; logged out
الرئيسية / دول الخليج من استراتيجية تنويع القاعدة الاقتصادية إلى استراتيجية التنمية المستدامة

العدد 87

دول الخليج من استراتيجية تنويع القاعدة الاقتصادية إلى استراتيجية التنمية المستدامة

الخميس، 01 كانون1/ديسمبر 2011

اكتشفت المملكة العربية السعودية ومعها بقية دول الخليج الأخرى مؤخراً أن استراتيجية تنويع القاعدة الاقتصادية القديمة غير كافية، حيث اعتبرت أن الصناعات البتروكيماوية هي حجر الزاوية في خطة التنويع الاقتصادي، كما تهدف إلى زيادة القيمة المضافة وتقليل الاعتماد الكبير على عائدات النفط. رغم ذلك وبعد عقود عدة فلا تزال تمثل عائدات النفط نسبة 90 – 95 في المائة من إيرادات دخل الدولة و40 – 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

تشهد السعودية وبقية دول الخليج الأخرى نمواً ضخماً وتحولاً كبيراً جعل المملكة بمفردها تستهلك نحو 3 ملايين برميل من النفط والغاز. وإذا ما استمر نمو هذا الاستهلاك بمعدله الحالي من دون التوجه نحو البدائل الأخرى أو استخدام تقنيات تقلل من حجم هذا الاستهلاك الذي يعد استنزافاً للموارد، فإن معدل الاستهلاك سيرتفع إلى 8 ملايين برميل بعد حوالي 20 عاماً (حسب تصريح لرئيس أرامكو المهندس خالد الفالح في إحدى المناسبات).

وبالنظر إلى هذه التحديات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفالها، ويجب ألا ينظر إلى هذه التحديات بأنها نظرة تشاؤمية بقدر كونها نظرة استشرافية للمستقبل ما يجعل اللجوء إلى الطاقة النووية السلمية وبدائل الطاقة الأخرى مصيراً وليس خياراً لأن إنتاج الكهرباء من الغاز والنفط أعلى بـ 17 مرة أو أكثر بحسب أسعار النفط والغاز من تكلفة التوليد بالطاقة النووية.

يجب ألا نجعل واردات النفط هي التي تتحكم في الاقتصاد والمجتمع بل يجب أن يكون العكس

لذا ينبغي علينا مواجهة التحديات من خلال تحديد مواضع الألم، فلماذا نحن مستمرون في استنزاف مواردنا الطبيعية الناضبة في عالم شديد التنافسية وسريع التطور، فإيجاد الحلول التي ترتكز على التقنيات لتحسين الوضع الذي يعاني خللاً وظيفياً ضرورة ملحة.

فالدول المتقدمة تقارن دائماً بين وضع العالم حالياً بكيف يجب أن يكون عليه مستقبلاً؟ فإذا كان الإبداع مهماً لاختراع منتجات جديدة فإن العالم المتقدم بدأ يعتمد على الخيال العلمي لأنه يرتبط بإبداع الأهداف، أو ما هو الهدف للوصول إلى نماذج أكثر تطوراً من الرأسمالية الحالية الذرائعية إلى الرأسمالية الموضوعية التي تقرن بين المجتمع والسوق وهو هدف أساسي لتعميق دور المواطنة المؤسساتية المفقودة في دولنا أو المتواضعة والهشة، ونحن نعتبر في طور النشوء والتطور فيجب ألا نجعل واردات النفط هي التي تتحكم في الاقتصاد والمجتمع بل يجب أن يكون العكس.

ولطالما دخل العالم مرحلة اقتصاد المعرفة، وأصبح رأس المال الفكري أكثر أهمية من رأس المال المادي الذي يمنح رأس المال الفكري أدوات جديدة تمكنه من مواجهة التحديات ومعالجة الألم والاختلالات من منطلق أن الموارد الطبيعية محدودة والإمكانات والقدرات العقلية غير محدودة، وهنا نستطيع الوصول إلى تحقيق تنمية مستدامة على أرض الواقع.

ويضم الاتحاد الخليجي لمصنعي البتروكيماويات والكيماويات في عضويته حالياً سبع شركات تصنف ضمن أكبر عشر شركات في مجال البتروكيماويات والكيماويات في العالم.

ويتوقع رئيس هذا الاتحاد المهندس محمد الماضي أن يصل إجمالي حجم الاستثمارات الخليجية في مجال البتروكيماويات إلى نحو 50 مليار دولار بحلول عام 2015، ويتوقع خالد الفالح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أن تصل قيمة إنتاج البتروكيماويات في منطقة الخليج ما بين 150 ملياراً و200 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020م ارتفاعاً من 40 مليار دولار في عام 2010.

وارتفع حجم الاستثمار في الصناعات التحويلية في دول الخليج إلى 219 مليار دولار خلال عقد من الزمان مرتفعة من 86,6 مليار دولار عام 2000م وارتفع عدد المصانع من 7490 مصنعاً إلى 13035 مصنعاً، وتستحوذ السعودية على 36 في المائة من إجمالي عدد المصانع بنحو 5 آلاف مصنع ولكن باستثمارات بنحو ثلثي إجمالي الاستثمارات في دول الخليج ( 508 مليارات ريال ).

وبحلول عام 2020م ستنمو صناعة البتروكيماويات والكيماويات في المنطقة خمسة أمثالها في عام 2010، ولكن هل ستكون هذه الصناعة بمثابة العصر الذهبي لمنطقة الخليج من حيث الظروف الاقتصادية والفرص التجارية للكثير من العقبات والتحديات الهيكلية؟

لكن إذا أرادت أن تتحول المنطقة إلى العصر الذهبي فعليها أن تأخذ الدرس من (أوبك) التي اتهمت بأنها (كارتيل) من الدول الغربية رغم أنها 12 دولة إلا أن قوتها الاقتصادية أقل من سبع شركات نفطية غربية عالمية لأن الفارق الاقتصادي والتجاري بينهما كبير جداً، فأوبك لا تسيطر إلا على 40-43 في المائة من الحصة السوقية، بينما وصلت سيطرة الشركات السبع إلى 70,9 في المائة من حصة السوق في عام 1972، وحالياً قلّت هذه الحصة، ولكن الفرق بينها وبين أوبك أن أوبك لا تسيطر إلا على الجزء الأعلى من الصناعة والمتعلق بالتنقيب والإنتاج بينما الشركات السبع تسيطر على الصناعة بالكامل عن طريق التكامل الرأسي من التنقيب والإنتاج إلى النقل والتوزيع والتسويق والسيطرة على أسواق النفط وتقسيمها فيما بينها.

فعلى الاتحاد الخليجي لمصنعي البتروكيماويات والكيماويات أن يتجه إلى السيطرة على هذه الصناعة بالكامل عن طريق التكامل الرأسي ولا يكتفي بالاعتماد على الميزة النسبية المستمدة من توافر الغاز فقط بل عليه أن يتجه إلى تنويع المنتجات وتهيئة بيئة ديناميكية تحقق النجاح التجاري وتعزز روح المبادرة.

ومن أجل استدامة هذه الصناعة المعتمدة على الغاز كلقيم فإن دول الخليج تمتلك 23 في المائة من احتياطي الغاز في العالم وتعاني نقصاً في الغاز باستثناء قطر بسبب النمو المتسارع في اقتصادياتها.

ومن جانب آخر أن يتجه الاتحاد إلى الصناعات الكيماوية التي تولد صناعات أخرى على غرار (سابك) التي تدرس شراء أنشطة البولي يورثين من شركة باير الألمانية وهي مواد عازلة وبلاستيك تستخدم في صناعة أقراص تخزين البيانات ومصابيح السيارات.

ونجد أن قطاع الأعمال الأمريكي كان له الفضل في تأسيس مشاريع تنافسية على المستوى العالمي، غير أن نجاح الاقتصادين الصيني والألماني يعتمد على قدرة البلدين على التكيف مع أسواق عالمية سريعة التغير.

فشركات البتروكيماويات في الخليج يجب أن تستفيد من الطاقة المدعومة، وتحصل على المواد الخام مثل الإيثان المستخدم لإنتاج معظم المنتجات البتروكيماوية، ووفقاً لتقرير من شركة (KPMG) عام 2008 كان متوسط سعر المليون وحدة حرارية بريطانية من الطاقة يبلغ 7-8 دولارات في الولايات المتحدة، لكنه كان 75 سنتاً فقط في السعودية وهو ما يبرر أرباح شركة سابك عام 2010 التي تساوي أرباح شركة باسف الألمانية رغم أن إنتاج شركة سابك أقل من نصف إنتاج شركة باسف، وأرباح شركة سابك للسنة نفسها أكثر من ثلاثة أضعاف شركة داو كيميكال رغم أن إنتاج شركة سابك أقل من إنتاج شركة داو كيميكال، وأرباح شركة سابك أكثر من ستة أضعاف شركة كيميكال وهي تنتج كمية الإنتاج نفسها التي تنتجها سابك.

لكن نجد الصين التي لا تمتلك الميزة النسبية نفسها التي تمتلكها دول الخليج أنها أكبر منتج للبتروكيماويات في العالم بقيمة 748 مليار دولار تليها الولايات المتحدة بنحو 514 مليار دولار ثم اليابان بنحو 199 مليار دولار، وهي كذلك لا تملك ميزة نسبية بل تستورد كامل المواد الخام الداخلة في هذه الصناعة من دول الخليج، في حين لم تأت أية دولة خليجية من ضمن أكبر عشر دول رغم أن السعودية تنتج بنسبة 10 في المائة من الإنتاج العالمي، لكن هذا الوضع سيتغير مستقبلاً بعدما دخلت أرامكو في إنتاج الكيماويات المتخصصة.

وارتفع إنتاج دول الخليج من 4 ملايين طن عام 1985 إلى 105 ملايين طن عام 2010، و50 في المائة من إجمالي الإنتاج ينتج في السعودية، ويتوقع أن تنتج دول الخليج عام 2020م نحو 20 في المائة من الإنتاج العالمي للبتروكيماويات، وتنتج دول الخليج من البلاستيك 62 مليون طن، 40 مليون طن منها ينتج في السعودية، ويتوقع أن يرتفع إنتاج دول الخليج من البلاستيك عام 2012 نحو 111 مليون طن سيكون نصيب السعودية 72 في المائة من إجمالي الإنتاج.

إن مشكلة دول الخليج أن صناعاتها البتروكيماوية لا تمتلك الميزة التكنولوجية التي تتميز بها الشركات الدولية النظيرة على اعتبار أنها كانت تركز على المنتجات منخفضة التكلفة التي تستفيد من مواد اللقيم الرخيصة، لذلك نجد أن شركة سابك لا تنفق على البحث والتطوير سوى 0,34 في المائة من إيرادات المبيعات، بينما شركة باسف الألمانية تنفق نحو 2,34 في المائة من إيرادات المبيعات، وهناك شركات يرتفع إنفاقها إلى 7 في المائة من إيرادات المبيعات، وقد يكون سبب انخفاض الإنفاق على البحث والتطوير في سابك يعود إلى إنتاج بتروكيماويات سلعية محددة لأن اللقيم مدعوم محلياً، ولكن لماذا لم تفكر الشركة حتى الآن في إنتاج بتروكيماويات متخصصة بسبب أنها لا تملك الميزة التكنولوجية، وإن كان الإنفاق على البحث والتطوير سيولد ميزة تكنولوجية، لكن من المرجح أن تتجه الشركات الخليجية إلى عمليات الاستحواذ على التكنولوجيا وعلى الخبرة المكتسبة في مجال المنتجات الخاصة بشركات معينة، ولا يمكن الوصول إلى تلك المميزات إلا من خلال الاستحواذ على الشركة المالكة أو المطورة.

فإذا أردنا أن نستفيد من الميزة النسبية المرتبطة بالمواد الخام في دول الخليج من أجل أن تسهم في بناء القيمة المضافة والنمو المستدام لعملياتها الإنتاجية فعليها أن تتجه نحو قطاعات الصناعات التحويلية النهائية والتي ترتبط عادة بتطوير التجمعات الصناعية في منطقة الخليج بهدف تصنيع مخرجات الصناعات الأساسية في قطاعي البتروكيماويات والمعادن الأساسية ليس بهدف الاكتفاء الذاتي فحسب، بل أيضاً بغرض التصدير إلى الأسواق المجاورة والعالمية حتى يكون لدول الخليج مكان في الخريطة الصناعية العالمية في ظل سوق تنافسية عالمية لا ترحم.

مجلة آراء حول الخليج