; logged out
الرئيسية / السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون والتحديات الجديدة

السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون والتحديات الجديدة

الأربعاء، 01 آذار/مارس 2006

ليس من قبيل المبالغة القول إن منطقة الخليج هي إحدى أكثر المناطق توتراً وسخونة في العالم. فالتطورات التي شهدتها المنطقة على الصعيدين الإقليمي والدولي بدءاً بالاحتلال الأمريكي للعراق وتدهور الأوضاع الأمنية فيه، مروراً بأزمة الملف النووي الإيراني والتطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، وانتهاءً بالحرب على الإرهاب والوجود الأمريكي المكثف في المنطقة، لم تسهم في رفع وتيرة هذا التوتر والقلق فحسب، بل إنها وضعت دول المجلس أيضاً أمام تحديات صعبة، يتطلب التعامل معها الكثير من التعاون والتنسيق بين هذه الدول.
إن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية، وفشل محاولات تحقيق الاستقرار في العراق يتطلبان حشد جميع القدرات الممكنة لإيجاد حلول عملية كفيلة بمساعدة الشعب العراقي على الخروج من أزمته، والتغلب على محنته، بحيث لا يكون عبئاً أمنياً على دول المجلس، ولا يتحول في الوقت نفسه إلى مصدر تهديد محتمل لأمنها واستقرارها. صحيح أن بعض دول المجلس، بشكل عام، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، حرصت على تأكيد اهتمامها بالأوضاع في العراق، وأعربت عن قلقها بسبب توسع النفوذ الإيراني هناك، كما انتقدت علانية سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق التي قادت إلى هذا الوضع. وصحيح أيضاً أن كلاً من السعودية والكويت والبحرين شاركت في الاجتماعات الثمانية التي عُقِدت لدول الجوار، والتي كان آخرها (مؤتمر إسطنبول) في إبريل 2005، وقدمت مقترحات جيدة تساعد العراق والعراقيين على الخروج من هذه المحنة، إلاّ أن المعطيات الراهنة تشير إلى أن دول المجلس تستطيع اتخاذ المزيد من الخطوات العملية، التي من شأنها تهيئة ظروف أفضل لمعالجة المسألة العراقية، لاسيما أن أمن واستقرار العراق ستكون لهما انعكاساتهما الإيجابية، ليس على أمن دول المجلس فحسب، بل على أمن منطقة الخليج والمجتمع الدولي بصفة عامة.
أما على صعيد العلاقات مع إيران، فإن مسألة البرنامج النووي الإيراني تعني دول مجلس التعاون الخليجي، ولا بد أولاً من التأكيد على حقيقة أن دول المجلس لا تعارض حق إيران في استخدام التقنية النووية للأغراض السلمية، ولكن هناك هواجس مشروعة يطرحها البعض بشأن ضمانات أن إيران لن تسعى إلى تطوير أسلحة نووية تهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها وتدخلها في حالة من سباق تسلح غير محمود العواقب؛ كما أن هناك قلقاً مشروعاً من جراء احتمال قيام مواجهة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بسبب الملف النووي، ففي هذه الحالة ستجد دول المجلس نفسها في خضم هذه المواجهة وتداعياتها، وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار التصريحات الإيرانية بضرب القوات الأمريكية أينما وُجِدت في منطقة الخليج، وربما تدمير المنشآت النفطية وإغلاق مضيق هرمز. ومن هنا يأتي حرص دول مجلس التعاون على التوصل إلى تسوية سلمية لأزمة الملف النووي الإيراني. أمام هذا الخطر المحدق عقد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد الرحمن بن حمد العطية مؤتمراً صحفياً عشية انعقاد القمة السنوية العادية السادسة والعشرين لمجلس التعاون، وأعلن تفاصيل ما وصفه بأنه مبادرته الشخصية الهادفة إلى إبرام اتفاق بين دول المجلس، بالإضافة إلى كل من العراق وإيران واليمن، وذلك لضمان إبقاء هذه المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل كافة. وحرص الأمين العام على تأكيد أن المبادرة لا تتعارض مع الموقف الإيراني المعلن، والذي يقول إن الطموحات النووية الإيرانية مكرَّسة للأغراض السلمية. وأضاف قائلاً: (إننا نثق بإيران، لكننا لا نريد أن نرى مفاعل إيران النووي الذي هو أقرب إلى شواطئنا الخليجية من المسافة الفاصلة بين المفاعل وطهران يلحق الأذى بجيرانها).
وعلى الرغم من أهمية هذه المبادرة، فإن دول المجلس باعتبارها المعني الأول بهذا الملف، فإنه لابد من أن تكون طرفاً مشاركاً في المباحثات والجهود الجارية لإيجاد تسوية سلمية للملف النووي الإيراني، والعمل على تجنب أي مواجهات عسكرية جديدة، لا سيما أن المنطقة لاتزال تعاني من انعكاسات الحروب والمواجهات التي لم تتوقف منذ اندلاع حرب الخليج الأولى وحتى احتلال العراق.
وبخصوص القضية الفلسطينية، التي تعد قضية العرب الأولى، فإن دول المجلس وقفت – وتقف - إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة على جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف. ولا بد من الإشارة إلى أن دعم دول المجلس لا يقتصر على الدعم المالي، كما يتصور البعض، ولكنه تطور إلى تقديم المبادرات الرامية إلى تحقيق تسوية سلمية استناداً إلى قراري مجلس الأمن (242) و(338) القائمين على مبدأ (الأرض مقابل السلام). فمبادرة المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز في مؤتمر فاس في عام 1982، ومبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - عندما كان ولياً للعهد- والتي أصبحت مبادرة عربية بعد أن تم تبنيها بالإجماع خلال القمة العربية التي عُقِدت في بيروت في عام 2002، دليل على مدى جدّية اهتمام المملكة العربية السعودية بشكل خاص ودول المجلس عموماً بالقضية الفلسطينية، وحرصها على تحقيق السلام انطلاقاً من قناعتها بأن التوصل إلى تسوية عادلة لهذا الصراع سيكون من مصلحة الأطراف المعنية، ويسهم في تعزيز أمن العالم واستقراره.
ومن الملاحظ أن نجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وحصولها على أغلبية المقاعد في البرلمان، وتكليفها رسمياً بتشكيل الحكومة المقبلة، كشف عن المعايير المزدوجة التي تتعامل بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع قضية الإصلاحات السياسية ونشر الديمقراطية في الوطن العربي، والمتمثلة في رفض الجانبين لنتائج الممارسات الديمقراطية مادامت لا تتوافق مع مصالح واشنطن وبروكسل؛ فما إن أُعلنِت النتائج، حتى أعلنت أمريكا والاتحاد الأوروبي عن عدم إجراء أي اتصالات مع قيادة (حماس) وأنهما سيوقفان جميع أشكال الدعم للسلطة الفلسطينية. لذا فإن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه مهمة شاقة تتمثل في شرح هذا التناقض الذي تعاني منه دول لا تزال تصر على اعتبار نفسها منبراً للحرية ومنارة للديمقراطية وراعية لحقوق الإنسان، خاصة أن وقف الدعم يعني ببساطة معاقبة شعب بأسره على خياره الديمقراطي.
إذا كنا نريد تسمية الأشياء بأسمائها، فإنه لا بد من تأكيد أن دول المجلس تواجه الآن تحديات جساماً تفرضها حتمية تراجع الدور الأمريكي في المنطقة في حال فشل مغامرة واشنطن في العراق، خاصة أن من شأن ذلك أن يشجع، ليس قوى المعارضة والتطرف في دول العالم الثالث على مواجهة أمريكا فحسب، بل إنه سيفتح شهية الاقتصادات الناشئة في العالم، مثل الصين والهند وباكستان وماليزيا وغيرها، لتعزيز أمن الطاقة لديها في ظل تزايد احتياجاتها من النفط والغاز، والبحث كذلك عن أسواق جديدة لسلعها ومنتجاتها وفرص جديدة للاستثمارات المباشرة وغير المباشرة؛ فهل يمكن أن نستبعد تنافساً حاداً بين هذه الدول والولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما أن سياسة التوجه شرقاً التي عززتها جولة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وإن كانت لا تعني التخلي عن الحلفاء القدامى، لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن هذه العلاقة مع واشنطن لم تعد حصرية؟
نحن على يقين بأن دول مجلس التعاون تدرك تماماً حجم التحديات التي تواجهها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتدرك أيضاً أن حدّة هذه التحديات ليست مرشحة للتراجع في المستقبل المنظور، ولكن إدارة دول المجلس لكل هذه الأزمات تؤكد من ناحية أخرى أنها لاتزال قادرة على مواجهة هذه التحديات، وتحويلها إلى فرص تحقق المزيد من الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة بأسرها، وهو ما يحتم على هذه الدول مواصلة وتعزيز جهود التعاون والتنسيق فيما بينها، ليس على مستوى قضايا السياسة الخارجية فقط، بل في جميع المجالات.

مجلة آراء حول الخليج