; logged out
الرئيسية / مستقبل القضية الفلسطينية بين النفوذ الأمريكي والدور الروسي في المنطقة

العدد 103

مستقبل القضية الفلسطينية بين النفوذ الأمريكي والدور الروسي في المنطقة

الإثنين، 28 كانون1/ديسمبر 2015

*** تثار خلال الفترة الأخيرة مناقشات وآراء حول مدى وجود تغيير حقيقى على مستقبل القضية الفلسطينية خلال المرحلة القادمة فى ظل بعض التقديرات بتراجع الوجود والتأثير الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط وبزوغ فجر التواجد الروسي، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل هناك تبايناً جديداً حدث فى التأثيرات التى يمتلكها الجانبان الأمريكي والروسي على مستوى المنطقة؟ أم أن الأمر ليس بالشكل الذي يطرحه البعض وأن التغييرات الحالية فى طبيعة هذه الأدوار والتأثيرات هى مجرد عوامل مؤقتة لن تستمر طويلاً كما أنها لن تؤثر بصورة كبيرة على موازين القوى التقليدية لكلتا الدولتين فى المنطقة والتى لا تزال تميل حتى الآن بشكل واضح لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

*** بداية يجب أن نشير إلى بعض المحددات الرئيسية ونحن نتناول هذا الموضوع شديد الأهمية وبما قد يساعدنا على مزيد من التعرف على طبيعة السياسات الأمريكية والروسية تجاه المنطقة في المرحلة المقبلة، وذلك على النحو التالي:

  ** أن منطقة الشرق الأوسط تعد منطقة صراع حيوي في مجال الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لكل من واشنطن وموسكو سواء انعكس هذا الصراع في شكل نشوب عمليات عسكرية ذات أوجه متنوعة فى بعض دول المنطقة، أو كان تأكيداً لمظاهر الحرب الباردة التى تنطلق بين الدولتين على فترات.  

  ** إن الولايات المتحدة كانت الدولة الأولى فى العالم التى اعترفت بإسرائيل بعد قيامها مباشرة تتويجاً للدور الذي قامت به لتسهيل إقامة هذه الدولة عام 1948م، بينما كان الاتحاد السوفيتي هو الدولة الثالثة التي اعترفت بإسرائيل بعد جواتيمالا.

  ** استمرت العلاقات الأمريكية مع إسرائيل دون انقطاع منذ 1948م، واتسمت بالدعم الكامل اللامحدود لها فى كل المجالات السياسية والإقتصادية والعسكرية، بينما قطع الاتحاد السوفيتي علاقاته السياسية مع إسرائيل بعد حرب يونيو 1967 م، ولم يستأنفها إلا عام 1991 م، وبالتالي غاب عن الانخراط الحقيقي في جهود تسوية القضية الفلسطينية حوالي ربع قرن رغم علاقاته القوية مع مصر ولاسيما فى المجال العسكرى حتى عام 1972م. 

** المشروعات السياسية المؤثرة المطروحة لتسوية القضية الفلسطينية كان مصدرها الرئيسى الولايات المتحدة سواء كانت منفردة أو بالتنسيق مع بعض الأطراف الدولية ونذكر فى هذا الشأن أن أول مبادرة سياسية للحل انطقت بعد حرب 67 كانت مبادرة وزير الخارجية الأمريكى الأسبق ويليام روجرز عام 1970م، بينما لم يكن للاتحاد السوفيتي سوى إسهامات محدودة وغير مؤثرة فى مجال طرح مثل هذه المشروعات أو المبادرات.

  ** السياسة الأمريكية منذ بدء فترة حكم الرئيس باراك أوباما حرصت على عدم الإندماج بشكل قوى فى مشاكل الشرق الأوسط كما كان الأمر خلال فترة الرئيس السابق جورج بوش، وتركزت هذه السياسة على محاولة معالجة قضايا رئيسيىة محددة (أمن إسرائيل فى ظل أية تسوية سياسية للقضية الفلسطينية – الطاقة – العراق – إيران).

*** وبعيداً عن الدخول فى تفصيلات تاريخية لتوضيح مواقف كل من الطرفين الأمريكي والروسي على مدار تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فإن الواقع يؤكد أن الدور الأمريكي كان أكثر قوة وتأثيراً بل وقبولاً من كافة أو معظم الأطراف حتى لو لم يتم ترجمة هذا الدور إلى واقع على الأرض فى بعض الأحيان، وهو ما يفرض علينا أن نحاول تحديد أهم المحطات التى شكلت فى معظمها الرؤية الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية والتى أصبحت فى مجملها بمثابة الرؤية الدولية المقبولة للتسوية، وفى هذا المجال نشير إلى المحطات التالية:

  ** المحطة الأولى وهى إتفاقات أوسلو التى تم توقيعها بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لأول مرة في واشنطن في 13 سبتمبر عام 1993م، والتي أدت في النهاية إلى دخول القيادة الفلسطينية التي كانت تعيش في الخارج ممثلة في الرئيس الراحل  ياسرعرفات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلى  تشكيل برلمان وحكومة فلسطينية , كما تم تحديد فترة خمس سنوات للإنتهاء من مفاوضات قضايا الوضع النهائي والتوصل إلى حلول لها يتم في أعقابها قيام الدولة الفلسطينية، إلا أن هناك العديد من العوامل المحلية والإقليمية والدولية أدت إلى عدم الوصول إلى هذا الهدف .

  ** المحطة الثانية وقد تبلورت بشكل واضح في إتفاقية كامب ديفيد الثانية ( يوليو عام 2000م) والتي استكملت بما يسمى مشروع كلينتون ( ديسمبر عام 2000 م) الذي تناول بالتفصيل كافة المبادئ الرئيسية لحل القضية الفلسطينية وعرض مقترحات وأفكار جديدة لمعالجة كافة قضايا الحل النهائي وأهمها ( القدس – المستوطنات – اللاجئون – الأمن – الحدود ) ولكنها أيضاً لم تترجم إلى واقع على الأرض رغم الجهود المكثفة التي بذلها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون مع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في مفاوضات ماراثونية مكثفة جمعت الأطراف الثلاثة فقط حيث استهدف كلينتون في هذا الأمر محاولة التحرك طبقاً لنموذج الرئيس الأسبق جيمي كارتر والذي أسفر عن توقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979م، مع تحديد إطار لحل المشكلة الفلسطينية .

  ** المحطة الثالثة وهي أهم المحطات الحديثة التي وضعت أساساً لجوهر تسوية القضية حيث تبنى الرئيس السابق جورج بوش فكرة حل الدولتين بمعنى إقامة دولة فلسطينية تعيش في أمن وسلام بجوار دولة إسرائيل، ثم قامت واشنطن ببلورة هذه الفكرة بصورة تفصيلية وصاغتها بعد ذلك فيما سمى خريطة الطريق بمراحلها الثلاث والتي تم تقديمها باسم الرباعية الدولية للأطراف المعنية في 30 إبريل 2003م (تشكلت الرباعية الدولية من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة).

*** وتأكيداً لما سبق فإننا لا نستطيع أن نحدد أي تحرك روسي مؤثر كان قد  نجح فى طرح أفكار محددة لحل القضية الفلسطينية ووجد قبولاً عند كافة أو معظم الأطراف , فعلى مدار التاريخ لم يتعدى الموقف الروسي حدود المبادئ العامة المعروفة لتسوية القضية مثلما ورد في المبادرة التي تعرف بإسم مبادرة بريجينيف ( عام 1982م ) والتي اشتملت على مبادئ حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وفيما عدا ذلك لا يمكن لنا أن نرى أن هناك مواقف روسية أخرى يعتد بها في تاريخ تسوية هذا الصراع، كما أنه ليس من قبيل المبالغة إذا قلنا أنه حتى المواقف والمشروعات الهامة ذات التأثير لم تتم إلا برعاية مشتركة بادر بها الجانب الأمريكي بمعنى أن روسيا لم تنفرد بالتحرك الفعال في هذه القضية وهو ما كانت تعارضه – ولا تزال – الولايات المتحدة التي ترى في نفسها أنها الطرف الرئيسي المؤهل دولياً للقيام بالدور المطلوب لحل هذا النزاع وأن الأطراف الأخرى هي أدوار مساعدة أو مكملة .

*** وفي الوقت نفسه  ليس من المنطق أن نقول أن روسيا لم تبذل الجهد الكافي لتحريك القضية الفلسطينية فقد حاولت في حدود امكانياتها وعلاقاتها مع أطراف الصراع، وسعت إلى القفز على المعطيات المعقدة لتفاصيل القضية ودعت أكثر من مرة إلى عقد مؤتمر دولي ( في موسكو ) يجمع كافة الأطراف المباشرة والمعنية لبحث كيفية التوصل إلى تسوية سياسية إلا أنها واجهت رفضاً من الجانبين الأمريكي والإسرائيلي مما أدى إلى إفشال ما كانت تهدف إليه، ولا يفوتنا هنا أيضاً ونحن نتحدث عن هذه  الجهود أو المحاولات الروسية أن نشير إلى أن موسكو رغم علاقتها القوية مع السلطة الفلسطينية والرئيس أبو مازن أسرعت إلى دعم علاقاتها مع حركة حماس عقب نجاحها فى الإنتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006م، وتم دعوة قيادات المكتب السياسي لحماس لزيارة موسكو والإجتماع مع القيادة السياسية الروسية حتى يكون لها السبق في هذه العلاقة خاصة مع الرفض الأمريكي والأوروبي التعامل مع حماس، إلا أن لأمر لم يتعدى حدود العلاقات الطيبة بين موسكو وحماس خاصة وأن الأخيرة تعلم أن التأثير الأكبر تمتلكه واشنطن وليس أي طرف آخر . 

*** وحتى يكون الأمر أكثر وضوحاً لابد من التعرض إلى أحد العناصر الهامة في معادلة طبيعة القوى بين الجانبين تجاه أطراف الصراع وأقصد هنا مدى إمتلاك كل من واشنطن وموسكو كروت ضغط على إسرائيل ( بإعتبارها الطرف المطالب بالإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة ) لتغيير سياساتها أو التجاوب مع بعض المقترحات، وفي هذا الشأن يتضح أن روسيا لا تمتلك أي من كروت الضغط الحقيقية على إسرائيل أو حتى على الجانب الفلسطيني ، بينما تمتلك الولايات المتحدة بعضاً من هذه الكروت حتى وإن لم تستخدمها لأسباب محددة ، وليس أدل على ذلك من موقف الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب الذي مارس ضغوطاً حقيقية على إسرائيل حتى وافقت على حضور مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م،بعد أن هدد ( بوش ) رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق يتسحاق شامير بوقف ما قيمته 10 مليار دولار ضمانات قروض كانت مخصصة لإسرائيل مما دفع شامير إلى الرضوخ للتهديدات الأمريكية وبالتالي شارك في مؤتمر مدريد .

***  ولا يمكن لنا ونحن نعالج طبيعة الإنخراط الأمريكي والروسي في الشرق الأوسط أن نتغاضى عن بعض المتغيرات التي شهدتها المنطقة مؤخراً والتي أدت إلى حدوث نوع من التغيير أو الحراك المختلف في سياسة القوتين العظميين تجاه المنطقة، ويأتي على رأس هذه المتغيرات ثورات الربيع العربي في بداية عام 2011م، في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وكذا تصاعد الأوضاع المتردية في العراق، وما تلى كل ذلك من أوضاع غير مستقرة في هذه الدول تراوحت بين اشتعال الحروب بها أو تصاعد الإرهاب داخلها وعبوره حدوده الإقليمية إلى العالمية، ويمكن رصد أهم مظاهر هذا التغيير في سياسات كل من واشنطن وموسكو تجاه المنطقة في العناصر الأربعة التالية  :

  ** الولايات المتحدة اضطرت إلى إعادة الإنخراط في المنطقة بصورة أقوى من ذي قبل حيث كان لزاماً عليها تحديد موقفها من ثورات الربيع العربي فانحازت إليها بشكل واضح، ثم أسرعت إلى التدخل عسكرياً في بعض الدول (في إطار الناتو أو التحالفات الدولية بقيادتها) مثلما حدث في ليبيا ثم في سوريا تحت مبرر محاربة الجماعات الإرهابية.

** واشنطن كانت حريصة على ألا تمر فترة الحكم الثانية للرئيس أوباما دون أن ينهي مشكلة امتلاك إيران للسلاح النووي وبالتالي زادت من تدخلها وتأثيرها وضغوطها حتى تم توقيع الإتفاق بين إيران ومجموعة 5 + 1 وذلك في يوليو 2015 م، والتي اعتبرها الرئيس أوباما انتصاراً للسياسة الأمريكية بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي للأغراض غير السلمية (نشير إلى أن روسيا كانت ضمن مجموعة 5 + 1).

** روسيا اتخذت قراراً بالانحياز الكامل لحليفها الإستراتيجى التقليدي في المنطقه بشار الأسد وتمسكت بالحفاظ عليه وعلى نظامه مما دفعها إلى تأييد كل سياسات النظام السوري ثم بدأت في تطوير موقفها من خلال إرسال الدعم العسكري الروسي إلى دمشق في سبتمبر 2015 م، مع  المشاركة الكاملة في العمليات الميدانية في سوريا من أجل استمرار هذا النظام، وفي هذا المجال من الضروري  أن نشير إلى الدور الذي قامت به موسكو في أكتوبر 2103 م، للحفاظ على هذا النظام من خلال إثناء واشنطن عن توجيه ضربة عسكرية ضد الأسد في مقابل صفقة يتم بمقتضاها التخلص من ترسانة  السلاح الكيماوي الذي كان يمثل أكبر تهديد لإسرائيل .

** استثمرت روسيا تصاعد الإرهاب في المنطقة وما تعرضت له من عمليات إرهابية (سقوط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء في 31 أكتوبر 2015 م) كمبرر لمزيد من التدخل في الشأن السوري وزيادة نفوذها تحت مبرر محاربة تنظيم داعش المسؤول عن إسقاط الطائرة، وكذلك لمواجهة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هناك، ثم حاولت موسكو تطوير موقفها بأن تكون جزءاً من منظومة مواجهة الإرهاب أملاً في أن يسمح لها ذلك بإيجاد أرضية أوسع لها في المنطقة.

*** وبالرغم من عدم ترحيب روسيا بثورات الربيع العربى بصفة عامة، إلا أن تأييدها السريع للثورة الشعبية المصرية التي قامت في 30 يونيو 2013 م والتي أزاحت نظام حكم الإخوان مثلت فرصة جيدة أتاحت تحسن العلاقات الروسية / المصرية بل والعربية وتدعمت العلاقات العسكرية مع مصر وأصبح الرأي العام المصري مؤيداً وداعماً لهذه العلاقة خاصة في مقابل الموقف السلبي الذي اتخذته واشنطن والدول الأوروبية تجاه ثورة 30 / 6 ، ثم بدأت الأمور تعود إلى طبيعتها تدريجياً مع توالي اعتراف هذه الدول الغربية بالثورة المصرية والنتائج التي تلتها لاسيما مع بدء تنفيذ خريطة الطريق المصرية ( إقرار الدستور – إجراء الإنتخابات الرئاسية ثم البرلمانية ) ما أدى إلى إغلاق المجال أمام تصاعد النفوذ الروسي في المنطقة كما كان يأمل .

*** ورغم هذا الزخم الذي شهدته العلاقات الروسية مع الدول العربية مؤخراً والتي نجم عنها عقد صفقات سلاح بمليارات الدولارات مع بعض هذه الدول إلا أن المحصلة النهائية تشير إلى أن هذه التوجهات الجديدة لم تعكس تغييراً حاداً في تزايد النفوذ الروسي في المنطقة وبدء تراجع النفوذ الأمريكي، الأمر الذي يمكن أن يجد تفسيره في المحددات الأربعة التالية:

   ** النفوذ الروسي في المنطقة لم يكسب مناطق جديدة بالمعنى الاستراتيجي بل عمق نفوذه في مناطقه القديمة (سوريا) أما العامل الجديد الذي يجب الإشارة إليه فهو أن واشنطن سعت لإقحام نفسها في المعادلة السورية من خلال التحالف العسكري الذي ضم بعض الدول الأوروبية ونجحت في التواجد الميدانى في الساحة السورية إلى جانب التواجد الروسي وإن اختلفت أهداف كلا الجانبين، كما نجح الجانب الأمريكي في الوصول مع الجانب الروسي إلى إطار للحل السياسي للأزمة السورية والذي أعلنه الطرفان في اجتماع فيينا في نهاية أكتوبر 2015م .

   ** نجحت الولايات المتحدة في عقد اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي بما منح إيران عنصر قوة جديد في المنطقة وهو ما أحدث قدراً من التقارب بين الدولتين، والسؤال هنا هل سيؤثر هذا الإتفاق على العلاقات الروسية / الإيرانية مستقبلاً أم لا؟ ولكن من المؤكد أن هذا هو الهدف الذي سوف تسعى إليه واشنطن بل وتراهن على تحقيقه حتى على المديين المتوسط والطويل.

   ** أن القضية الفلسطينية – فى ظل هذه المتغيرات الجديدة - لا زالت تتراوح مكانها دون أى تقدم ولم تستطع روسيا أن تتقدم خطوة واحدة لتحريكها مقارنة بالولايات المتحدة التي لا تزال لديها القدرة على تحريكها بغض النظر عن النتائج المتوقعة  ( زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيرى في 22 نوفمبر 2015 إلى كل من تل أبيب ورام الله في محاولة لاحتواء تصاعد الأوضاع في القدس والضفة الغربية ) .

   ** الساحة السورية بصفة عامة والجولان بصفة خاصة تعد من أهم دوائر الأمن القومي المباشرلإسرائيل التي لن تسمح لأى طرف المساس بها، وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء ناتانياهو إلى زيارة موسكو في سبتمبر 2015م، بعد قرار الأخيرة بالتدخل العسكرى في سوريا، وقد أسفرت هذه الزيارة عن التوصل إلى تفاهم من أجل التنسيق المشترك بين الدولتين فيما يتعلق بتجنب أي صدام عسكري محتمل كل طرف في مواجهة الآخر في سوريا، وهو ما يعد في تقديرنا اعترافاً روسياً بوجود مصالح حيوية لإسرائيل على الساحة السورية لا تستطيع روسيا منازعتها فيها .

*** وفي هذا الإطار يجب أن نشير أيضاً إلى حادث إسقاط تركيا للطائرة الروسية العسكرية  سوخوي / 24 في 24 نوفمبر 2015م، على الحدود التركية السورية حيث اقتصرت الإجراءات الروسية المضادة على عقوبات إقتصادية متنوعة وليست  إجراءات عسكرية، ولا شك أن هذا الموقف الروسي يعكس أن هناك حسابات محددة لروسيا تحول بينها وبين تصعيد موقفها العسكرى تجاه تركيا وبمعنى أدق في مواجهة حلف الناتو، الأمر الذي يشير في النهاية إلى أن موازين القوة في المنطقة ( بل وفي العالم ) لا تزال تميل بشكل واضح إلى الطرف الأقوى والأكثر تأثيراً حتى الآن وهو الولايات المتحدة .

*** ولابد لنا في هذا الشأن أن نعيد التأكيد على أن المصالح الاستراتيجية لكلتا الدولتين هي التي تحرك سياساتهما في المنطقة، وبالتالي فإن الصراع الحالي القائم بينهما هو صراع على مناطق نفوذ ليس إلا، وفي تقديرنا أن واشنطن سوف تسمح لموسكو بمساحة حركة واسعة في حل المشكلة السورية دون تجاهل  طبيعة الدور الأمريكي ( وحلفائه ) الذي لا زال يصر على رحيل بشار الأسد في التسوية النهائية للأزمة خلافاً للموقف الروسي الذي يصر على أن الشعب السوري هو صاحب القرار في اختيار من يحكمه،  وفي تقديرنا أيضاً أن روسيا لن تجد في النهاية – وليس الآن -  مفراً من التجاوب مع هذا المطلب الأمريكي الأوروبي الخليجي برحيل الأسد بعد انتهاء المرحلة الانتقالية على أكثر تقدير حتى تستطيع أن تجد لها دوراً في حل المشاكل الأخرى في المنطقة  .

*** ومن ثم فإننا نرى أن مظاهر الصراع بين الجانبين الأمريكي والروسي في المنطقة هي مظاهر حقيقية ولكنها تظل محكومة في النهاية بعدم الوصول إلى مرحلة المواجهة بينهما تحت أي ظروف، ومن الطبيعى أن يسعى كل طرف إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب لصالحه ، وحتى نكون منصفين فلا يمكن لنا أن ننكر أن النفوذ الروسي في المنطقة يعد أفضل مما كان عليه من ذي قبل بفعل تنشيط العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية مع بعض الدول العربية ولكن دون أن يصل ذلك إلى مرحلة التأثير الحقيقى في حل مشاكل المنطقة فيما عدا المشكلة السورية , أما تحركات الحليف الإيراني في بعض دول المنطقة فلاشك أنها تتم بمباركة أمريكية ( حتى وإن كانت مشروطة ) اعترافاً بهذه المصالح الإيرانية ولاسيما بعد توقيع الإتفاق بشأن برنامجها النووي وهو ما يعد سحباً ( جزئياً ) من الرصيد الروسي لدى إيران وإن كان من المبكر الحكم على هذا الأمر بصورة نهائية .

*** وفي ضوء ما سبق فإنه حتى مع تسليمنا بتحسن النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط (في إطار وحدود معينة) إلا أنه يظل عاجزاً عن القيام بدور مؤثر في القضية الفلسطينية التي لا تزال إمكانية تحريكها ودفعها للأمام حكراً على الجانب الأمريكي وارتباطاً بحساباته الداخلية والإقليمية والدولية، وبالتالي لن تشهد هذه القضية تطورات إيجابية تخرجها من وضعها الحالي لا سيما وأن الصحوة الشعبية الفلسطينية التي كانت قد انطلقت في القدس والضفة الغربية بدأت تخفت جذوتها إضافة إلى التراجع الواضح في الإهتمام بهذه القضية في ظل تصاعد الأحداث الراهنة في المنطقة العربية سواء النزاعات العسكرية القائمة بها أو تزايد حدة الإرهاب على مستوى المنطقة والعالم .

مجلة آراء حول الخليج