; logged out
الرئيسية / عاصفة الحزم والأمن المجتمعي الخليجي

العدد 97

عاصفة الحزم والأمن المجتمعي الخليجي

الأربعاء، 01 تموز/يوليو 2015

ما نشهده في السنوات الأخيرة في الفضاء السياسي العربي، هو في الأغلب سيولة كبيرة تشمل الساحة السياسية من أقصاها إلى أدناها ، أفرزت تلك السيولة مجموعة من الظواهر الاجتماعية \ السياسية ،منها وليست الوحيدة ( ظاهرة الحراك الحوثي في اليمن) وهي ظاهرة تربط بين ( القيد المذهبي، و الانتماء السياسي ) وهو توجه نكوصي، مرتبط بأحداث ماضوية انتهت صلاحيتها منذ زمن بعيد، بعد التطور الذي شهدته الإنسانية في ترتيب العلاقات السياسية بين مكونات المجتمع الواحد في الدولة الحديثة أو في علاقات الدول ببعضها،لا التعدد المذهبي في فضائنا العربي الإسلامي بجديد،ولا الانتماء السياسي أيضا، ففي معظم القرن العشرين شهدت المجتمعات العربية قبول التعددية السياسية العابرة للطوائف، كشكل من أشكال الحداثة للدولة العربية التي ظهرت بعد الانفكاك من الهيمنة العثمانية\ الغربية .

الجديد هذا الربط بين المذهب والسياسة الذي تبنته الدولة الإسلامية الإيرانية منذ أن تحول الحكم فيها من نظام الشاه المدني إلى نظام الملالي الثيوقراطي في توظيف سياسي قصده التوسع القومي. وقد أسس هذا الربط في محيطنا العربي ما أسميه (حصان طروادة الإيراني)، وقد تبنته إيران في ثلاثة أماكن ظاهرة الأول لبنان وإنتاج حزب الله،والثاني العراق وإنتاج مليشيات مسلحة، والثالث في اليمن من خلال إنتاج الحركة الحوثية. وقد حاولت بشكل ممنهج إنتاج مثل تلك الحركات (صغيرة أو كبيرة) في أكثر من مكان من الفضاء العربي، في مصر والمغرب و البحرين و الكويت و المملكة العربية السعودية، أي محاولة ربط (الفرقة المذهبية بإطار سياسي، يخدم الأهداف القومية الإيرانية) و قد سلكت لتحيق نجاحات (لحصان طروادة الإيراني) العديد من الطرق،منها الأيديلوجي، ومنها المالي، ومنها رفد تلك المجموعات بالسلاح. وهكذا ظهر في المجتمعات العربية ما يمكن تسميته بالجماعات التابعة والعابرة للأوطان .



في خضم هذا التسارع توخت الدولة الإيرانية مجموعة من الشعارات الجاذبة للجماهير العربية أو التي يمكن أن تغطي المشروع الأكبر والأهم وهو (تسريع واتساع النفوذ القومي الإيراني) فتحدثت عن (تحرير فلسطين)! وهنا وجب لفت النظر ،أنه حتى في لبنان تخلا المشروع الإيراني عن الاستعانة بالفلسطينيين أو حتى الحركة الوطنية اللبنانية الجامعة ، كرأس حربة للتحرير المفترض،إلى تكوين جماعة لبنانية مذهبية صرفة و تابعة مباشرة للولي الفقيه ( حزب الله اللبناني)، كما استخدمت مفاهيم مثل ( الدفاع عن المستضعفين) أو ( محاربة الشيطان الأكبر) أو ( الثورة الدائمة) ولم يغفل المشروع الإيراني أن يتخفى ما استطاع تحت ستار من التعميم خارج (الطائفية) فحاول أن يمد يده إلى جماعات سنية لها علاقة بالمشروع الإسلامي السياسي،كما فعل مع حماس في غزة مثلا،أو كما فعل مع بعض أطراف جماعة الإخوان المسلمين، تحت غبار الشعارات الكبيرة ،كمثل ( إقامة الشريعة) أو ( إنصاف الفقراء) أو ( إزاحة الاستكبار عن الحكم في بعض بلاد المسلمين) !.

حصان طروادة الإيراني هذا تدخل فقط في الخاصرة العربية، أي في المشرق الإسلامي العربي،ولم يتوجه إلى جماعات أو دول إسلامية إلى الشرق أو الشمال الشرقي لإيران،مثل باكستان أو أفغانستان أو اندونيسيا أو غيرها من بلاد الإسلام الواسعة. مقصد المشروع الأكبر هو الوصول إلى (المدن الإسلامية المقدسة) وهذا ما يفسر جهد المشروع الدؤوب لمحاصرة المملكة العربية السعودية والخليج من الشمال والجنوب!

المشروع الحوثي في اليمن

ساعد المشروع الإيراني في التمدد انهيار أو ضعف الدولة العربية، فقد ظهرت بداية المشروع في البلدان العربية الرخوة،مثل لبنان، التي خرجت من حرب أهلية ضروس مثخنة بالجراح والتفكك كدولة، ففرضت عليها الدولة السورية نظام أمني سوري \ لبناني،أتاح الفرصة سانحة لظهور وتمدد حزب الله،مع تقليص القوى الوطنية الأخرى ومحاربتها. سوريا كانت ضالعة في المشروع الإيراني منذ فترة طويلة، أي منذ الحرب الطويلة بين بغداد وطهران 1982 – 1988 ،ولكن ذلك الضلوع كان محسوبا بدقة في السنوات الأولى أيام حافظ الأسد، على أساس تبادل المصالح، ربما شبه المتكافئة، إلا أنه في سنوات بشار الأسد اللاحقة التي بدأت مع مطلع القرن الواحد والعشرين، انزلقت سوريا ،ومعها لبنان،إلى المشروع الإيراني ، وكلما ضعفت الدولة السورية بسبب سوء إدارة بشار الأسد الكارثية ،كلما فقدت استقلالها لصالح إيران، حتى غدت اليوم شيئا يشبه قليلا أو كثيرا ( محافظة إيرانية) ،و لما دخلت سوريا في حرب أهلية أصبح الحل الربط في دمشق يأتي من طهران لا من غيرها. حدث ذلك أيضا في العراق، التي ادخلها نظام صدام البعثي في مدخل مظلم،مثل الإدارة البعثية في سوريا، حتى تم احتلالها ومن ثم تسليمها إلى المشروع الإيراني، الذي جهد لاستتباع بغداد إلى مداره، من خلال تهميش واسع المدى لمكون عراقي هم السنة العرب، تحت ذرائع مختلفة، حتى أصبح الاحتراب الطائفي فرضا على الجميع!
المشروع الحوثي ليس بعيدا عن ذلك السيناريو في سوريا ولبنان والعراق، فاليمن بها أكثر من مكون من الفرق الإسلامية، والظاهر على السطح مكونين تعايشا طويلا، هما المكون السني (الشافعي) والمكون ( الزيدي) وتميل الديموغرافيا والكثافة السكانية إلى الأول . الزيدية فيها من التوافق و التماس الكثير من حيث العقيدة ومن حيث العبادة مع أهل السنة، وفي العقود التي أعقبت مطلع القرن العشرين تقارب المذهبان إلى حد كبير ،كما أن الزيدية تختلف مع الطوائف الشيعية الأخرى ( الاثنا عشرية و الإسماعلية ) في بعض الفروع،فالاثناعشرية تؤمن تاريخيا بترك السلطة الزمنية حتى ظهور المهدي المنتظر، و ترجئ الصراع مع الحاكم الزمني ،نتيجة تاريخ طويل من الصراعات السياسية ، حتى الخميني نفسه له نص نشر في عام 1944 في كتاب ( كشف الأسرار ) يقول بترك السلطة الزمنية إلى الحاكم،والاهتمام بالتراث الشيعي ولم يقل حتى وقت متأخر إن الملك أو السلطة حق للفقهاء ، كما أن الزيدية تختلف في وجوب ( عصمة الإمام) و أيضا في (زواج المتعة) ,وتتفق مع الاجتهاد الاثناعشري في جواز زكاة الخمس و الركون إلى ( التقية)، وهي سلوكيات لا يستشعر أحد منها بضيق أو استنكار حيث تختلف المذاهب الإسلامية في الفروع .

بعد أن غير الخميني رأيه، لأسباب تاريخية وسياسية، وقال بولاية الفقيه حتى يظهر الإمام الغائب،والفقيه هنا هو نائب الإمام الغائب، وكان ذلك بسبب صراعه وتابعيه مع السلطة الشاهنشاهية، و بدأت مجموعات من الزيدية بعد ذلك ترسم صورة ذهنية مختلفة للحكم في إيران، حيث روجت لفكرة أن إيران بقولها بـ ( الثورة الدائمة) أصبحت (زيدية)!لأنها (تحشد الجماهير لمواجهة القوى الأجنبية والحكام الظالمين) وبصرف النظر عن الاختلافات الثانوية الأخرى. ساعد في انتشار الفكر ذلك بين شريحة في اليمن عاملين ،الأول فساد السلطة في اليمن، تحت حكم علي صالح، ومن ثم تفكك الدولة اليمنية بعد الثورة الشعبية في عام 2011 و ضمور مرضي للدولة الموروثة من على صالح في التعامل مع المستجدات،والعامل الثاني هو عامل الدفع من طهران بالمال والسلاح والتدريب والدعوة السابقة والتحضير الأيديلوجي ، وتطور المشهد اليمني إلى تحالف غير مقدس أو تحالف الضرورة بين طائفة مسلحة و مسنودة بقوة إقليمية هي إيران ، وبين حاكم متشبث بالسلطة لا زالت له ولاءات في قطاع من الجيش، الذي ظل يرعاه لثلاثة عقود ،وفي غياب مشروع وطني حديث واضح المعالم ، تراخت الدول المساندة له عن متابعته و انجازه، ظهر ( الغول ) الحوثي أكبر من حجمه ، واجتاح المدن اليمنية التي حدثت فيها نقلة نوعية في الخمسين سنة الماضية باتجاه ( المدنية) و البعد عن السلاح ،وتحدثت طهران بفخر عن سقوط أربع عواصم عربية في حضنها ، هي دمشق ، بغداد، بيروت و الرابعة صنعاء ! واختطف الحوثيون شعارات حديثة جاذبة للجيل الجديد منها بناء (الدولة المدنية\ الحرية\ محاربة الأجانب\ استقلالية اليمن) إلى أخره من تلك الشعارات التي تفننت فيها الآلة الإعلامية لحزب الله اللبناني،اليد الطولى لإيران القادرة على صياغة الشعارات التي تدغدغ الشعور العربي! ومن جهة أخرى الحديث عن حرب ( الدواعش والقاعدة) التي يصفون بها المقاومة اليمنية الوطنية تبخيسا لدورها وازدراءها وترويجا لقبولهم على الساحة الدولية.
في هذا الجو المشحون لم تعد الدول الكبيرة في المنطقة،وخاصة المملكة العربية السعودية لها الصبر أن تمشي على قشور البيض، لقد استنفذت طهران كل الصبر الذي بحوزتها،وظهر المشروع واضحا جليا،تطويق المملكة وجاراتها الصغيرة،ومن ثم نقل المعركة إلى أرضها لتحقيق الحلم الوهمي أن (المهدي المنتظر سوف يظهر في مكة في عاشوراء،وينتقل إلى الكوفة، ويملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جورا)!

وجاءت عاصفة الحزم

لم يكن من المقبول ولا المنطقي أن لا تُتخذ قرارات حاسمة في هذا الأمر، فجاء القرار الشجاع والتاريخي للمك سلمان بن عبد العزيز بمجرد وصوله إلى الحكم،وبسبب مخزونه الشخصي من التاريخ،وفهمه العميق لتحولات الأزمنة وبناء الدول، فاتخذ قرار عاصفة الحزم، الذي مهد له بحذق من خلال تحالف واسع للمتضررين من المشروع الإيراني القومي التوسعي، من المغرب حتى الخليج، فجاءت عاصفة الحزم لتفصل بين مرحلتين الأولى الصبر على المكاره،والثاني ملاقاة تلك المكاره ومقارعتها على الأرض. لم تكن عاصفة الحزم لتسعي لتغليب فريق يمني على فريق آخر، إنها جاءت أولا وأخيرا لوقف المشروع الإيراني الزاحف، لذلك وجدنا إيران الرسمية قد فقدت صوابها في سلسلة من التصرفات والتصريحات ،كشفت عن وجهها السياسي القبيح ، فانتقل الصراع من الظل إلى الشمس .



لقد قامت إيران بعدد من الاستفزازات ضد المملكة العربية السعودية طوال أكثر من ثلاثة عقود ، وارتكب عملاؤها عددا من جرائم قتل الدبلوماسيين السعوديين ، أو محاولة قتلهم ( آخرها محاولة قتل سفير المملكة في واشنطن) وربما محاولة تنسيب ذلك لو حصل ،على السلطات الأمريكية، لدق إسفين عميق بين الدولتين،مرورا بتفجيرات الخبر ( عام 1996) ودخلت إيران في حرب الكترونية، كما حدث في أغسطس 2012 ، حيث تعرضت شركة النفط السعودية ( أرامكو) لهجوم الكتروني ، نسبته المخابرات الأمريكية إلى إيران، كما أنشأت إيران من خلال فيلق القدس ( الوحدة 400) تستهدف الدبلوماسيين التابعين للدول التي كانت تحاول ( في رأيهم) تقويض المشروع النووي الإيراني، والكثير من صراعات الظل التي عانت منها دول المنطقة ، أي المملكة العربية السعودية وجيرانها في الخليج،مثل أحداث وقعت في البحرين والكويت . وفي الآونة الأخيرة سمح لوسائل الإعلام الإيرانية بالهجوم الشرس على المملكة و عددا من دول الخليج، شارك فيه عدد من المسئولين الإيرانيين بما فيهم علي خامنئي.

لقد استقر في ذهن متخذ القرار الإيراني الفكرة الشاهنشاهية القديمة، وهي فكرة (قومية) أن إيران هي المدافع عن دول الخليج، قال القائد العام السابق للقوات المسلحة الإيرانية الجنرال محسن رضائي لقناة الميادين التلفزيونية (التابعة لإيران وتبث من بيروت) أن (أسلحتنا هي للدفاع عن السعودية وقطر والإمارات والعالم الإسلامي كله!) في إعادة إنتاج وتوسيع للمقولات الشاهنشاهية قبل الثمانينات من القرن الماضي، وترغب السياسة الإيرانية في الخليج أن تتعامل مع دول الخليج فرادى، طمعا في السيطرة والنفوذ. أن ما هو أمامنا اليوم ليس (خلاف طائفي) كما يحلو للمتعجلين والمستفيدين توصيفه، فمعارك الطائفية انتهت تاريخيا بضمور أسبابها إنما هي محاولة لاختطاف عقول البشر للزج بهم في حروب ( دون كيشوتية) وهي في حقيقتها توسع قومي إيراني ، فإيران الدولة غير معنية بالشيعة العرب ، التي يتواجد على أرضها عشرة ملايين شيعي عربي ، لم يدق مسمار في مدنهم وقراهم ولم يرصف لهم طريق ، بل علقت رقاب كثير منهم على المشانق كما تعلق النعاج ليس لشيء إلّا أنهم طالبوا بحقوق المواطنة!

عاصفة الحزم و الأمن المجتمعي الخليجي

(حصان طروادة الإيراني) صغر أو كبر، مهيأ للقفز على دول الخليج هو ينتظر فقط الوقت والفرصة، لا القرار، لذلك فان عاصفة الحزم وضعت إيران أمام خيارين، إما أن تترك (حروب الظل) وتأتي إلى العلن أو تنسحب مع أوهامها الإمبراطورية من المشهد العربي، فلم يعد المجتمع العربي يقبل مثل هذه المناوشات التي خربت الأوطان من سوريا إلى لبنان إلى العراق إلى اليمن،ومحاولات اللعب في الحديقة الخلفية لدول الخليج من أجل استنزافها،مثل إخضاع اليمن إلى (ولاية الفقيه).

عاصفة الحزم هي حرب استباقية ودفاعية في نفس الوقت من أجل إنقاذ ليس اليمن فقط،ولكن دحر المشروع بكاملة المتمثل في تلك الشهية الإيرانية للتوسع، وقفل باب (حصان طروادة) قبل أن يفتح على مصراعيه في ساحات عربية أخرى. أمن الخليج هو أمن واحد لعدد كبير من الأسباب، فهي دول مرتبطة جغرافيا ببعضها ، لا حواجز طبيعية أو اجتماعية ،فالمملكة على سبيل المثال ترتبط جغرافيا بكل دول الخليج الخمس وأيضا باليمن،كما أن شعوبها تحمل ثقافة متقاربة و مجتمعاتها متداخلة ، بالتالي أمنها واحد لا يتجزأ، وأي تدخل (إيراني) في اليمن، هو تدخل في صميم أمن الخليج،وفي حال ترك ذلك التدخل دون تصدٍ له، فإن حصان طروادة الإيراني سوف يتمدد بنفس الطريقة إلى بقية بلدان الخليج، التي هي بدورها تحوي اجتماعيا على تعددية ثقافية قد تغري القوة الإيرانية بالمغامرة.

من هنا فإن الوقوف الحازم مع عاصفة الحزم\ الأمل قضية أمن وطني خليجي، من الواجب حشد كل الإمكانيات لها ومعها،كما العمل الجاد للوصول إلى وضع سياسي مستقر في اليمن، لا يُخرج من جهة أي مكون سياسي من التسوية،كما يمنع أي تدخل خارجي في نفس الوقت. على جانب آخر لا بد من التفكير ( خليجيا) في المشروع المضاد الذي يستطيع أن يقف أمام (حصان طروادة الإيراني) وهو من شقين، التوجه إلى وحدة خليجية حقيقية ومبتكرة، تستطيع حشد الطاقات والإمكانيات لمواجهة الأخطار القائمة والمحتملة ،والاعتماد على النفس ،وأيضا وضع مشروع للحوكمة الرشيدة، القائمة على سيادة القانون والمساواة بين المواطنين و دعم مشاريع التنمية ،وخلق سوق للعمالة والعمل مفتوح بين دول الخليج ،وتلك مرحلة يجب التفكير فيها منذ اليوم ،حيث أن التبدلات في العلاقات الدولية سريعة و المنطقة تمر بكاملها بحالة من السيولة كما أسلفنا ،عنوانها العام أن الحلول القديمة لم تعد تصلح لعلاج المشكلات الجديدة.

 

مقالات لنفس الكاتب