; logged out
الرئيسية / العلاقات الخليجية ـ الروسية: التحولات وتغير المصالح وموازين القوى

العدد 102

العلاقات الخليجية ـ الروسية: التحولات وتغير المصالح وموازين القوى

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2015

شهد عام 2015م، منعطفاً هاماً تجاه إعادة بعض الدفء فى العلاقات الخليجية الروسية عقب ما يزيد عن أربع سنوات من الجمود والتوتر فى العلاقات بين الجانبين على خلفية الأزمة السورية. ومثل الاتصال الهاتفى بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الروسي فلاديمير بوتين فى 20 أبريل نقطة البدء في هذا الإطار، حيث توالت في أعقابه الاتصالات والزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين. وكان أبرزها زيارة ولى ولى العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان لروسيا مرتين خلال أربعة شهور، وزيارة ولي عهد أبو ظبي والقائد الأعلى للقوات المسلحة في الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا مرتين فى أقل من شهرين.كما زار وزير الخارجية الروسي الدوحة لأول مرة منذ سنوات والتقى خلال الزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ووزراء خارجية المملكة العربية السعودية ودولة قطر وسلطنة عمان.

كما تعد زيارة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى روسيا في الفترة من 9 إلى 11 نوفمبر نقلة نوعية فى العلاقات الخليجية الروسية حيث تعد الأولى من نوعها منذ تولي الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم، والأولى لأمير الكويت منذ 23 عاماً حيث زار الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح موسكو عام 1992م. ومن المعروف أن الكويت احتفظت بعلاقاتها مع الاتحاد السوفيتي منذ تبادل التمثيل الدبلوماسى معه فى ستينات القرن الماضي دون أن تلتفت للاختلافات الأيديولوجية السائدة آنذاك.

وقد تضافرت مجموعة من العوامل التي أدت إلى إعادة تفعيل العلاقات الخليجية الروسية، أولها تفاقم الأزمة اليمنية والحاجة إلى استصدار قرار يخول التحالف العربى ردع الحوثيين ووقف تمددهم فى اليمن وتهديدهم للأمن القومي العربي. فقد استدعت المصلحة القومية العربية ضرورة التنسيق مع روسيا وتحييد الموقف الروسي من الأزمة اليمنية، على الأقل، وهو ما استجابت له روسيا التى أكدت حيادها وعدم دعمها لطرف دون أخر سواء كان يمني أو إقليمي. وانعكس ذلك في امتناع موسكو عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2216 بشأن اليمن، والذي تم تبنيه في 14 أبريل 2015م، استنادا إلى مشروع عربي يحظر توريد الأسلحة للحوثيين ويؤكد دعم مجلس الأمن للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ولجهود مجلس التعاون الخليجي والتحالف العربى.

ثانيها، عودة روسيا كفاعل دولي مؤثر دولياً وإقليمياً، وهو ما بدا واضحاً فى دورها منذ بدء الأزمة السورية وتأكد مع الحملة العسكرية التى بدأتها روسيا فى سوريا والتى جاءت مفاجأة وغير متوقعة لدول الخليج العربي، ورغم أن الرئيس بوتين ألمح إلى إمكانية التدخل عسكرياً فى سوريا فى 18 سبتمبر، إلا أن الكثير من الساسة والمحللين اعتبروا ذلك محاولة للضغط على الأطراف المختلفة لدفع التسوية السلمية. ومن ثم فقد أثار بدء الضربات الجوية الروسية يوم 30 سبتمبر التساؤلات حول أهدافها وتداعياتها على أمن واستقرار المنطقة والعالم، فى ضوء ما ستحدثه من تغيير فى موازين القوى فى سوريا، واحتمالات المواجهة فى الأجواء السورية بين الطيران الأمريكي والروسي.

وكان الأمين العام المساعد لمجلس التعاون الخليجي، عبد العزيز حمد العويشق، قد أبدى قلقاً واضحاً فى 24 أكتوبر مما قد ينطوي عليه الانخراط العسكري الروسي في سوريا من خطر التصعيد بين روسيا والولايات المتحدة، ومخاطر الغارات الجوية التي بدأت روسيا شنها داخل سوريا. وقال "اعتقد أنها قد تنطوي على تصعيد خطير بين القوى العظمى، روسيا والولايات المتحدة ... جميعنا قلقون لهذا الشأن". واعتبر أن "زيادة الوجود الروسي في سوريا هو أفضل هدية تُمنح للجماعات الإرهابية لمساعدتهم على تجنيد المزيد من المقاتلين". وأن "وجود الاتحاد السوفيتي فى أفغانستان ساعد على تجنيد مقاتلين من كل أنحاء العالم، ومن المرجح أن يحدث ذلك في سوريا، إذا واصلت روسيا التدخل".

في ضوء هذين العاملين ذي التأثير المباشر على أمن واستقرار منطقة الخليج العربي، كان من الضروري فتح حوار مباشر مع روسيا، وكانت زيارة ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان الأولى إلى روسيا فى يونيو على رأس وفد رفيع المستوى ضم وزير الخارجية، ورئيس الاستخبارات العامة، ووزير البترول والثروة المعدنية، ورئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، خطوة جادة في هذا الإطار.

وقد شارك الأمير خلال الزيارة فى فعاليات منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي (18 إلى 20 يونيو)، والذي يعتبر حدثا دوليا سنويا هاماً في عالم الاقتصاد والأعمال ومناسبة لبناء الشراكات وعقد الصفقات وتأسيس التعاملات بين رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية المختلفة، جمع هذا العام ما يزيد عن 6000 من ممثلي المؤسسات والشركات الدولية ورجال الأعمال وكبار العلماء والساسة من مختلف أنحاء العالم لمناقشة القضايا الاقتصادية العالمية والثنائية. ورغم أن المنتدى اقتصادي فإن الملفات السياسية فرضت نفسها على المباحثات الثنائية بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس بوتين نظراً لإلحاحها ومحوريتها. كما شارك وفد عسكري سعودي رافق الأمير محمد بن سلمان لأول مرة في فعاليات منتدى "الجيش-2015" الذي عُقد بضواحي موسكو.

أعقب الزيارة لقاءات عدة بين وزيري خارجية البلدين في موسكو والدوحة، وبدا وكأن البلدين على وشك تفاهم شامل بشأن القضية السورية التى باعدت بينهما لسنوات. وما أن لاحت الانفراجة فى الأفق حتى بدأت الضربات الروسية فى 30 سبتمبر على مواقع داعش والنصرة فى سوريا، لتثير شكوك وقلق المملكة العربية السعودية من أن يتضمن ذلك دعماً لبشار الأسد واستمراريته فى السلطة، ولخيم البرود والترقب على العلاقات السعودية الروسية من جديد.

إلا أن زيارة ولي ولي العهد السعودي الثانية لروسيا يوم 11 أكتوبر نجحت فى إنعاش العلاقات بين البلدين للمرة الثانية. ورغم أن الزيارة لم تكن رسمية حيث جاءت على هامش فعاليات سباق السيارات "فورمولا - 1" فى منتجع سوتشي الروسى، فإن المباحثات بينهما تناولت كافة القضايا الاستراتيجية والسياسية الهامة وعكست تفاهما واضحاً بين البلدين حول الملف السوري. وقد تزامنت زيارة ولي ولي العهد السعودي مع زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان لسوتشى ومباحثاته مع الرئيس بوتين فى ذات اليوم.

وقد استطاعت هذه الزيارات والمباحثات كسر حاجز الجمود بين دول الخليج وروسيا حيث أكدت الأخيرة على أهمية دول الخليج بالنسبة لها، وأن ما يجمعهما أهم وأوسع نطاقاً من تباعد المواقف حول سوريا، وأن هناك تحديات أخطر وأكثر إلحاحاً تدفع الجانبين للتقارب والعمل المشترك. وأن السياسة الروسية تنطلق من ضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة كمتطلب أساسى لضمان المصالح الروسية، وهي بذلك ضد كل ما يهدد الاستقرار الإقليمى، كما إنها أميل إلى تحقيق أهدافها ومصالحها من خلال علاقات تعاونية مع دول المنطقة على النحو الذي يخدم مصالحها ومصالح الأطراف العربية. وإنه من الضروري بدء حوار جاد بين الجانبين حول الأزمة السورية التى تظل القضية الخلافية الرئيسية بينهما.

وقدم الرئيس بوتين تطمينات مباشرة لولي ولي العهد السعودي وولي عهد أبو ظبي بشأن الحملة الروسية وأكد أنضباطها، وأن هدفها ينحصر فى إقتلاع الإرهاب من جذوره والقضاء عليه ضماناً للأمن القومي الروسي وأمن واستقرار المنطقة بأسرها، وإنها ليست تحالفاً عسكرياً بين موسكو وطهران كما تتخوف دول الخليج، وأن التعاون الروسي الإيراني فى الملف السوري أو غيره لم ولن يكون على حساب أمن دول الخليج. وأكد الرئيس بوتين حرص روسيا على أمن واستقرار الخليج العربى إنطلاقاً من كونه منطقة جوار شبه مباشر لروسيا ومن ثم فإن موسكو معنية بأمن الخليج وعلى استعداد للتنسيق الكامل مع دوله وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية فى هذا الخصوص.

واتفق الطرفان على التنسيق والتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب وأكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن المملكة تنوي تنسيق الجهود مع روسيا في هذا المجال، حيث يمثل المواطنون الروس والسعوديون الذين انضموا إلى صفوف الإرهابيين خطرا على كلا البلدين. وكانت المملكة قد شهدت عددًا من العمليات الإرهابية الدامية التي تقف وراءها داعش والعناصر المنتمية لها. كما تخشى روسيا من أصداء تصاعد التهديد الداعشي فى الداخل الروسي خاصة مع تنامي صلات التنظيم مع نظرائه فى القوقاز الروسي، وتزايد أعداد المنضمين إلى صفوفه من الروس ودول آسيا الوسطى المجاورة لها. وأشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الرئيس بوتين ووزير الدفاع السعودي أكدا "التطابق التام" للأهداف التي تسعى موسكو والرياض لتحقيقها في سوريا، وفي مقدمتها ضرورة منع انتصار "الخلافة" الإرهابية في الأراضي السورية.

من ناحية أخرى، دعا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حتى لا تكون العلاقات بين روسيا والسعودية رهينة للخلافات حول سوريا أو توريد الأسلحة إلى إيران، وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في سوتشي، أكد الجبير أن السعودية "تسعى لإيجاد أرضية مشتركة مع روسيا للحفاظ على وحدة الدولة السورية"، وأنه على الرغم من تمسك المملكة برحيل الأسد ومواصلتها دعم "المعارضة المعتدلة" في سوريا، فإن البلدين متفقان في سعيهما لإيجاد سبل تفعيل التسوية من أجل الحفاظ على وحدة الدولة السورية".

واستطاع البلدان فى ضوء ذلك الوصول إلى صيغة مقبولة بشأن الأزمة السورية. فرغم أن الخلاف حول المصير السياسي لبشار الأسد ظل قائماً بين البلدين، ومازالت الرياض تتمسك برحيله، فى حين تعطي روسيا الأولوية لمكافحة الإرهاب وتعتبر الأسد شريك هام فى المرحلة الانتقالية التي قد تنتهي برحيله، وترى أن مصيره يحدده السوريون أنفسهم دون غيرهم، أعلن البلدان توافقهما على ضرورة تحقيق "مصالحة وطنية" في سوريا والإسراع في إطلاق عملية سياسية تقود إلى تسوية نهائية مقبولة من مختلف الأطراف، والقبول ببقاء الأسد بشكل مؤقت فى المرحلة الانتقالية التى يشارك فيها ممثلو كل من النظام والمعارضة، ويتم خلالها إجراء تعديلات دستورية قد تقود إلى رحيل بشار الأسد في نهاية المطاف. وقد عكس بيان مؤتمر فينا الذي شارك فيه 17 دولة من بينها المملكة العربية السعودية وروسيا بشأن الأزمة السورية يوم 30 أكتوبر هذا التوافق الخليجي الروسي.

ومن المنتظر خلال عام 2016م، أن يوفر التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب، والتنسيق بشأن التسوية فى سوريا قاعدة لاستمرار التفاهمات السياسية بين دول الخليج وروسيا من ناحية، وإعادة إطلاق التعاون الاقتصادي والتقني بينهما والدفع به من ناحية أخرى. وقد أشار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى أن "موسكو والرياض تجمع بينهما مصالح مشتركة، مرتبطة بالنفط والزراعة والفهم المتبادل بشأن القضية الفلسطينية". وأكد لافروف على أن المباحثات بين الرئيس الروسي بوتين وولي ولي العهد ووزير الخارجية السعوديين أظهرت وجود فرص جيدة للتعاون بين البلدين في المجالين الاقتصادي بما في ذلك الاستثمارى، والعسكري التقني، مضيفا أن ولي ولي العهد وبوتين بحثا التعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية.

وخلال الزيارة الأولى لولي ولي العهد السعودي لروسيا وقع الجانبان اتفاقية للتعاون في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية بين شركة "روس أتوم" ومدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. وتمثل الاتفاقية أساسا قانونيا للتعاون بين الدولتين في المجال النووي ويتضمن ذلك إنشاء واستخدام المفاعلات النووية المخصصة لإنتاج الطاقة والأبحاث العلمية، وتقديم الخدمات المتعلقة بمعالجة الوقود النووي المستنفد، وإنتاج النظائر المشعة واستخدامها في الصناعة والطب والزراعة، وتأهيل الكوادر في مجال الطاقة النووية.وتنص الاتفاقية على تشكيل لجنة تنسيقية لإجراء مزيد من المشاورات حول التعاون في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وتشكيل لجان عمل مشتركة لتنفيذ مشاريع عملية ودراسات علمية.

كما اتفق الجانبان على تفعيل اللجنة المشتركة للتعاون العسكري، واستئناف عمل اللجنة السعودية ـ الروسية المشتركة للتعاون التجاري الاقتصادي والعلمي التقني، بعد توقف دام 5 سنوات، والعمل على زيادة التبادل التجاري واستثمارات الشركات الروسية في السعودية والشركات السعودية في روسيا. واتفق الجانبان أيضاً على إنشاء مجموعة عمل بين وزارة الطاقة الروسية ووزارة النفط السعودية، وإعداد مشاريع مشتركة بين البلدين فى هذا المجال. وأبدت روسيا استعدادها لإنشاء خطوط سكك حديد في السعودية والمشاركة في بناء شبكة مترو في 4 مدن سعودية في السنوات القادمة.

تم الاتفاق أيضاً على أن تقوم المملكة العربية السعودية باستثمار 10 مليارات دولار في روسيا في إطار شراكة ما بين صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي وصندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي، في غضون السنوات الخمس المقبلة، وتشمل المجالات ذات الأولوية التي سيتم الاستثمار فيها البنية التحتية، والزراعة، والطب، والخدمات اللوجستية، وتجارة التجزئة، والعقارات. وتعد الاستثمارات السعودية أكبر استثمارات أجنبية في تاريخ الصندوق الروسي، متجاوزة استثمارات سابقة لصندوق الإمارات العربية المتحدة السيادي بقيمة 7 مليارات دولار.

كذلك تم توقيع مذكرة تعاون بين وكالة الفضاء الروسية "روس كوسموس" ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لتنفيذ مشاريع مشتركة في مجال استكشاف واستخدام المجال الفضائي للأغراض السلمية وتطوير البنية التحتية الفضائية على أراضي المملكة العربية السعودية وروسيا. ومن المعروف أنه تم إطلاق 13 قمراً صناعياً سعودياً للاتصالات والملاحة والاستشعار عن بعد بواسطة صواريخ روسية إلى مدار حول الأرض كان أخرها "سعودي سات 4" في 21 يونيو 2014م. كما إن تعاوناً فى هذا المجال قائم أيضاً مع الإمارات العربية المتحدة وتم فى إطاره إطلاق قمر "ياسات 1 بي" الإماراتي في أبريل 2012 م، بواسطة صواريخ روسية.

وفي فبراير 2015 م، وقعت روسيا والإمارات العربية المتحدة مذكرة تتيح تزويد مدرعة "أنيجما" الإماراتية بمنظومة "أ-أو 220 أم"،وذلك على هامش معرض الأسلحة الدولي "آيدكس 2015" فى أبو ظبي. وكان المعرض قد شهد حضورا روسيا قويا، حيث شاركت شركات التصنيع العسكري الروسي بنماذج ومعدات جديدة بمواصفات تقنية متميزة، وحضره وزير الصناعة والتجارة الروسي دينيس مانتوروف.

وخلال اجتماع اللجنة الحكومية الإماراتية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والفني، اتفق البلدان على افتتاح ممثلية تجارية لروسيا في أبو ظبي، وأصدر رئيس الحكومة الروسية دميتري مدفيديف يوم 19 أغسطس قراراً يقضي بتوقيع الاتفاقية الخاصة بذلك مع حكومة الإمارات. ومن المعروف أن هناك أكثر من 200 ألف من الناطقين باللغة الروسية بين مقيم وزائر في الإمارات. وتعد الإمارات أكبر الشركاء التجاريين لروسيا في منطقة الخليج العربي، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والإمارات في عام 2013 نحو 2.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 60%   مقارنة بعام 2012، وبلغ حجم رأس المال الإماراتي في روسيا في عام 2013 م، نحو 264 مليون دولار، مقابل 48 مليون دولار لروسيا في الإمارات.وأشار وزير الصناعة والتجارة الروسي دينيس مانتوروف في 22 فبراير إلى إمكانية مشاركة الإمارات العربية المتحدة في إنشاء الطرق في روسيا، وخاصة مشروع "الطريق الدائري الرئيسي" في مقاطعة موسكو. وهو مشروع لتطوير البنية التحتية لمقاطعة موسكو بقيمة تقديرية تبلغ 300 مليار روبل (4.86 مليار دولار)، يتم تغطية 50% منها من صندوق الرفاه الوطني الروسي.

كما تردد وجود مباحثات بشأن شراء الإمارات العربية المتحدة مطار "مورسكوي ستارت" (المنصة البحرية) الفضائي العائم الروسي، ويذكر أن دولة الإمارات العربية استحدثت منذ عامين وكالة فضائية. وفي حال اقتناء المنصة الفضائية البحرية الروسية ستكون قد حصلت على التكنولوجيات الحديثة والخبراء والبنية التحتية الجاهزة. جدير بالذكر أن شركة "المنصة الفضائية البحرية" تم تأسيسها عام 1995، وتمتلك شركة " إينيرجيا أوفرسيس ليميتد " بصفتها فرعا لشركة "إينيرجيا" الروسية الحكومية للصواريخ الفضائية، 95% من أسهم شركة المنصة. وكان من المفترض إطلاق الأجهزة الفضائية التجارية إلى المدار العالي حول الأرض من تلك المنصة العائمة، وذلك بواسطة صواريخ "زينيت 3 أس أل" أوكرانية الصنع لكن تصنيع هذه الصواريخ في أوكرانيا توقف لأسباب سياسية.

في ضوء المصالح المشتركة التي تربط بين الجانبين الخليجى والروسي قد يكون من المفيد استئناف الحوار الاستراتيجي الخليجي الروسي الذي بدأ في نوفمبر 2011 م، بأبي ظبي على مستوى وزراء الخارجية، وعقد دورته الثانية فى الرياض عام 2012م، ثم الثالثة في الكويت، للتنسيق بشأن عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، لعل أهمها:

-     الملف السوري وطرح تصور مقبول من الأطراف كافة، وبديل مطمئن للطرف الروسي حول ترتيبات ما بعد المرحلة الانتقالية، ومآل السلطة فى سوريا حال رحيل الأسد.

-   توضيح الموقف الخليجى من فكرة إدماج إيران فى منظومة أمن الخليج والتي تنطلق فيها روسيا من الاعتقاد بأن تجربة العلاقات الجيدة التي تربط بعض دول الخلج بإيران يمكن تعميمها، وهو أمر يصعب تصوره فى ضوء الرؤية الخليجية للتهديدات التى تمثلها إيران على أمن وسلامة بعض الدول الأخرى.

-   التنسيق بشأن أسعار النفط على النحو الذي يوقف نزيف الاقتصاد الروسى والاقتصادات الخليجية أيضا، والذي أصبح يهدد الاستقرار الاقتصادي فى روسيا ومن ثم الاستقرار السياسي. 

إن قطار العلاقات الخليجية الروسية قد إنطلق من جديد وعلى الطرفين تحديد مساره على النحو الذي يدعم استمرار التوافق بين الجانبين ويحقق مصالحهما ويضمن أمن واستقرار الخليج العربي.  

مجلة آراء حول الخليج