; logged out
الرئيسية / الاتحاد الخليجي .. ضرورة استراتيجية في ظل تحولات المشهد الإقليمي

العدد 96

الاتحاد الخليجي .. ضرورة استراتيجية في ظل تحولات المشهد الإقليمي

الإثنين، 01 حزيران/يونيو 2015

ظهرت الدعوة إلى "الاتحاد الخليجي" أوائل ثمانينات القرن الماضي وقبل قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لإيجاد تجمع وحدوي يحفظ المصالح المشتركة استنادًا إلى حقائق بشرية وتاريخية واجتماعية وجغرافية متجانسة، لكن تلك الدعوة تراجعت عند قيام المجلس لصالح ترسيخ أسس الاندماج والتكامل على أرض الواقع في ظل حسابات إقليمية ورغبة خليجية في استكمال مقومات هذا الاتحاد بطريقة تدريجية لاسيما أن التجارب الوحدوية العربية السابقة باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة لم يحالفها النجاح. ومن هذا المنطلق نص النظام الأساسي لمجلس التعاون في المادة الرابعة على "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها"، وذلك بالنظر إلى المنطلقات التالية:

أ- يعتبر مجلس التعاون هو الكيان الأكثر فعالية واستمرارية على مستوى مؤسسات العمل العربي الإقليمي المشترك، فهناك إنجازات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية في مسيرة المجلس لا يمكن انكارها أو تجاهل نتائجها وقوة تأثيرها.

ب- وجود تشابه كبير وبدرجة عالية في الخصائص والسمات بين دول مجلس التعاون يدعمها رغبة شعوب المنطقة في تحقيق التكامل إيمانًا بوحدة الهدف والمصير.

جـ- تواجه منطقة الخليج تحديات ومخاطر حقيقية داخلية وخارجية تستهدف الأمن الوطني والهوية وثروات المنطقة، ومن الصعوبة بمكان مواجهتها بشكل فردي.

وإجمالا فقد شهدت مسيرة مجلس التعاون العديد من النتائج المهمة على مختلف الأصعدة وبات المجلس بالفعل أنجح صيغة تعاون عربي على المستوى الإقليمي لكنه ظل دون طموح المواطن الخليجي الذي يرغب في تحقيق الوحدة بين دوله لاسيما بعد أزمة غزو العراق لدولة الكويت عام 1990 والتي فرضت البعد الأمني كأولوية مطلقة في السياسات الخليجية.

والواقع أن تحولات المشهد الإقليمي والدولي المضطرب وتداعيات ذلك على أمن منطقة الخليج كانت العامل الرئيسي في دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود "رحمه الله" خلال افتتاح اجتماعات الدورة الثانية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في ديسمبر 2011  إلى"تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان موحد" بهدف توحيد الجهود للتعامل مع التحديات القائمة وفي الوقت ذاته استثمار الفرص المتاحة.

الدوافع الأمنية لقيام الاتحاد الخليجي

تمثل الدعوة السعودية قراءة دقيقة وواقعية لما يواجه الأمن الخليجي من تهديدات ناجمة عن تطورات متلاحقة تهدد أمن واستقرار دول المنطقة، وتحاول تقويض هويتها وسيادتها، خصوصا أن التحديات لم تعد تقليدية أو ظرفية مؤقتة بعد انتهاء الحدود الفاصلة بين الأمن الوطني والأمن الإقليمي كما لم تعد التهديدات عسكرية فحسب وإنما طالت كافة مستويات الأمن بمفهومه الواسع (الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والالكتروني..) بما يعني أن مواجهتها تتطلب سيادة مفهوم "الأمن الوقائي الجماعي".

وفرضت الأحداث التي مرت بها مملكة البحرين في فبراير ومارس 2011 واقعًا جديدًا في محددات أمن الخليج وكانت نقطة محورية في معادلة الأمن الجديدة لدى صانع القرار الخليجي.  فالمؤكد أن تلك الأحداث كانت محاولة للخروج على إرادة الشعب التي تجسدت في إقرار ميثاق العمل الوطني في عام 2001 بنسبة بلغت 98.4% ووفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تأتي البحرين ضمن فئة البلدان ذات التنمية البشرية العالية، الأمر الذي يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأحداث كانت بعيدة الصلة عن جوهر الإصلاح ولا تتعلق بأية مطالبات معيشية أو تنموية وإنما جزء من مخطط يستهدف كامل منطقة الخليج[1].

وبصفة عامة، تواجه دول مجلس التعاون جملة من التهديدات الأمنية والتحديات الاستراتيجية تتمحور في الآتي:

أولاً: هناك مشروع إقليمي توسعي تقوده إيران لفرض النفوذ والسيطرة في منطقة الشرق الأوسط، وغني عن البيان أن التدخلات الإيرانية حاضرة بقوة في المشهد العراقي والسوري واللبناني واليمني، ولا تخفي القيادات الإيرانية في التصريحات الصادرة عنها بين الحين والآخر تدخلها السافر في شؤون دول المنطقة تحت مزاعم أنها امتداد لـ"الصحوة الإسلامية" وأن عواصم عربية أصبحت تابعة للجمهورية الإسلامية، كما أن حدودها وصلت إلى شواطئ البحر المتوسط، فيما يتداول الحديث عن "الهلال الفارسي" في وسائل الإعلام الإيرانية بشكل يومي معتاد. وصرح حيدر مصلحي وزير الأمن الإيراني "السابق" خلال لقائه نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي "السابق" يوم 4 أبريل 2013 بأن "اقتدار الحكومة العراقية المسلمة الشيعية إلى جانب بقية الدول الشيعية في المنطقة أدى إلى نفوذ وانتشار قدرة التشيع في المنطقة والعالم"[2] .

ووصلت التهديدات الإيرانية إلى مستويات غير مسبوقة بإعلان مملكة البحرين في عدة مناسبات اكتشاف عمليات تدريب عسكرية خارج المملكة بدعم من الحرس الثوري الإيراني لزعزعة الاستقرار في الداخل، وتم إحباط تهريب أسلحة ومتفجرات، فضلاً عن تحريض دائم عبر المحطات الفضائية لممارسة الشغب والتخريب، كما أعلنت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت في أوقات سابقة عن إحباط عمليات تجسس لصالح إيران.

ثانيًا: ظهور تباينات واختلافات في العلاقات الأمريكية مع بعض دول الخليج بشأن التعامل مع قضايا المنطقة حيث أقر مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى في فبراير 2014 بأن "علاقة الشراكة الأمريكية - الخليجية تواجه اختلافات بين الأصدقاء"[3] .

ويفسر الموقف الأمريكي بوجود قناعة لدى إدارة الرئيس باراك أوباما بتجنب التورط في الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، وأهمية التوصل إلى حل تفاوضي مع طهران بشأن برنامجها النووي الأمر الذي يحمل في طياته صفقة محتملة تعزز نفوذ إيران في المنطقة على حساب المصالح الخليجية العليا واستقرار المنطقة برمتها.


ثالثًا: التطورات والفوضى التي شهدتها العديد من الدول العربية في إطار ما يعرف بـ"الربيع العربي" والتي أدت في معظمها إلى نتائج كارثية على الوضع المؤسسي والسيادي لتلك الدول وبات بعضها على مشارف الوصول إلى "الدولة الفاشلة" فهناك صراعات ممتدة واقتتال داخلي وفقدان للأمن وتوقف عمليات التنمية، وكلها عوامل تقوض مفهوم الأمن الجماعي العربي.

رابعًا: تعرض الأمن الخليجي لتهديدات داخلية في ظل انتشار الإرهاب داخل بعض دول مجلس التعاون، وظهور بؤر تحرض على التطرف، هذا إلى جانب استمرار الخلل في التركيبة السكانية، ومحاولات خارجية للتدخل في شؤون دول المنطقة تحت دعاوى احترام وحماية حقوق الإنسان.

الاتحاد الخليجي.. ضرورة استراتيجية

يمكن القول إن "الاتحاد الخليجي" يشكل أولوية استراتيجية وضرورة حتمية لمواجهة التحديات القائمة كصيغة ملائمة لتحصين دول مجلس التعاون وكبح مشروع الفوضى والتدخل الخارجي، علاوة على دور فاعل لدول المجلس في مجريات الأحداث التي تمر بها المنطقة. ولاشك أن هناك مكاسب عديدة يمكن تحقيقها في حالة "الاتحاد الخليجي" يأتي في مقدمتها إعادة التوازن الاستراتيجي لمعادلة الأمن الإقليمي من المنظور العسكري، ووفقا لتقرير استراتيجي صدر عام 2012 فإن عدد قوات الجيش الإيراني العاملة تبلغ 532 ألف جندي في مقابل 363,6 ألف جندي هي عدد قوات جيوش دول مجلس التعاون العاملة[4] ، ناهيك عن تفوق دول المجلس في نوعية التسلح لاسيما الجوي ودرجة الجهوزية.

ومن ناحية أخرى، فإن بروز تكتل موحد سيعظم المكاسب السياسية والاقتصادية  بشكل هائل، ويعزز القدرات الخليجية في لعب أدوار مؤثرة على صعيد أسواق الطاقة والاستثمارات، وتوحيد السياسات تجاه التكتلات الخارجية وإقرار العملة الموحدة والسوق الخليجية المشتركة. وكلها منافع حقيقية ومطلوبة.

وفي المقابل، فإن هناك معوقات تواجه "الاتحاد الخليجي" تتمثل في تباين الرؤى بشأن التوقيت والآلية المناسبة لتنفيذه تبعًا لاختلاف درجة التطور السياسي والاقتصادي بين دول المجلس، والحسابات الإقليمية المختلفة لكل منها. فهناك تأييد كامل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين لإقرار الاتحاد حيث أعلن عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة في أكثر من مناسبة دعم بلاده لقيام الاتحاد الخليجي، حيث قال في خطابه يوم 16 ديسمبر 2013: "إن مملكة البحرين على استعداد من هذا اليوم لإعلان الاتحاد". وأوضح ولي العهد السعودي الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود في مقابلة يوم 25 أبريل 2014 بأن "الاتحاد ليس ضد أحد، ولا يعادي أي دولة إقليمية أو عالمية"، مشيراً إلى أن الاتحاد "يحفظ لكل دولة خليجية سيادتها ونظامها" لكنه مطلب وحاجة لمواطني دول المجلس قبل أن يكون مطلبًا للحكومات، بالإضافة إلى أن العالم اليوم يمر بمرحلة الكيانات الكبيرة والتجمعات الإقليمية ذات التأثير الاقتصادي[5] .

وهناك ترحيب أيضًا من جانب الإمارات وقطر والكويت بالاتحاد وفق ضوابط معينة، بينما أعلنت سلطنة عمان على لسان يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية خلال "حوار المنامة" يوم 8 ديسمبر 2013 عدم انضمام بلاده للاتحاد في الوقت الراهن "ولكن إذا حصل الاتحاد، فنحن جزء من المنطقة وسنتعامل معه"، مع ملاحظة أنه جرى تخفيف لهجة الرفض العمانية للاتحاد في لقاءات صحفية لاحقة.

وعلى الرغم من أن مواقف دول مجلس التعاون بشأن الاتحاد ليست متطابقة وتختلف في درجة التجاوب، إلا أن المؤشرات تظهر أن الاتحاد يمثل خيارًا ثابتًا وتوجهًا استراتيجيًا لدول المجلس في المستقبل ولا تراجع عن الانتقال إليه للأسباب التالية:

أولاً: إن المملكة العربية السعودية هي من يقود الدعوة للاتحاد الخليجي بما تتمتع به من ثقل كبير ووزن إقليمي وإمكانات ضخمة، إلى جانب ترحيب أغلب دول الخليج بتلك الخطوة، ولا يختلف أحد على الاتحاد كهدف في حد ذاته، وإنما يتعلق الأمر بالتوقيت والصيغة المقترحة لقيامه وفقا للمصلحة الوطنية.

ثانيًا:  لم يشهد البيان الصادر عن القمة الخليجية بدولة الكويت التي عقدت يومي 10-11 ديسمبر 2013 أي اعتراض على الاتحاد الخليجي حيث نص على "اطلاع قادة المجلس الأعلى على ما وصلت إليه المشاورات بشأن مقترح خادم الحرمين بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد وتوصيات الهيئة المتخصصة في هذا الشأن، والتعديلات المقترحة على النظام الأساسي، ووجهوا المجلس الوزاري باستمرار المشاورات واستكمال دراسة الموضوع". كما أشار البيان الختامي لقمة  الدوحة التي عقدت يوم 9 ديسمبر 2014 إلى اطلاع المجلس الأعلى على ما وصلت إليه المشاورات بشأن مقترح خادم الحرمين الشريفين بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، ووجه المجلس الوزاري باستمرار المشاورات واستكمال دراسة الموضوع بمشاركة رئيس الهيأة المتخصصة في هذا الشأن.

ثالثًا:  يعتبر قرار إنشاء جهاز للشرطة الخليجية لدول مجلس التعاون لتعزيز العمل الأمني ومكافحة الإرهاب، وتأسيس القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس بهدف بناء منظومة دفاعية مشتركة لتحقيق الأمن الجماعي، بالإضافة إلى ما تم إنجازه لتنفيذ السوق الخليجية المشتركة من ضمان حرية التنقل والإقامة، وحرية حركة رؤوس الأموال والتملك والاستثمار وغيرها، خطوات جادة وحقيقية على مستوى الوصول إلى "الاتحاد الخليجي".

رابعًا: إن الاتجاه إلى تأسيس التكتلات والكيانات الضخمة بات ظاهرة عالمية وأصبح انضمام الدول لتلك التكتلات مصدر قوة في مسارات كثيرة، نظرًا لما تقدمه من فرص وامتيازات عديدة للدول الأعضاء في مختلف المجالات كما في حالة الاتحاد الأوروبي و"آسيان" وغيرها.

خامسًا: نجاح منظومة دول مجلس التعاون في احتواء وتجاوز أية خلافات بينية تظهر على السطح، وتجلى ذلك في توقيع اتفاق الرياض التكميلي الذي أنهى الخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، وتقرر بمقتضاه إعادة السفراء إلى الدوحة حرصًا على وحدة الصف ودفع مسيرة العمل المشترك، الأمر الذي يشكل آلية خليجية ذات مرجعية واضحة لحل الخلافات القائمة بين الدول الأعضاء.

الخلاصة: إن  الدعوة إلى قيام "الاتحاد الخليجي" لها من المبررات والمنافع ما يدفع دول مجلس التعاون إلى تسريع الخطى لتطبيقه وتفعيل مقوماته، فالوحدة والتكامل لم تعد ترفًا بل ضرورة ملحة في ظل التحديات الأمنية الراهنة.

[1] عبدالله بن أحمد آل خليفة،  ورقة عمل، مؤتمر القيادات الشابة، بروكسل، سبتمبر 2013.

[2] وكالة "مهر" الإيرانية، 4 أبريل 2013.

[3] وليام بيرنز، حلقة نقاشية بمركز الدراسات العالمية والاستراتيجية، واشنطن، فبراير 2014.

[4] تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لندن، عام 2012.

[5] وكالة الأنباء السعودية "واس"، 25 أبريل 2014.

مقالات لنفس الكاتب