; logged out
الرئيسية / الاتحاد الخليجي كمشروع اقتصادي

العدد 96

الاتحاد الخليجي كمشروع اقتصادي

الإثنين، 01 حزيران/يونيو 2015

تواجه دول مجلس التعاون اليومتحديّات مختلفة، ربّما أبرزها التهديدات الأمنيّة التي تتعلق بالصراعات الإقليمية وبالربيع العربي.وفي الواقع، تتميّزأغلبيّة هذه التحدّيات بأنها ذات أساس اقتصادي، أي يمكن إيجاد حلّاقتصادي لها، حتّى المشكلات التي تبدو بعيدة عن الصعيد الاقتصادي يمكن حلّها كذلك. على سبيل المثال تشهد دول الشرق الأوسط موجة تطرف ديني؛تعود أسبابها جزئياً إلى انتشار الفقر في الفترة ما بعد الأزمة المالية الدولية، وبالتالي فهي قابلة للمعالجةعن طريق اتباع سياسات اقتصادية معيّنة، رغم وجود عوامل أخرى سياسية واجتماعية لها دور كبير في هذا التطرّف.

تتطلّب بعض المشاريع الاقتصادية زمناً طويلاً حتّى يظهر مردود إيجابيّ لها على أرض الواقع؛ ومثال على ذلك: إصلاح نظام التعليم. ولكن التكامل الاقتصادي يشكّل سياسة اقتصادية سريعة المردود؛ ممّا يجعله مغرياً جدّاً لصنّاع القرار. فقد حقّقت دول الاتحاد الأوروبي فوائد اقتصادية ملحوظة بعد إطلاق السوق المشتركة الأوروبية[1] في عام 1992؛ ونتيجة لذلك تبحث اليوم العديد من الدول في موضوع تشكيل كتل اقتصادية. وتأثرت كذلك الدول الخليجية بالتجربة الأوروبية؛ إذ أطلقت وحدة جمركية في عام 2003، وأعقبتها بسوق مشتركة في 2008، وتسير الآن في طريق وحدة نقدية.

ولكن وعلى الرغم من الخطوات الملموسة التي خطتها دول مجلس التعاون في مجال التكامل الاقتصادي، نجد أنهاما زالتتعاني من ثغرة أساسيّة وهي إقرار المشاريع دون تفعيلها.[2] وعلى سبيل المثال يشتكي رجال الأعمال الخليجيّون من رسوم تُفرض على بضائعهم عند نقلها بين دولتين خليجيّتين برغم إطلاق الوحدة الجمركية – وبالتالي إلغاء التعاريف البينيّة – منذ أكثر من 10 سنوات.[3] ويعود عدم التفعيل الصحيح إلى ضعف المؤسسات الخليجية المركزية؛ حيث لا تمتلك الصلاحيات المطلوبة لتنفيذ المشاريع الخليجية ومحاسبة من يخالف ما تمّ الاتفاق عليه أثناء قمم مجلس التعاون.[4] وإذاً يشكّل الاتحاد الخليجي وسيلة لتنفيذ التكامل الاقتصادي بطريقة كليّة، ومن ثمّ معالجة الصعوبات الاقتصادية وغيرها.

2. الخلفيّة: التحدّيات الراهنة أمام دول مجلس التعاون

يرصد صندوق النقد الدولي بشكل دوري التحديات الاقتصادية التي تواجهها دول مجلس التعاون، ومعظمها مشتركة، وهي:[5] قلّة التنوع في الأنشطة الاقتصادية، والاعتماد على موارد طبيعية سوف تستنفَد في السنوات القادمة، وضعف الابتكار ونمو الإنتاجية، وارتفاع نسبة البطالة في فئة الشباب، والنمو المتسارع في استهلاك الطاقة. وحتى لو تتميّز مملكة البحرين باقتصاد أكثر تنوعاً من الدول الخليجية الأخرى- حيث يمثّل القطاع النفطي 25% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بما يزيد عن 40% في كل من السعودية وقطر والكويت[6]- فإنّ البحرين تملك أكبر دَيْنٍ عام (كنسبة من الدخل القومي) وأكبر عجزٍ في الميزانية العامة من بين دول مجلس التعاون؛ وبالتالي عليها أن تعالج الموضوع بشكل مستعجل.[7]

ولا تقتصر تحدّيات دول مجلس التعاون على المجال الاقتصادي فقط، بل تشكّل الجماعات العابرة للحدود كحزب الله و«داعش» مشكلة أمنية ملحّة؛ بسبب ممارستهم للعنف والإرهاب، وبسبب دورهم في تشجيع الاستقطاب الطائفي.[8]وتعود قوّة تلك الجماعات إلى حالة عدم الاستقرار في مختلف دول الشرق الأوسط كسوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى الدعم المادي والمعنوي النابع من القوى التي تتصارع على النفوذ الإقليمي.[9]

ويرى خبراء الإرهاب أنّ هناك دوراً أساسيّاً للضغط الاقتصادي في مشكلات الإرهاب والتطرف،[10] حيث إنّ شحّ الفرص الاقتصادية يؤدّي إلى فقدان الأمل والشعور بالقهر، ويستغل زعماء الإرهابيين هذه الأوضاع، خصوصاً في فئة الشباب العاطلين عن العمل. ولذا وجد الباحثون– تاريخياً- أنّ الدول الأكثر تعرّضاً للحروب الأهلية هي الدول الفقيرة،[11] كما أنّ الحروب تندلع في المناطق التي تمرّ بصعوبات اقتصادية.

إذاً تتميّز السياسات الاقتصادية بالقدرة على معالجة التحديات الاقتصادية وغير الاقتصادية الّتي تواجه الدول الخليجية.

3. التكامل الاقتصاديّ والاتحاد كحلّ

أيّد الاقتصاديون - منذ أيام آدم سميث- التكامل الاقتصادي كوسيلة لتعزيز النموّ الاقتصادي.[12] حينما ينفتح سوق ما إلى عدد أكبر من البائعين والمنتجين والمشترين، تزداد الفرص للتخصّص؛ممّا يرفع حجم إنتاجية المنتجين، ويدفعهم نحو تطوير منتجاتهم؛ لاستقطاب الزبائن الجدد. وكان هذا أحد أسباب التزام المملكة المتحدة بمبدأ التجارة الحرّة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كما أنه يشكّل أحد أهمّ أسباب سيطرة الاقتصادَيْنِ الأمريكي والصيني على الاقتصادات الأخرى في العصر الراهن.

وتأثّراً بهذه النظريات، قام مشروع التعاون الأوروبي على أساس اقتصادي ابتداءً بمنظومة الصلب والفحم الأوروبية في عام 1952، وأعقبتها منطقة التجارة الحرّة، والوحدة الجمركية، والسوق المشتركة، وأخيراً العملة الموحّدة في 1999. وما يلفت الانتباه هو ارتكاز عمليّة التكامل على خطوات اقتصادية، برغم أنّالمحرّك السياسي كان أمراً غير اقتصادي – تفادي حروب داخلية بعد الصراعات العنيفة المستمرة منذ القرون الوسطى.[13] فانطلقت الحركة النازية الألمانية من الأزمة الاقتصادية الألمانية التي سبّبها المجتمع الدولي عبر عقوبات ماليّة فُرضت على الشعب الألماني بعد أن هُزم في الحرب العالمية الأولى.[14] وبالإضافة إلى ذلك، أدّت الأزمة المالية الدولية في عام 1929 إلى انتشار التطرف والزينوفبيا (عقدة الخوف من الأجانب) في كلّ أنحاء العالم. ونتيجة لكلّ هذه التوجّهات الاجتماعية السلبية، اندلعت الحرب العالمية الثانية في عام 1939، وقُتل ما يزيد عن 60 مليون نسمة.

ومن ناحية المردود الاقتصادي المباشر، كان تأسيس السوق المشتركة الأوروبية أهمّ حلقة في سلسلة التكامل الاقتصادي، إذ أدّت إلى تحسّن ملحوظ في تنافسية الشركات الأوروبية[15] وإلى خلق فرص عمل عديدة. وشكّلت هذه التجربة الناجحة قدوة لدول مجلس التعاون حينما أطلقت السوق المشتركة الخليجية في عام 2003.

والحمدلله، فإنّ قناعة الدول الخليجية حول أهمية التكامل الاقتصادي لم تقم على سياسة المرور بحروب دموية كما حصل في أوروبا. وتشير بعض المؤشّرات إلى إنجازات ملحوظة متعلّقة بالسوق المشتركة الخليجية[16]: في عام 2011، بلغت قيمة التجارة البينيّة 85 مليار دولار (6% من الناتج الخليجي الإجمالي)؛ وبلغ عدد مواطني مجلس التعاون العاملين بالدول الأعضاء الأخرى حوالي 40 ألفاً؛ وانتشر تملّك العقارات، ورخص الأنشطة التجارية، والانضمام إلى أنظمة التقاعد،بين المواطنين الخليجيين الذين يعيشون في دول خليجيّة أخرى.

ولكن هذا المشروع الطموح لم يفعّل بطريقة مقبولة إلى الآن؛ بسبب ثغرات عديدة في عمليّة تطبيقه. فَحَسَبَ تقارير دورية صادرة من اتحاد غرف التجارة الخليجية – وهي المؤسسة التي تمثّل القطاعات الخاصّة في دول مجلس التعاون – لا يزال المواطن الخليجي يعامَل معاملة غير المواطن في كافة المجالات في الدول الستّ.

وعلى سبيل المثال، يشتكي التاجر الخليجي من سياسةالتمييز في المعاملة الضريبية، وفي إجراءات الحصول على رخص تجارية، حينما يعمل خارج دولته الأصلية. ويشتكي أيضاً من عوائق عديدة مكلّفة عند نقل بضائع بين دولتين خليجيتين. ويعاني العامل الخليجي أيضاً من التمييز عند التقديم إلى وظائف (خصوصاً في القطاعات العامة)، وفي الحصول على رخص مهنيّة. ويواجه المستثمر الخليجي صعوبات ملحوظة حينما يسعى لشراء عقار أو أسهم في دولة أخرى؛ حيث ما زالت بعض الدول الخليجية تمنع غير المواطنين (منهم الخليجيّون) من تملّك أراضٍ أو أسهمٍ معيّنة.

وما يؤكّد عدم تفعيل السوق المشتركة الخليجية هو عدم تنفيذ الخطوة التي تسبقها وهي الوحدة الجمركية في عام 2014، حيث لم تتفق دول مجلس التعاون على منظومة مشاركة الرسوم الجمركية برغم مرور أكثر من 10 سنوات على إقرار الوحدة.[17]

كيف يمكن للاتحاد الخليجي أن يشكّل حلاًّ لمشكلة تعثّر مشاريع التكامل الاقتصادي الخليجي؟ليس هيكل مجلس التعاون الحالي مناسباً لتفعيل مشاريع تكاملية ضخمة كسوق مشتركة؛ لأنّ المؤسسات الخليجية المركزية – تحديداً الأمانة العامة – لا تمتلك أية صلاحيات تنفيذية، ممّا يمنعها من محاسبة الدول التي لا تلتزم بقواعد التكامل، سواءً كانت المخالفة بسبب الجهل، أوالبطء في التنفيذ، أوالمصالح المتضاربة. ولكن إن اتّحدت الدول الخليجية، فستتكوّن مؤسسات مركزية تمتلك الصلاحيات المطلوبة فعلاً لخلق هوية اقتصادية خليجية تستبدل الهويات الستّ.

وعلى سبيل المثال، في الوقت الراهن، إن مُنع تاجر خليجي ما من الحصول على رخصة تجارية في دولة خليجية أخرى، فلا توجد آلية شفّافة وفاعلة لمعالجة الموضوع. إن اشتكى التاجر عند الأمانة العامة سيشار إليه إلى أنّ الأمانة العامة غير قادرة على إلزام الحكومات الخليجية بالقرارات المركزية. وإن اشتكى عند حكومته فهي توازي حكومة الدولة المخالفة، وبالتالي غير قادرة على فرض رأيها على الدولة الثانية. وإن قدّم شكوى إلى الحكومة المخالفة فمن المتوقّع أن تساند رأي وزارتها صموداً. ولكن إن تمّ تشكيل حكومة خليجية مركزية فستسهل طريقة معالجة الموضوع: يشتكي المواطن الخليجي عند الحكومة الفوقية، ويصدر قرار يلزم فرعها في الدولة المعنية بإصدار الرخصة التجارية.

وهذا هو ما يحصل في الولايات المتحدة التي تشتمل على 50 حكومة تتميز بحدّ أدنى من الاستقلال، وتخضع إلى سلطة حكومة فيدرالية فوقيّة. فإن واجه مواطن أمريكي ما تمييزاً ضدّه عند تقدّمه إلى وظيفة في ولاية أخرى، يمكنه أن يرفع دعوى عبر محكمة فيدرالية، وأن يقدّم شكوى عند وزارة العمل المركزية، وتمتلك تلكما المؤسستان الصلاحيات المطلوبة لمعالجة أيّة مخالفات.

ويستخدم الاتحاد الأوروبي هيكلاً حكومياً مختلفاً لنفس الغرض؛ لأنه اتحاد اسماً وليس فعلاً؛ حيث تحافظ الدول الأعضاء على استقلاليتها في أغلبية شؤونها الاقتصادية. فهناك مؤسسة مركزية – المفوضية الأوروبية – مكلّفة بمتابعة تنفيذ المشاريع الاقتصادية المشتركة وممنوحة صلاحيّة فرض غرامات على من يخالف القانون الأوروبي. وما يميّز المنظومة الأوروبية عن المنظومة الفيدرالية الأمريكية هو أنّ المفوضيّة الأوروبية تعتمد على مساعدة من حكومات الدول الأعضاء؛ لتطبيق القوانين المركزية؛ لأنّ مواردها البشرية والمالية محدودة (حتى لو تزيد بشكل كبير عن موارد الأمانة العامة لدول مجلس التعاون)؛[18] وعلى عكس ذلك المؤسسات المركزية الأمريكية تحاسب من يخالف القوانين المركزية مباشرة دون الاستعانة بوساطة حكومات الولايات.

إذاً وباختصار، يخلق التكامل الاقتصادي الفعلي مردوداً اقتصادياً كبيراً؛ وهذا يعتبَر من أساسيات الفكر الاقتصادي. ولكن تفعيل التكامل الاقتصادي يتطلب مؤسسات تشريعية وسياسية فوقية قادرة على متابعة التنفيذ ومحاسبة من يعرقله. وإنّ الهيكل الحالي لدى دول مجلس التعاون غير مناسب لهذا الغرض؛ لأنّ المؤسسات المركزية الخليجية لا تمتلك الصلاحيات المطلوبة، وبالتالي يبقى المردود الاقتصادي كامناً وليس واقعاً. وأبسط حلّ شكلياً هو الاتحاد السياسي؛ حيث سيؤدي إلى خلق الهيكل المطلوب، كما يوجد في دول فيدرالية كأمريكا وأستراليا وسويسرا. وفي هذه الحالة يعتبَر الاتحاد الخليجي محرّك التكامل الاقتصادي.

وفي العصر الراهن، هناك فائدة أخرى تتعلق بالاتحاد: التصرّف ككتلة في المفاوضات الدولية في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية وغيرها. فباستثناء المملكة العربيّة السعودية، تعتبَر دول مجلس التعاون صغيرة، ونفوذها ضئيلاً جداً، أثناء دخولها مفاوضات ثنائية مع دول غير خليجية. ولربما أبرز مثل لذلك هو المفاوضات النووية بين إيران و«دول مجلس الأمن الخمسة زائد واحد». فنتيجة لأهميتها الاقتصادية وقوتها العسكرية، تمكنت ألمانيا من احتلال دور في المفاوضات - رغم أنها لا تملك أسلحة نووية، وليست عضواً دائماً في مجلس الأمن لدى الأمم المتحدة. وعانت الدول الخليجية بشكل ملحوظ من قلّة قدرتها على المساهمة في المفاوضات،برغم كونها الدول الأكثر تأثراً بأية صفقة قد تصدر.[19]

4. الخاتمة

يعالج النموّ الاقتصادي التحدّيات الاقتصادية وغير الاقتصادية، وتتميّز الدول الثريّة بمجتمعات مستقرّة، ومعتدلة، وآمنة،وبعيدة عن الحروب والإرهاب. هذا المبدأ العام يمكن تطبيقه على دول مجلس التعاون، فمستقبلها الاقتصادي غير آمن؛ بسبب اعتمادها على الموارد الطبيعية، وضعف أنظمتها التعليمية، وانتشار البطالة في فئة الشباب. ونتيجة لقلّة مواردها الطبيعية وارتفاع دَيْنِها العام- مقارنة بالدول المجاورة- أصبحت البحرين الدولة الخليجية الوحيدةالمهدّدة اقتصادياً أكثر من غيرها بين الدول الست، وهي بحاجة ملحّة لإصلاحات اقتصادية؛ لمعالجة كلٍّ من تحدّياتها الاقتصادية والمجتمعية.

وقد أثبت التاريخ أنّ إحدى أهم وسائل تحقيق النمو الاقتصادي المستدام هي التكامل الاقتصادي، حيث يحفّز انفتاح الأسواق المنتجين وروّاد الأعمال على التطوّر التكنولوجي والإداري. وحاولت دول مجلس التعاون اغتنام فرص التكامل الاقتصادي عبر مشاريع اقتصادية ترادف ما فعله الاتحاد الأوروبي خلال آخر 50 سنة، ولكن لم تفعّل تلك المشاريع الخليجية إلا جزئياً. ويعود ذلك إلى ضعف المؤسسات المركزية الخليجية؛ حيث لا تمتلك الصلاحيات المطلوبة لتنفيذ مشروع معقّد كسوق مشتركة خليجية.

ويشكّل الاتحاد وسيلة لملء هذه الثغرة،بشكل حاسم، ووضع دول مجلس التعاون على خطّ التكامل الاقتصادي الحقيقي وليس النظري. وإن اتحدت الدول الست فستكون هناك مكتسبات أخرى، وعلى وجه التحديد تتحقّق إيجابيات التفاوض ككتلة في الصفقات الدولية.

ولكن لم تشكّل الدول الخليجية إلى الآن رؤية مشتركة حول مشروع الاتحاد؛ لأنّ بعض الدول تصرّ على الاحتفاظ باستقلالها السيادي.[20] وعلى سبيل المثال، ترتبط سلطنة عمان بعلاقات اقتصادية وسياسية مع إيران ذات طابع مختلف جذرياً عن علاقات المملكة العربيّة السعودية مع إيران، ولذا، فهي تعارض الاتحاد؛ حيث تشعر أنّها ستجبر على أن تخالف مصلحتها مع إيران خضوعاً إلى سياسة مركزية خليجيّة.

وللتغلّب على هذا العائق، يمكن الاستفادة من التجربة الأوروبية مرّة أخرى، فقد طُبِّقَ وما زال يُطبّق مشروع التكامل الأوروبي تدريجياً من قِبَل الدول المشاركة في مشروع ما، وفي حالة الاختلاف، يقتصر تطبيق المشروع على مجموعة فرعية من الكتلة مقتنعة به. وتتحوّل هذه الكتلة المصغرة إلى نموذج ريادي وتجريبي. وعموماً في حالة نجاح المشروع تتبعها الدول المتبقيّة. وعلى سبيل المثال لم تنضم المملكة المتحدة إلى منطقة التجارة الحرّة الأوروبية في وقت تأسيسها في عام1957؛ بسبب ارتباطاتها مع مستعمراتها السابقة، ولكن بعد تفكيك الامبراطورية البريطانية واستعراض فوائد منطقة التجارة الحرّة، اقتنعت المملكة المتحدة بفائدة العضوية، وانضمت في عام 1973.

ليس الاتحاد الأوروبي المثال الوحيد لتكامل اقتصادي ناجح،  بل هناك العديد من الاختلافات الجذرية بين حالة دول أوروبا وحالة دول مجلس التعاون؛ ولربما خطّة اتّباع خطوات الاتحاد الأوروبي نفسها هي خطّة لا تناسب احتياجات دول الخليج العربي. فعلى سبيل المثال هناك من يطرح الرأي القائلبأنّ منظومة التشاور غير الرسمي التي تستخدمها دول مجلس التعاون حالياً لمعالجة الخلافات، والتي تعود إلى التقاليد القبليّة،تمثّل خياراً أفضل - للدول الخليجية- من هيكلٍ يحوّل صلاحيات الدول الست إلى حكومة مركزية فوقيّة.

واليوم تغيّرت ظروف الخليج؛ إذ تضاعفت المخاطر والتهديدات، وينبغي على دول مجلس التعاون أن تبحث عن سبل جديدة لمواجهة التحديات الاقتصادية وغير الاقتصادية. ونظرياً، يفترَض أن يكون التكامل الاقتصادي عمليّة أسهل بالنسبة للدول الخليجية ممّا هو بالنسبة للدول الأوروبية؛ بسبب التجانس الشديد بين الدول الخليجية الّتي تتميز بلغة، وثقافة، وبنية اقتصادية، وتركيبة ديموغرافية شبه مشتركة.

وبالتالي ينبغي على الدول الخليجية أن تنظر نظرة جدّية في مشروع الاتحاد وأن تركز على ما يمكن تحقيقه ككتلة اقتصادية متكاملة، وليس على ماذا ستفقده الدول الأعضاء من ناحية استقلاليتها.

«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚوَاذْكُرُوانِعْمَتَاللَّهِعَلَيْكُمْإِذْكُنْتُمْأَعْدَاءًفَأَلَّفَبَيْنَقُلُوبِكُمْفَأَصْبَحْتُمْبِنِعْمَتِهِإِخْوَانًا».

[1]Allen, C., M. Gasiorek and A. Smith (1998). “European single market: how the programme has fostered competition,” Economic Policy, p441-486

[2]Abdulghaffar, M., O. Al-Ubaydli and O. Mahmood (2013). “The malfunctioning of the Gulf Cooperation Council single market: features, causes and remedies,” Middle Eastern Finance and Economics, 19

[3]http://gulfnews.com/business/economy/gcc-must-renew-effort-on-full-customs-union-1.1273450

[4]Alasfoor, R. 2007. The Gulf Cooperation Council: Its Nature and Achievements. Lund: Lund University

[5]Federation of GCC Chambers. 2012. Report on the Gulf Single Market: Obstacles and Solutions

[6]International Monetary Fund World Economic Outlook Database

[7]http://gulfnews.com/business/economy/challenges-ahead-for-bahrain-economy-1.1456333

[8]http://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2429568&language=en

[9]http://abcnews.go.com/International/wireStory/iraqs-top-shiite-cleric-urges-militias-battling-29609019

[10]Caruso, R., and F. Schneider (2011). “The socio-economic determinants of terrorism and political violence in Western Europe (1994-2007).” European Journal of Political Economy, 27, pS37-S39

[11]Collier, P., and A. Hoeffler (1998). “On economics causes of civil war,” Oxford Economic Papers, 50, p563-573

[12]Baldwin, R. and A. Venables. 1995. Regional Economic Integration. In Handbook of International Economics, Volume III, by G Grossman and K Rogoff. Elsevier Science, 1995

[13]Vataman, D. (2010). “History of the European Union,” Lex ET Scientia International Journal, 18, p107-137

[14]Paxton, Robert O. (2011). Europe in the Twentieth Century. United States: Wadsworth

[15]Badinger, H. (2007). “Has the EU’s single market programme fostered competition? Testing for a decrease in mark-up ratios in EU industries,” Oxford Bulletin of Economics and Statistics, 69, p497-519

[16]Gulf Cooperation Council Secretariat General. 2012. The Gulf Single Market: Facts and Figures

[17]http://www.thenational.ae/business/industry-insights/finance/saudi-arabia-import-tariffs-hinder-gcc-customs-union

[18]Abdulghaffar, M., O. Al-Ubaydli and O. Mahmood (2013). “The malfunctioning of the Gulf Cooperation Council single market: features, causes and remedies,” Middle Eastern Finance and Economics, 19

[19]http://www.thenational.ae/world/kerry-reassures-gcc-over-iran-nuclear-deal

[20]http://www.thenational.ae/world/middle-east/oman-will-withdraw-from-gcc-if-a-union-is-formed-foreign-minister

مقالات لنفس الكاتب