; logged out
الرئيسية / العلاقات الخليجية-الروسية في مجال النفط: الماضي والمستقبل

العدد 103

العلاقات الخليجية-الروسية في مجال النفط: الماضي والمستقبل

الإثنين، 28 كانون1/ديسمبر 2015

يمر العالم حالياً بتغيرات جذرية في المعادلتين الأمنية والاقتصادية، مما يتيح فرصا لإعادة تشكيل التحالفات الدولية بين القوى الكبرى. ورغم تعقّد الظروف التي يواجهها الآن المجتمع الدولي، يمكن تحديد عاملين – أحدهما أمني والآخر اقتصادي – يشكلان أهم سببين للتحولات التي نشاهدها.

أولاً: أسفرت أحداث 11 سبتمبر 2001 عن إعادة هيكلة السياسة الخارجية الأمريكية، وتحديدًا عن تقليل التعاون بين أمريكا والسعودية، ودول مجلس التعاون عمومًا، وتعزيز العلاقات الأمريكية-الإيرانية. وتسبب ذلك في حملتين عسكريتين -العراق وأفغانستان – مما أدى إلى ارتفاع كبير في النفوذ الإيراني على حساب النفوذ السعودي-الخليجي، وانتشار أنشطة إيران الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط. ودفع هذا الدول الخليجية إلى البحث عن علاقات استراتيجية جديدة تكمل العلاقات التقليدية بينها وبين الدول الغربية.

ثانياً: تطور النفط الصخري أدى إلى تراجع استيراد أمريكا للنفط الخليجي، ومن ثم تراجع اهتمام أمريكا بالشرق الأوسط. وبالإضافة إلى ذلك، خلق النفط الصخري سقفًا جديدًا لأسعار النفط، قلل من النفوذ الاقتصادي للدول المنتجة للنفط.

وفي ظل هذه التغييرات، من المتوقع أن الدول الخليجية تبحث عن تحالفات استراتيجية جديدة مع القوى الكبرى في مجلس الأمن، منها الصين وروسيا. والاعتماد القوي لدى الاقتصاد الروسي على النفط والغاز يجعل روسيا شريكًا منطقيًا للدول الخليجية، لاسيما بما أن منظمة أوبك تمثل أساس علاقات تاريخية بين الدول الخليجية ودول أخرى كفنزويلا والجزائر وإندونيسيا. وبالإضافة إلى ذلك، أبدت روسيا باستعدادها لملء فراغ النفوذ الذي ظهر في الشرق الأوسط بعد انسحاب أمريكا التدريجي، خصوصًا في الجانب الأمني ومن ناحية تزويد الدول الخليجية بأسلحة متقدمة لمساعدتها على رعاية أمنها.

ولذا نجد أن السعودية أعلنت مؤخراً عن مشروع مشترك ضخم مع روسيا يهدف لإنشاء برنامج طاقة نووية في المملكة. وهل سيكون لمثل هذه الشراكات أثراً على علاقات النفط بين الطرفين؟ وهل ستنضم روسيا إلى أوبك، أو سيتم تشكيل اتحاد احتكاري جديد في مجال الغاز؟

تشكيل اتحاد احتكاري في أسواق النفط

سيطرت منظمة أوبك على أسواق النفط منذ زمن طويل من ناحية تحكمها بنصيب الأسد (تقريباً 45%) من إنتاج النفط العالمي، وشكلت دول مجلس التعاون قلب المنظمة. واستخدمت أوبك هذا النفوذ لرفع أسعار النفط بشكل ملحوظ في عقد السبعينيات، مما دفع القوى العظمى للتعامل مع أسواق النفط بحذر، واتخاذ إجراءات استباقية مكلفة لحماية نفسها من تداعيات سياسات أوبك، مثلاً المخزون الاستراتيجي النفطي لدى الولايات المتحدة، وحظر تصدير النفط الذي فرضته على نفسها خوفاً من أزمات مستقبلية.

ومع رغم إنتاجها النفطي الكبير، وأهمية النفط لاقتصادها، لم تكن روسيا عضواً في أوبك، ولم تنسق سياساتها النفطية مع المنظمة بشكل مكشوف. ولربما كانت هناك فرصة لتعزيز قوة الاتحاد الاحتكاري عن طريق انضمام روسيا للمجموعة في الفترة التي كانت أوبك فعّالة وتتميز بنفوذ كبير في أسواق النفط. فكان الإنتاج الروسي يمثل تقريباً 10% من الإنتاج العالمي، وتتصف روسيا بموقع جغرافي مميز، حيث أنه يسمح لتزويد دول أوروبا بنفط وغاز عبر أنابيب برية، وهذه مواصفات تكمّل مواصفات أعضاء أوبك الخليجيين.

ولكن في الوقت الراهن، انتهت هذه الفرصة للتعاون الروسي-الخليجي في مجال تشكيل اتحاد احتكاري للنفط، سواءً تحت إطار أوبك أو لا. ويعود هذا التطور إلى سببين بالأساس: سبب تقني، وسبب جيو-سياسي.

أولاً: تسببت ثورة النفط الصخري الأمريكي في تغيير جذري في العلاقة بين العرض والطلب والأسعار في أسواق النفط. فتتصف تقنية استخراج النفط التقليدي بدورة استثمارية طويلة، حيث أن عملية إنشاء آبار فاعلة جديدة تتطلب زمناً طويلاً، مما يعيق قدرة منتجي النفط على الاستجابة إلى ارتفاعات في أسعار النفط بشكل فوري. ولذا نجد أن المشكلات التقنية في منشآت منتج ما – مثلاً حينما تتعرض آبار مدينة هيوستون إلى عاصفة، أو يندلع صراع مسلح بالقرب من آبار ليبيا – تؤدي إلى ارتفاعات حادة في أسعار النفط، لأن المنتجين الآخرين غير قادرين على رفع إنتاجهم بشكل فوري لتعويض ما خرج من السوق مؤقتاً.

ولكن التقنيات لاستخراج النفط الصخري تختلف بشكل أساس عن التقنيات لاستخراج النفط التقليدي، حيث أنها تتميز بدورة استثمارية قصيرة، مما يمنح المنتجين مرونة شديدة في الإنتاج والتفاعل مع أوضاع السوق. فحينما ترتفع الأسعار، سواءً بشكل مؤقت أو مستدام، يتمكن المنتجون من رفع إنتاجهم بشكل شبه فوري، ودون كلف استثمارية كبيرة.

وبالإضافة إلى هذه المرونة في الإنتاج، يتميز النفط الصخري الأمريكي بكلفة إنتاج منخفضة نسبياً، تسمح للمنتجين تحقيق أرباح في حالة تجاوز أسعار النفط الدولية مستوى 60 دولاراً للبرميل. إذاً أن هدف اتحاد احتكاري كأوبك لرفع أسعار النفط فوق مستوى 60 دولاراً للبرميل، سيتم تفعيل آبار النفط الصخري الكامنة، ورفع إنتاج النفط الصخري بشكل شبه فوري، مما يحدّ من ارتفاع أسعار النفط. وبالتالي تسبب النفط الصخري الأمريكي في تراجع كبير في نفوذ أوبك، مما يبرّر ما قامت به السعودية مؤخراً من ناحية التركيز على حماية حصتها في السوق، وعدم تقليل إنتاجها.

ثانياً: بعيد عن الصعيد التقني، تحوّلت الصراعات الجيو-سياسية البينية في أوبك إلى عائق أمام تشكيل رؤية مشتركة للأعضاء، فبينما ينبغي أن تنظر الدول الأعضاء إلى التفاعل داخل المنظمة كلعبة ذات مجموع إيجابي، أصبحت تعتبرها لعبة ذات مجموعة صفري؛ نتيجة للخلافات بين السعودية وإيران والعراق وغيرهم. وبالتالي لم يتفق الأعضاء على سياسة النفط مؤخراً، وليس من المتوقع أن تتفق في المستقبل المتوسط. وبالإضافة إلى ذلك، انكسرت الثقة بين الأعضاء؛ نتيجة لسنوات عديدة من عدم الالتزام بحصص الإنتاج، والصراعات المستمرة بين الدول الأعضاء خارج إطار أوبك توحي إلى أن عضواً كالسعودية يتردد من خفض إنتاجه خوفاً من عدم التزام عضو كإيران بخطوة مماثلة. وحتى العراق – وهو من أهم أعضاء أوبك – أصبح غير قادر على التحكم بإنتاجه، حيث أن الأكراد العراقيين يحددون إنتاجهم دون الخضوع إلى أوامر الحكومة العراقية المركزية، مما يؤكد على صعوبة التنسيق بين أعضاء أوبك.

إذاً في ظل هذه المستجدات، أصبح التعاون الخليجي-الروسي في تشكيل اتحاد احتكاري في النفط مشروعاً غير واقعي، سواءً أتى تحت أو خارج إطار أوبك.

 مستقبل أسواق النفط

تتجه أسواق النفط حالياً إلى حالة تنافس طبيعي، كأسواق بضائع عادية كالسيارات والتفاح، تتصف بغياب اتحاد احتكاري. وبالتالي يشكل كل من الدول الخليجية وروسيا منافسَين تقليديين، يتنافسان بناءً على سعر ومواصفات البضاعة.

وكما من المتوقع لمنافسَين ما، أطلقت الجهتان محاولات اختراق أسواق الجهة الأخرى تجارياً، حيث أن تشن روسيا الآن حملة استقطاب عملاء النفط الآسيويين، الذين يشكلون أهم منفذ للنفط الخليجي؛ وعرضت السعودية مؤخراً نفطها على العملاء الأوروبيين الذين يفضلون النفط الروسي تقليدياً، لكنهم أصبحوا مستعدين أن ينظروا في بديل في ظل السياسة الأوروبية المشتركة ضد روسيا بعد الأزمة الأوكرانية.

وفي جو التنافس الرأسمالي الطبيعي، تتبنى كل الأطراف سياسات لتمييز منتجاتها عن منتجات الآخرين، سعياً للسيطرة على حصة أكبر من السوق. تقوم سياسة الدول الخليجية على الاستفادة من استثماراتها السابقة في منطقة شرق آسيا، حيث أن الشركات النفطية الخليجية تتميز بعدد كبير من المشاريع المشتركة (joint ventures) مع شركات البتروكيماويات الآسيوية، مما يعزز في الثقة التجارية بين الطرفين، ويخلق مصلحة مشتركة يصْعب للمنافسين الخارجيين اختراقها. فحينما تتقدم شركة النفط الروسية بعرض لشركة آسيوية، هروباً من حالة اللايقين التي تظهر حين التعامل مع شركة جديدة، قد تفضل الشركة الآسيوية الاستمرار مع شركائها الخليجيين.

ومن الجانب الآخر، تقوم الاستراتيجية التجارية الروسية على استغلال نفوذها العالمي في المجالين العسكري والسياسي. وعلى سبيل المثال، ترتفع جاذبية النفط الروسي للصينيين حينما يقدَّم كجزء من باقة تشتمل على أسلحة ومساعدات عسكرية. وأوكرانيا غير قادرة على الاستغناء عن الغاز الروسي نتيجة للنفوذ الثقافي والسياسي الروسي في أراضيها.

 بالرغم من تحوّل أسواق النفط إلى حالة تنافس طبيعي، وغياب فرص للتعاون النفطي بين الجهتين الروسية والخليجية، يشير ما تحدثنا عنه أعلاه إلى اختلاف مهم بين ما يحصل في سوق طبيعي وما يحصل في أسواق النفط: كون الشركات النفطية للجهتين وطنية وعدم إدراج أسهمها في أسواق الأسهم الدولية يؤدي إلى تداخل بين الأهداف التجارية لدى الشركات وأهداف الحكومات الأم الجيو-سياسية. فإذاً استمرار متانة العلاقة الاستراتيجية بين روسيا وإيران، وموقف روسيا في سوريا، يشكلان عائقين إضافيين أمام تعاون نفطي روسي-خليجي.

 التعاون الخليجي-الروسي في مصادر الطاقة الأخرى

غياب فرص لتعاون خليجي-روسي في مجال النفط قد يدفع الجهتين لمزيد من التعاون في مصادر الطاقة الأخرى. كما ذُكر أعلاه، عقدت السعودية صفقة مع روسيا لبناء 16 محطة توليد طاقة نووية على مدى الـ 20 سنة القادمة بكلفة تفوق 80 مليار دولاراً، وبهدف تزويد السعودية بـ 15% من احتياجاتها الكهربائية (17 جيجا وات). وتم اختيار روسيا كالشريك الأساس لهذا المشروع لأسباب عدة، منها ما يلي.

أولاً: تتميز روسيا بخبرة كبيرة في الطاقة النووية حيث أنها كانت من أول الدول التي طورت التقنيات، ولها استخدام ملحوظ للوسيلة، كما أنها قدمت مساعدات علمية وهندسية عدة لمختلف الدول الأخرى التي رغبت في تطوير برامج طاقة نووية سلمية.

ثانياً: خلقت التحوّلات المذكورة أعلاه رغبة عند الدول الخليجية لتنويع شركائها الاستراتيجيين، حيث أن أحداث الربيع العربي وضحت للدول الخليجية أن هناك تضارب بين مصالحها ومصالح حلفائها التقليديين، الدول الغربية. وهذا يعود جزئياً إلى التراجع في النفوذ الاقتصادي لدى أمريكا والمملكة المتحدة والقوى الأوروبية الأخرى في ظل الأزمة المالية لـ 2008م، والذي تسبب في عدم تدخل تلك الدول عسكرياً في أزمة أوكرانيا، وابتعادها عن الاضطرابات الجارية في الأبحار المجاورة للصين.

وبينما توجهت السعودية لروسيا، من باب التنويع، أنشأت الإمارات برنامجها النووي بالتعاون مع كوريا الجنوبية، بكلفة 20 مليار دولاراً، وبهدف توليد 5.6 جيجا واتات عبر أربع محطات. وتعرض فرنسا دائماً خبراتها في مجال الطاقة النووية لمن يبحث عن شريك، ولربما ستستفيد الدول الخليجية من هذه العروض مستقبلاً.

وبالإضافة إلى دورها في الطاقة النووية، قد يكون هناك دور مهم لروسيا في دعم البحث والتطوير في مجال الطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية. منذ زمن طويل، أعلنت الدول الخليجية عن رغبتها لتحويل اقتصاداتها من اقتصادات مبنية على الموارد الطبيعية إلى اقتصادات مبنية على المعرفة. وتم تحديد من قبل الجهات المسؤولة قطاعات عدة ينبغي التركيز عليها، كونها قطاعات تدمج بين أهمية البحث العلمي وقدرة القطاع على خلق فرص عمل.

ويشكل قطاع الطاقة المتجددة أحد القطاعات المستهدفة، حيث أن هناك حاجة ملحة لتطوير التقنيات بسبب كلفة استخدامها عموماً، وتحديداً في الدول الصحراوية منها دول مجلس التعاون. وهذا أحد أسباب إطلاق مراكز أبحاث على مستوى عالمي كمركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية في الرياض، ومصدر في أبو ظبي. ولكن تعاني الدول الخليجية من ثغرة أساس – ضعف قدراتها في البحث العلمي.

ففي ترتيب عام 2014م، لمخرجات البحث العلمي، احتلت الدول الخليجية مرتبات ضعيفة: السعودية (35)، والإمارات (60)، وقطر (63)، وعمان (80)، والكويت (83)، والبحرين (114)؛ بينما تميزت روسيا بمرتبة قوية: 15. فمع رغم كل الصعوبات الاقتصادية التي مر بها الاتحاد السوفيتي خلال فترة الحكم الشيوعي، حافظ الشعب الروسي دائماً على قدرة عالمية في البحث العلمي، ولم تفقد هذه المهارات وثقافة البحث التطوير حتى بعد الانتقال إلى النظام الرأسمالي في نهاية القرن العشرين.

إذاً يشكل هذا الواقع أرضية خصبة لتعاون بحثي خليجي-روسي في مجال الطاقة المتجددة. وينبغي أن تتبنى الدول الخليجية النمط السنغافوري لآلية توطين التقنيات الخارجية. في الماضي، كان البحث العلمي الذي تقوم به أيدٍ أجنبية في الدول الخليجية مبنياً على "استئجار" تلك الأيدي لمدة العقد، وعدم تطوير قدرات المواطنين في مجال الخبراء الأجانب، حيث أن في وقت انتهاء عقد العالم الأجنبي وعودته إلى دولته الأم، يرحل العلم معه.

أما في سنغافورة، أسست الحكومة منظومة توطين العلم الخارجي، تحتوي على فرض التعاون التعليم البحثي على الباحث الأجنبي مع العلماء الشباب الناشئين في سنغافورة. وأدت هذه السياسة إلى نمو سريع في قدرات المواطنين السنغافوريين في البحث العلمي، وعدم تضرر الشعب في وقت انتهاء عقد الباحث الأجنبي.

فإن نظرت الدول الخليجية في التعاون البحثي مع روسيا – سواءً في الطاقة النووية أو المتجددة – يجب وضع آلية لاستمرارية الإنتاج البحثي حتى بعد حل أية علاقة تعاونية بين الطرفين.

 الخاتمة

هناك فرص عدة للتعاون الخليجي-الروسي، وتأتي تلك الفرص في وقت تظهر أمريكا برغبة تقليل نفوذها في الشرق الأوسط، وروسيا بتعزيز نفوذها في الإقليم، والدول الخليجية بتنويع شركائها الاستراتيجيين. ولكن في ظل التحولات التي تمر بها أسواق النفط الدولية، لا يشكل النفط أحد محاور التعاون البناء. فينبغي التركيز على التعاون في قطاعات الطاقة الأخرى، منها النووي والطاقة المتجددة. وللاستفادة من مثل هذه الفرص إلى أكثر حد ممكن، يجب وضع آلية لتوطين المكتسبات التكنولوجية التي يولدها التعاون في مجال البحث والمعرفة. ويشكل ما قامت به حكومة سنغافورة خلال أخر 30 سنة النموذج الأمثل.

مجلة آراء حول الخليج