; logged out
الرئيسية / العلاقة بين الإرهاب والربيع العربي فشل المراهنة على دمج جماعات الإسلام السياسي في الحكم

العدد 104

العلاقة بين الإرهاب والربيع العربي فشل المراهنة على دمج جماعات الإسلام السياسي في الحكم

الأحد، 07 شباط/فبراير 2016

ساد تصور في الفترة التالية للثورات العربية، أن الحراك السياسي الذي أحدثته هذه الثورات منذ نهاية 2010م، وما صاحبه من دمج قوى الإسلام السياسي في نظم الحكم الجديدة كما هو الحال في تونس ومصر، سيؤدي إلى تراجع موجة الإرهاب في المنطقة العربية، اتساقا مع تصورات سادت لفترة طويلة في العديد من الدوائر الأكاديمية والسياسية الغربية والعربية روجت لفكرة أن دمج قوى الإسلام السياسي في السلطة يجعل خطابها أكثر اعتدالا وأقل رغبة في اللجوء للعنف.

ولكن هذه التصورات اصطدمت مع تعقد المراحل الانتقالية فى عدد من الدول التي شهدت تغييرا جراء هذه الثورات، فقد اتسع نطاق أعمال العنف فى الفترة التالية لاندلاع الثورة فى سوريا وتحولها الى صراع مسلح منذ مارس 2011م، وسقوط نظام القذافي في فبراير 2011م، ثم سقوط حكم الإخوان بمصر يوليو 2013م، على نحو غير خريطة الإرهاب في المنطقة، وأصبحت المناطق التي عرفت تقليديا بأنها مستقرة تعاني من موجة جديدة من الإرهاب.  فعلى سبيل المثال، شهدت تونس في 26 يونيو 2015م، مجزرة في شاطئ مدينة سوسة، أدت إلى مقتل 39 سائحًا وإصابة 40 آخرين، وفي نوفمبر 2014 تم استهداف حسينية بالقرب من الإحساء بالسعودية حيث قتل خمسة أشخاص[1]، وفي مايو 2015 م، تم استهداف مسجد الإمام علي في القديح بالقطيف، كما تم تفجير مسجد الإمام الصادق في الصوابر بالكويت في يونيو 2015[2]م،  كما انتشرت أعمال العنف والإرهاب في مصر في الفترة التالية على فض اعتصامي رابعة و النهضة في 14 أغسطس 2013م، بحيث لم تعد تقتصر على سيناء وامتدت إلى محافظات أخرى مثل القاهرة والاسكندرية وغيرها، ووقع ضحية لهذه العمليات إلى جانب ضباط الجيش والشرطة، قيادات سياسية مثل النائب العام هشام بركات الذي اغتيل في 29 يونيو 2015م.

ويحلل هذا المقال، أبعاد تعقد الإرهاب في الفترة التالية على الثورات العربية، وما تطرحه مواجهته من إشكاليات بالنسبة للدول العربية.

أولا: أبعاد تعقد قضية الإرهاب:

صاحب الثورات العربية، عدد من التحولات في الإرهاب كتهديد threat للأمن القومي للدول العربية، جعلت منه تهديدا معقدا complex، ويمكن تحديد هذه التحولات في أربعة أبعاد رئيسية. يتمثل البعد الأول في اتجاه العديد من الجماعات المحلية التي عرفت بولائها لتنظيم القاعدة أو ارتباطها بها تنظيميا للإعلان عن سيطرتها على مناطق معينة في إطار ما يعرف باسم الإمارات الإسلامية، على نحو أكسب هذه التنظيمات سمة جديدة لم تكن موجودة في الفترة التالية على أحداث 11 سبتمبر 2001م، فعلى سبيل المثال أعلنت جماعة أنصار الشريعة في اليمن المعروفة بولائها لتنظيم القاعدة سيطرتها على شبوة في مارس2012م، باعتبارها الولاية الإسلامية الثانية، وكانت قبل ذلك نجحت في السيطرة على زنجبار [3]، ويصاحب هذه السيطرة فرضها النظام والأمن وفق فهمها الخاص للشريعة الإسلامية. ولاتزال القاعدة في ظل الصراع الدائر بين قوات التحالف العربي والجماعة الحوثية، تحتل مناطق مهمة في جنوب اليمن.

وتأكد هذا التحول في أهداف الجماعات الإرهابية مع إعلان تنظيم داعش عن سيطرته على الموصل في العراق في 10 يونيو 2014م، وإعلان قيام ما أسماه "الدولة الإسلامية"[4]، وقبل ذلك سيطرته على الرقة في سوريا[5]، والتي تعد العاصمة السورية لدولة التنظيم.

إلى جانب ذلك، حاولت أنصار بيت المقدس في سيناء بعد إعلانها مبايعتها لتنظيم داعش في نوفمبر 2014 م، للسيطرة على مدينة الشيخ زويد، في محاولة منها لإنشاء ما روجت له من أنه "ولاية سيناء". وأهمية هذا البعد مرتبطة بتغيير أولويات هذه الجماعات، حيث أصبحت أولوياتها ليست مرتبطة بفكرة "جهاد" العدو القريب أو البعيد كما كان الوضع في عهد تنظيم القاعدة، وإنما أصبحت الأولوية ذات طبيعة سياسية خاصة بممارسة السلطة والنفوذ في الدولة التي تعمل فيها، ويتم استخدام الدين كغطاء لتبرير أعمالها الإرهابية ولاكتساب شرعية داخلية بين قواعدها، ويعد مسعى تنظم داعش لترسيخ "الدولة" التي أعلن عن قيامها على أجزاء من سوريا والعراق سيناريو أسوأ حالة بالنسبة للعديد من الدول العربية.

وينصرف البعد الثاني إلى أن الإرهاب لم يعد مرتبط بممارسة العنف في مواجهة المدنيين أو الدولة فقط، حيث أصبحت التنظيمات الإرهابية تحتفظ بشبكة علاقات مع عدد من منظمات الجريمة المنظمة النشطة في مناطق تواجدها، خاصة في حالة الجماعات التي تعمل في مناطق حدودية، حيث غدت طرف مهم في شبكة الدعم اللوجستي التي تعتمد عليها هذه التنظيمات سواء فيما يتعلق بالمال أو المجندين أو الأسلحة.

فعلى سبيل المثال، كانت منظمات تهريب الأسلحة في ليبيا بعد سقوط القذافي مصدرا مهما للأسلحة المتوسطة والثقيلة للجماعات الإرهابية في سيناء، وجزء منها كان يتم تهريبه الى قطاع غزة. وكان يسهل تهريب هذه الأسلحة بعض القبائل المقيمة في مناطق عبورها[6].وأصبح تعامل الدول مع هذه الشبكة الجديدة تتطلب سياسات معقدة، تهدف بداية الى تفكيكها وعزل جماعات المصالح الجديدة التي تتشكل حولها مثل القبائل التي تعيش في مناطق الحدود التي تتم فيها عمليات التهريب، وتوفير حوافز أخرى للتعامل مع الحكومات في مواجهة هذه التنظيمات.

كما نجح تنظيم داعش في تطوير شبكة من التمويل، تمكنه من الحصول على تدفقات مالية منتظمة سواء في شكل تبرعات من خارج العراق وسوريا، أو عوائد بيع النفط من المصافي والحقول التي سيطر عليها في العراق وسوريا والبالغ عددها 4 حقول[7]، وهذه التدفقات تمكن التنظيم من الحفاظ على وجود قوة بشرية يمكن أن تعتمد عليها في الحفاظ على أماكن سيطرته في العراق وسوريا، حيث يوفر مرتب شهري قيمته 600 دولار للمقاتل العادي و1200 دولار للقيادة العملياتية[8]. 

ويتعلق البعد الثالث بتجددظاهرة المقاتلين الأجانب التي عانت منها المنطقة العربية في الفترة التالية على احتلال العراق في 2003م، ولكن هذه المرة أصبحت مرتبطة باستمرار الصراع في الدول التي فشل فيها التغيير السياسي على ضوء الثورات العربية، وهي تحديدا سوريا وبدرجة أقل ليبيا. ولا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد المقاتلين الأجانب الذين تركوا دولهم من أجل الانضمام للجماعات المسلحة في سوريا والعراق، ولكن يقدر المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي ICSR عدد المقاتلين الأجانب الذين انتقلوا إلى سوريا والعراق للانضمام لداعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات المسلحة حتى 26 يناير 2015م، بحوالي 20730 مقاتل[9]، وتعد دول الشرق الأوسط مصدر لحوالي 11 ألف مقاتل منهم، ودول الاتحاد السوفيتي السابق مصدر لحوالي 3000 مقاتل منهم، والباقي من الدول الأوروبية.

ويرتبط التحدي الذي يطرحه هذا البعد بالنسبة للعديد من الدول العربية التي أصبحت مصدر للمقاتلين الأجانب، باحتمال عودتهم إلى أوطانهم بكل ما يحملونه من خبرة قتالية ورغبة في ممارسة الإرهاب في مواجهة نظم الحكم بدولهم. وبحسب تقديرات المركز الدولي لدراسات التطرف، فإن ما يتراوح بين 5-10% من المقاتلين الأجانب قتلوا في الاشتباكات المسلحة في سوريا والعراق، وما يتراوح بين 10-30% غادروا مناطق الصراع عائدين إلى دولهم أو قرروا البقاء في دول أخرى.

وينصرف البعد الرابع إلى انتشار نمط الإرهاب بلا قيادة leaderless terrorism، حيث يلاحظ أن هذا النوع من الإرهاب هو الأكثر انتشارا في الدول العربية التي لا تشهد صراعات مسلحة. وهو قد يأخذ أحد ثلاثة أشكال رئيسية، الشكل الأول هو الخلايا الصغيرة، والتي تتألف من عدد محدود من الأشخاص تربطهم علاقات ثقة، فعلى سبيل المثال، رصدت الأجهزة الأمنية في مصر خلال الفترة التالية على ثورة 30 يونيو 2013م، تشكيل العديد من هذه الخلايا، كما أن العديد من الدول العربيةرصدت تشكيل هذه الخلايا تحت اسم الدواعش المحلية[10].

وينصرف الشكل الثاني إلى الإرهابي الملهم أو الذئب المنفرد، والمتعلق بأن يعتمد الفرد في اكتساب المعرفة الخاصة بالتخطيط لعملية إرهابية ما من خلال مواقع إليكترونية على شبكة الإنترنت، دون أن ينتمي تنظيمياً لجماعة أو تنظيم محدد، وعادة يكون منفذ هذا النوع من الإرهاب من المواطنين ويستلهم التكتيك الإرهابي من تنظيم ما دون أن يرتبط به بأي علاقات تنظيمية، ومن ذلك اعتقال القوات السعودية في 11 أبريل 2015 م، لمواطن سعودي بتهمة التدرب على تكتيكات داعش، وتخطيطه لاستهداف قوات الأمن ، والعمل من خلال ستة حسابات على تويتر لتجنيد الشباب السعودي، وكذلك قيام شاب سعودي في 16 يوليو 2015م، بقتل خاله الذي كان يقوم بعمله في أحد الكمائن الأمنية في الرياض.

ويتمثل الشكل الثالث، فيما يعرف باسم الأرملة السوداء black widow، حيث تقوم فتاة ترتدي ملابس سوداء بتنفيذ عملية إرهابية بصورة منفردة، دون أن تنتمي إلى تنظيم محدد، وهو نمط شهدته روسيا، كما شهدت الإمارات واقعة في ديسمبر 2014م، تحاكي هذا النمط وعرفت إعلامياً باسم "شبح الريم"[11]، حيث سعت فتاة إماراتية لاغتيال أجانب يعملون في الإمارات بقنابل يدوية، وقد تحولت شبح الريم إلى "إرهابية إليكترونية" كما كشفت التحقيقات من خلال نشاطها على موقع يسمى "المنبر الإعلامي" فقد كانت تروج لاستهداف مؤسسات الدولة في الإمارات،  وتنشر مقاطع فيديو خاصة بكيفية صناعة القنابل.

ثانيا: إشكاليات المكافحة:

أصبحت مكافحة الإرهاب خلال المرحلة الحالية بالاعتماد على المواجهة الأمنية أو العسكرية، تعني التعامل مع البعد الظاهر لهذا التهديدphysical aspect ، وتظل المشكلة أكبر ومتجذرة في المجتمع، ولها علاقة بالأفكار المتداولة بين فئات الشباب المختلفة، باعتبارها الفئات الأكثر قابلية للتعبئة من قبل الجماعات الإرهابية والأكثر قابلية لممارسة الفعل الإرهابي مقارنة بفئات عمرية أخرى. ورغم ذلك، فإنه يلاحظ أن تعامل دوائر صنع القرار في عدد من الدول العربية مع قضية التطرف خاصة التطرف بمعنىradicalizationباعتبارها الدينامو المحرك للإرهاب، هو تعامل "لحظي" وأحيانا "انتقائي". كما أن الاهتمام بقضية التطرف من قبل دوائر صنع القرار عادة ما يرتبط بمكافحة الإرهاب، رغم اختلاف التطرف عن الإرهاب[12].

 

المواجهة الأمنية أم الفكرية؟

وبالتالي تواجه الدول العربية، خاصة في الدول التي مرت بتحولات على ضوء الثورات العربية، إشكالية رئيسية خاصة بمنهج المكافحة، هل يتم "أمننة" التعامل مع الإرهاب أم تبني استراتيجيات تضمن القضاء على الأسباب الجذرية للإرهاب من خلال التصدي للأفكار المتطرفة.
ويلاحظ في هذا الصدد أنه في الممارسة السياسية، فإن الدول التي تعاني من حالة "انعدام أمن" تعتمد في المدى القصير على الإستراتيجيات الأمنية في مكافحة الإرهاب، ويكون الهدف هو خفض عدد الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها أو إحباطها قبل خروجها للنور. وفي هذه الحالات يأتي تبني إستراتيجيات تتعامل مع الأسباب الفكرية والاجتماعية للإرهاب في مرحلة لاحقة.

وهذا الوضع يستدعي المناقشات والجدل بين مؤيدي أمننة التعامل مع الإرهاب ومؤيدي المواجهة الفكرية والاجتماعية لهم، وهو جدل منتشر في العديد من الدول العربية خلال المرحلة الحالية. ويمكن رصد ملاحظتين حوله.

تنصرف الملاحظة الأولى إلى أنه في الدول التي تعاني من مستوى ما من مستويات انعدام الأمن نتيجة تزايد نشاط الجماعات الإرهابية، تزداد شعبية المؤسسات العسكرية، وعادة لا يتم الاهتمام بالإجراءات غير الأمنية في مكافحة الإرهاب في المدى القصير. ومثال على ذلك مصر وليبيا. ففي حالة مصر، منذ سبتمبر 2011 م، تنفذ القوات المسلحة عمليات عسكرية واسعة النطاق على الجماعات الإرهابية في سيناء، وحصل الرئيس عبد الفتاح السيسي حين كان وزيرًا للدفاع على تفويض في يوليو 2013 م، من أجل مكافحة الإرهاب، وفي مدن الدلتا، تنفذ وزارة الداخلية سياسات أمنية تتضمن اعتقال القيادات المسؤولة عن التخطيط لعمليات إرهابية، وتتتبع تمويل الجماعات الإرهابية، ورفع الوعي الأمني بين المواطنين العاديين من خلال الحملات الإعلامية، وتوفير خط ساخن خاص بوزارة الداخلية وآخر خاص بالقوات المسلحة للمواطنين من أجل الإبلاغ عن أي أوضاع مشتبه فيها. كما تعمل الحكومة المصرية على تضييق الإجراءات الأمنية على كل الموانئ والمداخل البرية لمنع تسلل الإرهابيين وزيادة الاعتماد على وجود قوات الأمن في الشوارع.

وفي ليبيا نجح اللواء خليفة حفتر في تجميع قوات شبه عسكرية لاستعادة النظام، حيث أصبح الجيش بديلًا لمواجهة نفوذ هذه الجماعات، ومن أجل الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة.  

وتنصرف الملاحظة الثانية، إلى أنه في حالة الدول التي لا توجد بها تنظيمات إرهابية نشطة، وهي غالبا الدول التي لم تمسها موجة الثورات العربية، فإنها أكثر اهتماما بالعمل على المواجهة الفكرية والاجتماعية للإرهاب، وتعد كل من الإمارات والسعودية نماذج مهمة في هذا السياق. حيث تهتم السعودية بصورة رئيسية ببرامج المراجعة الفكرية مع الإرهابيين من خلال برنامج المناصحة، وذلك إلى جانب القوانين المتعلقة بمعاقبة السعوديين الراغبين في السفر للخارج من أجل الانضمام لأي من الجماعات الإرهابية بالسجن مدة تتراوح بين 3-25 سنة. وقد تلي صدور هذه القوانين فتوى من مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ تحظر الجهاد في سوريا.

إلى جانب ذلك، اتجهت السعودية منذ يوليو 2015 م، إلى إطلاق برنامج "فطن" من أجل تحصين الشباب والنشء وتوعيتهم بالأفكار المتطرفة والإرهابية، في محاولة للحيلولة دون انجذابهم للتنظيمات الإرهابية، وقد أطلقت وزارة التعليم السعودية هذا البرنامج بالتعاون مع وزارات الداخلية ،والشؤون الاجتماعية، والأوقاف، والصحة، والرئاسة العامة لشؤون الشباب، والجامعات ، بمشاركة عدد من النشطين على اليوتيوب،  ويستهدف البرنامج المجتمعات التعليمية على تنوعها، من أجل وقايتها من الأفكار المتطرفة، سواء الطلاب أو الهيأة التعليمية أو الأسرة.

وفي حالة الإمارات، فإنها تبذل جهودًا على مستويين، يتمثل المستوى الأول في بناء قدرات الفاعلين المعنيين بمكافحة التطرف والإرهاب في الخليج والمنطقة العربية، من خلال ورش العمل التدريبية التي ينفذها مركز هداية في أبوظبي في إطار مقاربة شاملة تقوم على الشراكة بين المؤسسات الأمنية والمجتمع[13]، ويتمثل المستوى الثاني في العمل على دحض المقولات التي تروج لها الجماعات الإرهابية والمتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تجنيد الشباب، وذلك من خلال  "مركز صواب" الذي أنشأته بالتعاون مع الولايات المتحدة من أجل مواجهة وتفنيد الادعاءات الكاذبة والتفسيرات الدينية الخاطئة التي ينشرها أفراد تنظيم داعش. كما تبنت الدولة في 20 يوليو 2015م، قانون خاص بمكافحة التمييز والكراهية، والذي يعد أحد أشكال التطرف السياسي والاجتماعي[14].
-المواجهة أم الدمج السياسي؟

إلى جانب ذلك، تثور إشكالية أخرى خاصة بالدمج السياسي للجماعات الإرهابية، خاصة في حالة الدول التي تعاني من صراعات مسلحة كما هو الوضع في ليبيا وسوريا والعراق، بحيث يتم مقايضة أن تترك هذه الجماعات السلاح مقابل الاعتراف بشرعية نظم الحكم القائمة والمشاركة في الحياة السياسية.

 وهذه الإشكالية تستند إلى اتجاه ساد في الغرب منذ عقود، ويفترض إمكانية تحقق نوع من الاعتدال في سلوك وأفكار جماعات الإسلام السياسي بصفة عامة في حال دمجها في الحياة السياسية في دولها، ولكن تكشف الخبرة العملية أن تحقق ذلك عادة يكون مشروطًا بوجود دولة قوية قادرة على فرض أسقف معينة للدمج السياسي لهذه الجماعات.

وتشير في هذا السياق دراسة مؤسسة راند الخاصة بمصير الجماعات الإرهابية في العالم طوال الفترة 1968-2006 م، والتي شملت عدد 648 جماعة إرهابية، إلى أن 43% من الجماعات انتهى وجودها من خلال اندماجها في الحياة السياسية، ومعظمها كان لديه أهداف سياسية محدودة، و40% من الجماعات انتهى وجودها نتيجة فعالية عمليات قتل واعتقال الإرهابيين، التي نفذتها الشرطة المحلية، 7% من الجماعات انتهى وجودها بسبب سياسات المكافحة الفعالة التي نفذتها القوات المسلحة، و10% من الجماعات انتهى وجودها بعد نجاحها في تحقيق أهدافها السياسية[15].

رغم قدم الإرهاب كقضية أمنية عانت منها عدة دول عربية في الفترة السابقة على الثورات العربية، إلا أن ما صاحب اندلاع هذه الثورات من تعقيدات سياسية أفرز أبعادًا جديدة لهذه القضية على نحو جعل هناك ربيع للإرهابيين أطلقه الربيع العربي إن جاز التعبير، وهذا يثير العديد من الإشكاليات سواء في دول الربيع العربي أو غيرها من الدول العربية، حول كيفية مواجهة هذا التهديد، وتظل المناقشات الخاصة بهذه الإشكاليات بالغة الأهمية من حيث توفيرها بدائل للتعامل معها، على نحو يضمن نوعًا من الشراكة البناءة في مكافحة الإرهاب الذي أصبح تهديدًا معقدًا ومتحولا في طبيعته، وتستعصي مواجهته بالاعتماد على المؤسسات الأمنية فقط.

 

 

 

 

[1]" عشرون قتيلا بتفجير مسجد للشيعة بالقطيف في السعودية"، الجزيرة نت، 22 مايو 2015:

 http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/5/22/%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%82%D8%AA%D9%8A%D9%84%D8%A7-%D8%A8%D8%AA%D9%81%D8%AC%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D9%84%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9

[2]"28 قتيلا بانفجار مسجد شيعي في #الكويت وداعش يتبنى"، العربية نت، 26 يونيو 2015:

http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2015/06/26/-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%AA-%D9%82%D8%AA%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%AC%D8%B1%D8%AD%D9%89-%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%AC%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D9%84%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9.html

[3] الراي الكويتية، 8 مارس 2012:

http://www.alraimedia.com/Articles.aspx?id=317616

[4] الشرق الأوسط، 1 يوليو 2014.

[5] الحياة، 20 مارس 2014.

[6] تتضمن هذه الأسلحة أسلحة مضادة للصواريخ، آر بي جي،وقذائف الهاون، وصواريخ سام -24 . لمزيد من التفاصيل انظر: جريدة الأهرام، 23 يونيو 2012؛ "خريطة الأسلحة والجماعات المسلحة في سيناء"، موقع العربية نت، 6 أغسطس 2012:

http://www.alarabiya.net/articles/2012/08/06/230772.html

[7] Andreas Becker "Who Finance ISIS?", DW, June 19, 2014, http://www.dw.de/who-finances-isis/a-17720149

[8] المرجع السابق.

[9] Peter R. Neumann, "Foreign fighter total in Syria/Iraq now exceeds 20,000; surpasses Afghanistan conflict in the 1980s", International Centre for the Study of Radicalization and Political Violence, Jan 26, 2015

 

[10] انظر مثلا:"المتحدث الأمني: الأجهزة الأمنية تتابع مجموعات مشبوهة فرقها الانتماء الفكري ووحدها الإرهاب"، وزارة الداخلية السعودية، 8 ديسمبر 2014؛ الإطاحة بتنظيم مكون من خلايا عنقودية مرتبط بتنظيم داعش الإرهابي، وزارة الداخلية السعودية، 18 يوليو 2015.

[11]"اعترافات شبح الريم بالصوت والصورة"، جريدة الاتحاد الإماراتية، 15 أبريل 2015.

[12]يوسف ورداني، "Youth Extremism: مداخل مكافحة التطرف بين الشباب في مصر"، بدائل، عدد 10، يناير 2015.

[13] للمزيد انظر موقع مركز هداية: : http://www.hedayah.ae/?lang=ar

[14] البيان، 20 يوليو 2015.

[15] Seth G. Jones, Martin C. Libicki, "How Terrorist Groups End? Implications for Countering al Qa'ida",RAND Corporation , August 2008. 

مجلة آراء حول الخليج