array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 87

مُستقبل دور النفط في التنمية الاقتصادية المستدامة لدول مجلس التعاون

الخميس، 01 كانون1/ديسمبر 2011

لا نبالغ إذا قلنا إن منطقة الخليج العربي تعد من أهم أقاليم العالم على الإطلاق في ما يتعلق بموارد الطاقة وخاصةً النفط الخام والغاز الطبيعي، لاسيما أن النفط يعد في عالم اليوم المصدر الأول والأساسي ومحور أغلب الإنتاج الصناعي والزراعي، كونه سلعة استراتيجية ومادة أولية لإنتاج ما لا يقل عن أحد عشر ألف سلعة صناعية مختلفة في العالم، لذلك يعد أهم سلعة في التجارة الدولية وفق متطلبات الاقتصاد العالمي.

ترجع أهمية الخليج العربي الاقتصادية إلى ما يحوزه من موارد وثروات، وخصوصاً مادة النفط، والتي تعد سلعة استراتيجية، وعصب حياة الدول الصناعية في أوقات السلم والحرب على حدٍ سواء، حتى بات يعد من أهم أركان القوة الاقتصادية للدولة، كونه أهم مصدر للطاقة. إذ تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي من الاستفادة من النفط الخام وتحويله إلى منتجات في نهاية الثلاثينات ومنتصف الأربعينات عندما تم إنشاء أولى المصافي في مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ثم دولة الكويت، لتتم تلبية متطلبات الاستهلاك المحلي، ومن ثم تطورت صناعة التكرير لتشمل كافة دول المجلس للاستفادة منها محلياً وتصدير الفائض إلى الأسواق العالمية من أجل تحقيق زيادة في معدلات الدخل القومي، وذلك لارتفاع أسعار المنتجات النفطية في الأسواق العالمية، نتيجة الطلب المتزايد عليها.

وبسبب هذه المزايا وغيرها للقطاع النفطي فقد استطاع النفط أن يجعل لدول مجلس التعاون مكانة دولية متميزة، لما تتمتع به من احتياطي للنفط وقدرة إنتاجية، ينظر الجدول رقم (1)، وعائدات نفطية هائلة استطاعت تغيير المجتمع الخليجي بكامله لتحوله من شبه حياة البداوة وقسوة الصحراء إلى حياة الرفاهية في المدن الحضرية ومن ثم بات يؤدي دوراً مهماً ومميزاً في تحقيق عملية التنمية الاقتصادية المستدامة لدول المجلس كافة.

جدول رقم (1): يبين حجم احتياط وإنتاج النفط في دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2006

الدول

كمية الاحتياطي مليار برميل

الإنتاج

الحقول

أمد النضوب

سنة 2006

مليون ب/ي

الحالية

المتوقعة

المجموع

السعودية

264،3

8897

100

12

112

81

الكويت

115،0

2287

32

7

39

118

الإمارات

97،8

2353

22

7

29

114

البحرين

15،2

184

4

1

5

52

عُمان

0،1

767

8

5

13

20

قطر

5،6

782

8

4

12

59

المجموع

498

15270

174

36

210

74

العالم

1160،7

72415

944

240

1184

42.4

نسبة الخليج العربي من العالم %

42.90

21.08

18.4

15

17.7

-

المصدر: عمل الكاتب بالاعتماد على:

1- رسالة ماجستير للكاتب بعنوان: مكانة العراق في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الخليج العربي (دراسة مستقبلية)، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين- بغداد، 2010.

2- شبيب أحمد العزاوي،توطن صناعة تكرير البترول بدول مجلس التعاون، أطروحة دكتوراه جامعة الموصل، كلية التربية، قسم الجغرافية، 2010.

ومن ملاحظة الجدول رقم (1) يتضح أن إقليم مجلس التعاون الخليجي يختزن نسبة كبيرة من احتياطي النفط الخام، فضلاً عن ضخامة كمية إنتاج هذا المورد من ذات الإقليم، لذا فقد لعب تركز النفط في دول المجلس الخليجي دوراً كبيراً في توظيف عائدات هذا المورد لتحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الشامل والتي تعني التنمية الاقتصادية ومستوى معيشياً لا يضعف قدرة البيئة في المستقبل على توفير الغذاء وعماد الحياة اللازم للسكان وللأجيال القادمة. فالتنمية الاقتصادية المستدامة تهدف في جزء كبير منها إلى تحقيق التنمية البشرية التي تُعبر عن تفاعل ثلاثة مرتكزات أو مكونات تتمثل في التعليم والصحة والدخل، أي مدى الإنجاز النسبي الذي تحققه الدولة لمواطنيها في كافة المستويات الثلاثة آنفة الذكر. وبالعودة إلى دول مجلس التعاون الخليجي نلاحظ أن النفط كان المصدر الرئيسي لا بل الأساس في تحقيق ودعم مستويات التنمية البشرية للمكونات الثلاث (التعليم والصحة والدخل)، لذا نلاحظ أن بعض دول المجلس حققت تنمية بشرية مرتفعة مابين (0.844-0.849) وهي تشمل كلاً من قطر والإمارات والبحرين والكويت، علماً بأن هذه الدول الأربع تهيمن على زهاء (19 في المائة) من احتياطي النفط المؤكد عالمياً عام 2005، والتي بلغت قيمة صادراتها النفطية للعام ذاته (67) مليار دولار. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان فقد حققتا تنمية بشرية بدرجة متوسطة مقارنة بسابقيها، إذ تراوح دليل التنمية البشرية فيها بين (0.512-0.799). ويمكن ملاحظة بعض المؤشرات الرئيسية للتنمية البشرية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية لعام 2003 في الجدول رقم (2).

جدول رقم (2): يوضح بعض مؤشرات التنمية البشرية الرئيسية بدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2003

معدل أمية لدى البالغين 15 سنة فما فوق %

حجم القوات المسلحة بالآلاف

الإنفاق العسكري %

الإنفاق العام على الصحة%

الإنفاق العام على التعليم%

عدد الأطباء لكل 100الف شخص

الدول

22.7

51

3.1

2.3

1.6

202

الإمارات

20.6

200

12.8

3.3

5.8

140

السعودية

10.8

12

غ.م

2.4

2.5

221

قطر

17.1

16

9

2.9

4.8

153

الكويت

12.3

11

5.1

3.2

4.1

160

البحرين

25.6

42

12.2

2.8

4.6

126

عمان

18.2

332

8.4

2.8

3.9

167

دول مجلس التعاون

المصدر:عمل الكاتب بالاعتماد على: منظمة الأمم المتحدة - تقرير التنمية البشرية لعام 2005.

والجدير بالذكر أن معظم ما ينفق من قبل دول مجلس التعاون الخليجي نحو تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة بمفهومها الشامل متأت من عائدات النفط، ورغم كل ذلك فإن النفط لم يعزز أمنها الاقتصادي كونها دولاً ذات اقتصاديات سلعة أحادية هي النفط، زد على ذلك فإن دول مجلس التعاون لم تحقق استخداماً أمثل للإمكانات النفطية في تعزيز قوتها في الجغرافية السياسية، مما جعل المجلس يعيش حالة من التطورات والتغيرات المجتزأة والآنية، الأمر الذي لم يساعده على بناء قوة ذاتية اقتصادية وتكنولوجية وفنية على الرغم من امتلاكه أقوى سلاح سياسي واقتصادي واستراتيجي ألا وهو النفط. أضف إلى ذلك توافد العمالة الأجنبية إلى دول المجلس حتى وصلت الآن إلى أكثر من نصف سكان دول المجلس وبنسبة 50.2 في المائة ليقابلها 49.8 في المائة من إجمالي سكان دول المجلس ولعام 2007، ذلك أن وجود هذه الاختلالات الهيكلية في التركيبة السكانية يسبب حالة من عدم الانسجام بين مكوناته، إذ يبرز عنها ما نسميه طبقاً للمفاهيم الجيوبوليتيكية بحالة انحدار جيوبوليتيكي شديد يهدد الأمن القومي العربي بمنظور مناهج تحليل القوة، ومما يكشف واقعاً خطيراً متنامياً في دول مجلس التعاون، وعليه لابد من وضع سياسات سكانية متكاملة ضمن استراتيجيات تحدد سياسات علمية هادفة تأخذ في الاعتبار أنظمة التعليم الحديثة والأنماط التقانية.

ولذا فإن هذا الانحدار الجيوبوليتيكي يعد مؤشراً عكسياً إلى مواكبة المسيرة التنموية لدول المجلس، مما ينجم عنها من آثار سلبية تهدد الأمن الاجتماعي له، وخصوصاً كونها دولاً نفطية قابلة للنضوب، فيجب استثمار هذا المورد لبناء واجهة اقتصادية أساسها التنمية المستدامة، وتوجيه العنصر البشري الخليجي، وتحويله إلى عنصر منتج وليس عنصراً مستهلكاً.

ومن هنا تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات على مستويات عدة في ما يتعلق بتوظيف مادة النفط على المدى المستقبلي لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وكالآتي:

التحدي الاقتصادي:

لاشك في أن ارتفاع معدلات النمو السكاني في دول مجلس التعاون الخليجي له آثاره السلبية سواء بصورته المباشرة أو غير المباشرة، ذلك أن استهلاك دول مجلس التعاون من المنتجات النفطية سيزداد خلال السنوات العشر المقبلة، نتيجة للزيادة السكانية سواء أكانت زيادة طبيعية أم غير طبيعية، انظر الجدول رقم (3)، وهي ناتجة عن الهجرة الوافدة لدول المجلس من مختلف دول العالم وخاصة النامية منها بحثاً عن فرص العمل، بالمقابل فإن هذه الزيادة السكانية ستنعكس آثارها السلبية على زيادة استهلاك المنتجات النفطية محلياً على حساب تصديرها وما يمثله ذلك من تراجع نسبي في عائدات النفط نتيجة لنقص التصدير، الأمر الذي سينعكس على تراجع نسبي في مستقبل عملية التنمية الاقتصادية. انظر الجدول رقم (4).

جدول رقم (3): معدل النمو السكاني في دول مجلس التعاون للمدة (2001 ـ2007) وحجم السكان المتوقع للسنوات (2015 ـ 2025) ألف نسمة

الدولة

معدل النمو السنوي للسنوات 2001ـ2007 %

السكان المتوقع 2015

السكان المتوقع 2025

الإمارات

6.1

7295

13189

البحرين

2.6

939

1214

السعودية

2.5

29564

37845

قطر

5.4

1343

2273

الكويت

8.4

7288

16327

عمان

0.8

2771

3000

إجمالي المجلس

3.3

49200

73848

الجدول من حسابات د. شبيب أحمد العزاوي، توطن صناعة تكرير النفط بدول مجلس التعاون

جامعة الموصل، كلية التربية، قسم الجغرافية، بالاعتماد على:

1ـ مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأمانة العامة، إدارة الإحصاء، بيانات 2005، جدول (1)، بيانات 2008، جدول (1)

2ـ استخدام الوسائل الإحصائية في حساب التوقعات المستقبلية لحجم السكان بالاعتماد على معدلات النمو السنوي للمدة (2001-2007).

جدول رقم (4): عدل النمو السنوي لإنتاج واستهلاك المنتجات النفطية بدول المجلس للسنوات (2001-2007) والتوقعات المستقبلية للاستهلاك

 

توقعات استهلاك المنتجات النفطية بدول مجلس التعاون للمدة 2007ـ2025 مليون برميل /سنوياً.

معدل النمو السنوي للاستهلاك %

معدل النمو السنوي للإنتاج %

الدولة

2025

2015

 

 

 

 

174.3

127.2

3.2

2.5

الإمارات

 

37.3

34.1

0.9

2.1

البحرين

 

349.2

292.1

1.8

1.3

السعودية

 

45.9

36.2

2.4

3.8

قطر

 

92.9

67.1

3.3

0.9

الكويت

 

39.9

30.1

2.9

0.8

عمان

 

739.5

586.7

2.4

1.4

إجمالي المجلس

 

المصدر: الكاتب بالاعتماد على:1- د. شبيب أحمد العزاوي، المصدر السابق.

3- مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأمانة العامة، إدارة الإحصاء، بيانات 2001، 2008، الجداول 5، 6.

من الجدول رقم (4) يتضح أن دول مجلس التعاون الخليجي مُقبلة على استهلاك كميات ليست بالقليلة من مورد النفط مستقبلاً، لذا فهي بأمس الحاجة إلى عملية تخطيط استراتيجي دقيق لترشيد استهلاك النفط في عملية مفادها إدامة هذا المصدر القابل للنضوب لأكثر فترة ممكنة أملاً في حفظ حقوق الأجيال القادمة من عملية التنمية المستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي والمعتمدة في معظمها على سلعة النفط.

والتحدي الآخر الذي تواجهه دول مجلس التعاون الخليجي على الصعيد الاقتصادي يتمثل في شح مصادر المياه، إذا ما أخذنا في الاعتبار كون هذه المنطقة تعد من المناطق الصحراوية شديدة الجفاف، الأمر الذي اضطرها إلى الاعتماد على المياه السطحية والجوفية في متطلبات التنمية، وكذلك الاعتماد على عملية التحلية من مياه البحر، وما تتطلبه هذه العملية من تكاليف اقتصادية باهظة تؤدي إلى استنزاف مواردها النفطية، لاسيما إذا علمنا أن معالجة المتر المكعب من المياه المحلاة تكلف دولاراً ونصف الدولار تقريباً في الوقت الذي تكلف تنقية وتحلية الكمية نفسها في دول أخرى 5-6 سنتات فقط، وعليه فإنه من المتوقع أن تقود عملية التحلية إلى استنزاف نصف دخل دول الخليج السنوي من مادة النفط في عام 2020م لتشغيل محطات التحلية، فقد استهلكت عام 2009 مليوني برميل من النفط لتحلية 55 في المائة من احتياجاتها من المياه العذبة.

زد على ذلك الآثار غير المؤاتية للتقلبات في أسعار النفط والصدمات أو المفاجأة التي يمكن أن يتعرض إليها اقتصاد دول المجلس بسبب تزايد اعتماد الإيرادات العامة على الإيرادات النفطية، ومما يترتب على استمرار هذه الأوضاع أن تصبح دول المجلس تحت رحمة تقلبات أسعار النفط، ويجعل المستقبل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لتلك الدول برمتها غير محددة المعالم في ظل استمرار اعتمادها على مورد ناضب بطبيعته.

التحدي السياسي – الأمني:

يرى الخبراء الاقتصاديون والعسكريون الاستراتيجيون أنه من بين مصادر الطاقة جميعها ليست هناك سلعة أكثر من النفط قادرة على إثارة الصراعات الإقليمية والسياسية في القرن الحادي والعشرين، لطالما كان النفط ولم يزل يلعب دوراً بالغ الحيوية في الاقتصاد العالمي، ولم يعد مصدراً قيماً للطاقة فحسب بل أصبح سلعة استراتيجية سيظل العالم معتمداً عليها لعقود طويلة في القابل من الأيام، من هنا كان للنفط نصيبه من تطلعات الدول للاستحواذ على النفوذ والمكانة وما يتطلبه ذلك من السيطرة على موارد نفطية تعد ضرورية لذلك طالما أن توزيعه يتسم بسمة التركز الاحتكاري لا في الإنتاج فحسب بل في الاحتياط أيضاً في مناطق محددة من العالم، وهنا تبرز أهمية دور النفط في الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لإقليم مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

إذ توقعت وكالة الطاقة الدولية (IEA)ارتفاع الطلب على النفط من مستواه الحالي لكي يتراوح بحلول نهاية عام 2012 ما بين 93 و96 مليون برميل يومياً، في حين يصل إلى 110 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020، وإلى 116 مليون برميل يومياً في عام 2030م، وأن الطلب على نفط الأوبك سوف يصل بحلول الأعوام المذكورة إلى 41 و53 و 59 مليون برميل يومياً على التوالي، وأن ست دول فقط من أعضاء أوبك سيكون بمقدورها الوفاء بنصف احتياجات العالم من النفط بحلول عام 2012 من ضمنها خمس دول خليجية هي السعودية، الكويت، الإمارات، العراق وإيران، فضلاً عن فنزويلا. وستبلغ حصة الخليج العربي من إنتاج النفط ما يزيد على 33 في المائة من إجمالي الاستهلاك العالمي بحلول عام 2020م. لذا يعد الوصول إلى منطقة الخليج العربي والبقاء فيها لأمد طويل من الأمور المهمة والتي تحظى بالأولوية في تطلعات القوى الكبرى واستراتيجياتها تتقدمها الاستراتيجية الأمريكية، لاسيما أن هذه الأهمية ستزداد عندما يعجز الإنتاج في مناطق أخرى من العالم عن مواجهة الطلب المتزايد باستمرار على هذه المادة الأولية ذات الأهمية الكبيرة والمتزايدة. ذلك أن النفط ليس مادة استراتيجية للدول الصناعية فحسب بل هو عصب الحياة اليومية في هذه الدول، وتوقفه يعني تهديداً حقيقياً لأمن الدول الصناعية واستقرارها لاسيما في ظل العجز النفطي المتزايد الذي تعانيه الدول النفطية الغربية. كما أن هذا العجز في تزايد مستمر، إذ بلغ نحو (19) مليون برميل يومياً عام 1997 إلى تقريباً (25) مليون برميل يومياً في عام 2010، ومن المتوقع أن يصل إلى (31) مليون برميل يومياً بحلول عام 2020، ويتوزع هذا العجز بمقدار النصف تقريباً في الولايات المتحدة الأمريكية والنصف الآخر في أوروبا واليابان، ما سيدفع الولايات المتحدة وربما القوى الأخرى الصاعدة إلى ربط نفسها بدول الخليج العربية بألف رباط ورباط تحت وقائع ذرائعية من قبيل توفير الحماية الإقليمية أو نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولذلك ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن تعمل على وضع محددات ثابتة وموحدة للتعامل مع تلك القوى الدولية تقويضاً لمخاطر مستقبلية محدقة بما تمتلكه من ثروة المستقبل (احتياطي النفط).

التحدي العسكري:

على الصعيد العسكري ومن خلال رصف مقتربات الواقع العسكري نلاحظ أن هناك مسألة في غاية الأهمية تتعلق باختلال التوازن في استخدام الموارد والإنفاق العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي والأثر المترتب على مسألة التنمية الاقتصادية المستدامة لدول المجلس، ففي نظرة من كثب على حقيقة استثمار الموارد المالية والمتمثلة في العائدات النفطية وكيفية إنفاقها يتضح لنا الاختلال التام بين الإنفاق العسكري وحجم القوات المسلحة لدول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة لاستخدام هذه الموارد، لاسيما إذا ما قارنا نسب الإنفاق العسكري مع نسب الإنفاق على قطاعي التعليم والصحة، نجد ضعف هذه النسبة تنفق على الجانب العسكري. فقد بلغت نسبة الإنفاق العسكري بدول المجلس 6.1 في المائة من إجمالي الإنفاق العام، وبحجم 375 ألف مقاتل، وهذا يبين بوضوح مدى الاختلال الكبير بين مستوى الإنفاق وحجم القوات المسلحة، لاسيما إذا ما قارناه مع نسبة الإنفاق وحجم القوات المسلحة للولايات المتحدة والبالغ نسبته 4.1 في المائة وبحجم 1.506 مليون مقاتل، أو حتى مع إيران التي بلغ الإنفاق العسكري فيها نسبة 5.8 في المائة لحجم جيشها البالغ 513000، انظر الجدول رقم (5)، في الوقت الذي تعد فيه القدرات العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي عالية التجهيز من حيث المعدات العسكرية ذات الإنفاق العسكري الباهظ الثمن، وهي لا تعدو كونها حالة من تدوير العائدات النفطية نحو البلدان المتقدمة المجهزة لهذه المعدات والأسلحة والتي وجدت من دول مجلس التعاون الخليجي خير سوق تجاري لها. وهكذا تتحدد أبعاد حقيقية للتنمية في دول المجلس وانعكاساتها على مؤشرات التنمية البشرية الأخرى، إذ نجد أن الإنفاق العسكري يتفوق مرات عدة على مستويات الإنفاق الأخرى.

جدول رقم (5): حجم الإنفاق العسكري ونسبته لدول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة وإيران لعام 2007

الدول

عدد الدبابات

عدد الطائرات

إجمالي القوات المسلحة

حجم الإنفاق العسكري

نسبة الإنفاق العسكري

دول مجلس التعاون

2109

623

357000

38.6

6.1

إيران

1565

283

513000

9.1

5.8

الولايات المتحدة الأمريكية

1400

1035

1.506000

5.3

4.1

المصدر: الكاتب بالاعتماد على:

1- عبدالخالق عبدالله، الولايات المتحدة ومعضلة الأمن في الخليج العربي، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 299، 2008،ص22.

2- البيانات الخاصة بالولايات المتحدة وعلى الرابط التالي www.global secueity.com

التحدي الصناعي:

لا يخطئ من يظن أن القطاع الصناعي في دول مجلس التعاون الخليجي لم يزل بمراحله المتواضعة نسبياً إذا ما قورن بغيره من الدول الأخرى ليست المتقدمة فحسب بل حتى تلك التي تعد في طريق النمو كالنمور الآسيوية مثلاً، إذ لا يزال هناك ترهل كبير في القطاع الصناعي لدول المجلس، خلافاً للقطاع النفطي المتطور فيها، وليس أدل على ذلك من القول إن نسبة كبيرة من البضائع المُصنعة يتم استيرادها من خارج دول المجلس، إذ سجلت دول مجلس التعاون ارتفاعاً ملحوظاً في حجم الواردات الإجمالية وبنسبة 55 في المائة من إجمالي التجارة في الوطن العربي مما يعطي صورة واضحة عن دول المجلس، باعتمادها على الاستيراد وخاصةً السلع والخدمات الاستهلاكية في الحياة اليومية، مما يعد مؤشراً سلباً في عملية سد الحاجة بوساطة الاكتفاء الذاتي. لذا فإن دول المجلس تعد أكثر الدول العربية استهلاكاً من دون النظر للمخاطر الاقتصادية والتي ترتبط بمستقبل دول المجلس وخاصة ما بعد نضوب النفط كونه مورداً مؤهلاً لذلك، وعليه يجب رسم خطط استراتيجية للحد من الاستهلاك المفرط للعائدات النفطية في قضايا وأمور لا تعطي استقراراً في أمنه الاقتصادي والسياسي. لاسيما أن اقتصادات مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي أحادية السلعة أساسها النفط في صادراتها بالدرجة الأولى، إذ تعتمد دول المجلس على العائدات النفطية في إشباع الحاجات الأساسية للسكان، لذا يجب العمل على تنويع مصادر الدخل، وتغيير شخصية الاقتصاد الخليجي من اقتصاد أحادي السلعة إلى اقتصاد متنوع السلع الصناعية، مما يحد من احتمالات تهدد الأمن الخليجي وتنميته الاقتصادية المستدامة.

إجمالاً لكل ما تقدم ينبغي التأكيد على ضرورة تحقيق توازن بيئي بين الموارد المتاحة لدول مجلس التعاون الخليجي (لاسيما الثروة النفطية) والاهتمام بحقوق الأجيال القادمة ضمن ما يسمى التنمية المستدامة التي غدت الأنموذج المطلوب عالمياً، ولذلك نرى من الضروري تحديد مفهوم التنمية المستدامة، فالتنمية المستدامة بتصورنا هي تلك التنمية المتجددة التي تسعى إلى ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية شريطة ألا تتعارض مع البيئة. وانطلاقاً من هذا التصور فإن السعي نحو التنمية المستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي يتطلب:

1-  نظاماً سياسياً يؤمن بالمشاركة الفعالة للجماهير في صنع القرار.

2- نظاماً اقتصادياً متطوراً قادراً على تحرير كافة القيود الاقتصادية والمالية.

3-  نظاماً اجتماعياً يعتمد مؤسسات المجتمع المدني المتطورة.

4-  نظاماً تكنولوجياً يكفل استمرار تقديم الحلول للإنتاج والخدمات بسواء.

فضلاً عن النظم الإدارية والأولية بصيغة تهدف إلى الحد من ظاهرة الفقر، لطالما كانت التنمية المستدامة تحقق التوازن بين النظام البيئي والاقتصادي والاجتماعي وتسهم في تحقيق أقصى قدر من النمو والارتقاء.

المراجع:

1- أ.د. محمد أزهر سعيد السماك، جغرافية الوطن العربي، دراسة إقليمية، دار ابن الأثير للطباعة والنشر، جامعة الموصل، الطبعة الأولى، 2008.

2- د. نصيف جاسم أسود، الوزن الجيوبوليتيكي لنفط مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومستقبله، جامعة الموصل، كلية التربية، 2009.

مجلة آراء حول الخليج