; logged out
الرئيسية / العراق ودول مجلس التعاون: علاقات ما بعد الانسحاب الأمريكي

العدد 89

العراق ودول مجلس التعاون: علاقات ما بعد الانسحاب الأمريكي

الأربعاء، 01 شباط/فبراير 2012

أدت التطورات في الساحة السياسية في العراق وتداعياتها على الصعيد الداخلي منذ أحداث الكويت في أغسطس 1990 وما تبعها من تدخل غربي في حرب الخليج الثانية عام 1991 لتحرير الكويت، والتفاعلات التي صاحبتها من حصار اقتصادي وعقوبات شملت مختلف الجوانب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية التي استمرت أكثر من عقد من الزمن، وصولاً إلى قرار الولايات المتحدة في عهد إدارة جورج بوش الابن باحتلال العراق في ربيع عام 2003، إلى أن يتحول هذا البلد إلى بؤرة للصراعات الداخلية السياسية والتدخلات الإقليمية والدولية التي انعكست منذ ثماني سنوات على أمن واستقرار العراق ومنطقة الخليج العربي التي يمثل فيها العراق البوابة الشمالية لهذه المنطقة الحيوية من العالم.

بعد فترة صعبة ومريرة شهدها العراق خلال سنوات الاحتلال الأمريكي بين (2003-2011) تم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والعراق على انسحاب كافة القطعات العسكرية الأمريكية في نهاية عام 2011، وبدء مرحلة جديدة في تاريخ العراق المعاصر لا تزال صورتها المستقبلية غامضة وضبابية تسودها وجهات نظر لتيارين: التيار الأول من المتفائلين بعراق حر ومستقل وذي سيادة يعود تدريجياً إلى الحضن العربي والقيام بدوره الفاعل والمؤثر سواء في أروقة الجامعة العربية أو في الأحداث الإقليمية والدولية، والتيار الثاني من المتشائمين الذين يخشون من الفراغ الأمني الذي تركه الأمريكان في العراق وما سيؤول إليه واقعه في ظل حالة التداعي التي تشهدها المنطقة مع هبوب رياح ما يعرف بـ (الربيع العربي) الذي تحول إلى خريف عربي وشتاء عربي ما زال مستمراً ومضطرباً، فضلاً عن التوترات بين إيران الجارة للعراق والولايات المتحدة والغرب حول البرنامج النووي الإيراني، ولعل كل هذه الإرهاصات تلقي بظلالها على علاقة العراق بدول مجلس التعاون الخليجي في حاضرها ومستقبلها القريب.

الانسحاب الأمريكي والأمن القومي

كانت الولايات المتحدة قد أعلنت في 27 مايو 2010 عن (وثيقة الأمن الأمريكي) لعام 2010 في عهد الرئيس باراك أوباما، حيث ركزت في الشأن العراقي على سحب القوات العسكرية في نهاية عام 2011 مع الإبقاء على وجود مدني قوي في العراق بما يخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية، والحفاظ على الجهود السياسية والدبلوماسية والمدنية المبذولة لمساعدة الشعب العراقي، وحل الخلافات المعلقة ودمج اللاجئين المشردين الذين يستطيعون العودة إلى مجتمعهم، ومواصلة تطوير المؤسسات الديمقراطية ومعايير المساءلة واعتماد الدبلوماسية الإقليمية لضمان تحقيق انسحاب مسؤول من شأنه أن يوفر للعراق فرصة تعزيز الأمن الدائم والتنمية المستدامة له ولمحيطه في الشرق الأوسط.

وهناك البعض ممن يرى أن واشنطن تريد عراقاً مستقلاً من خلال بناء مؤسسات الجيش والأمن وفرض السلطة على الجميع ومواجهة التدخل الخارجي، وأن تكون الدولة العراقية قوية تعيد مكانتها في النظام الإقليمي العربي.

وأكدت الإدارة الأمريكية أن الرئيس أوباما يخطط لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج العربي بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، وإعادة انتشاره من جديد في الكويت لكي تتمكن واشنطن من التدخل السريع في حال تدهور الوضع الأمني في العراق أو حدوث تدخل خارجي في هذا البلد مستقبلاً.

وهذه الخطة حسب ما نشرتها صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية مؤخراً هي البديل بعد فشل إبقاء 20 ألف جندي أمريكي عام 2011 في العراق، وإلى جانب ذلك سيتم إرسال سفن حربية إلى المياه الدولية في المنطقة إلى جانب القوات البرية الموجودة في الكويت. في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن التي لها علاقات استراتيجية وعسكرية مع دول مجلس التعاون الخليجي أن تبني هيكلاً أمنياً جديداً في المنطقة، وأكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تلك الحقيقة بقولها (سيكون لنا وجود قوي مستمر في كافة أنحاء المنطقة وهذا دليل على التزامنا المستمر في العراق ومستقبل تلك المنطقة).

الإدارة الأمريكية تخطط لتعزيز وجودها العسكري في منطقة الخليج بعد الانسحاب من العراق

واقترحت حكومة أوباما بناء تحالف أمني قوي ومتعدد الأطراف مع دول مجلس التعاون الخليجي ينتظر موافقة قادة المجلس في قمتهم بالرياض.

مخاوف التدخل الإقليمي

هناك خشية حقيقية من أن يؤدي الانسحاب الأمريكي من العراق إلى تدخل القوى الإقليمية في شؤونه الداخلية وخاصة تركيا وإيران، فربما تسعى إيران إلى استخدام ورقة العراق أمام واشنطن بخصوص البرنامج النووي. ولذلك أمام العراق تحدي أن تكون له سياسة خارجية تضبط علاقاته مع دول الجوار الجغرافي مع تنامي الدور التركي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد أحداث الحرب الغربية على ليبيا، ثم الأزمة في سوريا الآن، حيث تسعى أنقرة للعب هذا الدور في العراق بما يعزز مكانتها ومصالحها فيه.

ويرى المحللون أن خروج القوات العسكرية الأمريكية من العراق سيجعل ربما إيران الدولة الأقوى في منطقة الخليج العربي، وستميل الكفة لصالح إيران في المنطقة في ظل حالة عدم التوازن البشري والعسكري بينها وبين دول الخليج العربية. أما تركيا فإنها تحاول أن تزيد نفوذها في منطقة الخليج العربي وتوطيد علاقاتها التاريخية مع دول هذه المنطقة لاسيما في ظل تزايد النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة بعد الانسحاب الأمريكي وتغير التوازنات الإقليمية في المنطقة.

وتسعى الولايات المتحدة إلى إقناع تركيا بعدم نشوء فراغ أمني في شمال العراق أو توتر بين العرب والأكراد بشأن المناطق الحدودية أو النفط أو قضية كركوك، وعدم إفساح المجال أمام حزب العمال التركي للسيطرة على مناطق نفوذ في شمال العراق وعدم قدرة القوات الأمنية العراقية على الدفاع عن هذه المنطقة. لذلك فإن واشنطن ترى أن دور تركيا جوهري في حفظ التوازنات الإقليمية في المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي من العراق.

المرحلة المقبلة من تاريخ العراق ما زالت صورتها غامضة وضبابية

العراق ودول مجلس التعاون

تخشى دول مجلس التعاون الخليجي الست من الآثار الكبيرة التي قد يسببها الانسحاب الأمريكي من العراق، نظراً للجوار الجغرافي والعلاقات التاريخية بين العراق ودول المجلس، حيث وضعت قمة دول مجلس التعاون الخليجي مهمات أساسية عدة لها من أبرزها دراسة الوضع في العراق بعد الانسحاب الأمريكي، والبحث عن توافق خليجي للأمن والاستقرار في المنطقة بعيداً عن التجاذبات الإقليمية والدولية.

وعقدت بالفعل قمة دول مجلس التعاون الخليجي في 18 ديسمبر 2011 وسط ملفات حساسة ومعقدة أهمها، علاقة دول المجلس مع إيران بعد الانسحاب الأمريكي، والخشية من أن يؤدي ذلك إلى إيجاد فراغ أمني في منطقة الخليج العربي وازدياد النفوذ الإيراني في العراق، حيث كانت دول المجلس تعول على الوجود العسكري الأمريكي في العراق لاسيما أنها ترتبط باتفاقيات عسكرية وتحالفات ومصالح مشتركة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن تخوف دول المجلس من تصاعد النفوذ والتنافس الإقليمي في العراق. وبشكل خاص مع تصاعد التوتر بين دول المجلس وإيران بعد تدخل (قوة درع الجزيرة) في البحرين في ربيع عام 2011 من أجل إرساء الأمن والاستقرار في هذا البلد الخليجي.

وتعتقد دول المجلس أن العراق سيقترب أكثر من إيران في ظل غياب واضح لدور دول كبرى إقليمية مثل تركيا والسعودية عن المشهد السياسي العراقي. والتخوف الآخر هو أن يؤدي الانسحاب إلى اضطرابات في المنطقة نتيجة لفشل العملية السياسية في العراق، ولجوء البلد إلى تحالف مع دول جوار أقوى.

وقد دعا العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى التعاون الأكبر، وأن أمن السعودية من أمن دول المجلس الأخرى، وأن يتم توحيد الصفوف في (كيان واحد) وتجاوز التعاون إلى (اتحاد) في كيان واحد، وتم طرح فكرة تحويل دول المجلس إلى اتحاد كونفدرالي من نوع ما نظراً لمخاوف المجلس بشأن الوضع الإقليمي، إلا أنها كانت بالواقع مشاورات بين قادة المجلس غير رسمية في هذه القمة.

تسعى الولايات المتحدة إلى إقناع تركيا بعدم نشوء فراغ أمني في شمال العراق

رؤى خليجية تجاه مستقبل العراق

لابد من الاشارة إلى أن العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في المجالات السياسية والعسكرية والتسليحية وضعت ترتيبات لاتفاقيات أمنية فيما بينها، وخاصة في السنوات الأخيرة لمواجهة أي تهديدات إقليمية لدول المجلس مع تعزيز القدرات العسكرية لها، وهذا يؤمن إلى حد ما مستقبل الأمن في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

ويرى مراقبون خليجيون أن معالجة مسألة الانسحاب الأمريكي من العراق تتطلب وضعها ضمن نظام الأمن الإقليمي، وأن خيار الأمن الخليجي ينطلق من حقيقة بلورة توافق أمني يجنب المنطقة المفاجآت أو الصراعات التي تهدد العيش المشترك لكل شعوب المنطقة، وأن التعاون الإقليمي هو الأجدى.

ويرى فريق آخر أن هناك مسؤولية تقع على العراق في قراءة المستقبل في علاقاته الإقليمية لبناء عراق قوي ربما يستفيد من خلالها العراقيون من تجاربهم المريرة والصعبة خلال العقود الثلاثة الماضية، لكي يستعيد العراق دوره العربي والخليجي بتعاون السياسيين العراقيين كافة في بناء مستقبلهم عبر الحوار والمصالحة الوطنية ونبذ الطائفية والمذهبية والعرقية وبناء عراق لكل العراقيين على أساس روح المواطنة ولا شيء غيرها وهي السبيل الأمثل لعراق قوي ومستقر وموحد له السيادة والاحترام من كل العالم، وينعم بالأمن والاستقرار ويضمن مستقبله، وهذا ربما سيفتح الطريق أمام العراق لكي يدخل منظومة مجلس التعاون الخليجي في قادم الأيام.

 

مجلة آراء حول الخليج