; logged out
الرئيسية / تأثير توقيع الاتفاق النووي على العلاقات التركية ــ الإيرانية

العدد 99

تأثير توقيع الاتفاق النووي على العلاقات التركية ــ الإيرانية

الثلاثاء، 01 أيلول/سبتمبر 2015

بتاريخ 14/6/2015م، اعلن رسميا في العاصمة النمساوية فيينا عن التوصل إلى اتفاق نووي  بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين زائد ألمانيا كطرف واحد  مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كطرف ثان، وتم توقيع هذا الاتفاق المبدئي في ذلك على أمل إقراره من قبل برلمانات تلك الدول خلال مدة تقارب السبعين يوماً من تاريخ توقيعه، أي أن الاتفاق لا يزال في مراحل إقراره دولياً، وإن كانت المؤشرات تشير إلى رغبة دولية كبيرةلإقراره، لأهداف اقتصادية وتجارية، ولكن ذلك لا يمنع من تأخيره أو وضع مزيد من العراقيل أمامه، وبالأخص من قبل الكونغرس الأمريكي وثقل اللوبي الصهيوني فيه.

جاءت مذكرة الاتفاق بعد مفاوضات مضنية دامت واحداً وعشرين شهراً، وبعد مفاوضات مارثونية استمرت 16 يوما، شارك فيها كل وزراء خارجية الدول المعنية، وبحسب ما أفادت به مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، فإن:" الاتفاق يمهد الطرق أمام مرحلة جديدة في العلاقات الدولية"، أما وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فاعتبر أن الاتفاق مع إيران "قوي بما يكفي للعشر سنوات الأولى على الأقل"، بينما اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن الاتفاق هو "لحظة تاريخية" و"صفحة أمل جديدة"، وأضاف أن:" الاتفاق ليس مثاليا لكنه الأفضل لجميع الأطراف".

الموقف الرسمي التركي رحب بالاتفاق،وقد وصف وزير الطاقة التركي الاتفاق النووي مع إيران:" بالتطور الإيجابي للغاية"، ولكن تقدير الموقف الحقيقي لا يتوقف على الجوانب الفنية في الاتفاق، وإنما بما صاحبه من مباحثات جانبية بين إيران وامريكا في سلطنة عمان وغيرها، وآثار الاتفاق على تركيا وعلى العلاقات التركية الإيرانية قد لا تتوقف على معرفة بنود الاتفاق المعلنة، وإنما بما يمكن أن ينتج عنه من أخطار على الدولة التركية، وعلى المنطقة، في مستواه النووي أولاً، وبدرجة لا يقل خطورة فيما يمكن ان يتضمنه الاتفاق من بنود سرية، قد تكون متعلقة بالاتفاق النووي أولاً، وقد تكون متعلقة بالاتفاق الأمريكي الإيراني على ترتيبات سياسية وأمنية وعسكرية في المنطقة والإقليم، وبالأخص في الأماكن الأكثر اشتعالاً بالنيران والحروب الأهلية والطائفية مثل العراق وسوريا، وهما الدولتان العربيتان اللتان تشتركان مع تركيا بحدود جغرافية تقارب ألف وخمسمائة  (1500)كيلومتر ، آخذتين بعين النظر ما يتهدد هاتين الدولتين من مشاريع تقسيم سياسي على أسس طائفية وقومية وثنية وغيرها، من المؤكد أن لها انعكاساتها السلبية على الأمن القومي التركي، الذي لا تتساهل فيه الدولة التركية مهما كانت الحكومة أو الحزب الحاكم فيها، وآخذتين بعين الاعتبار أن أجزاء كبيرة منهما تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإرهابي "داعش"، مما يعني ان الدولة التركية سوف تتأثر كثيرا من هذا الاتفاق إن لم يكن في بنوده الفنية والتقنية المعلنة ففي بنوده السرية حتما.

تفاصيل مذكرة الاتفاق النووي:

جاءت مذكرة الاتفاق النووي الإيراني مؤلفة من 180 صفحة، وسوف يتم ذكر بعضها، حيث أن المعلن من الاتفاق حتى الان يتناول بعض المحاور الرئيسة ومنها:

1 ــ ينص الاتفاق رسميا إلغاء العقوبات الاقتصادية والمالية والنفطية وتلك المفروضة على الطيران المدني.

2 ــ السماح لإيران بتصدير منتجات نووية كاليورانيوم المخصب والماء الثقيل.

3 ــ رفع الحجز عن عشرات المليارات من الأرصدة الإيرانية في البنوك الأجنبية.

4 ــ ينص الاتفاق على إعادة فرض العقوبات خلال خمسة وستين (65) يوما إذا انتهكت إيران البنود.

5 ــ يبقى الحظر الدولي على مبيعات السلاح لإيران إلى غاية خمس سنين ما لم تشهدالوكالة الدولية للطاقة الذرية لصالح طهران، مع استثناء أسلحة دفاعية.

6 ــ استمرار العقوبات على مبيعات الصواريخ مدة ثمان سنوات، ومن المفترض أن تكون منها منظومات الصواريخ الروسية المضادة للطائرات أس 300.

7 ــ يسمح الاتفاق لمفتشي الأمم المتحدة بدخول المواقع الإيرانية المشبوهة كافة، بما فيها العسكرية. لكن ذلك غير مضمون ويحق لإيران تأجيله. وعند الاختلاف على دخولهم يحق لإيران التظلم إلى هيأة تحكيم هي طرف فيها إضافة إلى الدول الست المشاركة في المفاوضات.

8 ــ يسمح الاتفاق لإيران بمواصلة عمليات التخصيب بكميات محدودة لا تسمح بتراكم اليورانيوم المخصب لديها، وكذلك باستخدام أجهزة الطرد المركزي لأغراض البحث والتنمية.

9 ــ يسمح الاتفاق لوكالة الطاقة الذرية القيام بعملية تقييم للقضايا التي تتعلق بوجود أي أبعاد عسكرية محتملة في البرنامج النووي الإيراني بحلول نهاية عام 2015.

هذه البنود الرئيسة من وجهة إعلان الدول الستة، بينما قالت وكالة الأنباء الإيرانية إن الاتفاق ينص على:

1 ــ إلغاء العقوبات الاقتصادية وينص على الاعتراف بسلمية البرنامج النووي الإيراني.

2 ــ يراعي الاتفاق الخطوط الحمراء فيما يتعلق بدخول مفتشين إلى موقع بارشين العسكري.

3 ــ أن المنشآت النووية في البلاد ستستمر في العمل بمقتضى الاتفاق.

من الواضح أن الاتفاقية قد قيدت إيران بالعهود والمواثيق التي تنهي المشروع النووي في أبعاده العسكرية والسلمية أيضاً، لأن المشروع العسكري تم القضاء عليه بهذا الاتفاق، والمشروع النووي السلمي تحت القيود والمراقبة، وبذلك فإن إيران خسرت معركتها مع أمريكا والغرب مقابل أن يفك عنها الحصار، ويرفع عنها العقوبات، ويعيد إليها بعض أموالها المحجوزة، فلماذا فعلت إيران ذلك؟ وما هي مكاسبها منه؟  

تركيا لا تمانع الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة 5+1 لأن أنقرة تقوم ببناء وتطوير عدد من المفاعلات النووية المماثلة 

 

دوافع الاتفاق بين الصراع مع إيران أو إخضاعها:

يحق للسياسة الإيرانية ان تعتبر هذا الاتفاق اتفاقاً تاريخياً، وأن يعد انتصاراً كبيرا للدبلوماسية الإيرانية الرخوة أو اللينية او الناعمة، التي يتزعمها الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف، مقارنة مع السياسات المتشددة التي كان يعلنها المحافظون الإيرانيون من أمثال الرئيس الإيراني السابق أحمد نجاد، وفي الحالتين كانت قيادة دفة السياسة الإيرانية بيد المرشد علي خامنئي، فما الذي أراده خامنئي من التشدد السابق؟ وما الذي أراده من اللين اللاحق في هذا الاتفاق، ولماذا؟

لقد ورث خامنئي منذ استلامه منصبه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية عام 1989م،تركة ثقيلة من سلفه الخميني، وهي سياسة المعاداة المشبوهة لأمريكا والغرب وإسرائيل، هذه السياسة الإيرانية مثلت لخامنئي سلاحاً ذا حدين، أحدهما يستخدم لقمع المعارضة الإيرانية باتهام كل أنواع المعارضة لحكم الملالي والآيات والحكم الديني المذهبي على انه عدو للثورة الإسلامية وموال أو عميل لأمريكا التي تمثل الشيطان الأكبر، بوصف هؤلاء العملاء بأنهم اعداء الثورة الذين يجب تصفيتهم، كما تم تصفية نظام الشاه السابق، والعدو الأول الإيراني امكن التغلب عليه في السنوات الأولى للثورة، بالنظر إلى السطوة الأمنية التي يفرضها الحرس الثوري الإيراني على الشعب والقوى السياسية أو الشخصيات المعارضة، بينما الحد الثاني لهذا السلاح من معاداة أمريكا والغرب وإسرائيل، أن هذه المعاداة لأمريكا والغرب حتى لو كانت صادقة فقد جلبت لإيران الكثير من المتاعب السياسية في العلاقات الدولية، فكيف إذا كانت مجرد شعارات ثورية، وقد زاد الأمر قسوة محاولات إيران السعي لامتلاك التقنية النووية لأغراض سلمية، فقد نظر الغرب إلى هذه المحاولة الإيرانية على انها خطر على إسرائيل والغرب وأمن المنطقة، بالنظر إلى أن المشروع سيكون تهديدا حقيقياً إذا امتلكت إيران تقنية التخصيب النووي بكميات تمكنه من إنتاج أسلحة ذرية أو نووية.

وأحد الاحتمالات التحليلية تجد أن إيران كانت بمشروعها النووي والشبهة العسكرية فيه، أنها كانت تقوم بمناورة سياسية ذكية، تسعى فيها إلى خلق أجواء تسمح لها بالتخلص من حالة العداء المشبوهة مع أمريكا والغرب، بدليل أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف كثيرا ما كان يؤكد على أن المكسب الأكبر لإيران:" أنها استعادت ثقة الغرب بها"، وكأن العبء الأكبر الذي كانت تعاني منه إيران هو إغلاق باب الغرب عليها بالعداء الظاهري، بينما الشركات الأمريكية والأوروبية والروسية والصينية تتنافس على عقد الصفقات الصناعية والتجارية معها.

لذلك كان لا بد من تجاوز هذه العقبة التي تقف أمام المرشد والقيادة الإيرانية، وتقف أمام الدول الغربية أيضاً، وذلك بإنهاء هذا العداء بطريقة تقنع الشعب الإيراني والشعوب الغربية بأنها حققت انتصارات كبيرة بهذه الاتفاقية، ولذلك لا غرو بأن توصف هذه الاتفاقية التي تنهي حالة العداء بين إيران وأمريكا والغرب بأنها اتفاق تاريخي بالنسبة للإيرانيين والغربيين، حتى يمكن وصف الاتفاقية بأنها تخلي عن مبادئ الثورة الخمينية، التي أرهقت الدولة الإيرانية بأعباء لا تقوى على القيام بها، ولا تجلب لها إلا الخسائر، وإلا فإن كل دول العالم تبني مفاعلاتها النووية السلمية دون هذه المعاناة ولا المفاوضات المضنية لسنوات.

أنقرة اعتبرت الاتفاق النووي الإيراني بـ " التطور الإيجابي للغاية" والنتيجة النهائية معلقة لاكتشاف البنود السرية والترتيبات المستقبلية  

فالأمر الغريب أن هذه الاتفاقية أخذت من الوقت أكثر مما يلزم، والسبب أن إيران أرادت ان تستخدم الفزاعة النووية في تحقيق مكاسب أخرى من خلال تفاهماتها مع أمريكا بالدرجة الأولى، ومنها النفوذ الإيراني في الإقليم العربي، الذي تسعى الدولة الإيرانية لجعله تابعاً لنفوذها السياسي والفكري والمذهبي والطائفي، وهذه قضية لا تقلق أمريكا ولا الغرب ولا إسرائيل، طالما تمت بالتفاهم مع هذه القوى الدولية، وقد أثبتت السياسة الإيرانية مصداقيتها في حفظ أمن الخليج وخطوطه النفطية بعد حرب الخليج الأولى والثانية، وكذلك في حفظ الأمن الإسرائيلي في الجولان وجنوب لبنان منذ أن استلمت ميليشيات إيران اللبنانية السيطرة على الجنوب اللبناني، بعد طرد المنظمات الفلسطينية التي كانت تقلق المستوطنات الشمالية لإسرائيل، ونقطة الخلاف مع أمريكا وبدرجة اكبر مع إسرائيل هي مستوى القوة العسكرية التي ينبغي أن تحتفظ بها المليشيات التابعة لإيران، سواء كانت في دولة مثل سوريا أو في حزب سياسي مثل حزب الله اللبناني، وفي هذا المضمار وقعت حرب تموز 2006 في لبنان، لمنع حزب الله اللبناني من تجاوز حدود القدر المسموح به من التسلح، أو لتحجيم قدراته الإقليمية، وهذه سياسية لا تزال متبعة من قبل إسرائيل مع المليشيات الإيرانية، سواء كانت في سوريا أو لبنان أو العراق أو غيرها.

لذلك من الخطأ القول بأن هناك ثقة تامة بين الإيرانيين والأمريكيين والإسرائيليين، أو أن هناك عداءً مستحكما بين الطرفين، فالتفاهم بينهما موجود ويتخلله تجاوزات على نقاط الاتفاق بين الفينة والأخرى، ولذلك جاء الاتفاق النووي لتوقيع الدولة الإيرانية على ما هي ملتزمة به أصلاً، ولكنها تحاول المناورة فيه بهدف تحقيق مكاسب أخرى، من أهمها نفوذها في الخليج والشرق الأوسط، وقد كان لثورات الربيع العربي أثر على زيادة الأطماع الإيرانية في فرض رؤيتها السياسية في تحجيم خصومها التقليديين ومنهم الدولة التركية وصراعها التاريخي بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية قبل أربعة قرون، ومع خصومها التقليديين من العرب مذهبيا وسياسياً، وبالأخص الدول العربية التي دعمت العراق في حرب الخليج الأولى التي دامت ثماني سنوات من عام 1980 ولغاية 1988، ودعمت الثورة السورية الأخيرة التي انطلقت في سياق ثورات الربيع العربي عام 2011.

لقد استغلت إيران المباحثات النووية في ترتيب أوضاع المنطقة سياسياً، بالتفاهم مع أمريكا بما لا يهدد أمن الدولة الإسرائيلية، ولا يتعارض مع الرؤية الاستراتيجية لوزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون أو الإدارة السياسية الأمريكية في البيت الأبيض، وهذا واضح بإطلاق أمريكا يد إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج العربي، ولولا التدخل السعودي الحاسم في اليمن بعاصفة الحزم لسقطت اليمن بيد إيران مثل العراق، وحيث أن عاصفة الحسم قد غيرت معادلة اللعب في اليمن فقد استغلت أمريكا الاتفاق النووي كورقة ضغط لوقف الدعم الإيراني للحوثيين، حتى أن بعض الحوثيين يقولون الآن:إيران قد باعتهم في سوق النخاسة الدولية"، ومع ذلك لا تزال إيران تطالبهم بإشغال السعودية ودول الخليج بالمخاطر الأمنية والطائفية مثل المناوشات الحدودية وتفجير المساجد وغيرها، مما يعني بأن تغيير معادلات اللعب في اليمن لا بد أن يؤثر على النقاط الملتهبة الأخرى، وبالأخص في سوريا، حيث أن ثمن التراجع الإيراني في اليمن قد يكون على حساب القبول بنفوذ إيراني معتدل في سوريا ولبنان والعراق، وإشارة دول مجلس التعاون الخليجي إلى أن الحل في سوريا ينبغي أن يكون سياسياً وليس عسكريا في مؤتمر الدوحة الذي التقى فيه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع وزير خارجية أمريكا ووزير خارجية روسيا، يوم الثلاثاء 4/8/2015م، يسير في هذا الاتجاه، وهو ما يؤكده أيضاً صدور المبادرة الإيرانية للحل السياسي في سوريا في اليوم التالي لاجتماعات الدوحة.

إيران نفذت مناورة للتخلص من العداء مع أمريكا والغرب ونفوذ طهران لا يقلق أمريكا طالما أمنت طهران أمن إسرائيل في الجولان

من هنا يمكن النظر إلى أن الموقف التركي قد يتأثر بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني من جهة التفاهمات السياسية والأمنية ومشاريع التقسيم التي يتم الإعداد لها في المنطقة، فسفير أمريكا السابق في سوريا روبرت فورد يرى بأن الحل في سوريا هو تقسيم سوريا إلى ستدول، أحدها هو الدولة الكردية في شمال سوريا، وتقوم إيران من خلال حرسها الثوري مع جيش الأسد بإمداد الأحزاب الكردية بالسلاح والمال والمقاتلين، وهذا يعني أن هناك ترتيبات سياسية وأمنية شمال سوريا بين إيران وأمريكا تهدد الأمن القومي التركي، ولذلك فإن أمريكا ترفض المنطقة الآمنة شمال سوريا، وأولى الأخطار المحزنة للاتفاق النووي الأمريكي الإيراني هو تراجع حزب الشعوب الديمقراطي الفائز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن مسيرة السلام في تركيا، بل ودعوته الأكراد إلى حمل السلاح ضد الدولة التركية، فضلاً عما يمثله دعم إيران لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وقواته وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني من مخاطر على الدولة التركية، وهذا ما كان ليتم قبل توقيع الاتفاق النووي، مما يعني بأن إيران قد ناورت بفزاعة مشروعها النووي لتحقيق مكاسب دولية على صعيد كسب ثقة الغرب على ذمة جواد ظريف، وفي نفس الوقت ناورت بملفها النووي لكسب نفوذ سياسي وأمني لا يعادي أمريكا ولا أوروبا ولا إسرائيل بقدر ما سيكون على حساب المصالح التركية والعربية، وذهاب دول مجلس التعاون الخليجي إلى القبول بهذا المنطق قد لا يرضي الدولة التركية، وبالأخص إذا تجاوز حدود الأمن القومي التركي.

إن التحركات التركية السياسية والعسكرية، وبالأخص فيما يتعلق بالنزاع في سوريا قد يكون من أسوأ ما كانت تتوقعه السياسة التركية، في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني، لأن قبول النفوذ الإيراني في شمال سوريا خطر بحد ذاته، فكيف إذا كان هذا النفوذ بأيدي الأحزاب الكردية التي تتلاعب بها إيران وأمريكا والدول الأوروبية وإسرائيل، فهو يمثل خطرا أكبر ، لأن في تركيا نحو سبعة عشر مليون كردي، يمكن أن تستخدمهم إيران وأمريكا وبعض الدول الأوروبية وروسيا وقود حرب ضد تركيا، وكما رفضت الدولة الإسرائيلية النفوذ الإيراني في جنوب سوريا، وطردته ممثلاً باغتيال الجنرال علي دادي وابن عماد مغنية وآخرين، بسبب مخاوف إسرائيلية أن تستغل إيران هذا التواجد الإيراني في توتير الأمن فيها ولو في مناورات سياسية، فكذلك ومن باب أولى ينبغي على الدولة التركية أن ترفض النفوذ الإيراني في شمال سوريا وجنوب تركيا، لما يمثله من تهديد للأمن القومي التركي، فتركيا لا تأمن للنفوذ الإيراني في جنوبها المتوتر ، وقد ظهرت بوادره بتوقف عملية السلام مع الأكراد بضغوطإيرانية مع قادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، وبعمليات إرهابية بدأت تجتاح الأراضي التركية وتستهدف الجنود الأتراك على أيدي منظمات إرهابية متنوعة الهوية ومتعددة الولاء.

الخلاصة:

إن تركيا لا تمانع الاتفاق النووي الإيراني في أبعاده التقنية، لأن تركيا تعمل على بناء وتطوير عدد من المفاعلات النووية لأغراض مدنية وتوفير الطاقة النووية السلمية، ولكن المخاوف آتية من التفاهمات السياسية غير المتضمنة في بنود الاتفاق النووي، فاتفاق فيينا قضى على المشروع النووي الإيراني إلى الأبد، وليس إلى عشر سنوات كما تتوهم إيران، حيث أن العشر سنوات قابلة لخلق ملايين الحجج الأمريكية لعدم الالتزام بها، وإيران تدرك ذلك ولكنها تخادع شعبها، وإيران تخادع نفسها أكثر إذا توهمت أن أمريكا أو روسيا أو إسرائيل ستبقي لها الدولة الدينية المغلقة لعشر سنوات قادمة، فقد أدخلتها في حرب الاستنزاف ضد الدول العربية في السنوات الماضية، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وها هي تفتح لها مطامح ومطامع الحرب مع الأتراك ولو بأيدي أحزاب كردية يسارية متشددة في العداء القومي للأكراد والعرب، بينما أوراق اللعب التركية مع أمريكا والاتحاد الأوروبي ومع إسرائيل أيضاً أقوى من أوراق اللعب الإيرانية، ويمكنها أن تخرجها خاسرة من هذه اللعبة إذا أصرت على الإضرار بالأمن القومي التركي، أو إذا واصلت العبث بأمن المنطقة الإقليمي أيضاً.

إن السياسة الإيرانية تخطأ كثيراً وهي تستعدي شعوب الأمة الإسلامية من العرب والأتراك والكرد والباكستانيين والماليزيين وغيرهم، وهي تركض وراء أوهام النفوذ المذهبي والسياسي، وهي تطمح بصداقة الشيطان الأكبر أن يمكن لها نفوذها وامبراطوريتها، لأن الشيطان الأكبر سوف يتخلى عنها إذا ما وقعت في نار الحروب التي تشعلها في الإقليم العربي والتركي والكردي وغيرها، وقبول إيران بالتنازل عن مشروعها النووي العسكري سواء كان صادقاً أو مناورة، لا ينبغي أن ينعكس عداءً للدول العربية أو تركيا أو غيرها، وحتى لو وجدت ليونة من الأنظمة السياسية العربية في عدم رغبتها بالمواجهة الصريحة والقوية مع الدولة الإيرانية، فلا ينبغي أن يكون ذلك مدعاة لها لأن تستغل ذلك في العدوان أكثر في المنطقة، سواء مع العرب او الأتراك أو غيرهم. 

مجلة آراء حول الخليج