; logged out
الرئيسية / تسوية الصراع الأفغاني: واقعية الحل وضمان التنفيذ

العدد 87

تسوية الصراع الأفغاني: واقعية الحل وضمان التنفيذ

الخميس، 01 كانون1/ديسمبر 2011

grcchairman-uploaded

المملكة العربية السعودية جادة وراغبة في إيجاد تسوية مقبولة لحل الأزمة الأفغانية، لأن هذه الأزمة تشكل تهديداً للأمن الإقليمي وللأمن الوطني السعودي الذي يتأثر بنشاطات التنظيمات الإرهابية التي اتخذت من أفغانستان منطلقاً لها، بالإضافة إلى الأبعاد الاستراتيجية التي لا يمكن تجاوزها في التعامل مع القضية الأفغانية وهي تمثل جوهر الموقف السعودي تجاه هذه القضية.

إن إنهاء الصراع الأفغاني يستند إلى مقومات على الأرض لا بد من التعامل معها بواقعية، وتتمثل في حجم ودور طالبان في المعادلة الأفغانية، وتأثير دول الجوار وعلاقة هذه الدول بتعقيد أو حل هذا الصراع، ومراعاة البعد القبلي وتركيبة المجتمع الأفغاني، وأيضاً على أهمية دور الدول الإسلامية في المساعدة على الحل، مع الأخذ في الاعتبار أن النظام الأفغاني القائم حالياً في كابول يعاني أزمة الشرعية، فرغم مرور سنوات على تولي قرضاي السلطة، لكن شرعيته مازالت محل شكوك مبررة، فمن وجه نظر المملكة النظام الأفغاني الموجود في كابول يمثل حالة (أمر واقع) لا ترقى إلى الشرعية، لذا فإن المملكة تتحفظ على التعامل معه لكونه لا يمثل كافة أطياف الشعب الأفغاني.

إن المملكة، في رؤيتها لحل الأزمة الأفغانية لا يمكنها أن تتجاوز الحقائق على الأرض لأسباب كثيرة منها أن المحاولات السياسية والعسكرية كافة لعزل أو إنهاء تنظيم طالبان لم تنجح، بل تمكن التنظيم من استعادة عافيته وتنظيم صفوفه، ويشكل اليوم قوة أساسية على الأرض لا يمكن تجاوزها كطرف أساسي في أي تسوية، ورغم أن طالبان تتكون من تحالفات قبلية وسياسية متعددة فإن محاولات شق صفوفها أو تفتيتها لم تنجح خلال السنوات الماضية، وظل هيكلها التنظيمي متماسكاً، كما أن محاولات تهميش الملا عمر أو إيجاد قيادة بديلة له لم تنجح، وما زالت جميع قيادات الحركة تقر بشرعيته كقائد للحركة، بل تطور التنظيم وتحول إلى حركة قومية لطائفة البشتون التي تمثل أغلبية المجتمع الأفغاني، ولم تفلح محاولات جذب البشتون لأية قيادة بديلة، وجاء فشل حكومة قرضاي في الحصول على الشرعية بتمثيل القومية البشتونية ليمثل عاملاً أساسياً في اعتبار طالبان المدافع الشرعي عن مصالح البشتون.

ولهذه الحقائق تعتقد المملكة أن حركة طالبان حجر الزاوية في أي تفاوض لإيجاد حل واقعي للصراع الأفغاني، ففي ظل فشل حكومة قرضاي، والعجز عن إيجاد شرخ في تنظيم الحركة، وفي ظل سيطرة فعلية يفرضها مقاتلوها على جزء كبير من الأراضي الأفغانية، وقدرتهم الكبيرة على استنزاف قوات (الناتو) والحكومة الأفغانية، فإن المملكة لا تجد حلاً ناجحاً من دون الاعتراف بالحركة وقيادتها كطرف أساسي في التفاوض.

من ناحية أخرى، رغم الجهود الأمريكية في عزل النفوذ الباكستاني في أفغانستان، وأيضاً رغم المحاولات الجادة لتشجيع بعض الدول الإقليمية كالهند وإيران على تأسيس نفوذ معادل داخل أفغانستان، فإن النفوذ الباكستاني مازال حاسماً في تطورات الصراع الأفغاني، لذا لا يمكن إيجاد تسوية للأزمة الأفغانية بمعزل عن المشاركة الفعالة للطرف الباكستاني، ولا يمكن أيضاً ضمان التعاون الباكستاني في هذه المهمة في ظل السياسة الأمريكية الرامية إلى تعزيز النفوذ الهندي في أفغانستان، لذا يجب الاعتراف بمصالح باكستان في أفغانستان مع تحجيم النفوذ الهندي المتزايد وهو الأمر الذي يسبب قلقاً عميقاً لإسلام أباد.

إن أية محاولة للتسوية في أفغانستان تتطلب مشاركة دولية واسعة لإضفاء الشرعية الدولية على الحل، مع ضرورة مشاركة الدول الإسلامية المعنية والمؤثرة (وفي مقدمتها السعودية) لإخراج الاتفاق من إطاره الضيق بكونه اتفاقاً أمريكياً – أفغانياً (طالباني) إلى اتفاق دولي إقليمي فاعل، وهنا لابد من الدعوة إلى مؤتمر دولي تحت مظلة الأمم المتحدة وبمشاركة المنظمات الإقليمية ومنها مجلس التعاون الخليجي، منظمة التعاون الإسلامي، والدول الإسلامية المعنية حتى تشعر طالبان بالأمان في التفاوض، والثقة بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.

ولضمان نجاح التفاوض لابد من عدم إجبار الحركة على قبول المشاركة في حكومة قرضاي، ويجب أن تكون هناك سيناريوهات جاهزة لإخراج قرضاي وحكومته من التفاوض وإبعاده عن السلطة، أي أن تقبل واشنطن بالتضحية بقرضاي، واشتراط قبول طالبان بالانخراط بحكومة ائتلافية تضم في طياتها المجموعات العرقية الأخرى (طاجيك، أوزبك، هزارة ..) بشكل عادل يعكس حجم كل مجموعة عرقية في تشكيلة المجتمع الأفغاني، مع عدم فرض شرط وجوب اتباع طالبان للنظم الديمقراطية الغربية في تطبيق المشاركة الواسعة لمكونات المجتمع الأفغاني، لكون هذا الأسلوب ترفضه الحركة، ويشكل عائقاً أساسياً في الوصول إلى تسوية.

في المقابل يمكن وضع شروط تضمن تحقيق أمرين أساسيين: الأول عدم ممارسة طالبان لأي نشاطات إرهابية. والثاني: عدم تقديم الحركة أي دعم بأي شكل لأي تنظيم يمارس الإرهاب، كما يجب أن يتضمن الاتفاق مباركة وتوثيقاً دولياً بقرار من مجلس الأمن يلزم طالبان بالشرطين السابقين، ويفرض عليها تنفيذ القرارات الدولية كافة المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وإلزامها بالقضاء على زراعة المخدرات وتصديرها، وتوفير الدعم والمساعدة من المجتمع الدولي لتحقيق ذلك.

يظل إيجاد تسوية مرضية لترسيم الحدود بين أفغانستان وباكستان ضرورة تساعد على تعزيز استقلال أفغانستان على المدى البعيد، وتمكنه من السيطرة على تهريب المخدرات والأسلحة بين الدولتين، وتعزز فرص نجاح تسوية طويلة الأمد.

ولتسهيل مهمة إقناع قيادات الطالبان بالتفاوض في إطار دولي ومساهمة فعلية من الدول الإسلامية التي تقبل وتثق بها طالبان كطرف مساند في التفاوض وضامن في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، يبرز دور المملكة العربية السعودية كطرف قادر على الوساطة لكونه مقبولاً من جميع أطراف التفاوض.

هذه وصفة واقعية وشافية لمن يريد أن يجد حلاً للمعضلة الأفغانية التي ظلت تؤرق العالم منذ سبعينات القرن الميلادي الماضي، وستظل منغصاً للجميع ما لم تقبل أمريكا وحلف الناتو بالواقعية السياسية وقراءة الخريطة الإقليمية والأفغانية بدقة واستشارة أهل الدراية بشعاب أفغانستان وأهلها.

مقالات لنفس الكاتب