; logged out
الرئيسية / سوريا .. الحل المفقود والفرص الضائعة

العدد 98

سوريا .. الحل المفقود والفرص الضائعة

السبت، 01 آب/أغسطس 2015

الثورة السورية جرح دام ينزف في الجسد العربي بوقود خارجي وطائفي وعقائدي بعيداً عن مصالح الشعب السوري ووحدة بلاده ومستقبله ، منذ اندلاع ثورته في 18/3/2011م، في محافظة درعا، ومنذ ذلك الوقت وسوريا حلبة للصراع بين دول وجماعات وميلشيات مسلحة وتنافس إقليمي ودولي رفضه الشعب السوري , وقبله بشار الأسد ، الرئيس السوري الذي فقد شرعيته ووطنيته احتمى بدول وأحزاب وجماعات إقليمية لكي يبقى ويستمر على أشلاء شعبه الذي أصبح بين قتيل وجريح ولاجئ ومشرد.

دول مجلس التعاون الخليجي قدمت النصيحة مبكراً للنظام السوري حيث استشرفت مستقبل سوريا على ضوء ما حدث في الدول العربية التي اجتاحتها ثورات ما يسمى بالربيع العربي، وعلى ضوء أهمية موقع سوريا، وانطلاقاً من إدراك حقيقة أطماع الدول الإقليمية ، وخطورة الوضع في المنطقة، وتراخي الدول الكبرى التي تحركها مصالحها وأهدافها بغض النظر عن مصالح الشعوب ومستقبل الدول التي تشهد النزاعات والحراك السياسي الذي تحول إلى دموي.

لذلك ركزت دول مجلس التعاون الخليجي في بداية الأزمة على الحل السلمي، وأرسلت موفدين إلى دمشق، ودعمت المملكة العربية السعودية هذا التوجه السلمي رغم امتعاضها من مواقف النظام السوري ولم تتردد في إسداء النصح لنظام بشار الأسد ، بل وعرضت المساعدة على دمشق، إلا أن بشار الأسد كان مولعاً بما أطلق عليه المؤامرة الخارجية على بلاده ولم يستمع إلى صوت العقل مطلقاً.

وبعد ذلك توالي تردد المبعوثون الدوليون إلى دمشق كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي وديمستورا من أجل التوصل إلى حلول سلمية ، وكذلك لم يسهم إعلان جنيف في 30 يونيو 2012م، عن أي حراك  بل زادت خطورة الأعمال الميدانية ، ثم جاءت مبادرة أخرى في ظل وفاق أمريكي / روسي لعقد مؤتمر جنيف 2 ومع ذلك ذهبت كل هذه الجهود أدراج الرياح.

من أجل ذلك تحركت دول مجلس التعاون مبكراً وقدمت نصائح للنظام السوري الذي أصم أذنيه عن محيطه العربي واكتفى بالانصياع خلف إيران ، وعندما يئست هذه الدول من الإصلاح على ضوء إصرار النظام السوري على المضي في غيه ، اتخذت هذه الدول مواقفا واضحة وجلية تأييداً للشعب السوري وضد الرغبة الدموية للنظام ، وقدمت دول مجلس التعاون الدعم بأشكاله المختلفة للشعب الجريح ، ودعت الدول الخليجية إلى تسليح المعارضة السورية ممثلة في الجيش السوري الحر ، وإلى الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي السوري كممثل رسمي ووحيد للشعب السوري في المحافل الدولية والإقليمية، وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وذلك وفقاً لاعتبارات أخلاقية وإنسانية ، وذلك مقابل إصرار من القيادة السورية التي فقدت شرعيتها ، وبدعم سافر من إيران وميليشيات حزب الله اللبناني ، وتراخ أمريكي بتوافق غير معلن بشكل كبير مع روسيا وإيران ، ورغبة إسرائيلية في تأجج الصراع الطائفي والعرقي في سوريا، وموقف روسي / صيني لا يدرك خطورة الواقع  على الأرض وما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلاً في حال استمرار هذا الصراع الدموي الخطير، وأيضا ابتعاد دول الاتحاد الأوروبي وعدم تدخل هذه الدول رغم قربها الجغرافي وعلاقاتها التاريخية بالمنطقة عامة وسوريا خاصة.

مواقف المملكة العربية السعودية تحركها مواقف أخلاقية وإنسانية ودعم المعارضة جاء بعد استنفاذ كل الحلول السياسية 

 وكانت نتيجة هذا الصراع الدامي أكثر من 230 ألف قتيل و13 مليونا بين جريح ومشرد في شتى أصقاع الأرض ومن بين القتلى 11.500 طفل و7.300 امرأة حسب إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان ، وذكر المرصد أن أعمال العنف منذ سقوط أول قتيل في درعا يوم 18 مارس 2011م، وحتى الأسبوع الأول من مايو من العام الحالي حصدت أرواح 69.494 مدنيا و 41.116 مقاتلا من صفوف المعارضة والأكراد و 31.247 من صفوف الجماعات الجهادية ، وبلغ عدد القتلى في صفوف القوات النظامية 49.106 فيما وصل عدد قتلى المسلحين الموالين للحكومة  36.464 بينهم مئات العناصر من حزب الله اللبناني.

لذلك جاءت مواقف المملكة العربية السعودية واضحة وجلية من حيث عدم التردد في وقف العنف الدامي في سوريا بكل الطرق ومن خلال مواقف واضحة ، عبرت عن ذلك كلمة المملكة العربية السعودية أمام القمة الإسلامية التي عقدت بالقاهرة وألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز  ـ يحفظه الله ـ عندما كان ولياً للعهد وطالب من خلالها بضرورة اتخاذ موقف حاسم لوقف الظلم والعدوان الذي يطال الشعب السوري وأن جرائم نظام الأسد قد بلغت مستويات لا يمكن أن يبرر الصمت عنها أو عدم عمل أي فعل لردعها .

وقال صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل ـ يرحمه الله ـ أمام مجلس الشورى في 31 مارس 2015م، فيما  يخص الأزمة السورية ما يأتي :

"لقد فاقت المأساة السورية كل حدود، وأصبحت وصمة عار في جبين كل متخاذل عن نصرة هذا الشعب المنكوب. فالقتلى يكاد يصل عددهم إلى نصف مليون شاملا القتلى غير المعلن عنهم ، ومهجرين ولاجئين يفوق عددهم 11 مليونا. 

إننا – أيها السيدات والسادة – أمام مأساة مريعة تجاوزت كل المطامع السياسية ومراميها، فهناك كارثة إنسانية لم يشهد لها مثيل في تاريخنا المعاصر ، وضحيتها – وللأسف الشديد - بلد عربي عزيز، تدمر بنيته ويذبح شعبه بلا هوادة ولا لين بيد آثمة من المفترض أن تحميه وتحفظ مصالحة. 

إن المملكة العربية السعودية التي تستشعر حجم آلام ومعاناة الشعب السوري، تقف قيادة وشعبا خلف كل جهد ممكن في سبيل إحياء الضمير العربي والدولي لوضع حد لهذه الكارثة الإنسانية، وذلك عبر الدفع بالحل القائم على مبادئ إعلان (جنيف 1) الذي يقضي بتشكيل هيأة انتقالية للحكم بصلاحيات سياسية وأمنية وعسكرية واسعة، لا يكون للأسد ومن تلطخت أيديهم بدماء السوريين أي دور فيها، مع السعي نحو تحقيق التوازن العسكري على الأرض لإرغام سفاح دمشق للاستجابة للحل السلمي في ظل إصراره على الحسم العسكري الذي دمر البلاد وشرد العباد. وحتى يعود السلام لهذا الجزء الغالي من أمتنا العربية ويشيد أبناؤها عز دمشق، وعز الشرق أوله دمشق". 

ومن المواقف المشهودة للدبلوماسية السعودية أيضاً، طالب صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل ـ يرحمه الله ـ روسيا بأن تغير سياستها تجاه سوريا وأن تتخلى عن تأييد النظام السوري والعمل  على الانتقال السلمي للسلطة في هذا البلد المنكوب ، حيث قال سموه في ختام أعمال اجتماع المجلس الوزاري الخليجي الـ 123 الذي عقد في مدينة جدة في الخامس من يونيو عام 2012م، إن الوقت قد حان لكي ينتقل تأييد روسيا من النظام إلى السعي لوقف القتال وانتقال السلطة سلمياً ما سيحفظ لها مصالحها في سوريا والعالم العربي ، وأعرب عن أمله في أن تعيد روسيا تقييمها لسياستها في المنطقة خصوصاً تجاه سوريا " فهي تخطيء مع التيار الشعبي السوري وإلا فإنها ستفقد الشيء الكثير على الساحة العربية ، وأعتبر سمو الأمير سعود الفيصل موقف روسيا في مجلس الأمن لا مبرر له وذلك في إشارة من سموه  إلى استخدام موسكو حق النقض ( الفيتو) مرتين لإفشال إدانة النظام السوري .

الأسد رفض كل المبادرات الخليجية والحلول العربية والدولية واكتفى بهاجس المؤامرة وأعطى زمام المبادرة لإيران

وفيما يتعلق بخطة المبعوث الدولي آنذاك إلى سوريا  كوفي عنان قال سمو الأمير سعود الفيصل : لقد بدأنا نفقد الأمل في الوصول إلى حل عن طريق مبادرة  عنان وإذا لم يتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً بموجب الفصل السابع فلن يتم تطبيقها .

وتوالت المواقف السعودية والخليجية المؤيدة لحق الشعب السوري وإزاحة عنه كابوس الحرب المرعب ومازالت هذه المواقف المؤيدة للحق والتي تنطلق من ضمير عربي يعتبر نفسه المسؤول عن استقرار المنطقة في هذه المرحلة ووقف الزحف الخارجي الطمع في المنطقة والذي تقوده إيران بموافقة أو تشجيع  غربي أو دولي في كثير من الأحيان لأسباب واضحة أو خفية ، وقد بدأت تتضح معالم هذا التوافق الإيراني / الغربي وخاصة الإيراني / الأمريكي بعد توقيع  الاتفاق النووي الذي يحمل بين طياته العديد من علامات الاستفهام والتي قد تدفع المنطقة إلى مواقف وسياسات لا يحمد عقباها.

 

مجلة آراء حول الخليج