array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 98

ديمغرافيا متحركة أزمات اللاجئين السوريين في دول الجوار

السبت، 01 آب/أغسطس 2015

أنتجت الأزمة السورية خلال خمس سنوات بداية من ربيع 2011 أكبر أزمة إنسانية شهدتها المنطقة على مدى تاريخها القديم والحديث؛ ففضلا عن انهيار الدولة السورية، والدخول في حرب أهلية داخلية ممتدة راح ضحيتها ما يقرب من 300 ألف سوري، فإن الأزمة قد أدت إلى تحريك الأوضاع الديمغرافية والسكانية ولازالت، ليس فى داخل سوريا فحسب، ولكن في داخل دول الجوار الإقليمي، وعلى الحدود بين الدول، ويتبدى هذا فى العدد الضخم من النازحين في الداخل واللاجئين في الخارج والذي بلغ إجمالا ما يقرب من 12 مليون سوري بين نازح ولاجئ.

وتتزايد مخاطر عملية التحريك الديمغرافي تلك كونها تحدث فى إقليم تتسم أرضيته وأسسه البنيوية الاجتماعية بالرخاوة والضعف، حيث تبدو مجتمعات دول المنطقة مزيج من عرقيات وأديان وطوائف ومذاهب متعايشة عند الحد الأدنى من معايير التوافق. فضلا عن أن العقد الاجتماعي الناظم للعلاقات بين تلك المكونات يكاد يرتكز على توازنات وقواعد ومعايير سياسية هشة، علاوة على أن تلك الدول تعانى من مضاعفات اقتصادية بالأساس، وتتفاقم حدتها مع بروز التحديات التى تفرضها حركة اللاجئين عبر الحدود، ناهيك عن شبح التطرف والعنف والإرهاب المخيم على المنطقة، وهى ظواهر تتمدد وتتغذى على حالة الإحباط واليأس، وتجد بيئة ملائمة للانتشار والتوسع والتجنيد حيث مخيمات اللاجئين والنازحين على حدود دول الإقليم وداخلها، وحيث الفشل السياسي والإقتصادي.

منذ بداية الأزمة يتدفق اللاجئون إلى دول الجوار دون انقطاع، بل تزايدت أعداد اللاجئين واتسعت اتجاهات حركتهم، مع تزايد حدة الصراع واتساع نطاقه الجغرافي، فخلال المراحل الأولى للصراع ظلت حركة اللاجئين محدودة، وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مطلع الأزمة في 18 يوليو2012؛ فقد بلغ عدد اللاجئين 120 ألف لاجئ سوري توجهوا إلى بلدان الأردن ولبنان وتركيا والعراق.

ومع سعي النظام لحرف مثار الثورة باتجاه العسكرة، واعتماده في معالجة الأزمة على قمع حركة الاحتجاج التي كانت تتسع تدريجيا، ومن ثم الإمعان في تشديد الإجراءات الأمنية والعسكرية والقتالية، واجتياح القرى والمدن بالآليات العسكرية، بدأت حركة النزوح الجماعي في الداخل واللجوء للخارج في الاتساع، وبحسب آخر بيان للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في 15 يوليو 2015؛ فإن عدد اللاجئين الفارين من الصراع إلى دول الجوار تجاوز 4.72 مليون نسمة.

ورغم أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقدر أعداد اللاجئين السوريين بستة ملايين لاجئ حتى يوليو 2015 بحسب آخر تقرير لها؛ فإن اعتماد أي من الرقمين أربعة ملايين أو ستة ملايين لاجئ يجعل الأزمة واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في العالم منذ ما يقرب من ربع قرن، وبجانب حركة اللجوء الخارجي ترصد المفوضية جانبا آخر من أزمة النزوح السوري متمثلة فى تشريد ما لا يقل عن 7.6 مليون نسمة داخل سوريا،  وكثير منهم في ظروف صعبة وفي مواقع يصعب الوصول إليها، ويعد هؤلاء مخزن ضخم يساهم باستمرار فى ارتفاع معدلات اللجوء إلى الخارج مع تعرض مواقعهم لمخاطر وتهديدات.

ويظهر تقرير الاتجاهات العالمية السنوي الصادر عن مفوضية اللاجئين في منتصف 2015 مقدار تأثير حركة اللاجئين السوريين على حركة النزوح قسرا حول العالم، فبحسب بيانات التقرير؛ فإن عدد النازحين قسرا حول العالم بلغ 59.5 مليون شخص مع نهاية عام 2014، وذلك مقارنة بـ51.2 مليون شخص فى عام 2013، وبـ 37.5 مليون شخص قبل عشر سنوات مضت. ويعد معدل الزيادة فى عام 2013 الأعلى على الإطلاق، ويعود ذلك بصورة أساسية إلى تسارع وتيرة النزوح بشكل أساسي منذ أوائل عام 2011 عندما اندلعت الحرب في سوريا.

نصف اللاجئين السوريين نزحوا إلى تركيا وتكلفة استضافتهم تجاوزت ستة مليارات دولار 

 خريطة انتشار اللاجئين السوريين

تتوزع النسبة الغالبة من اللاجئين السوريين في دول الجوار الإقليمي السوري وهى تركيا ولبنان والأردن والعراق علاوة على مصر. حيث استقبلت تلك البلدان أغلبية اللاجئين السوريين، ولازالت تستقبل العديد منهم بدرجات متفاوتة. وبحسب المفوضية السامية للاجئين في منتصف يوليو 2015 تتحمل تركيا العبء الأكبر إذ تستضيف 1.8 مليون نسمة أي ما يقرب 45% من مجموع اللاجئين السوريين في المنطقة، يليها لبنان بنحو 1.2 مليون سوري ثم الأردن بنحو 630 ألفا؛ فالعراق بنحو 250 ألفا، ومصر 133 ألفا، فضلا عن 24 ألفا موزعين على مختلف دول شمال إفريقيا. كما هناك 270 ألف سوري يطلبون لجوء في أوروبا، فضلا عن آلاف آخرين أعيد توطينهم من دول الجوار السوري إلى دول أخرى.

وفى ضوء افتقار الإحصاءات المختلفة إلى دقة تحديد عدد اللاجئين السوريين بصفة إجمالية أو تقدير تعدادهم في كل دولة، وكذلك في ضوء الأوضاع التي يعانيها اللاجئون والتحديات التي يواجهونها، ناهيك عن التحديات التي يفرضها اللاجئون على الدول المضيفة، فإنه يمكن الإشارة إلى حالة اللاجئين في الدول التي استقبلت الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين على النحو التالي:

1-تركيا

تنتهج تركيا سياسة الباب المفتوح مع اللاجئين السوريين؛ فهي تستضيف ما يقرب من نصف اللاجئين السوريين في المنطقة، حتى وصل عدد اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا، مع نهاية مايو 2015 حوالي 1,76 مليون لاجئا وفقا للإحصاءات التركية الرسمية، ويتوافق هذا العدد مع  إعلان مفوضية الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية بأن عدد اللاجئين في تركيا بـلغ مليونا وسبعمائة ألف، بزيادة واضحة لما كان عليه أوائل عام 2014. وبهذا تعد تركيا أكبر دولة تستضيف عددا من اللاجئين في العالم.

ولا شك تؤثر أزمة اللاجئين على الاقتصاد التركي الذي تحمل تكلفة مادية تقدر بستة مليارات دولار منذ بداية الأزمة حتى أول مارس 2015 بحسب خالد جيفيك مندوب تركيا الدائم لدى هيأة الأمم المتحدة، ولم تتلق تركيا من هذا المبلغ  سوى ما يقرب من 300 مليون دولار، حيث أنفقت تلك الأموال في إنشاء العديد من مخيمات اللاجئين وبعض مراكز الاستقبال المؤقتة في تركيا. وتوفير أماكن للإقامة على المدى الطويل والرعاية الصحية وفرص التعليم؛ وقد سبق تلك الإجراءات إنشاء "نظام حماية مؤقت" استنادا إلى توجيه من الاتحاد الأوروبي بشأن التشريد الجماعي. لكنه لا يسمح للوافدين السوريين بالوصول إلى نظام اللجوء الذي يوفره "مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، كما أنه لا يشمل حق العمل.

وبناء على ذلك، توفر أنقرة اللجوء المؤقت لأي شخص يعبر الحدود دون جواز سفر، ولكن بشرط الإقامة في مخيم للاجئين. لكن العديد من السوريين نجحوا في التغلب على هذا الشرط بعبورهم الحدود بطريقة غير مشروعة، بينما دخل البعض الآخر بجواز سفر لكنهم تجاوزوا المدة المتاحة لإقامتهم التي أمدها ثلاثة أشهر. وينتشر هؤلاء فى المدن التركية ويضغطون على سوق العمل، ويمثلون عبأ اجتماعيا وأمنيا في الداخل.

وثمة مخاوف تركية من أن يؤدي تصاعد العنف الطائفي في سوريا والإقليم إلى تصدعات موازية على الجبهة الداخلية، قد يلعب فيها اللاجئون المنحدرون من أصل سني دورا، إلى جانب العلويين الأتراك المتعاطفين مع النظام السوري. فتركيا هي موطن لأكثر من نصف مليون من العلويين العرب، الذين يدينون بنفس ديانة الأسد، ومعظمهم يعيشون في أقصى جنوب إقليم هاتاي وقد أدى ذلك فى وقت سابق إلى اتخاذ السلطات التركية بعض التدابير، مثل نقل بعض اللاجئين العرب السنة إلى مخيمات في داخل تركيا، بعيدا عن محافظة هاتاي المختلطة للسنة والعلويين. ورغم ذلك، لا يزال لدى أنقرة ما يدعوها للقلق، لا سيما بعد تدفق أعداد أكبر من اللاجئين السوريين السنة.

ورغم تلك السياسة الإيجابية التي شجعت تدفق حركة اللاجئين باتجاه تركيا، فإن اندلاع المعارك فى عين العرب كوباني بين تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وبين قوات الحماية الكردية فى الشمال قرب الحدود التركية وما صاحبه من موجة لجوء كردى قدرت بـ 156 ألف نسمة باتجاه الحدود التركية، بجانب موجة أخرى من اللاجئين العرب والتركمان بعد تقدم قوات الحماية الكردية فى المناطق العربية، قد أثارت حفيظة السلطات التركية، التي بدأت في التدقيق والتشدد باتجاه استقبال مزيد من اللاجئين، لاسيما وأن هناك شكوك لتسلل عناصر متشددة بين اللاجئين، وكذلك الخوف من عمليات تهجير قسري تستهدف إحداث تغييرات ديمغرافية لصالح الأكراد على الحدود مع تركيا، وما يثيره ذلك من حساسية تركية وما يطرحه من إشكاليات مستقبلية مرتبطة بالطموح الكردي في تأسيس كيان ذاتي في المنطقة، وهو ما تراه تركيا تهديدا مصيريا لمصالحها.

ولعل التحريك الديمغرافي بطول الحدود التركية سواء مع العراق أو سوريا، وكذلك إغلاق الباب أمام استقبال مزيد من المهجرين قسريا على الحدود على غرار ما قامت به دول لبنان والأردن ومصر، فضلا عن التصريح علنا برفض تركيا أي تغييرات ديمغرافية في المنطقة والتأكيد على أنها ستقف ضد أي مشروع أو عمل يؤشر لمدى مخاوف تركيا. وفى ضوء تلك التحديات، بجانب استمرار الصراع ومن ثم صعوبة عودة كثير من اللاجئين إلى مواطنهم؛ فإن تركيا تفكر جديا في إنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري؛ تحول دون تدفق المزيد من اللاجئين.

وثمة عوامل أخرى تعزز تفكير السلطات التركية في دعم مناطق آمنة داخل الحدود السورية أهمها، تزايد معدلات التطرف لا سيما بين اللاجئين الذين قد يطول بقاؤهم في أوضاع بائسة داخل تركيا، وقد يكونون مصدر لعدوى تصيب الداخل التركي بأمراض التطرف والعنف الطائفي، ومن ثم يمثل الشروع في نقل اللاجئين لمناطق آمنة يمثل حائط صد لمواجهة انتقال التأثيرات السلبية للوضع في سوريا. وفى الإطار ذاته تستفيد تركيا، وربما تطور السلطات التركية تكتيكاتها باتجاه تدخل عسكري في شمال سوريا؛ بما يسمح لها بغلق ملف اللاجئين المربك للأوضاع السياسية فى الداخل والذي أصبح مسار تجاذب بين القوى المتنافسة مع حزب العدالة والتنمية على السلطة. لا سيما وأن التواجد السوري المتزايد في المدن والمخيمات في تركيا ساهم في تفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية ضد سياسة حزب العدالة والتنمية الذي تراجعت نتائجه في الانتخابات الأخيرة.

انجرار لبنان إلى صراع داخلي مسألة مرشحة بقوة تحت تأثير الحضور السوري الكثيف 

2-لبنان

تأتى لبنان بعد تركيا من حيث عداد اللاجئين السوريين الذين تم استقبالهم، ويعد العامل الديمغرافي الخطر الأكبر في مسألة تدفق اللاجئين السوريين على لبنان، إذ أن الأغلبية الكبيرة من اللاجئين السوريين ينتمون إلى المسلمين السنة، وقد أدى تدفق ما يقرب من 1.2 مليون لاجئ بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أو 1.8 مليون نسمة بحسب مصادر حكومية لبنانية إلى إلحاق ضرر بالغ بالتوازن الطائفي شديد الحساسية في لبنان والقائم بين السنة والشيعة والمسيحيين.ويوجد حوالي نصف هذا العدد الآن في المناطق الأكثر فقرا في البلاد مثل شمال لبنان ووادي البقاع، وهي الأماكن التي لا تزال تشهد توترات كبيرة بين السنة والشيعة؛ أما النسبة المتبقية فهي متفرقة في شتى أنحاء جبل لبنان والجنوب وهي المنطقة التي تشكل الأساس الديموغرافي للشيعة اللبنانيين.

وبجانب هذا العامل الذي يمثل هاجسا للقوى الاجتماعية اللبنانية في الداخل، يبرز العامل الاقتصادي، الذي لا يتأثر فقط بتدفق اللاجئين السوريين بل بحالة الجمود التي تهيمن على النشاط الاقتصادي برمته في ضوء ارتباط الاقتصاد اللبناني بدرجة كبيرة بالوضع في سوريا. فهذا العدد الكبير من اللاجئين أدى لتأثيرات سلبية على سوق العمل، الذي ازدحم بالأيدي العاملة الرخيصة والماهرة، مما أدى لخفض كبير في الأجور، ومن ثم تدنى مستوى معيشة اللبنانيين، وبحكم العلاقات التاريخية بين البلدين، يتجه السوريون لشراء العقارات ويفتحون شركات ناهيك عن انتقال رؤوس أموال إلى لبنان، ومن ثم التأثير على مجمل الأنشطة الاقتصادية،  ووفقا لوزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، تم إقامة ما يقرب من 400 شركة غير مرخصة مملوكة لسوريين في سبع بلدات منذ منتصف عام 2013. وبحلول نهاية العام، أفادت التقارير أن عدد الشركات قد بلغ ألف شركة.  وتفهم أبعاد الأزمة في ضوء ارتفاع معدل البطالة بواقع 13% عام 2013، ويرجح أن تصل إلى 20% فيما تصل البطالة بين الشباب تحديدا إلى 35%.

وإلى جوار ذلك تضغط تلك الأعداد الكبيرة على البينة التحتية الضعيفة بالأساس، وتمثل بدورها عبأ ماديا ضخما على الحكومة، التي تعانى من عجز في الموازنة العامة قدر بـ 4 مليارات دولار في عام 2013، فضلا عن أنها تفتقد إلى مصادر لتمويل الإنفاق على المتطلبات التي صاحبت الزيادة الهائلة في عدد اللاجئين. وقد تلعب تلك التحولات دورا في تعزيز الكراهية تجاه اللاجئين السوريين. وعلى جانب آخر تعجز الدولة اللبنانية عن توفير عناية كاملة للاجئين السوريين؛ فهناك صعوبات في تأمين مياه الشرب والطعام بصورة كافية، وكذلك الكساء حيث الشتاء القارس، كما أن الأوضاع المعيشية تدفع بانتشار الأوبئة والأمراض.

كما أن انجرار لبنان إلى صراع داخلي تبقى مسألة مرشحة بقوة تحت تأثير ثلاثة عوامل، الأول، هذا الحضور السوري السني المكثف على الساحة اللبنانية مع تزايد معدلات تدفق اللاجئين، حتى إنهم أصبحوا يمثلون نسبة يعتد بها من سكان لبنان البالغ عددهم تقريبا 4.4 مليون نسمة، وتراجع فرص عودة هؤلاء اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية تحت وطأة التدمير الذي لحق بممتلكاتهم ومدنهم وتحت وطأة استمرار الصراع. والعامل الثاني، هو استمرار الحرب الأهلية في سوريا، لأنها تلقي بتبعات مباشرة على الداخل اللبناني لا سيما في ضوء استمرار تدخل حزب الله عسكريا في الصراع السوري تحت مظلة طائفية. والثالث، أن لبنان يعد أكثر الدول استعدادا لاستقبال الحرب الأهلية السورية، كون الاستقرار السياسي هش، وحالة التجاذب بين المكونات السياسية والاجتماعية والعرقية والدينية والمذهبية شديدة، وفى هذا الصدد لا ننسى خبرة لبنان السابقة مع الحرب الأهلية التي لعب اللاجئون الفلسطينيون دورا في إطلاق شرارتها منتصف السبعينيات حتى نهاية الثمانينيات.

ثمة تهديدات أخرى ذات أهمية منها احتمال تحول معسكرات اللاجئين إلى بيئة مناسبة لتجنيد العناصر المقاتلة من جانب الأطراف المتصارعة على الساحة السورية، بل واستقطاب بعض اللاجئين باتجاه التطرف والانخراط في أنشطة تضر بالأمن الداخلي، وقد سبق وصرح وزير الداخلية اللبناني مروان شربل بأن العديد من اللاجئين في الحقيقة هم مقاتلو الثوار ولذلك هم يمثلون تهديدا للأمن في لبنان.ونتيجة تورط عدة سوريين في هجمات إرهابية داخل لبنان، وبالتزامن مع التصعيد في ملف اللبنانيين المحتجزين لدى جبهة النصرة، تصاعدت نبرة العداء تجاه اللاجئين السوريين من جانب اللبنانيين.

ولمعالجة الأزمة تتجنب القوى السياسية اللبنانية جر الساحة الداخلية لحالة استقطاب تفضي إلى صراع مفتوح، كما أوقفت الحكومة استقبال لاجئين جدد وشجعت اللاجئين الحاليين على العودة الي بلادهم؛ لتخفيف الضغوط الأمنية والاقتصادية والخدمية، كما تطالب لبنان بمساعدات دولية من أجل مواجهة متطلبات الأزمة وتسهم بعض الدول العربية وكذلك الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوربي بنصيب من تكاليف وأعباء استضافة اللاجئين في لبنان.

3-الأردن

استقبلت الأردن بحسب المفوضية السامية للاجئين 700 ألف لاجئ، في حين تقديرات الحكومة الأردنية تصل إلى 1.5 مليون لاجئ، منهم 200 ألف لاجئ فقط داخل المخيمات، وبحسب وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني ناصر جودة؛ فإن اللاجئين السوريين يمثلون حاليا 21 % من إجمالي عدد سكان الأردن. وتظهر دراسة لمركز الفنيق للدراسات، أن عدد اللاجئين السوريين في الأردن يصل اليوم إلى مليون و300 ألف، بينهم 531 ألفا مسجلون لدى مفوضية شؤون اللاجئين، إضافة إلى 700 ألف سوري كانوا يقيمون في الأردن قبل بداية الأزمة السورية، ولم يتمكن غالبيتهم من العودة. وما يقرب من 20 % من هؤلاء اللاجئين في مخيمات مخصصة لهم، فى حين وجد الباقي مأوى لهم في المدن والمناطق الريفية في جميع أنحاء المملكة، بينما تستضيف العاصمة عمان ومحافظتا إربد والمفرق أكثر من ثلاثة أرباعهم.

وتشهد عملية رصد الأعداد الحقيقية للاجئين السوريين في الأردن تضاربا ملفتا بين الأرقام التي تتحدث عنها مفوضية شؤون اللاجئين وتلك التي تعلنها الحكومة، فيما يعود هذا التضارب إلى أن المفوضية لا تحصي إلا المسجلين لديها رسميا، فيما تقوم الحكومة بإحصاء كل سوري دخل المملكة عبر المنافذ الحدودية الرسمية أو غير الرسمية، أي المنافذ الحدودية في المناطق منزوعة السلاح على الحدود بين البلدين.

ويفترض أن بقاء هذا العدد الهائل من اللاجئين السوريين لفترات أطول في الأردن، قد يتسبب في خلل في الاستقرار الاجتماعي والتعايش الداخلي الهش بالأساس، وربما استقرار النظام برمته. لهذا ثمة مخاوف أردنية من التأثيرات السلبية لحركة اللاجئين السوريين على الأوضاع الديمغرافية المضطربة في الأردن بالأساس. وتتمثل المشكلة في أنه كلما طالت فترة بقاء اللاجئين السوريين فى الأردن، زادت احتمالية بقائهم، والأردن لديها خبرة لا تعتبرها إيجابية فيما يتعلق باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين والذين يشكلون 60 بالمائة من عدد السكان، ويفترض أن بقاء هذا العدد الهائل من اللاجئين السوريين لفترات أطول في الأردن قد يتسبب في خلل في الاستقرار الاجتماعي والتعايش الداخلي. ففي معسكر الزعتري للاجئين الذي لم تكن فيه ذات يوم سوى خيام، أصبح فيه الآن المزيد من البيوت الدائمة المتنقلة والمجهزة بأطباق صناعية.

ثمة عامل آخر يرتبط بحركة اللاجئين تجاه الأردن، وهو مضاعفة المخاطر الأمنية نتيجة تحول الحدود الأردنية لمنطقة حرب، وهو ما يتسبب فى زيادة فرص تسلل العناصر الخطرة من اللاجئين ذهابا وإيابا، ومن ثم زيادة المشكلات الأمنية، كارتفاع معدلات الجريمة فى بعض المدن أو توجه بعضهم للانخراط في أنشطة إرهابية لا سيما أن هناك بوارد لبداية ظهور تطرف سلفي داخل الأردن.

تدفق السوريون على الأردن بأعداد كبيرة يهدد الاستقرار الاجتماعي والتعايش الداخلي 

أما اقتصاديا تتحمل الأردن تكاليف استضافة اللاجئين السوريين الذين يقترب عددهم من مليون ونصف لاجئ، وهو الأمر الذي أدى لزيادة عدد السكان بنسبة بين 7 : 9 % من عدد السكان، وهو ما أدى للضغط على الموارد والبنى التحتية وزاد من عجز الموازنة، وأثر على معدلات النمو الاقتصادي، وتسبب في ارتفاع أسعار الإيجارات ومزاحمة الأردنيين في الوظائف وفرص العمل المحدودة بالأساس بل وخفض الأجور وارتفاع أسعار الغذاء. هذا ناهيك عن أن الاقتصاد الأردني تأثر بحالة الانهيار في سوريا، حيث توقف النشاط التجاري بين البلدين وخسرت الأردن السوق السورية، كما خسرت طريق التجارة السوري إلى تركيا وأوربا وتم استبداله بطريق العراق مما حمل الموازنة مزيدا من التكاليف الإضافية.

إن استيعاب اللاجئين مثل عبئا على الاقتصاد الأردني، حيث يعيش معظم اللاجئين السوريين في المدن السورية، وهو ما يساهم في رفع أسعار الإيجارات السكنية بنسب تصل إلى ما يقرب من 25%، وتفيد بعض التقارير بأن 500 شركة سورية قد انتقلت إلى الأردن منذ عام 2011. وبالطبع يؤثر المعروض من العمالة ضغطا على فرص العمل المتاحة، ويتجسد عمق الأزمة إذا ما تمت ملاحظة ارتفاع معدل البطالة بين الأردنيين لتصل إلى 30%

ولمعالجة ملف اللاجئين قامت الأردن بتأسيس مخيم الزعترى بالقرب من مدينة المفرق بجانب مخيم آخر بالقرب من مدينة الزرقاء هذا بجانب ما تستقبله المدن الأردنية من سوريين، وقامت السلطات بإجراءات تتسم بالتشديد الأمني بما يحول دون حرية حركة اللاجئين خارج مناطق المخيمات، كما أن الأردن لديه خطة في حالة سقوط الأسد واتساع نطاق الفوضى تهدف إلى استبدال سياسة استقبال اللاجئين بتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية لهم داخل الحدود السورية.

وبحسب إحصاءات رسمية فان حجم المساعدات (منح وقروض ميسرة) التي حصلت عليها المملكة خلال الأعوام 2011-2013  تبلغ 6.9 مليار دينار، وهو ما يوازي ثلاثة أضعاف ما كانت تحصل عليه المملكة قبل أزمة اللاجئين السوريين، وهو ما يعنى حرص إقليمي ودولي لا سيما من جانب الولايات المتحدة على استقرار الوضع فى الأردن. وتوفر الأردن قدرا من الرعاية الصحية والخدمات التعليمية والرعاية الاجتماعية بمساعدة المؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية.

وهنالك سلسلة إجراءات وآليات تعامل بها الأردن مع تدفق أفواج اللاجئين من سورية منذ بدء الأزمة السورية حيث بدا اللاجئون بالقدوم بطريقة غير قانونية وتم إيواؤهم في مراكز خاصة وعامة في مدينة الرمثا. كما سمحت الحكومة لمفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين بإنشاء مجموعة من المكاتب في مراكز الإيواء، وأقرت نظام "التكفيل" بحيث يتم السماح لبعض الأسر والأفراد بإيواء بعض اللاجئين ضمن شروط . وتم تحديد مرجعية واحدة لشؤون اللاجئين وهي الهيأة الخيرية الأردنية للإغاثة والتنمية والتعاون العربي الإسلامي، ودورها التعامل مع الجهات الخيرية المحلية والأجنبية الراغبة بتقديم التبرعات.

مخاوف من تغير الخريطة الديموغرافية للأكراد على الحدود التركية والطموح الكردي 

4-العراق

للعراق وضع خاص فيما يتعلق بقضية اللاجئين السوريين، وذلك لعدة اعتبارات أهمها، أن العراق كدولة يعانى من أزمة مشابهة لما تمر به سوريا، حيث أن الأوضاع السياسية غير مستقرة، والنظام السياسي غير متماسك وتعزز سلطته الانقسام المناطقي والطائفي، كما أن الدولة تواجه مخاطر الإرهاب والتفكك، وهيمنة المليشيات غير النظامية، وتحت تأثير تلك العوامل فإن العراق يعد أحد أهم الدول المصدرة للاجئين في الإقليم كما هو حال سوريا، وثمة اعتبار آخر هو أن السلطة في العراق تمثل الشيعة وهم منخرطون في الصراع السوري إلى جانب تحالف إيران/الأسد/حزب الله، ومن ثم لا يمثل كل العراق جغرافيا مناسبة لاستقبال اللاجئين السوريين السنة، لهذا فإن غالبية اللاجئين السوريين هم من أصل كردى، ويلجأ معظمهم إلى إقليم كردستان العراق، هذا فضلا عن اعتبار آخر هو سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الحدود السورية العراقية وعلى المعابر الحدودية بين البلدين منذ إعلان دولتهم المزعومة في منتصف 2014.

ويلاحظ أنه مع بداية الأزمة قررت الحكومة العراقية في منتصف 2012، بناء مخيمات للاجئين السوريين عند معبري ربيعة (اليعربية)، والقائم (البوكمال)، وخصص مجلس الوزراء نحو 40 مليون دولار؛ لإغاثة ومساعدة العراقيين العائدين من سوريا وتهيئة مستلزمات استقبال اللاجئين السوريين، لكن سرعان ما قررت الحكومة إغلاق الحدود في وجه اللاجئين بعدما امتدت المعارك بين الجيش السوري الحر والقوات الحكومية إلى الحدود وتزايد نشاط المقاتلين على الحدود واستخدامها كساحات خلفية للقتال، ثم فقدت بعد ذلك الحكومة سيطرتها على الحدود بإعلان داعش عن دولتهم المزعومة، ومن ثم أغلقت الحدود أمام حركة اللاجئين باستثناء المناطق الكردية.

وبحسب أخر تقرير للمفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة فإن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في العراق 249 ألفا، من ضمن هؤلاء 225 ألف سوري ممن لجؤوا إلى إقليم كردستان العراق أي ما يمثل 97% من اللاجئين السوريين في العراق بعد أن منعت المنطقة المركزية العراقية من دخول اللاجئين السوريين إلى أراضيها. وأكثر من 90% من اللاجئين السوريين في إقليم كردستان هم من السوريين الأكراد، ويتزايد عددهم باضطراد مع تصاعد هجمات تنظيم الدولة الإسلامية على المناطق الكردية في تل أبيض وعين العرب كوبانى والحسكة وغيرها من المدن ذات الأغلبية الكردية في الشمال الشرقي السوري.

وقد ظهرت سياسات تمييزية من جانب سلطة الإقليم في استقبال اللاجئين السوريين على أسس عرقية، وفي هذا الإطار اعتبرت منظمة العفو الدولية عدم السماح لغير الأكراد من السوريين بالتواجد في إقليم كردستان العراق وإعادتهم للحدود السورية مرة أخرى انتكاسة لحقوق اللاجئين، واعتبرت العراق من الدول التي لا تتجاوب مع الأزمة تجاوبا إيجابيا، ناهيك عن قيام حكومة الإقليم باتخاذ إجراءات من شأنها تقييد حرية التنقل، والإقامة، والبحث عن فرص عمل.

وتحملت الحكومة المركزية تكاليف الإنفاق على اللاجئين السوريين حيث أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين أن 70 مليار دينار عراقي تم صرفها على اللاجئين السوريين منذ عام 2012. ورغم ذلك يعانى إقليم كردستان من تبعات ارتفاع معدلات اللجوء، حيث تضغط حركة اللاجئين على الموارد والبنى التحتية، وتشير بعض التقارير إلى أن غالبية اللاجئين لا يمتلكون القدرة على تلبية احتياجاتهم، كما يفتقدون مصادر للدخل.  وارتفعت معدلات إيجار السكن بنسبة 20% تقريبا، كما ارتفعت معدلات إيجار المحال التجارية بنسبة 10-15% وكذلك ارتفعت أسعار السلع الأساسية والغذاء. ومع أنه من غير الواضح بعد ما إذا كان ارتفاع الأسعار ناتجا عن ارتفاع الطلب نظراً لوجود اللاجئين، ولا شك تساهم تلك المؤشرات فى ارتفاع معدلات الفقر.

ولا يمكن إغفال سياسة الحكومة الكردية بالسماح للاجئين بالعمل، حيث عد ذلك عاملا مهما في معالجة الأزمة لا سيما وأن لدى الإقليم قدرة على استيعاب تلك الكتلة الديمغرافية الكبيرة نظرا لقلة عدد سكان الإقليم وتمتعه بموارد وفوائض مالية ضخمة، لكن تبقى فرص العمل تواجه سياسات محلية تمييزية تجاه اللاجئين السوريين الأكراد.

5-مصر

تعد مصر من الدول الخمس الرئيسية المستقبلة للاجئين السوريين، حيث يبلغ عددهم في مصر نحو 132 ألفا وفقا للمفوضية العليا للاجئين، في حين تقدر وزارة الخارجية المصرية عدد اللاجئين السوريين بـ 320 ألفا منذ بدء الصراع. ولا توجد أي مخيمات للاجئين فى مصر، ويسكن هؤلاء السوريون في بيوت يقومون باستئجارها، ويقومون بأنفسهم بتأمين الموارد الكافية لحياتهم، سواء من خلال العمل، أو من خلال التحويلات التي يحصلون عليها من أقاربهم خارج مصر. كما أن بعض الجمعيات الخيرية تساهم في دعم اللاجئين الذين لا تتوفر لهم مثل هذه الموارد. حيث وفرت بعض الجمعيات الخيرية مساكن للاجئين، فيما قدمت جمعيات أخرى الطعام والألبسة والمساعدات المالية. ويواجه السوريون في مصر مشكلة في الحصول على البيوت المناسبة للاستئجار، نتيجة لارتفاع الإيجارات، وهي مشكلة تواجه المصريين بشكل عام، إلا أن اللاجئين يتعرضون لابتزاز بعض المكاتب العقارية التي تستغل معاناة اللاجئين، ومحدودية خياراتهم.

ومثلت مصر مطلع الأزمة بيئة جاذبة للاجئين وذلك حتى منتصف عام 2013، حيث اعتمدت الحكومات المصرية المتعاقبة سياسات إيجابية تجاه التعامل مع قضية اللاجئين، حيث اتخذت مصر قرارا جمهوريا في 2012 ويجدد سنويا بمساواة معاملة اللاجئين السوريين في مصر بنفس معاملة المواطن المصري فيما يتعلق بالخدمات الصحية، كما تم بموجب القرار إعفاء الطلاب السوريين في جميع المراحل التعليمية (أساسي- جامعي) من الرسوم الدراسية، فضلا عن أن الجامعات المصرية تقبل شهادات الثانوية العامة السورية بصرف النظر عن تاريخ الحصول عليها، الأمر الذي ساهم في جعل معدلات التحاق أبناء اللاجئين السوريين في مؤسسات التعليم المصرية هي الأعلى بين الدول المضيفة لهم.

لكن منذ مطلع يونيو 2013 ونتيجة التغيرات السياسية التي شهدتها الساحة المصرية وتصاعد معدلات العنف والاستقطاب والصراع السياسي، بدأت الحكومة المصرية الجديدة في انتهاج سياسات أكثر تشددا تجاه اللاجئين السوريين، أهمها مطالبة السوريين بتأشيرات لدخول أراضيها، كما رحلت العشرات من اللاجئين. وقد شهدت تلك المرحلة حملة إعلامية استهدفت السوريين في مصر، اتهم فيها اللاجئون السوريون بدعم جماعة الإخوان المسلمين والمشاركة في اعتصامات ميدان رابعة وبعض الميادين، وساهمت تلك الحملة في الحض على كراهيتهم في أوساط شعبية واسعة رافضة لسلوك جماعة الإخوان.

كما تعرض اللاجئون السوريون لبعض التعسف الأمني في إطار محاولة جهود الأجهزة الأمنية لتحقيق الاستقرار وضبط الأوضاع الداخلية، لا سيما بعد تزايد معدلات العنف ضد أجهزة الدولة، وتصاعد المواجهات الإرهابية، وجاء ذلل في سياق محاولة مراقبة أوضاع اللاجئين وتتبع العناصر التي قد تكون على علاقة بجماعات متطرفة في الداخل أو الخارج. كما شعر بعض من اللاجئين السوريين المعارضين بمخاطر الوضع في مصر بعدما أصدرت الحكومة المصرية قرارا يقضي بتسليم الملاحقين من دولهم من غير المصريين إلى حكومات بلادهم بناء على طلب تقدمه الدولة للحكومة المصرية.

وفى إطار تحولات البيئة المصرية بالنسبة للاجئين السوريين فقد اعتبر كثير منهم مصر محطة انتظار لحين الرحيل إلى بلد أفضل حالا. لذا يرفض أغلبهم التسجيل في مكتب مفوضية اللاجئين بمصر، أملا في الحصول على فرصة اللجوء إلى دول أوروبا. وقد أدى اليأس ببعض  السوريين في مصر للاتجاه إلى الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا في قوارب غير مؤهلة للإبحار المأمون وهو ما عرض كثيرا منهم للخطر.

ثالثا: تحديات الإقامة والعودة

خمس سنوات من الصراع إذا ساهمت في الوصول إلى أزمة لاجئين شديدة الوطأة، فبخلاف تأثير  تصاعد وتيرة العنف، وتعرض السكان المدنيون لاعتداءات مباشرة أو غير مباشرة، بما فى ذلك التعرض لأنواع مختلفة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة فضلا عن استخدام الأسلحة الكيماوية، في التأثير على حركة اللاجئين، فإن انهيار البنى الأساسية وتضرر مناطق بكاملها نتيجة أعمال العنف، حيث تعرضت المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة والمناطق السكنية لتدمير كبير، كما استولى المقاتلون على بعضها، وفى السياق ذاته انعدمت الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء، هذا بجانب حالات الإعدام خارج القانون والاختفاء القسرى والاختطاف والاحتجاز التعسفي والتجنيد الاجباري من جانب أطراف النزاع، فقد أصبح الجميع أمام حقيقتين: الاولى، أن أكثر من نصف سكان سوريا خارج ديارهم بالقوة ، الحقيقة الثانية أن هؤلاء لديهم صعوبة في العودة إلى مواطنهم في المدى القريب.

وتزداد أزمة اللاجئين صعوبة في ضوء المعوقات التي تحول دون تقديم المساعدات الإنسانية في الداخل، نتيجة انعدام الأمن واستمرار القتال، أو تضاؤل فرص حصول اللاجئين في الخارج على حياة أفضل نتيجة تزايد أعدادهم وضعف الموارد اللازمة لتقديم المساعدة لهم، هذا بجانب قدرة دول اللجوء على تحمل ضغوط حركة اللجوء الاقتصادية والأمنية وكذلك السياسية، لا سيما في ضوء تشابك وتعقد الأوضاع السياسية في المنطقة منذ عام 2011.

وبصفة عامة يعانى اللاجئون السوريون من صعوبات في تكييف أوضاعهم المستجدة وذلك فى ضوء عدد من الاعتبارات أهمها:

1- مواقف الدول المستقبلة، وفى هذا الصدد تبرز مجموعتين من الدول: الاولى دول قامت بالتعاون مع المنظمات الدولية بفتح مجال لاستقبال اللاجئين وقامت بإنشاء مخيمات للاجئين واستقبلت أعدادا كبيرة منهم ووضعت شروطا لاستقبالهم وإن اختلفت إمكانيات كل دولة على حدة في التجاوب مع الأعداد والتحديات، وفى المقابل هناك عدد من الدول وضعت شروطا صعبة خشية تحول اللاجئين إلى مقيمين بصفة دائمة، وخشية الضغط على الموارد المتاحة، وإن قامت تلك الدول بتقديم مساعدات مادية للمجموعة الاولى، وقد تعرضت تلك الدول لانتقادات دولية للتخفيف من حدة شروطها واستقبال مزيد من الأعداد، وجدير بالذكر هنا أن بعض الدول العربية رفضت إعطاء تأشيرات دخول حتى لأقرباء من الدرجة الأولى لأشخاص مقيمين يعملون لديها. وتأتى دول المغرب العربي الأكثر تشددا من بين الدول العربية بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بجانب الدول الأوربية.

2- الأوضاع المعيشية للاجئين، حيث يعيش معظم اللاجئين في مخيمات طارئة وغير مؤهلة وتفتقد لكثير من المرافق والخدمات الأساسية، ورغم وجود خطط دولية لإنشاء مراكز ومؤسسات صحية وتعليمية وغيرها، فإن ضعف الموارد وتزايد الأعداد يحول دون تغطية كافة المتطلبات والاحتياجات الأساسية، وهذا بالطبع مصدر تهديد مزدوج للاجئين وكذلك للدول المستقبلة.

3- تضاؤل فرص دمج اللاجئين، حيث بجانب وضعهم الإنساني الصعب، فإنهم يعانون من عدم التمتع بحقوقهم كاملة، لا سيما وأن غالبيتهم يلجؤون إلى دول الجوار التي تفتقد على هياكل قانونية يعتد بها في التعامل مع هذه النوعية من الأزمات، هذا علاوة على أن حالة "الأقلمة" التي تبدو عليها الأزمة الإنسانية تطرح سيناريوهات يغلب عليها الطابع السياسي.

4- مشكلة تمويل العمليات المتعلقة باللاجئين والمشردين السوريين إذ تقدر الأمم المتحدة تكلفة المتطلبات الإنسانية والإنمائية بحوالي 5.5 مليار دولار، ولم تتسلم الجهات المعنية بالأزمة سوى ما يقرب من ربع المبلغ وهو ما انعكس على الخدمات المقدمة لهؤلاء اللاجئين.

5- التنافس على فرص العمل والأراضي والمياه والسكن والطاقة في المجتمعات المضيفة الضعيفة بالفعل ضغطا على قدرة هذه المجتمعات على التعامل مع الأعداد الهائلة من اللاجئين والحفاظ على دعمها لهم.

6- ويمكن القول أن أهم التحديات التي تواجه اللاجئين هي التعليم حيث إن أكثر من مليون طفل لا يتلقون التعليم، وبالتالي سوريا معرضة لأن يكون لديها جيل منفصل عن التعلم والتعليم. وستكون هذه كارثة وطنية كبرى لا سابق لها، ولا نظير لها في أي من أزمات العالم وصراعاته.كما انتشر سوء التغذية بين صفوف اللاجئين السوريين وفي كثير من الأحيان لا تتوفر المياه الصالحة للشرب. ويعاني اللاجئون غير المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من صعوبات بالغة في تلقى الرعاية الصحية بسبب كلفة العلاج المرتفعة، كما يواجه اللاجئون تهديدات عنصرية من قبل مؤيدين للنظام فى بعض الدول كلبنان. هذا بجانب اضطرار  العديد من اللاجئين السوريين إلى الهجرة غير النظامية عبر البحار بما تحمله من مخاطر مخيفة، أو العودة إلى ديارهم المدمرة وتعريض حياتهم للخطر من جديد.

على ضوء تلك التحديات يمكن الإشارة إلى أهمية تبنى سياسات متنوعة بين قصيرة المدى وطويلة المدى لمعالجة الأزمة وآثارها، وفى هذا الصدد يمكن الإشارة إلى ما يلي:

أ. الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية؛ لأنه يمثل حلا ناجعا لأزمة اللاجئين السوريين، فهو يعالج جذور الأزمة، لكن من الواضح أن منطق التسوية لازال غائبا، وليس هناك أفق لحل سياسي ينهى معاناة السوريين ككل، بل ترفد الحرب الأهلية المتصاعدة حركة اللجوء بمزيد من الأرقام، ولكن معالجات جزئية قد تلعب دورا فى تخفيف حدة الأزمة لا سيما في الدول المضيفة، ومنها إقامة مناطق عازلة أو مناطق حظر طيران على الحدود وتكون تحت الحماية الدولية، بحيث تكون مراكز لاستقبال النازحين، وكذلك مراكز لعودة اللاجئين الذين يعانون من أوضاع صعبة.

ب. معالجة أزمة التمويل، وتأتى في سياق المهام العاجلة التي تقع على عاتق المجتمع الدولي وعلى الدول المعنية، وذلك حتى تتمكن الدول المضيفة من تحمل الأعباء المتزايدة لحركة اللجوء المتصاعدة والتي  تبدو بلا أفق قريب لحل. وقد أعلنت الأمم المتحدة مؤخرا أن هناك حاجة لتوفير أكثر من ملياري دولار، قبل نهاية عام 2015، من أجل تلبية الضرورات الملحة للاجئين السوريين، وأن المبالغ المتاحة لهذا الغرض لا تغطي أكثر من 30%، الأمر الذي يعني أن المعاناة ستبقى على حالها، وربما تزداد وطأة. وكانت الأمم المتحدة قد دعت الجهات المانحة لتمويل برنامج إغاثي للاجئين السوريين بقيمة 3.74 مليار دولار، ينفذ في دول الجوار الأربع ومصر، خلال العام 2014، لكنها لم تحصل حتى يوليو 2015 سوى على نحو 1.1 مليار دولار.

ج. تحسين شروط المعيشة فى دول الاستقبال، وتخفيف حدة الإجراءات من جانب بعض الدول لاستقبال مزيد من اللاجئين، وذلك يهدف إلى رفع المعاناة عن اللاجئين أولا، وتخفيف العبء عن الدول الرئيسية المستضيفة، فمن غير المعقول استقبال 5 دول فقط لأكثر من أربع ملايين لاجئ، فتقاسم الأعباء أطار مهم لمنع انفجار الأوضاع داخل الدول المضيفة.

وأخيرا، تبقى أزمة اللاجئين السوريين بمثابة برميل بارود، مهيأ للانفجار في أي لحظة، لا سيما أنها أزمة تسبح فوق بحيرة من الفوضى والاضطرابات والصراعات الممتدة في الإقليم، والجاهزة للانفجار، وهى أزمة تعد أخطر وأعقد من أزمة اللاجئين الفلسطينيين التي تمتد منذ أكثر من عشرات السنوات، كونها قد تسهم في انزلاق منطقة المشرق العربي مرورا بالعراق واتصالا بحدود تركيا إلى حالة من الفوضى والاقتتال على أسس عرقية ودينية ومذهبية... إلخ.

مجلة آراء حول الخليج