array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 103

التواجد الروسي في إفريقيا: الفرص والمخاطر

الإثنين، 28 كانون1/ديسمبر 2015

لم تخرج شمال إفريقيا من مجال الاهتمام الروسي في أي من المراحل التاريخية، سواء المرحلة الإمبراطورية القيصرية، أم السوفيتية، أم الروسية، وذلك من منطلق الامتداد الجغرافي والطبيعة الجيوسياسية لتلك المنطقة، فضلا عن طبيعة المصالح الروسية المصيرية الرئيسية الحاكمة لحدود حركتها الدولية كدولة ذات دور، وإلى جوار ذلك استحوذت تلك المنطقة على ذات الأهمية بالنسبة لأوروبا أو الولايات المتحدة وذلك من منطلق الاعتبارات ذاتها. ولا شك أن جملة من التحولات والعوامل قد شهدتها المنطقة منذ عام 2011م، أدت إلى بروز تحديات جديدة فرضت بدورها اختبارات مهمة لحدود وقدرة القوى الإقليمية والدولية، وفى مقدمة تلك القوى روسيا، لا سيما أن تلك التحولات قد جاءت بينما الولايات المتحدة تعول على الفوضى كحالة لإدارة مصالحها في المنطقة، في حين كانت روسيا تعول على الاستقرار كبيئة مناسبة لاستعادة مكانتها، وفى هذا السياق يمكن الإشارة إلى العناصر التالية:

أولا: روسيا وإعادة بناء علاقاتها مع دول شمال إفريقيا

لا شك أن الجهود الروسية لتفعيل دورها في الشرق الأوسط ككل وفى شمال إفريقيا بالأخص أتت في سياق تأكيد مكانة روسيا في نظام دولي ترى روسيا أنه قيد التشكل، وأن لديها مسئولية في صياغة ملامحه، وهذا التوجه العام للسياسة الخارجية الروسية قد بدأت ملامحه منذ مجيء بوتين إلى السلطة، ومنذ أن أطلق مبدأه المعروف بـ"مبدأ بوتين" في عام 2000 والقاضي بـالمساهمة في بناء "عالم متعدد الأقطاب.. يكون لروسيا دور أساسي فيه".

وقد جاءت الصيغة الجديدة للعلاقة بين دول شمال إفريقيا وروسيا إيجابية لصالح الطرفين، وذلك بالنظر إلى أن التوجهات الروسية الجديدة، اختلفت عن التوجهات التي تم اعتمادها في العلاقة مع دول المنطقة في الحقبة السوفيتية، والتي كانت تعطى أولوية للتنافس الايديولوجي والصراع على النفوذ مع الولايات المتحدة، والتوجهات الجديدة بدورها شكلت حافزا لعلاقة جديدة بين تلك الدول وروسيا، وأولى تلك التوجهات هوعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وثانيتها التصدي لحالة الفوضى في المناطق المتاخمة لحدود روسيا، وثالثتها، مكافحة الإرهاب، ورابعتها، إيقاف تسييس الولايات المتحدة والغرب لآليات الشرعية الدولية، وآخرتها الاستعداد لاستخدام القوة العسكرية المباشرة في حالة تهديد المصالح المباشرة. ويقابل ذلك معانة دول تلك المنطقة من تبعات غياب التوازن في النظام الدولي، بجانب التداعيات السلبية لضغوط وتدخلات الولايات المتحدة في شؤون الدول، وجهودها في تغيير بعض الأنظمة، والتسبب في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار الإقليمي، فضلا عن تصاعد موجات الإرهاب، ومن ثم كان الالتقاء الروسي مع دول المنطقة بمثابة "مصلحة متبادلة".

ويمكن الإشارة إلى أهم المرتكزات التي حرصت عليها روسيا لإعادة بناء علاقاتها مع دول شمال إفريقيا على النحو التالي:

1. إحياء الاتفاقيات مع الحلفاء التقليديين:

اتجه الرئيس بوتين إلى تعزيز علاقاته في المنطقة من خلال إحياء الاتفاقيات القديمة، والتي كانت قد جمدت نتيجة عدم التزام الدول بسداد ديونها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وذلك لأجل إنعاش التعاون في المجالات التجارية والعسكرية، وفى هذا السياق تم إسقاط جزء من الديون عن بعض الدول، وإسقاط كامل الدين عن بعضها الآخر، كما حدث مع ليبيا، التي وصل حجم ديونها 4.6 مليار دولار، والجزائر التي وصل حجم دينهاحوالي 4.7 مليار دولار.

2. توقيع عقود جديدة وتنشيط الاستثمارات:

تركزت الجهود في هذا الصدد على قطاعات النفط والطاقة والبنية التحتية لتعويض خسائر الديون، وشملت تلك العقود دول ليبيا والجزائر، هذا فضلا عن اتفاقية للتبادل التجاري والسياحي مع مصر وكذلك تونس.

3. استعادة روسيا لمركزها في عقود تصدير السلاح:

تعتبر دول شمال إفريقيا سوقا مهما للسلاح الروسي، والذي يسهم في الاقتصاد القومي بنسبة مهمة، وقد كانت البداية من الجزائر بصفقة سلاح بلغت قيمتها 7.5 مليار دولار، ثم ليبيا في 2008م، بلغت 2 مليار دولار، وتم استكمالها بصفقة أخرى في 2010م، بقيمة 1.8 مليار دولار، كما تم توقيع اتفاقيات تصدير سلاح مماثلة مع كل من مصر والسودان.

4. تنشيط التعاون السلمي في مجال إنتاج الطاقة النووية:

لروسيا باع طويل في هذا المجال وقد استفادت من الطموحات النووية لبعض دول المنطقة، فوقعت عقود مهمة مع عدد من الدول في مقدمتها مصر وليبيا والجزائر والأردن ولبنان واليمن لغرض إنشاء مفاعلات نووية للأغراض السلمية.

5. تعزيز الوجود العسكري في البحر المتوسط:

في هذا الصدد طورت روسيا وجودها في ميناء طرطوس في سوريا، فضلا عن وجودها العسكري على الشواطئ الليبية، ناهيك عن نقل أسطولها من البحر الأسود إلى البحر المتوسط، وذلك في سياق تصاعد المخاطر التي تهدد المصالح الروسية في المنطقة.

6. تأمين خطوط إمداد النفط والحفاظ على أسعاره من التقلبات:

روسيا ليست بحاجة لاستيراد أي من مصادر الطاقة (النفط والغاز والكهرباء)، لكن كون تلك المصادر لها تأثيرها على الاقتصاد الروسي بصورة مباشرة، فقد عملت على اتجاهين الأول، الحفاظ على استقرار أسواق النفط عالميا، والثاني، هو تأمين إمدادات النفط التي تمر بأراضيها، وتأتى أهمية شمال إفريقيا بحكم ما تملكه من احتياطي نفطي مؤثر على هذا السوق على المستوى الدولي، لهذا اهتمت روسيا بالتعاون مع بعض الدول لإنشاء منظمة الدول المصدرة للغاز والمكونة من دول الجزائر ونيجيريا وقطر وإيران وفنزويلا.

بتلك السياسة بدا أن روسيا حولت سياستها من المواجهة إلى سياسة المنافسة وتبادل المصالح أو تقاسم النفوذ مع المزج بين سياسة المساومة والتدافع لتحقيق مزيد من المكاسب الاقتصادية والاستثمارات، وبطبيعة الحال بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم تكن روسيا تمتلك القدرة على مواجهة الولايات المتحدة، لكنها لم تكن بالعجز الكامل بما يمنعها من تحويل استراتيجية المواجهة إلى استراتيجية جديدة تحقق فيها مكاسب سياسية واقتصادية تُبقى لها مصالحها ونفوذها، ومن ثم طورت شراكتها بالولايات المتحدة من منطلق تأمين بعض المصالح.

ثانيا: الولايات المتحدة والواقع المأزوم في شمال إفريقيا

لم تشهد الدولة في منطقة شمال إفريقيا موقفا أشد خطورة من المشهد الحالي، وقد لعبت الولايات المتحدة دورا رئيسيا في هذا المشهد المرتبك منذ انهيار الحرب الباردة، وتزايد هذا الدور السلبي بعد ما يعرف بالحرب على الإرهاب منذ عام 2001، فهناك وجهة نظر وتتبناها روسيا ترى أن الولايات المتحدة تحرض على قيام ثورات تسهم في خلخلة الأوضاع داخل بعض الدول "فوضى خلاقة"، كاستراتيجية منخفضة التكلفة لخلق عدم استقرار يسمح لواشنطن بالتدخل في تلك الدول متى شاءت، والإطاحة بحكومات كما حدث في بلدان مثل ليبيا ومصر واليمن وسوريا. تتعزز وجهة النظر تلك بالموقف الأمريكي المتراجع من الانخراط في تسوية حقيقة لتلك الأزمات.

وبصرف النظر عن حدود هذا الدور الأمريكي في المشهد الحالي؛ فإن المرحلة برمتها أفرزت حالة من عدم الاستقرار والفوضى وتصاعد المخاطر، وهنا يمكن الإشارة إلى أن كل تلك التحديات المطروحة هي نتيجة لسيادة نمطين من الدول في منطقة شمال إفريقيا كلاهما يمثل عبئًا على المنطقة وعلى المجتمع الدولي، هذين النمطين هما:

* الدولة الفاشلة:

ويشير هذا المفهوم لتلك الدول التي تفتقد السيطرة على إقليمها وتعجز سلطتها عن حماية مواطنيها وتوفير الخدمات الرئيسية لهم، مع وجود فوضى من سماتها انتشار العنف والجريمة والفساد، وهنا تبرز ليبيا كنموذج واضح لدولة فاشلة في شمال إفريقيا، ونمط الدولة الفاشلة الموجود بالفعل في ليبيا والمرشحة له بعض الدول الأخرى في شمال إفريقيا تطرح عددًا من التحديات .

* الدولة الضعيفة:

 وهي تلك الدول التي لم تتعرض لانهيار تام، ولكنها تعرضت لأخطار تختبر باستمرار كفاءتها، وهنا تبرز عدد من الدول في شمال إفريقيا من ضمنها مصر وتونس والجزائر، وربما المغرب بدرجة أقل.

ثالثا: مستقبل الدور الروسي في إفريقيا

لا شك أن روسيا اجتهدت في استعادة نفوذها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في سياق استراتيجية متكاملة لاستعادة الفاعلية على المستوى الدولي، وحققت نجاحات مهمة خلال سنوات قليلة، لكن جملة التحديات وضعت موسكو أمام اختبار لحدود تلك المكانة والنفوذ، ومدى إمكانية الحفاظ عليها وضمان استمراريتها.

بطبيعة الحال الدول الكبرى لديها برجماتية عالية في التعامل مع مصالحها، وروسيا كانت قد أمنت علاقات جيدة مع دول شمال إفريقيا قوامها التعاون وتبادل المنافع، وكان حجم هذا التعاون متواضعا في بعض الأحيان كما هو مع تونس، التي بلغ معها حجم التبادل التجاري مليار دولار بجانب عائدات السياحة الروسية، في حين أخذ هذا التعاون صورة اتفاقيات شراكة استراتيجية، وعقود تسليح، وعقود بناء برامج ومفاعلات طاقة نووية سلمية، فضلا عن تعاون واستثمارات في مجالات إنتاج الطاقة والنفط والغاز في أحيان أخرى، كما هو الوضع مع الجزائر ومصر وليبيا.

كان التعاون مثمرا في ظل حكومات قوية ومستقرة، لكن تعرضت مصالح روسيا لعدد من المخاطر مع اندلاع الثورات التي اجتاحت تونس ثم مصر ثم ليبيا، وانعكاس تلك الثورات على وضعية تلك الدول، وهنا يمكن فهم الموقف المتردد من جانب بعض الدول تجاه التطورات السياسية التي حدثت في تلك الدول عقب الثورات الجماهيرية، ومنها الموقف الروسي الذي بدا ضد التغيير والحفاظ على الأوضاع القائمة في دول شمال إفريقيا. ويمكن الإشارة إلى أهم تلك التحديات والمخاطر التي فرضها هذا الوضع على روسيا من خلال استعراض النقاط التالية:

1- المخاطر:

أ. احتمال فقدان روسيا لعلاقتها مع بعض الدول الحليفة في المنطقة، نتيجة تصاعد الاضطرابات وحالة عدم الاستقرار التي صاحبت الربيع العربي، وكانت أغلب تلك الحالات في دول تتمتع فيها روسيا بنفوذ تقليدي.

وكانانهيار نظام القذافي في ليبيا جرس إنذار لمكانة ومصالح روسيا في الشرق الأوسط ، لأن مواقف روسيا المتردد تجاه الأحداث في ليبيا، وتدهور علاقاتها بالقوى السياسية والثورية، فضلا عن تهميش دورها في العملية العسكرية كانت عوامل أخرجتها من ليبيا خالية الوفاض، بل إن الاستثمارات التي كانت في عهدة الشركات الروسية انتقلت إلى الشركات الفرنسية والايطالية، وشعرت روسيا بمدى الخطأ الذى قد وقعت فيه بالسماح بتمرير قرار مجلس الأمن رقم 1973م، الذى استندت إليه الدول الغربية في الشروع في عملية عسكرية لحماية المدنيين في ليبيا، في حين كان يمكن لروسيا المساومة بالفيتو من أجل تأمين مصالحها في ليبيا، ولكنها وقعت تحت تأثير الضغوط الفرنسية والبريطانية التي دفعت باتجاه التدخل لأسباب إنسانية في مقدمتها حماية المدنيين فضلا عن الإجماع الدولي حول الأزمة، وربما هذا كان دافعا للموقف المتشدد لروسيا تجاه الأزمة في سوريا حيث وقفت عقبة أمام تمرير أي قرار دولي من مجلس الأمن واستخدمت حق الفيتو ثلاث مرات بشأن الأزمة السورية لمنع التدخل.

ب. تصاعد دور التيارات الإسلامية في تلك المنطقة، تلك التيارات التي لا تحمل ودا لروسيا، وهو ما قد يهمش دورها وينهي تواجدها ودورها الذي اجتهدت بالكاد في استعادة بعضًا منه بعد نهاية الحرب الباردة. وهنا تتبدى العلاقات غير الجيدة مع نظام الإخوان في مصر قبل سقوطه في 2013م، وكذلك موقفها مع حركة النهضة في تونس والذي لم يراوح الموقف من إخوان مصر، بجانب موقفها من المجلس الانتقالي الليبي بعد الثورة.

ج. المخاوف الروسية من الثورات بصفة عامة، حيث أثارت عملية التغيير المتواترة في المنطقة مخاوف روسيا من تمددها لتصل إلى تخومها حيث الجمهوريات الإسلامية في القوقاز وآسيا الوسطى والتي تحلم بالانفصال عن روسيا وتعاني من اضطرابات، بل ما زاد الترقب الروسي أن تداعيات الثورات العربية قد وصلت للمعارضة الروسية التي خرجت في تظاهرات تحمل شعارات مشابهة لتلك التي كانت في مصر اعتراضا على عمليات تزوير شابت الانتخابات التشريعية في 2010م، لهذا أبدت روسيا عدم ارتياح من التغيير الذى يحدث في المنطقة بل فسرته على أنه تحالف أمريكي مع قوى الإسلام السياسي ضدها.

د. تصاعد الحركات الجهادية في المغرب العربي، وانعكاس ذلك على استقرار دول مثل ليبيا ومصر وتونس وربما الجزائر والمغرب وهو ما يعد تهديدا مباشرا لمكانة روسيا في تلك الدول، سواء المكانة الاقتصادية نتيجة تأثير هذه الحالة تدفقات الطاقة في المنطقة وعدم الاستقرار في الأسواق العالمية، فضلا عن تهديد الاستثمارات الروسية المنتشرة في تلك الدول، وكذلك التهديدات الأمنية للسائحين الروسيين كما حدث في تفجير الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء.

2- الفرص:

على الرغم من أن تطورات الأحداث في ليبيا قد كشفت عن مدى تأثير روسيا على مجريات الأحداث في المنطقة وعلى مدى ضعفها في مواجهة التحالف الأمريكي الغربي، لا سيما أن الموقف الروسي اتسم بالتردد الشديد فلا هي أيدت الثورات ولا تمكنت من الإبقاء على الأنظمة القائمة، كما أنها لم تكن تملك استراتيجية لمواجهة المتغيرات، وفى الوقت ذاته لم يكن لديها خطة لتعطيل الاستراتيجيات الغربية، لكن روسيا عبر سياسة اتسمت بالثبات والاستمرارية استطاعت تجاوز التداعيات الخطرة على مصالحها، وأصبحت مع الوقت مطلوبة للعب دور وظيفي في استعادة الأمن والاستقرار. ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى ما يلي:

أ- يمثل الانخراط الروسي المباشر في أزمات المنطقة عاملا مهما يمكنها من أن تكون لاعبا رئيسيا في كافة الملفات، كما حدث مع  الملف النووي الإيراني مرورًا بالملف السوري، لا سيما في الدول التي تتصاعد فيها حدة العنف والإرهاب، ناهيك عن دخولها بقوة على خط مواجهة الإرهاب والجماعات المتطرفة.

ب. أدت الاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى إعطاء أولوية إلى الشرق الأقصى لمواجهة الصعود الصيني والهندي إلى فراغ ما، يمكن أن تملأه روسيا؛ تأكيدا لدورها في تلك المنطقة، وبصرف النظر عن حديث البعض أن هذه التوجهات تتم في سياق تبادل الأدوار أم لا، فإن الحضور الروسي القوى ومقارباته تبدو أكثر واقعية مع الأزمات المطروحة على الساحة الإقليمية في شمال إفريقيا.

ج- لا شك أن منح التغيير السياسي الذى حدث في مصر في 3 يوليو 2013م، والذى أنهى حكم جماعة الإخوان المسلمين، وأسس لنظام جديد فرصة أخرى لروسيا تمكنت من خلالها العودة إلى لعب دور رشحته الظروف السياسية التي تمر بها مصر، التي كانت تبحث عن حليف قوى يؤمن دعما في مواجهة التحديات التي تفرضها الولايات المتحدة والغرب على النظام، كما أن هذا الدور رشحته أيضا المراجعة الروسية لاستراتيجيتها وإدراكها للأخطاء التي قلصت من فرص وجودها في المنطقة ككل.

د. وبما يمكن اعتباره نموذجًا يمكن تعميمه أو على الأقل مدخل لعلاقة جديدة مع بعض الدول، فقد طورت روسيا علاقتها بمصر، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بشكل واضح خلال عام 2014 م، بنسبة 86%، ليصل إلى 5.4 مليار دولار، كما ارتفعت الصادرات المصرية خلال الفترة نفسها بنسبة 22.3% لتصل إلى 540 مليون دولار. كما أشار التقرير، وبلغت إجمالي الاستثمارات الروسية في مصر نحو 70 مليون دولار معظمها في قطاعات السياحة والإنشاءات في حين بلغت الاستثمارات في روسيا نحو 9 ملايين دولار، كما اتفقت مصر وروسيا على إنشاء منطقة التجارة الحرة والمنطقة الصناعية الروسية في منطقة قناة السويس، فضلا عن صفقات السلاح التي تم إبرامها، والاتفاق الخاص بإنشاء مفاعل للطاقة النووية السلمية في الضبعة، وقد مثلت حادثة الطائرة الروسية التي تم إسقاطها فوق شبه جزيرة سيناء بمعرفة عناصر من تنظيم داعش اختبارا للعلاقات تُمكن الطرفين من تجاوز تداعياته بالنظر على حجم التعاون وطبيعة المصالح المتبادلة. ولا شك أن تطور العلاقات الثنائية بين البلدين قد انعكس على مجمل القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، فنجد تقارب مصري روسي في المواقف من الأزمتين السورية والليبية، سواء فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب في البلدين، أو في الحفاظ على وحدة أراضيهما، وكذلك الموقف من دور بشار الأسد في سوريا وكذلك دور برلمان وحكومة طبرق في ليبيا.

ه ـ- بدت روسيا فاعل رئيسي داعم للاستقرار والحفاظ على الدولة في المنطقة بحكم سياساتها، وهى سياسة تجد ترحيبا من بعض الدول، لا سيما وأن الموقف الأمريكي المتردد كان عاملا رئيسيا في المشهد الدامي الذي تعيشه عدد من دول المنطقة، كما أن الوضوح الروسي على مخاطره وتهديداته لمصالح بعض الدول يبدو أكثر جاذبية للبعض الأخر من الغموض الأمريكي والغربي.

 في النهاية لا يسعنا القول إلا أن السنوات الأخيرة تعكس حضورا قويا لروسيا في المنطقة وأن هذا الحضور أصبح خيارا روسيا استراتيجيا يعكسه حجم العمليات العسكرية شرق البحر المتوسط في سوريا، والانتشار العسكري في البحر المتوسط وتعكسه العلاقات المتطورة مع دول في شمال إفريقيا كمصر والجزائر وتونس وربما ليبيا في المستقبل، هذا في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة أكثر ترددا وغموضا في تحديد خياراتها، وتبدو علاقاتها متوترة مع بعض حلفائها التقليديين في المنطقة نتيجة مواقفها السلبية من حالة عدم الاستقرار التي تهدد بقاء بعض من هذه الدول، هذا بجانب المخاوف الأوروبية من انهيار الأمن الإقليمي في المنطقة، وتداعي بعض الدول واحتمال امتداد هذا التداعي إلى دول أخرى، وهو ما يزيد من عمق التحديات المطروحة وفي مقدمتها تصاعد موجة الإرهاب وعبوره للحدود، وضغوط المهاجرين غير الشرعيين، وهو الأمر الذي يرشح روسيا لدور ربما يكون مطلوبا دوليا أو إقليميا من البعض مع تزايد حالة الفوضى وحاجة تلك الأنظمة للاستقرار، لكنه في النهاية دور سيتوقف على مدى واقعية روسيا واستعدادها للتعاون مع الأطراف الفاعلة في النظام العربي وفى مقدمتها دول الخليج باعتبارها المحرك الرئيسي للسياسات العربية خلال المرحلة الراهنة.

مجلة آراء حول الخليج