array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 101

الطاقة المتجددة في دول الخليج: حان الوقت الآن

الأحد، 01 تشرين2/نوفمبر 2015

تمثل الاستدامة في مجال الطاقة أحد أهم التحديات التي يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي معالجتها والتوصل إلى حل لها في غضون العقدين القادمين. يعرف الجميع بأن العالم سوف يحتاج إلى المزيد من الطاقة بشكل مستمرّ: بالرغم من التناقص المستمرّ لحصّة قطاع الطاقة من الناتج الإجمالي المحلي، فإن الفصل التام للاقتصاد عن نموّ الطلب على الطاقة يظلّ أمراً شبه مستحيل. كما نعلم أن العالم سوف يستمرّ في الاعتماد على الوقود الأحفوري، حتى وإن كان ذلك بحصّة متناقصة من إجمالي الطلب على الطاقة. وأخيرا، ندرك بأن موارد الوقود الأحفوري سوف تكون كافية لتلبية الطلب المتوقع، ومع ذلك، لا يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تستمرّ على نفس نمط استهلاك الطاقة القائم. هناك إفراط في كثافة استهلاك الطاقة في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي وذلك أساسا بسبب تفشي النفايات، لاسيما في القطاعين السكني والتجاري.  كما أن الاعتماد الحصري على النفط والغاز في كافة مجالات استخدام الطاقة، بما في ذلك توليد الطاقة، يشكّل تهديدا لإمكانيات تصدير هذه المواد الهيدروكربونية ويرفع من مستوى المخاطر، كما يحدث دائما حين نضع كل البيض في سلة واحدة. وهكذا فإن العمل على الرفع من مستوى كفاءة الطاقة وتنويع مصادرها يصبح ضرورة ملحة.

يصعب لأي مراقب أو باحث التشكيك في المعطيات التي ذكرناها سابقاً. ومما لا يمكن إنكاره أيضا، هو أن درجة الوعي بهذه المشكلة والإجماع على وجوب العمل على المضي قدما في هذا المضمار للتعامل معها، قد زاد بشكل كبير على مرّ السنين. والسؤال المهم أيضا هو كيف يمكن تفسير مستوى التقدم المتواضع نسبيا الذي تم تحقيقه حتى الآن في هذا المجال؟ والإجابة على هذا السؤال: تكمن المشكلة حسب اعتقادي في الإطار المؤسسي والتنظيمي القائم الذي لا يتناسب مع هذه المهمّة.

جزء من الصعوبات التي تواجه هذا القطاع ناجم عن اتساع تشكيلة الحلول المتوفرة: لدى دول مجلس التعاون الخليجي خيارات متعددة لموارد الطاقة المتجددة، فإلى جانب الطاقة النووية، هناك حلول أخرى متنوعة جدا تخص تعزيز كفاءة الطاقة، ويفضي الحديث في هذا النطاق الشاسع من الإمكانيات إلى نقاشات لانهاية لها حول اختيار الحل الأمثل، وعليه هل ينبغي أن تختار دول مجلس التعاون الطاقة النووية أم الطاقة المتجددة؟ وإذا تم تفضيل الطاقة المتجددة، فهل يجب اختيار طاقة الرياح أم الطاقة الشمسية، أم غير ذلك؟ وإذا تم اختيار الطاقة الشمسية، فهل ينبغي اعتماد الطاقة الفولتوضوئية photovoltaic أم الشمسية المركزة؟ وهل ينبغي على دول المجلس إعطاء الأولوية لكفاءة الطاقة بدلا عن زيادة قدرات الانتاج؟

تعد هذه نقاشات عقيمة وقد لا يرتجى منها غير الفشل، ويجب أن يكون الهدف هو تنويع المصادر والتقنيات، لأنه من المستحيل معرفة الخيار الصائب في ظل تسارع التطور التقني وإمكانية تغير درجة جاذبية أي من الخيارات في لمح البصر، وعلاوة على ذلك، لكل حل من الحلول عيوبه وسلبياته، ولا يمكن تحقيق استدامة الإمداد وتوازنه إلا من خلال تشكيل مزيج من الخيارات المتكاملة، وبالتالي يتمّ حتما تحقيق التقدم على كافة الجبهات في آن واحد.

على وجه التحديد، من الخطأ رفض خيار الطاقة النووية وتفضيل حلول الطاقة المتجددة دون سواها في مثل ظروف دول مجلس التعاون الخليجي، لأن المصادر الرئيسية للطاقة المتجددة هي الرياح والشمس: غيرها من المصادر، مثل المياه والكتلة الحيوية biomass ليست متوفرة بالمرة، أو بقدر ضئيل جدا (مع إمكانية حرق بعض النفايات الحضرية)، من ناحية أخرى، لا يمكن التحكم في توافر مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ولا يمكن لأي نظام لتوليد الطاقة يرتكز حصراً على الرياح والشمس أن يكون قابلا للاعتماد ما لم نكن نمتلك التقنية اللازمة لتخزين كميات هائلة من الطاقة الكهربائية مما يسمح بفصل الطلب عن العرض عبر الزمن، ومثل هذه التقنية غير موجودة حتى الآن.

في المقابل، تعتبر الطاقة النووية مصدرا نظيفا يعتمد عليه ويمكنه المساهمة في تلبية الحمل الأساسي (الطلب الدائم على الكهرباء، 24 ساعة في اليوم و365 يوما في السنة بدون انقطاع). فيما تعد المخاوف المتعلقة بسلامة وأمن المنشآت النووية واقعية ومعقولة، إلا أنه يمكن معالجتها بصورة فعالة. وفي الواقع، هناك احتمال جيد لإمكانية تحقيق التقدم التقني في مجال الطاقة النووية، بالنظر للانتشار المتواصل والمتزايد لمحطات توليد الطاقة النووية عبر العالم باستثناء بعض البلدان الأوروبية، ورغم خطورة القضايا المتصلة بمكافحة الانتشار النووي وإمكانيات الاستخدام العسكري للتقنيات النووية، إلا أنها لا يمكن أن تحول دون الإقبال على مثل هذا الحلّ الذي ينطوي على عدة إيجابيات، ثم إنه من البديهي أن الموقع الجغرافي وتوافر قدر كبير من أشعة الشمس والمساحات المتاحة يجعل منطقة دول مجلس التعاون الخليجي تحظى بظروف فريدة تخوّلها توليد الطاقة الشمسية واستكشاف سبل جديدة لاستغلالها. أما من ناحية طاقة الرياح فإن الظروف المتاحة لاستخدامها أقل ملاءمة نسبيا ولكنها تظل مواتية للاستغلال والانتشار على نطاق واسع.

لايزال قطاع الطاقة الكهربائية في دول مجلس التعاون الخليجي قائما على نظام المزود الوحيد والملكية الحكومية الحصرية، رغم اعتماد هذا النظام في بعض الحالات على بعض المؤسسات الخاصة التي تستثمر في قطاع التوليد وتقوم بتوفير الطاقة حسب الطلب. ومع ذلك، فإن عدم وجود سوق حرة للطاقة قد يشكل في الواقع عاملا إيجابيا يساعد على انتشار مصادر الطاقة المتجددة. لقد تبين من خلال التجربة الأوروبية أن دمج مصادر الطاقة المتجددة، لا سيما تلك التي لا يمكن التحكم في توافرها مثل الطاقة الشمسية والرياح، في سوق للطاقة أمر صعب بشكل خاص.  ونظرا للتكلفة الهامشية لإنتاج الطاقة من الشمس أو الرياح التي تلامس الصفر أو تكاد، ومع ارتفاع حصة موارد الطاقة المتجددة تنخفض مستويات معدل أسعار البيع بالجملة مما يجعل المكانة الاقتصادية للموارد الأخرى عرضة للخطر. كما أن الموارد الأخرى لا بد منها في حال عدم توفّر موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وهكذا فإن دمج سوق القدرة مع سوق الطاقة القائم يمكن أن يضمن قدرة كافية واستقرار العرض، إلا أنه قد يخلق في نهاية المطاف نظاما تكون فيه كافة المصادر مدعومة بشكل أو بآخر. ولا تزال هذه المشكلة دون حل، وعلى الأرجح أنه سيبقى الوضع كذلك طالما لم توجد التقنية المناسبة لتخزين كميات كبيرة من الكهرباء، وفي النهاية، سوف يؤدي ذلك حتما إلى الحد من انتشار مصادر الطاقة المتجددة على نحو متغيّر أو متناوب.

في حال دول مجلس التعاون الخليجي،لا يزال مستوى انتشار المصادر المتجددة المتواترة منخفضا. كما يُعتقد أن المشكلة الرئيسية تكمن أساسا في انخفاض سعر الكهرباء بالنسبة للمستهلك النهائي، مما لا يشكل حافزا كافيا للاستثمار في خلق مزيد من القدرة، وفي الواقع أي شكل من أشكال القدرة الجديدة، متجددة كانت أم تقليدية.  كما أن الأسباب التي تجعل العديد من دول مجلس التعاون الخليجي مترددة بشأن الرفع من أسعار الكهرباء بالنسبة للمستهلك النهائي معروفة جيدا، وأيضاً هناك إجماع حول الجوانب السلبية للحل المعمول به في الوقت الراهن. ففي حين أن التعرفة المنخفضة والمعقولة للاستهلاك الضروري قد تشكل حماية للشرائح الأصغر والأكثر فقراً، يشجع تعميم هذا الانخفاض في الأسعار على التبذير ويصبح شكلا ارتدادياً من أشكال إعادة توزيع الدخل، وتؤدي التسعيرات المنخفضة إلى حرمان شركات الكهرباء من التدفق الحر للسيولة اللازم للاستثمار وينجم عن ذلك حتما عدم استقرار في الإمداد وتكرر انقطاع التيار الكهربائي.

إن التوجه نحو مزيد من الحزم والجدية في اعتماد المصادر المتجددة سوف يكون له جانب إيجابي يتمثل في معرفة قيمة الارتفاع المطلوب في تسعير الكهرباء بكل وضوح حتى يتحقق الاستقرار في قطاع الكهرباء، وإذا ما تم ترك المجال للقطاع الخاص للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة ولعبت الجهة المحتكرة للكهرباء دور المشتري الوحيد للطاقة المنتجة، يمكن تحفيز الاستثمار الجديد من خلال المنافسة المفتوحة على إنتاج مزيد من القدرة الإضافية، ويجب أن تكون المنافسة قائمة على نحو لا يقيّد أصحاب العطاءات بأية تقنيات محددة سلفا حتى يتمكنوا من طرح حلول قائمة على التقنيات التي يفضلونها، وينبغي أن يكون السعر المقترح لإنتاج الطاقة هو المقياس الرئيسي في التحكيم لإسناد العقود. وحسب التجارب الدولية السابقة، بما في ذلك في دول مجلس التعاون الخليجي، قد أدى ذلك إلى قبول بعض العطاءات ذات التنافسية العالية. وتحدد مثل هذه العقود أسعار الجملة المرجعية التي يمكن أن تعتمدها السلطات كدليل لمراجعة التعريفات الخاصة بالمستهلك النهائي إلى حد معقول، مما قد يضمن الاستدامة الإقتصادية للقطاع. ومن ثمّ يمكن فيما بعد استخدام نفس الأسعار المرجعية لشراء الطاقة على نطاق واسع من المستهلكين الذين يختارون أن يصبحوا أقل اعتمادا على الشبكة حيث تكون لديهم أحيانا طاقة إضافية يمكنهم بيعها للشبكة.  في نهاية المطاف، حتى المنشآت الصغيرة يمكن ضمها إلى هذا المخطط، غير أن اللجوء إلى تعريفة الطاقة الراجعةfeed-in tariff  بشكل معمّم ليس حلا مناسبا - خاصة إذا كانت التعريفة مثبتة على مستوى مرتفع جدا، كما حدث في ألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية.

ومن الممكن أن يؤدي الاعتماد على تقديم العطاءات التنافسية بما في ذلك لاختيار التقنية إلى السيطرة المجحفة لتقنية واحدة على حساب التنوع، ويمكن أن يتم تصحيح هذا الوضع حينها، إن لزم الأمر من خلال تحديد تقنية معينة في عدد محدود من الحالات بما يسمح بالحفاظ على الدرجة المطلوبة من التنوع. في الوقت نفسه إذا ظهر تفضيل واضح في القطاع لتقنية محددة، يعد ذلك مؤشرا مهمّا لا ينبغي تجاهله أو اعتباره تقهقراً.

نعلم بأن القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي على استعداد للانخراط في الاستثمار بنشر مصادر الطاقة المتجددة على قاعدة العطاءات التنافسية، لسبب بسيط وهو أن الشركات الخليجية تساهم بشكل نشط في مثل هذه المنافسات في بلدان العالم الأخرى وسبق أن فازت بالعديد من العقود، بل يبدو في الوقت الحاضر أن قدرة التنفيذ الصناعي في دول مجلس التعاون الخليجي تفوق وتيرة نشأة الفرص، مما يبرز مرة أخرى أن المشكلة تكمن في الغموض الإداري والتنظيمي وليس في وجود صعوبات جوهرية، لذلك ينبغي أن يكون السبيل إلى الخروج من هذه المعضلة باتجاه التبسيط وليس التعقيد. حيث يجب تحديد المسؤوليات وتوزيعها بصورة واضحة على جهات حكومية محددة وتجنب الغموض والصراع على النفوذ لأن ذلك يؤدي حتما إلى الشلل. كما يجب على السلطات الحكومية التخلي عن ذريعة ضرورة تنظيم كافة التفاصيل أو تحديد الحل الأمثل لكل مشكلة، وأن تسعى إلى هدف بسيط وواضح: الانتشار الأقصى للقدرة المتجددة. وإذا ما تم ضمان وضوح الهدف فإن تحديد الإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك الهدف يصبح عملا سهلا.

هناك رصيد لا بأس به من الخبرة الدولية متوفّر في الوقت الحاضر، وهذا يشير إلى أن كبريات شركات الطاقة في أوروبا بكل تأكيد وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية على الأرجح تشعر بالحاجة لإعادة توازن محافظها الخاصة بالقدرة على توليد الطاقة بعيدا عن أسواقها الوطنية والحلول التقليدية لتوليد الطاقة. إضافة إلى أن هناك طلب على فرص التدويل وعلى فرص الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وأصبحت هذه الفرص محدودة أكثر فأكثر خاصة في أوروبا، بسبب درجة الانتشار العالية نسبيا لمصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب القضايا العالقة المتصلة بهيكلة سوق الطاقة وعدم استقرار السياسات التي تثني المستثمرين عن خوض مزيد من المجازفات المرتبطة بالسياسات (المشاركة في استثمارات تعتمد ربحيتها على الحفاظ على نسب الدعم أو غير ذلك من سياسات الحماية الاجتماعية) لذلك تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي بكل سهولة الشروع في تنفيذ سريع لمصادر الطاقة المتجددة وتجذب الاستثمار والخبرات الفنية من المصادر الدولية في الوقت نفسه . وبالرغم من انخفاض أسعار النفط، لا تزال دول مجلس التعاون تشكل وجهة جذابة جدا للاستثمارات الدولية. فعندما تكون الطاقة حكرا على مشتر واحد، يكون الاستثمار في توليد الطاقة عرضة لخطر الملاءة المالية لهذا الأخير: تظل دول مجلس التعاون في مرتبة جيدة جدا من ناحية المخاطر السيادية مقارنة بدول العالم الأخرى.

من المتوقع أن يتلقى مؤتمر الدول الأطراف COP21 الذي سينعقد في باريس في شهر ديسمبر المقبل العديد من التعهدات الوطنية المنفصلة بشأن الحد من انبعاثات الكربون وزيادة الاعتماد على المصادر النظيفة للطاقة. لذلك ينبغي ألا تكتفي دول مجلس التعاون الخليجي بالقيام بواجبها في إطار هذا المسعى العالمي، بل يتوجب عليها أن تكون في مركز الصدارة من حيث انتشار وتطوير تقنيات الطاقة المتجددة. على أن يمثل الجهد العالمي لتشجيع الطاقة النظيفة فرصة مميزة للاستثمارات الخليجية الدولية سواء الخاصة أو السيادية.

يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تكون بمثابة مختبر لتجربة التقنيات الجديدة والحلول التي قد يكون لها جدوى على المستوى العالمي. إن تعديل استخدام الكهرباء لتحلية المياه وفي الصناعات الكيميائية والألمنيوم يمكن أن يسهّل من مطابقة طبيعة العبء مع القدر المتوفر من المصادر المتجددة. بعبارة أخرى، إذا لم نستطع تخزين الكهرباء فنحن نستطيع تخزين الماء أو المنتجات التي تتطلب عملية إنتاجها استخداما كثيفا للكهرباء. ومن الاستراتيجيات الفعالة للرفع من الكفاءة العامة للنظام استخدام الكهرباء لتحلية المياه عندما لا يكون هناك طلب من قطاعات أخرى أو وقف النشاطات الصناعية التي تتطلب استخداما كثيفا للكهرباء عندما يبلغ الطلب ذروته في مكان آخر.

يعتبر تنويع مصادر الطاقة بكل تأكيد فرصة لتنمية اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ولا ينبغي التغاضي عنه، وككل الفرص لن تكون هذه متوفرة إلى الأبد: الوقت قد حان والوقت هو الآن.

 

مجلة آراء حول الخليج