبعد تحديد كمية الماء اللازمة للحياة يومياً لكل فرد، يجب أن تشترط الدولة أن الثمن المحدد للمتر المكعب من الماء يجب أن يساوي قيمة الخدمة وأن يراعي كذلك القدرة الشرائية للفئات الاجتماعية الفقيرة. وفي الواقع يجب أن يضمن هذا العقد كون الماء مورداً يتوقف ثمنه الاقتصادي على القيم الثقافية للشعب، مع تجنب أن يصبح مصدراً للريع للرأسماليين الذين يقتنصون الفرص، لذلك ينبغي على الدولة، مع التأكيد على معايير الاستمرارية والنزاهة والمساواة والشفافية والمسؤولية في إدارة مورد مشترك مثل الماء أن تتخلى عن مبدأ (الملوث يدفع) الذي يسمح للأغنياء فقط أن يستخدموا ما يشاءون – بل أن يلوثوا ما يشاءون طالما أنهم سيدفعون ثمن ذلك، وأن تنظم الإدارة بالتفويض بأن تحدد قواعد التشغيل، وأن تشرف على تطبيقها وعلى نتائج ذلك بمجموعة من الإجراءات الإيجابية والسلبية.

مقالات لنفس الكاتب