; logged out
الرئيسية / التحالف السعودي ـ التركي في سوريا: من التنسيق العسكري إلى التعاون الاستراتيجي

العدد 105

التحالف السعودي ـ التركي في سوريا: من التنسيق العسكري إلى التعاون الاستراتيجي

الأحد، 06 آذار/مارس 2016

 

الروس يسعون لتجربة في سوريا ضد المعارضة كتجربتهم في غروزني الشيشانية، ومواصلة ضرباتهم في سوريا لفرض أجندتهم في جنيف3 والإيتاء ببديل عن المعارضة، لكن المعارضة خذلتهم بعدما ذهبت إلى جنيف3 رغم أنها تعرف أن مصيره الفشل، بل فشله أكبر من فشل جنيف2، لكن ذهبت بضمانات غربية لم تتحقق، قد تكون الولايات المتحدة تريد توريط روسيا ووضعها في زاوية حرجة، ومعروف عن واشنطن قدرتها على نصب الفخاخ لفرائسها ومن ثم الانقضاض وليس شرطا بالقوة الخشنة، بل هناك استراتيجية جديدة تطبقها واشنطن تسمى بالقوة الناعمة.

الانتقال لمرحلة مقبلة بعد فشل جنيف3 لأن الضمانات لم تتحقق بسبب مواصلة روسيا ضرباتها في سوريا ضد المعارضة دعما للنظام، ما جعل موسكو تتبجح بأنه لولا التدخل الروسي لما استطاع النظام السوري أن يصمد، وجعلت موسكو الغرب الذي أعطى ضماناته للمعارضة بلا مصداقية، واستمر القصف الروسي، فيما كانت المفاوضات جارية في جنيف3، وفي الوقت نفسه لم يتم إطلاق سراح الأطفال المعتقلين، وتنفيذ كل ما يسمى بالقضايا الإنسانية وفقا للقرار الأممي 2254.

وجدت السعودية فرصتها بعد إلقاء مجلس الأمن الذي عقد في نيويورك في 5 فبراير 2016 م، باللوم على النظام السوري وروسيا في إفشال جنيف 3، وتم تأجيل الاجتماع إلى 25 فبراير ولكن بشروط ثلاثة حددها المندوب الفرنسي لاستئناف المحادثات، هي احترام القانون الدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، والسعي لإنشاء حكومة انتقالية في سوريا.

 عندها أعلنت السعودية استعدادها لإرسال قوات برية لمكافحة تنظيم داعش في سوريا، ما جعل البنتاغون يجد فرصته في القبول بتلك المبادرة التي كان يبحث عنها، وأوضح إثر تلك المبادرة وزير الدفاع اشتون كارتر أنه يعتزم مناقشة تفاصيل الخطة العسكرية والدور الجديد للقوات البرية السعودية في مكافحة داعش خلال اجتماعه مع نظيره الأمير محمد بن سلمان في بروكسل مع وزراء دفاع 24 دولة لتسريع جهود مكافحة داعش، خصوصا بعدما وجدت السعودية أن خطة دي مستورا غير قابلة للتطبيق عبر وثيقة مسربة تكشف خطة لإنشاء فريق استخباراتي يراقب وقف النار في سوريا.

بالطبع السعودية لن تتدخل في سوريا إلا في إطار توفر إرادة دولية وضمن منظومة عسكرية كبيرة، واكتفى مسؤول تركي التعليق على إمكانية تحرك سعودي من الأراضي التركية، بل اكتفى بأن هناك تعاون وثيق بين الجانبين السعودي والتركي من أجل مصلحة الشعب السوري، وفي الوقت نفسه أكد المسؤول التركي على أن الحشود التركية على الحدود السورية التي يتحدث عنها الروس هي حشود دفاعية، وطبعا التدخل هو لحماية المعارضة ومحاربة داعش والمليشيات الشيعية، وبعد دخول 40 ألف مقاتل من مليشيات الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا، واتهام بريطانيا لروسيا بأنها تنوي إقامة دويلة علوية كما قال وزير خارجية بريطانيا هاموند وهو ما وصفته روسيا على لسان لوكيانوف نائب سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي بأنه حماقة.

350 غارة روسية على حلب لمحاصرة المعارضة السورية في الريف الشمالي وقوات النظام وحلفائه وهو أكبر إنجاز يحققه النظام السوري منذ عام 2012م، من أجل فك الحصار عن قريتي نبل والزهراء الشيعيتين حتى ينضم إلى صفوف النظام نحو خمسة آلاف مقاتل ومعظمهم من المدربين على يد حزب الله حتى يتمكن النظام السوري من محاصرة حلب بالكامل حتى تبقى منفذا وحيدا إلى تركيا وهو معبر باب الهوى.

هناك قلق سعودي ـ تركي من قيام مليشيات شيعية وكردية في العراق وسوريا بحجة تطهير الموصل والرقة وقتال داعش في أراضي السنة والتركمان من إبعادهم عن قراهم القريبة من الحدود التركية أي ممارسة تطهير عرقي لتأكيد النقاء العنصري للدولة الكردية المنشودة في البلدين وهو ما جعل السعودية ترفض توجيه دعوة لفصائل أكراد سوريا إضافة إلى فصائل أخرى لحضور مؤتمر الرياض للمعارضة السورية التي تمكنت من تشكيل وفد تفاوضي موحد وهيئة عليا للإشراف على المفاوضات أثبتت السعودية قدرتها على قيادة المرحلة المقبلة في سوريا وجاهزية المعارضة لاستلام الحكم عكس ما تروج له إيران وروسيا بترك بشار الأسد فراغ سياسي يجعل داعش والجهاديين يملؤون هذا الفراغ.

 فيما نجد النظام السوري وعلى لسان وزير خارجيته وليد المعلم يحذر السعودية بلهجة المنتصر، عندما قال لا أحد يفكر في الاعتداء على سوريا أو انتهاك سيادتنا لأننا سنعيد من يعتدي في صناديق خشبية كائنا من يكون، وهذه مشكلة النظام السوري الذي لم يتمكن من المصالحة مع شعبه، وجعل من سوريا أرضا مستباحة، بل حتى قراءته في التعويل على النظامين الإيراني والروسي خاطئة قد يكون راهن على الولايات المتحدة التي تراوغ النظام الروسي وفق تكتيكات أدركتها السعودية وهي تلعب على نفس تلك التكتيكات.

 أصبحت سوريا تحت الوصاية الدولية، ولم يعد النظام يمتلك شرعية بعدما قتل من شعبه أكثر من 400 ألف وشرد أكثر من 10 ملايين سوري، وأكثر من 5 ملايين مدني تحت الحصار في 18 بقعة، والإحصائيات متفاوتة، وأصبح النظام السوري بيد إيران وروسيا، بعدما كان يمكن إسقاطه وقت الأزمة الأوكرانية، لكن لم يحدث بسبب ممانعة أوباما من منح المعارضة القوة اللازمة لإسقاط النظام كما ذكرت وفق تكتيكات أميركية لجذب الدب الروسي إلى سوريا بدلا من مقاتلته في حديقته المجاورة الذي يصبح صاحب حق بينما في سوريا معتدي، خشية أن يحل محلها جماعات متشددة، وهو ما تنبهت له السعودية، وحاولت تنظيم صفوف المعارضة في الرياض، التي أصبحت جاهزة لتسلم الحكم بعد إسقاط نظام الأسد.

كيري وزير الخارجية الأمريكي يعول على نجاح مساعيه في وقف الحرب في سوريا على غرار نجاحه عام 2013م، في تحقيق توازن في التعامل مع روسيا عندما تمكن من التوصل إلى اتفاق مع روسيا لتفكيك الجزء الأكبر من الأسلحة الكيماوية التي بحوزة دمشق في الوقت كان يوجه لروسيا اتهامات بالتغطية على جرائم حرب سوريا مع ذلك نجح في اعتراف سوريا بأنها تمتلك أسلحة كيماوية والتخلص من معظمها.

 ينظر الروس إلى الإجراءات الأمريكية بخصوص قضية ماغنتيسكي باعتبارها إهانة، فهل ينجح كيري في تحقيق توازن جديد في التعامل مع روسيا بوقف المذابح التي عاونت روسيا على وقوعها داخل سوريا؟، وهل تقبل روسيا بمعادلة جديدة تشترك فيها قوات إسلامية تشارك فيها السعودية ودول أخرى للمشاركة من أجل القضاء على داعش.

مصادر إقليمية وعالمية تحذر من نتائج التحالف السعودي ــ التركي على كثير من الملفات الإقليمية والدولية، كما تعتبر هذه المصادر أن هناك تحول سعودي بعد عاصفة الحزم بعدما كانت تبتعد عن دعم الجماعات المناهضة للأسد، وتمتنع عن تمويلها، بسبب أن مجموعات كثيرة منها كانت تتبع جماعة الإخوان المسلمين من جهة، وحتى لا تغضب الولايات المتحدة.

التقارب الجديد يثير حفيظة واشنطن وموسكو وحتى دول إقليمية لم تقرر حتى الآن إسقاط نظام الأسد، بينما ترى السعودية أن التحالف مع تركيا يعكس مدى الحاجة الملحة بعد نفاذ الصبر تجاه سياسة أوباما المترددة، وترى أن أوباما تخلى عن التزاماته تجاه المنطقة، وبدأ يركز في التقارب مع إيران وهي الورقة التي يلعب بها بوتين، ويفتقد لاستراتيجية متماسكة لإنهاء نظام الأسد الذي يسحق المعارضة لصالح الجماعات الجهادية المتشددة.

 تخطت السعودية مرحلة ما بعد الإخوان، وبدأت مرحلة الضامن والوسيط، ومسك العصا من النصف بين مصر وتركيا، وهي مقاربة جديدة تتطلبها المرحلة، لكنها لا تزال ترفض التعامل مع الإخوان الجهاديين، مما يسمح لها التعامل مع بقية الإخوان غير الجهاديين خصوصا في سوريا شرط التخلي عن مشروعهم الخاص والانضواء تحت مشروع الدولة الوطنية، كما حدث في الأردن التي انفصلت عن الجماعة الأم.

خاصة أن السعودية تستثمر قلق تركيا من دعم واشنطن لأكراد سوريا والتي نددت على لسان رجب أردوغان بشدة بدعم أمريكا العسكري لأكراد سوريا الذين تعتبرهم إرهابيين، مؤكدا أن سياسة واشنطن حولت المنطقة إلى بركة دماء، وأكد أردوغان لأمريكا بأنها لا تستطيع إجبار تركيا على الاعتراف بحزب الاتحاد الديمقراطي أو وحدات حماية الشعب الكردية وتعتبرهما تركيا مثل داعش وهو على صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا داميا في تركيا منذ 1984م، بل تعتبره أكثر خطرا على الأمن التركي.

 استثمرت السعودية هذا الخلاف بين تركيا وواشنطن، وأبدت استعدادها للدخول في سوريا عبر شمالها لمواجهة تنظيم داعش بريا وحتى جويا من المطارات التركية كشريك أساسي ضمن حلف إقليمي بقيادة أميركية لتحل الأزمة من عدة أوجه، هي بذلك تقنع أمريكا بأنها تقوم بمحاربة داعش بدلا من الأكراد الذين ترى فيهم واشنطن لديهم القدرة على محاربة داعش، وفي الوقت  نفسه تتخلى تركيا عن دعم الإخوان بعيدا عن الائتلاف السوري تحت قيادة السعودية، حتى يسير التحالف السعودي التركي على نفس المنوال لصالح المعارضة السورية وإحداث التوازن بهدف التقاسم للنفوذ في أي حل سياسي مستقبلي.

السعودية وتركيا يدركان أن موسكو وواشنطن لن يقضيا على الإرهاب، بل وضعوا نهاية له في المنطقة بعد عقد من الزمن، وتدرك السعودية أن التدخل بيد أميركا التي تقيم علاقة مع إيران لأنها تدرك بأن هذا التدخل الذي تصر عليه السعودية وتركيا يجلب حساسية الوضع الإقليمي الطائفي والدولي التنافسي وخاصة بعد التدخل الروسي.

النزاع يتصل بإعادة تركيب سوريا ما بعد الأسد، خصوصا بعدما أكد مندوب روسيا الدائم في جنيف أن الأكراد مواطنون يحق لهم المشاركة في رسم مصير سوريا، بينما السعودية رعت ائتلاف وطني يضم جميع الأطياف في الرياض دون أن تستثني أحدا من المكونات السورية، ما جعل موسكو تتجاهل بيان جنيف وتتحدث عن إصلاحات لا انتقال سياسي.

 السعودية دخلت مرحلة تحالفات جديدة مع الدولتين مصر وتركيا، فهي ترسخ تحالف سعودي مصري سياسيا وعسكريا عبر تشكيل القوة العسكرية العربية بدعم دولة الإمارات، في المقابل تسعى السعودية تشكيل تحالف إسلامي بالتحالف مع تركيا والباكستان تحضر لاتفاق استراتيجي عسكري غير مسبوق تجاوز سيناريو التحضير والإرادة السياسية، ويلتقيان هذان التحالفان في تحالف مشترك.

التحالف السعودي التركي دخل مرحلة جدية في سوريا، يتضح هذا من تصريح أردوغان عندما قال اتفقنا مع السعودية وقطر على ضرورة إنشاء منطقة عازلة في سوريا، بالطبع لا تريد السعودية وتركيا إحراج الولايات المتحدة مع إيران بعدما وقعت الاتفاقية النووية، لكنها تراها بأنها على حساب مصالحها وتسمح لإيران بالتمدد.

لذلك اكتفى أردوغان بأن إنشاء المنطقة العازلة تم بالتفاهم مع السعودية وقطر، وذكر أن الاتفاق لم يتم مناقشته مع واشنطن، بل اكتفى بقوله أن واشنطن وقعت اتفاقية مع تركيا تنص على تسليح وتدريب المعارضة، بل بدأ أردوغان يحذر أوربا من نفاد صبرها ويهدد بإغراق أوربا بالمهاجرين، أي أنه بدأ اللعب بورقة اللاجئين السوريين، واعتبر أن القصف الروسي ـ السوري المدعوم من إيران يمارس تطهيرًا عرقيًا.

هذه التحركات أربكت وأقلقت إيران ووكلاءها في المنطقة، وخصوصا نظام الأسد الذي أتى في سياق رد وزير الخارجية وليد المعلم في مؤتمر صحفي مشترك في دمشق مع نظيره الأرمني حيث وصف القيادة التركية بالسفاحين الجدد.

 تزامن هذا الرد مع تأكيد مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان الذي أتى على هامش اجتماع 42 لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في الكويت، قال بأن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي فقط، معتبرا أن إقامة منطقة عازلة وحظر للطيران تكرار للأخطاء السابقة.

المعطيات الجديدة فرضت على السعودية إدارة ملف الإخوان الذي قسم دول المنطقة، فأبلغت السعودية لأردوغان أنها تدعم السيسي كرئيس، ومن جانبها طلبت من السيسي أن تعيد المحكمة المصرية  النظر في قرارها حول اعتبار حركة حماس حركة إرهابية، واتجهت إلى ضبط العلاقة ما بين قطر ودولة الإمارات من أجل الحفاظ على تماسك دول الخليج وتنسيق مواقفها تجاه العديد من التحديات والملفات الإقليمية والأمنية لتوحيد الموقف الخليجي خصوصا بعدما أعلنت دولة الإمارات عن عزمها المشاركة بقوات برية ما يعني أن هناك بوادر تخطي المرحلة السابقة وتشكيل مرحلة جديدة بتشكيل مجلس تعاون استراتيجي ما بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا.

التفاهمات التي قادتها السعودية ساهمت في إعادة توازنات جديدة بالمشهد الإقليمي، وأصبحت العلاقات تنمو مع تركيا حول المسارين السوري والعراقي، مثلما رسخت السعودية علاقتها مع دولة مصر وانتقلت من التنسيق العسكري إلى التعاون الاستراتيجي.

 بذلك تكون السعودية تجاوزت عقدة ملف الإخوان، وحققت تحالفات مع جميع الأطراف المتصارعة بعيدا عن الاصطفاف مع طرف ضد طرف، لإعادة ترتيب أوراق المنطقة، التي ضربتها الفوضى على حدود السعودية حتى أصبحت محاطة بحزام من نار.

 كان لزاما على السعودية أن تبادر إلى إطفاء هذه النيران عبر تشكيل تحالفات متعددة، خصوصا بعد انسحاب أمريكا من المنطقة، ولعبها على وتر التوازنات ما بين المذهبين، من أجل تحقيق توازن استراتيجي، بعدما ساهمت هذه الإستراتيجية في تقسيم المنطقة بل وفي تفتيتها، فقط من أجل تحقيق اتفاقية نووية تاريخية مع إيران، حتى ولو تم تدمير المنطقة.

تستفيد السعودية من ورقة الصراع بين روسيا والغرب في صياغة استراتيجيتها بعد استثمار الغرب ممارسة تعزيز حضور الحلف شرق أوربا عبر نشر واشنطن معدات ثقيلة، ردا على تحركات موسكو، فيما اعتبرت روسيا تلك التحركات تهديدا لأمنها وللاستقرار الاستراتيجي في المنطقة، وافق الوزراء الذين اجتمعوا في بروكسل على تعزيز تواجد الحلف المتقدم في الجبهة الشرقية.

الاستراتيجية الجديدة تكمل الجهود المبذولة منذ 18 شهرا لتمتين قدرة الردع لقوات الحلف ردا على ضم روسيا للقرم في مارس 2014م، وهجوم الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا، في هذا السياق ستعزز قوات متعددة الجنسيات طمأنة الدول الحليفة في شرق أوربا منذ ربيع 2014م، على غرار إقامة مراكز لوجستية ونشر معدات و مقاتلات في دول البلطيق أو نشر مزيد من البوارج في بحر البلطيق أو البحر الأسود وفق ما أوضحه الأمين العام ستولتنبرغ، وستضاعف واشنطن نفقاتها العسكرية أربع مرات حتى سقف 3.4 مليارات دولار، لتعزيز الوجود الأمريكي في أوربا، وذلك عبر نشر معدات قتالية ثقيلة تشمل دبابات وقاذفات صواريخ تلائم فرقة أميركية من 15 ألفا إلى عشرين ألف عنصر، فيما تعتبر موسكو أن الانتشار الدائم لقوات مقاتلة للحلف عند حدودها منافيا للشرعية التي وقعت بين الحلف وروسيا عام 1997م.

التدخل السعودي أصبح أمرأ واقعا بعدما حصد السوريون ما زرعه العالم البائس، ولزيادة محاصرة إيران، ويقود إلى توقف التعاون التركي الإيراني، وتعويض تركيا عبر مفاوضات الربط الكهربائي الخليجي مع السوق الأوربية عبر تركيا، لكن نشر روسيا قطع بحرية في البحر المتوسط هي رسالة لتركيا ، لكن اتجهت الولايات المتحدة لتطمين تركيا إلى تحويل مطار رميلان في ريف الحسكة مهبطا للطائرات الأمريكية في مقابل مطار حميميم في ريف اللاذقية التي تتخذ منه موسكو قاعدة عسكرية جوية ،أي تحولت الأراضي السورية إلى ساحة للصراعات العسكرية، وعرض عضلات الدول الكبرى، بل اتجه الناتو إلى نشر طائرات الإنذار المبكر أواكس لتطمين تركيا، خصوصا بعد ظهور بوادر حرب إلكترونية بين موسكو وأنقرة، بل لوحت واشنطن بالخيار العسكري في سوريا، وأعلنت عن وقوفها مع أنقرة ضد العمال الكردستاني، ما جعل موسكو تصرح بأن التهديدات الأمريكية تحمل طابعا هداما، بل فتح الاتحاد الأوربي فصلا جديدا في مفاوضات ضم تركيا خصوصا إذا تحركت تركيا ضد تنظيم داعش على حدودها.

إعلان السعودية التدخل البري والجوي في سوريا لضرب داعش أربك الخطط الروسية والإيرانية، خصوصا أن مع تأكيد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن تدخل الجيش الروسي لن يساعد الأسد على البقاء في السلطة، وأضاف لصحيفة سود دويتشيه تسايتونغ الألمانية لن يكون هناك بشار الأسد في المستقبل، وأكد أيضا تصريح متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، "إن الأسد واهم إذا كان يعتقد أن هناك حلا عسكريا للحرب في سوريا" في إشارة إلى السيناريوهات الثلاثة التي اقترحتها روسيا إما توصل الأطراف إلى حل وسط خلال المفاوضات في جنيف، أو اندلاع حرب كبرى بمشاركة عدد من الدول كفزاعة تهدد بها الدول الغربية التي ترفض الدخول في أي حرب شاملة بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما اكتفى الغرب ببيان شجب بعدما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم.

 واستباقا للتدخل البري السعودي سارعت روسيا إلى تسخين جبهة الرقة بالتزامن مع معارك حلب، لكن الطائرات السعودية تنطلق من المطارات التركية من أجل محاربة داعش بجانب حصول المعارضة على كميات جيدة من صواريخ غراد من داعميهم لمساعدتهم على التصدي لهجوم تنفذه الحكومة السورية في حلب بدعم من روسيا.

القصف التركي لمواقع القوات الكردية السورية وعزم روسي على استئناف الغارات يلقيان بظلال الشك حول إمكانية إعادة إطلاق مفاوضات السلام، بينما جددت موسكو تحذيرها من أي عملية برية في سوريا ستؤدي إلى حرب عالمية، في نفس الوقت حذر وزير الخارجية الأميركي كيري من أن انهيار خطة السلام سيدفع المزيد من القوى الخارجية للانضمام للصراع وكأنه يؤكد ما صرحت به السعودية أنها أرسلت طائرات إلى قاعدة إنجيرليك التركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية بعدما رفض أوباما إرسال قوات برية إلى سوريا ما يعني أن أمريكا تقبل بقوات برية سعودية وإماراتية لمساعدة قوات المعارضة السورية المسلحة من أجل استعادة الرقة معقل الدولة الإسلامية، وكذلك أبدت الدوحة استعدادها للتدخل البري إلى جانب الرياض وأبو ظبي إذا طلبت منها السعودية،  لكن السعودية شددت على أن الخطوة تهدف لنشر قوات خاصة سعودية في سوريا تعتمد على قرار يتخذه التحالف الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية.

في غضون ذلك تستضيف السعودية مناورات عسكرية وصفها الإعلام بأنها الأكبر في المنطقة، بمشاركة 20 دولة عربية وإسلامية لتوجيه رسالة واضحة عن استعداد تلك القوات للحفاظ على أمن المنطقة، ما يعني أن هناك تحول كبير جدا سيحدث في المنطقة تقوده السعودية، أي أن المعادلة السعودية التركية غيرت المعادلة الروسية بل وضعت بوتين في زاوية حرجة.

وتأتي تلك المناورات التي تسمى رعد الشمال التي تشارك فيها قوات جوية وبرية وبحرية ، بمشاركة دول مجلس التعاون بكافة دوله إضافة إلى مصر وباكستان والمغرب وماليزيا والأردن ودول أخرى مثل السنغال وتشاد وتونس، بذلك تثبت السعودية جديتها في الاستعداد للتدخل عسكريا في بؤر التوتر في المنطقة التي باتت تشكل خطرا على أمنها وأمن الخليج وعلى هذا الأساس لا تستثني تدخلات السعودية بريا لمحاربة الإرهاب مدعومة بالتحالف الإسلامي العراق نفسه إضافة إلى سوريا حيث أن الطائرات السعودية تشارك قوات التحالف لضرب داعش في العراق.

يبدو أن أمريكا مع بداية الربيع العربي أوحت للعالم بأنها تنسحب من الشرق الأوسط نحو آسيا لمحاصرة الصين، واعتقد أن أمريكا نجحت في تضليل العالم، فقط من أجل أنها ترفض أن تتحمل المزيد من تكاليف حماية منطقة الشرق الأوسط وحتى أوربا خصوصا بعد الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة عام 2008م، فهي تريد أن تتحمل الدول الإقليمية مسؤولية أمنها بالتعاون مع واشنطن، لكن انسحابها من الشرق الأوسط تضليل، شجع روسيا على ملء الفراغ الذي تترك أمريكا في منطقة الشرق الأوسط، ما يعني أن حسابات موسكو كانت خاطئة، بل أصبحت لقمة سائغة للصيادين الأمريكيين الماهرين، الذين وجدوا في الدب الروسي بعدما كان ثقيل الحركة والإيقاع تحول إلى ممارسة طريقة الكاوبوي السريعة التي كانت تتصف بها أمريكا عندما احتلت العراق وأفغانستان، فكان تحرك روسيا السريع في جورجيا وأوكرانيا ثم أخيرا في سوريا، بينما تحول الكاوبوي الأمريكي إلى صياد ماهر ترك الوقت المناسب للانقضاض على فريسته، ما ترك الساحة للمحليين والمراقبين الذين وصفوا الواقع وصفا مبسطا وبليغا للأقطاب، لكن الأزمة في سوريا الآن ستقلب تحليل مثل هؤلاء المحللين والمراقبين في أين تصل لعبة التبادل بين قطبي الماضي والحاضر التي تحدد أيضا مصير الشرق الأوسط ليحل واقع جديد، والمنطقة تعول آمال على أول تحالف عسكري إسلامي في التاريخ الحديث بقيادة السعودية لحماية الشرق الأوسط.

هل يكتمل قمر التحالف العسكري الإسلامي العربي الذي تقوده السعودية يتحول إلى بدر منير له دور كلاعب إقليمي ودولي ذي وزن سياسي وعسكري يمارس الاصطفاف وراء التحالف السعودي الخليجي التركي لوقف الهلال الإيراني، ووقف التزاحم الإقليمي والدولي في سوريا والعراق؟، مع ذلك حاولت السعودية تصحيح مفاهيم روسيا وإقناعها بأن سوريا يجب أن تظل دولة مستقرة وموحدة وأبلغ ملك البحرين موسكو بذلك حين التقى ببوتين في سوتشي في 8/2/2016 م، حيث أكد أن دول الخليج بقيادة السعودية حريصة على إقامة شراكة إستراتيجية مع روسيا، وعلى إبقاء مصالح روسيا في المنطقة.

 فيما لافروف صرح بأن موسكو متمسكة بالقرار الأممي 2254 لحل الأزمة في دمشق، وهو تصريح فضفاض كل طرف يفسره بناء على وجهة نظره التي تخدم أهدافه، ثم أتى اتفاق بوتين والملك حمد حول حق السوريين في تقرير مصير بلادهم وهو أيضا اعتراف فضفاض، حتى أن مسؤول روسي صرح بأن هناك جهات تسعى لضرب علاقاتنا مع السعودية من بوابة الملف السوري ليس من أجل التنازل الروسي عن مواقفه بل من أجل تنازل السعودية عن مواقفها.

بالتوازي صرح السفير الروسي لدى السعودية أوليغ بأن روسيا لم تغتال علوش ولا تتحمل فشل جنيف3 يعتبر تقرب أكثر نحو السعودية بسبب غضب السعودية من روسيا نتيجة إقدامها على قتل علوش وهو زعيم معارض معتدل ما يعني أن روسيا تبحث عن قواسم مشتركة مع السعودية، لكنها عندما تغلب مصالحها تنهار تلك القواسم، خصوصا عندما تراوغ واشنطن، تارة تؤيد المطالب الروسية وتقف إلى جانبها حتى تستمر موسكو في البقاء بالمصيدة، وتارة تنقلب عليها بسبب الضغط السعودي حتى لا تخسر الحليف السعودي، وهي بذلك تريد ضرب العلاقات الروسية السعودية التركية عبر البوابة السورية، لكن يبقى تقدير المصالح بيد روسيا.

مع هذه التطورات مع روسيا نفت السعودية تحديد موعد زمني لزيارة الملك سلمان لموسكو التي صرحت به موسكو في صحفها، لكن السعودية تربط تلك الزيارة بنجاح مفاهمات حول سوريا، لكن يبدو حتى الآن بوتين في حالة من الشعور بالقدرة على التفوق في سوريا نتيجة حسابات خاطئة قدمتها له واشنطن من أجل تحجيم عظمة بوتين في سوريا على يد التحالف الإسلامي وحتى تضمن محاصرة روسيا من قبل الجميع، خصوصا من دول مهمة في أوربا وتركيا والسعودية وبقية دول الخليج رغم أن السعودية حاولت إنقاذ تلك الشراكة المتعثرة أكثر من مرة لكن يبدو أن بوتين لديه حسابات خاصة.

تعول السعودية على دول صاعدة خصوصا الصين والهند باعتبارهما بلدين يمتلكان ثقل سياسي واقتصادي وبشري كبير، وتعدان قوتان إقليميتان مؤثرتان لهما دور مهم في قضايا الاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي، وهي قراءة استشرافية تدركها دول الخليج لتبدل مراكز القوى الدولية وصعود قوى جديدة على غرار الصين والهند.

 هناك محاولة من دول الخليج لإشراك الدولتين في حل أزمة الشرق الأوسط، فبعد زيارة الرئيس الصيني للسعودية واستعداد بلاده للمشاركة في حل أزمة الشرق الأوسط خصوصا في سوريا، فإن دول الخليج أوفدت ولي عهد أبو ظبي إلى الهند من أجل تكريس الشراكات الجديدة والاستفادة من السياستين الهندية والصينية، خصوصا أنهما يتمتعان بقبول واسع سواء كان إقليميا أو عالميا، وفي ظل ما يتمتع به البلدان من توازن وحكمة في حل الكثير من القضايا، السعودية لن تنتظر اتفاقا روسيا- أميركيا حول سوريا ، لكنها تعول على  التعاون الإستراتيجي الخليجي بقيادة السعودية - تركيا من أجل تولي قيادة زمام حل الأزمة السورية تحت المظلة الأمريكية، على الأقل تريد السعودية عدم وقوف الصين في مجلس الأمن إلى جانب روسيا وكذلك تطالب تأييد الهند المطالب العربية في المجتمع الدولي.

مقالات لنفس الكاتب