; logged out
الرئيسية / آثارعودة روسيا إلى منطقة الشرق الأوسط

العدد 103

آثارعودة روسيا إلى منطقة الشرق الأوسط

الإثنين، 28 كانون1/ديسمبر 2015

رغم أن هناك ادعاءات تاريخية بكون روسيا القيصرية كان لها نفوذ وتواجد سياسي وعسكري في منطقة الشرق الأوسط خلال القرن الثامن والتاسع عشر فإن ما يهمنا هنا هو التاريخ الحديث والمعاصر، والذي يمثل بشكل أساسي العقود الزمنية القليلة الماضية. لذا يمكن القول أن خلفية التواجد العسكري الروسي في منطقة الشرق الأوسط في العصر الحديث تعود إلى حقبة الاتحاد السوفيتي، وخاصة في مرحلة بروزها القصوى خلال فترة الحرب الباردة والتنافس بين المعسكرين الغربي والشرقي، وهي الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد انقسم التواجد العسكري السوفيتي في المنطقة إلى نوعين. الأول تواجد عسكري بحري قام به الأسطول البحري السوفيتي، والثاني (الأقل أهمية) هو التواجد عبر سلاح الجو السوفيتي في بعض دول العالم العربي والشرق الأوسط. وبجانب هذين الأسلوبين كان هناك تواجد أخر اتخذ شكل إرسال خبراء عسكرين من الاتحاد السوفيتي ومدربين وفنيين بأعداد كبيرة إلى عدد مختار من دول المنطقة.

 

وبالنسبة للتواجد البحري لقطعات البحرية السوفيتية، وهو الأكثر شيوعا، تركز هذا التواجد على منطقتين بحريتين رئيسيتين وذات أهمية استراتيجية خاصة لدولة الاتحاد السوفيتي، الأولى هي منطقة سواحل البحر الأبيض المتوسط، والثانية منطقة سواحل الخليج العربي وبحر العرب. وكان أحد مفاتيح الانتشار العسكري السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط خلال حقبة قيام جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، قد أخذ شكل عقد اتفاقيات صداقة وتعاون مع عدد مختار من دول المنطقة. ويعتقد أن أغلب هذه الاتفاقيات تضمنت بنودا سرية، أو بنودا غير معلنة، تلزم دول المنطقة العربية بتقديم التسهيلات المطلوبة للقوات العسكرية السوفيتية في أوقات الضرورة أو في حالات تقديم الدعم اللوجستي لقطع البحرية، مثل عمليات الإدامة والتصليح، وعمليات التزود بالمؤمن من طعام وماء وغيرها. وقبل هذا الأسلوب تم اتباع أسلوب تزويد الأسلحة السوفيتية بأسعار رمزية ودون شروط تعجيزية لدول العالم العربي مما سمح لعدد كبير من دول المنطقة الحصول على السلاح دون الدخول في التزامات مالية أو سياسية كبيرة.

 

ومن الواجب الإشارة إليه أن أقدم اتفاقية تعاون عقدت بين دول الاتحاد السوفيتي ودول العالم العربي كانت اتفاقية التعاون التي عقدت بين دولة الاتحاد السوفيتي ودولة اليمن المتوكلية والتي تم التوقيع عليها في الأول من نوفمبر عام 1928م، وهذه الاتفاقية لم تكن تشمل الجانب العسكري لعدم وجود هذا البعد أو الحاجة العملية لدي كلا الطرفين في ذلك الوقت. ومع تطور ظاهرة الحرب الباردة بين دولة الاتحاد السوفيتي وحلفائها من دول المعسكر الشرقي، ودول العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة تطورت الحاجة لإبراز البعد العسكري في اتفاقيات التعاون السوفيتية التي تم عقدها خلال سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، وحتى انهيار دولة الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات.

 

ورغم أن دخول الاتحاد السوفيتي عسكريا إلى مصر وسوريا تم خلال وسط الخمسينيات وعبر بوابة تزويد السلاح الروسي وتحديث القدرات العسكرية للنظام القومي الذي نشأ في مصر وسوريا خلال عام 1955م، (أي أنه سبق أزمة السويس عام 1956م)، فإن اتفاقيات التعاون التي عقدت لاحقا لعبت دورها في تطوير العلاقات العسكرية بين دولة الاتحاد السوفيتي ودول العالم العربي. ففي مايو عام 1971م، اتفاقية صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي التي أصبحت حجر الزاوية في العلاقات السوفيتية – المصرية. وبناءً على هذه الاتفاقية واتفاقيات أخرى لاحقة عزز الاتحاد السوفيتي تواجده العسكري في مصر، وأمست مصر مركز الثقل للتواجد السوفيتي العسكري في المنطقة، خاصة في توفير الاتحاد السوفيتي للإمكانيات العسكرية لدعم مصر في صراعها مع إسرائيل وفي مهمتها لتحرير الأراضي المصرية والعربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967م. وبين عامي 1968 – 1972م، نما حجم التواجد العسكري الروسي في مصر إلى درجة غير مألوفة لدولة تقع خارج حلف وارسو. وبقدر ما كان التواجد العسكري الروسي في مصر نافعا من ناحية تعزيز القدرات العسكرية المصرية، فإنه كان محرجا من الناحية السياسية. لذا وقبل بداية حرب أكتوبر عام 1973 م، طلبت القيادة المصرية في يوليو 1972 م، من أكثر من 7000 عسكري روسي مغادرة الأراضي المصرية. وخلال السنوات اللاحقة قادت التطورات السياسية في مصر إلى إجبار الاتحاد السوفيتي على التخلي عن قواعد التسهيلات البحرية التي منحت لأسطوله الحربي سابقا في ميناءين على الساحل المصري في البحر الأبيض المتوسط، هما ميناء الإسكندرية وميناء مرسى مطروح. 

 

ولعبت اتفاقية الصداقة والتعاون دورا مهما في تعزيز التواجد العسكري، خاصة التواجد البحري السوفيتي في العالم العربي. فقد تمكنت القوات السوفيتية من التواجد في عدد ملحوظ من دول العالم العربي. فعبر التوصل إلى اتفاقية الصداقة السوفيتية – العراقية عام 1972م، حصل الاتحاد السوفيتي على تسهيلات بحرية لأسطوله الحربي في "قاعدة أم قصر" البحرية العراقية في أقصى شمال مياه الخليج العربي، ولكن هذه التسهيلات لم تستمر لفترة طويلة حيث تم إنهائها خلال منتصف السبعينيات، وخاصة بعد عام 1975 م.   

ومثلها التسهيلات البحرية التي حصل عليها الاتحاد السوفيتي في الموانئ والقواعد البحرية الجزائرية، والليبية. وكذلك في موانئ دولة اليمن الجنوبية إلى حين انهيارها وتوحيد دولة اليمن عام 1991 م.

    

 

 

 

خارطة تبين نقاط التواجد العسكري البحري السوفيتي / الروسي في العالم العربي خلال فترة  1970 – 1990

 

ومن خلال معاهدات الصداقة والتعاون، أو من خلال الاتفاقيات الثنائية الخاصة بمجال التعاون العسكري، ضمن الاتحاد السوفيتي حق استخدام القواعد الجوية، وحق استخدام الاجواء والمجال الجوي

 

ففي المنطقة الاستراتيجية الأولى، وهي منطقة البحر الأبيض المتوسط امتلك الاتحاد السوفيتي، وعلى فترات زمنية مختلفة، قواعد وتسهيلات بحرية لخدمة أسطوله الحربي تشمل بعض الموانئ المصرية، والموانئ السورية، والموانئ الجزائرية، والموانئ الليبية.

 

وفي المنطقة الاستراتيجية الثانية، وهي منطقة بحر العرب ومنطقة الخليج العربي امتلك الاتحاد السوفيتي، وكذلك على فترات زمنية مختلفة، قواعد وتسهيلات بحرية تدعم تواجد قطعه البحرية في هذه القطعة الجغرافية النائية شملت الموانئ التابعة لجمهورية اليمن الجنوبي، وخاصة ميناء عدن، وكذلك الموانئ البحرية العراقية، وخاصة ميناء وقاعدة أم قصر في محافظة البصرة الجنوبية. 

 

وبعد انهيار دولة الاتحاد السوفيتي عام 1991 م، تم فعليا تفكيك "الأسطول الحربي السوفيتي للبحر الأبيض المتوسط" والذي كان يطلق عليه اسم "مجموعة العمليات الخامسة" والتي تتضمن قطع بحرية من أسطول الشمال وقطع بحرية من أسطول البحر الأسود. ومنذ تفكيك أسطول البحر الأبيض المتوسط اقتصر التواجد الروسي البحري على زيارات أو دوريات متباعدة تقوم بها قطع روسية بحرية لمياه وموانئ البحر الأبيض المتوسط.

   

التدخل العسكري في الصراع السوري

كان الاتحاد السوفيتي قد عقد اتفاقية منذ عام 1971 م، مع الحكومة السورية تسمح له باستخدام التسهيلات البحرية في قاعدة طرطوس على الساحل السوري في البحر الأبيض المتوسط. وقد اصطلح الحكومة الروسية ووزارة الدفاع الروسية على تسهيلات قاعدة طرطوس البحرية مصطلح "نقطة الدعم التقني والمادي"  Material-Technical Support Point ولم تطلق عليها مصطلح قاعدة أو تسهيلات بحرية كما جرت العادة. ومن المعلوم أن النشاطات الروسية التي تجري في هذه القاعدة تتركز على توفير ورشة لتصليح وإدامة قطع الأسطول الحربي الروسي التي تتواجد في مياه البحر الأبيض المتوسط ، بجانب توفير وتوريد الحاجات الضرورية للأسطول مثل الوقود ، والمياه العذبة ، والطعام ، وغيرها من الحاجات اللوجستية. وتعد تسهيلات طرطوس اليوم هي التسهيلات الوحيدة التي تتوفر للأسطول الحربي الروسي في مياه وموانئ جنوب البحر الأبيض المتوسط . وأهمية هذه التسهيلات تنبع من أنها تقلل عناء القطع البحرية الروسية في الإبحار إلى الموانئ الروسية في البحر الأسود ، عبر المضائق التركية ، وتحمل عناء رحلة طويلة لهذه القطع. وفي عام 2008 تم عقد اتفاقية بين الحكومة السورية والحكومة الروسية هدفها توسيع قدرات قاعدة التسهيلات البحرية الروسية في ميناء طرطوس ، وجعلها قادرة على تقديم الخدمات لقطع بحرية كبيرة ومتعددة.

واليوم لا أحد يعلم على وجه الدقة الأسس القانونية التي قام على أساسها قرار التدخل العسكري الروسي في الصراع السوري الذي برز إلى السطح خلال شهر أكتوبر 2015م. فالتدخل العسكري الروسي والتواجد العسكري الروسي الجديد على الأراضي السورية اتخذ شكل السيطرة على قاعدة جوية سورية، وهي قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية. التواجد العسكري الروسي قد يكون استند على طلب رسمي للمساعدة العسكرية قدمته قيادة النظام السوري إلى الحكومة الروسية.  

 

فالحكومة الروسية صرحت سابقا بأن الاتفاقيات القائمة أو الموروثة من زمن الاتحاد السوفيتي السابق لا تلزم دولة روسيا الاتحادية بتقديم مساعدة عسكرية لسوريا.7ففي مارس 2012م، أعلن ممثل وزارة الخارجية الروسي الكسندر لوكاشيفيتش أن اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة بين الاتحاد السوفيتي وسورية لا زالت سارية المفعول، ولكنها لا تتضمن تقديم مساعدة عسكرية. جاء ذلك في سياق رده على سؤال للصحفيين يوم الجمعة 2 مارس/آذار إن كانت موسكو مستعدة لتقديم مساعدة عسكرية لدمشق في إطار الاتفاقية السوفيتية-السورية للصداقة والتعاون الموقعة عام 1980م. ورغم أن هذه الاتفاقية قد تم توقيعها مع دولة الاتحاد السوفيتي المنحل، فإن دولة روسيا الفدرالية أعلنت عام 2012 م، خلال الأزمة السورية أنها لازالت ملتزمة ببنود هذه الاتفاقية التي تعتبرها نافذه. وكانت مصادر سورية مطلعة قد أشارت إلى أن المادة السادسة من الاتفاقية المذكورة  تنص على أنه "في حال قامت جهة ثالثة باقتحام الأراضي السورية فإن الاتحاد السوفيتي سيتدخل في الأحداث". وكان رد فعل ممثل وزارة الخارجية الروسي الكسندر لوكاشيفيتش على هذه المعلومات مؤكدا أن "هذه الاتفاقية تبقى حيز التنفيذ، ولكن أمرا آخر هو أن المادة السادسة تنص حرفيا بالشكل الآتي: "في حال بروز أوضاع تهدد سلام أو أمن أحد الطرفين، أو تشكل خطرا على السلام، أو تخرق السلام والأمن في العالم أجمع، فإن الطرفين الساميين المتعاقدين سيباشران فورا في إجراء اتصال بعضهما مع البعض الأخر بهدف تنسيق مواقفهما والتعاون من أجل إزالة الخطر القائم وإعادة السلام ". وفسر المسؤول الروسي موقف بلاده مؤكدا أن الاتفاقية تشير إلى "إطلاق آلية كلاسيكية للتشاور" في حالة قيام الحاجة، ولا توجد التزامات بتقديم مساعدة عسكرية فعلية من الجانب الروسي. وقام بشرح موقف بلاده قائلا: "كما ترون، يجري الحديث هنا عن إطلاق آلية كلاسيكية للمشاورات، والحديث في هذه المادة، كما وفي بقية بنود هذه الوثيقة (الاتفاقية)، لا يدور حول تقديم مساعدة عسكرية من جانبنا، وروسيا لا تستعد لاتخاذ شيئا من هذا القبيل ".1

على ما يبدو من مسيرة التطورات السياسية والاستراتيجية الأخيرة أن دولة روسيا الفدرالية عازمة الآن على تحويل سوريا كمركز أساسي لاستعادة تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. وهناك دلائل تشير إلى نية لدى القيادة الروسية في استغلال الأزمة السورية الراهنة من أجل توسيع التواجد الروسي بجميع أشكاله وصيغة العسكرية، وهذا يشمل التواجد البحري والجوي وربما البري كذلك. وسوريا لها ميزة خاصة بموقعها الاستراتيجي في قلب منطقة الشرق الأوسط، وامتلاكها لسواحل على مياه البحر الأبيض المتوسط، ومجاورتها للحدود الجنوبية لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

 

المصدر: وكالة "ايتار-تاس" الروسية

https://arabic.rt.com/news/579882-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D9%82%D8%A9_%D9%85%D8%B9_%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%B9%D9%88%D9%84_%D8%8C_%D9%84%D9%83%D9%86%D9%87%D8%A7_%D9%84%D8%A7_%D8%AA%D9%86%D8%B5_%D8%B9%D9%84%D9%89_%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85_%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9_%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9/

مقالات لنفس الكاتب