; logged out
الرئيسية / أهمية تأسيس مجلس تعاون مشترك بين تركيا والسعودية

العدد 105

أهمية تأسيس مجلس تعاون مشترك بين تركيا والسعودية

الأحد، 06 آذار/مارس 2016

جاءت زيارة الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغانالختامية في عام 2015 م، للمملكة العربية السعودية بمثابة شهادة نجاح للرئيس التركي أردوغان والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيزآل سعود، حيث تم الإعلان في العاصمة السعودية الرياض يوم الأربعاء 30/12/2015م، عن تأسيس مجلس تعاون استراتيجي سعودي ـ تركي، فقد كانت تلك الزيارة الثالثة للرئيس التركي للمملكة العربية السعودية، وكانت هذه النتيجة حصيلة متابعة عام كامل للمشاكل والتحديات التي تواجهها المملكة العربية السعودية وتركيا معاً، لم تشهد مثلها في السنوات التي قبلها.

من الأهمية بمكان أن ينظر إلى مجلس التعاون التركي السعودي بأكثر من مقياس، بالتأكيد سيكون أولها العلاقات الثنائية بين تركيا والسعودية، ضمن رؤية استراتيجية غير قابلة للتأثر بصغائر الأمور، فالتعاون الاستراتيجي ميزته الأساسية أنه يشمل كل جوانب التعاون بين الدولتين، وبالأخص في الجوانب الأساسية ومنها السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، إضافة إلى صنع رؤية مشتركة تستطيع التغلب على كافة العقبات والعراقيل المحتملة إقليميا ودولياً، مع الأخذ بعين الاعتبار ارتباط كل دولة منهما مع مجالس تعاون أخرى، أو كانت عضوا في تحالفات أخرى، وحتى مع اتفاقيات ثنائية لكل دولة مع دولة ثالثة مثلاً، وبالأخص حساسية الرؤية السعودية من توثيق العلاقات التركية الإيرانية، في وقت تكاد تكون السعودية في صراع بالوكالة مع إيران في اليمن، وكذلك الرؤية التركية لارتباطات السعودية الوثيقة مع بعض الدول التي على خلاف مع تركيا مثل العلاقة السعودية مع مصر ، ومن مسلمات التعاون الاستراتيجي أن يشمل رفع مستوى التعاون الاقتصادي، وزيادة درجة الاستثمار المتبادل، وانفتاح الأسواق التجارية والسياحية والثقافية وغيرها.

 

2015 عام الصعاب والتحديات:

لا يمكن فصل النتيجة عن الأسباب، كما لا يمكن قراءة الحاضر قراءة صحيحة بمعزل عن معرفة الماضي معرفة صحيحة أيضاً، وقد يكون من الضروري ربط هذه النتائج بما تبعها من أحداث، تحمل في طياتها إضافة جديدة لتفسير ما حصل في الحاضر القريب، فقد كان من الواجب توقيع اتفاق تأسيس مجلس تعاون استراتيجي بين تركيا والسعودية في نهاية عام 2015م، وقد واجهت المملكة العربية السعودية تحديات كبيرة على أمن المملكة وشعبها، كما واجهت تحديات كبيرة على مستقبل منطقة الخليج والبلاد العربية والشرق الأوسط، بسبب التهديدات الإيرانية فقد دخلت السعودية بتاريخ 26/3/2015 م، في حرب فعلية في اليمن، بعد انقطاع طويل عن الدخول في حروب مع دول الجوار أو في حروب إقليمية واسعة، ولكن المملكة وجدت نفسها مضطرة إلى دخول هذه الحرب بالتعاون مع مجلس التعاون الخليجي أولاً، ومع دول التحالف الدولي باسم عملية "عاصفة الحزم"، بعد أن رفض الحوثيون الالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة لإعادة الحكومة الشرعية إلى العاصمة اليمنية صنعاء، وتمادى الحوثيون في محاولة فرض انقلابهم العسكري على كل أرجاء اليمن بما فيه جنوب اليمن وشماله، وهكذا أصبحت السعودية بحاجة إلى الحلفاء العسكريين الذين تثق بهم وفي مقدمتهم الجمهورية التركية، لقد أصبحت السعودية في لحظة تاريخية حاسمة لا تستطيع إعطاء الثقة الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية، وقد لمست السياسة السعودية أن أمريكا ساعدت الحوثيين على التمدد أو غضت النظر عن عدوانهم على الشرعية اليمنية، وربما كان ذلك باتفاق مع إيران في ظل المباحثات النووية التي كانت جارية بين الطرفين الأمريكي والإيراني، ولذا كان التعويل الأمريكي على التحالف العربي والإسلامي بالدرجة الأولى في الدفاع عن قضايا الأمة، ودخلت عاصفة اليمن وانتصرت فيها بعد تحقيق أهدافها في المرحلة الأولى، فكان من الحكمة السعودية أن تشرع في بناء تحالفات إسلامية عامة وثنائية، فدخلت عاصفة الحزم في اليمن وهي في حرب دفاعية أولاً، وحاربت بصورة جماعية باسم تحالف دولي، وبهدف مشروع وهو إعادة الشرعية إلى اليمن، وكانت تلبية لدعوة من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.

أما الموقف التركي من عاصفة الحزم فقد كان متميزاً وإن لم يرد اسم الجمهورية التركية في أسماء الدول المشاركة في تحالف عاصفة الحزم، حيث كان الموقف التركي منسجماً مع الرؤية التركية السياسية والأمنية لأوضاع المنطقة العربية والإقليمية، لقد جاء الرد التركي بعد ساعات قليلة من إعلان عاصفة الحزم ومن خلال بيان أصدرته وزارة الخارجية التركية أيدت فيه موقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه اليمن، وقالت الخارجية التركية: "ندين بشدة قيام ميليشيات الحركة الحوثية في اليمن برفض الانسحاب من صنعاء ومن المؤسسات الحكومية فيها عبر تنصلها من كافة الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في اليمن، ومن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2201، وبمواصلتها العمل من جانب أحادي، وبإطلاقها لحملة عسكرية من أجل السيطرة على عدن التي لجأ إليها السيد عبد ربه منصور هادي الرئيس الشرعي للبلاد وأعلنها عاصمة مؤقتة للبلاد. ونتيجة لهذه التطورات، فـقد خرجت عملية الانتقال السياسية التي بدأت في إطار مبادرة مجلس التعاون الخليجي في العام 2011 م، عن مسارها الصحيح، وانقلبت المكاسب التي حققتها هذه العملية رأسا على عقب. ومن الواضح أن هذا الوضع سيعمق من المشاكل الإنسانية والاقتصادية الوخيمة التي يعاني منها الشعب اليمني، ويخلق مناخا تستغله المنظمات الإرهابية، ويشكل تهديدا كبيرا للسلام والاستقرار والأمن الدولي.

هذا الموقف التركي صدر يوم 26/3/2015 م، أي في اليوم الأول لعاصفة الحزم وكان من المقرر بعد أيام أن يكون هناك زيارة للرئيس التركي أردوغان إلى إيران، استبقها الرئيس التركي بتصريحات نارية أدان فيها السياسة الإيرانية الطائفية علانية وبصورة غير مسبوقة في مواجهة القيادة الإيرانية، فقال الرئيس التركي إن "تصريحات إيران الأخيرة بشأن الأحداث في اليمن، طبيعية، وتوضح ماذا فعلته حتى الآن في التطورات الجارية بكل من سوريا والعراق، فإيران هنا تبدو وكأنها تريد أن تجعل المنطقة تحت هيمنتها وسيطرتها، فهل يمكن السماح لها بذلك"،وقال الرئيس أردوغان: " كل ما قام به الحوثيون في اليمن صراع مذهبي، فالوضع تحول في البلاد لصراع بين الشيعة والسنة، ونحن لا ننظر بشكل إيجابي لأي صراع من هذا النوع، ونعارضه بشدة"، وقال:" إن التصرفات الإيرانية باتت تزعج العديد من الدول كالمملكة العربية السعودية والعديد من دول الخليج"، مضيفا "وفي الحقيقة هذا أمر لا يمكن تحمله، وعلى إيران أن ترى ذلك، وتعيه"، وأضاف الرئيس أردوغان:" وفي العراق ترون ما يجري أمامكم، فمن ناحية هناك مواجهات مع تنظيم (داعش) الإرهابي، ومن ناحية أخرى تجدون الحرس الثوري الإيراني الذي أرسلته إيران إلى هناك. فهل هذا شيء صائب؟"، لافتاً إلى أن" إيران تفعل نفس الأشياء في سوريا التي فيها شخص قتل 300 ألف من مواطنيه، فهل هذا القاتل يمكن لمسلم أن يدافع عنه؟، أعتقد لا"، والخلاصة أن أردوغان طالب الحكومة الإيرانية:" أن تغير وجهة نظرها، وعليها أن تسحب كل قواتها ومالها من اليمن، وسوريا والعراق، وعليها أن تحترم سيادة تلك الأراضي ووحدتها"([1]).

القراءة المستقبلية للعلاقات التركية السعودية:

إن الموقف التركي ومن رئيس الجمهورية أردوغان من السياسة الإيرانية الخاطئة في البلاد العربية قد فتح صفحة جديدة للعلاقات التركية السعودية، وأسس لتحالف قوي بين السعودية وتركيا على أساس أن التحديات واحدة، وأن الحل واحد أيضاً، وهو ثني القيادة الإيرانية عن سياستها الطائفية بالطرق السياسية أولاً، وإلا فإن وضع الخيارات الأمنية والعسكرية ضرورة دفاعية، سواء في اليمن أو في سوريا أو غيرها، أي أن كلتا الدولتين السعودية والتركية يريدان تصويب الوضع السياسي في المنطقة كلها، ولا تقوى السعودية وحدها ولا تركيا وحدها من مواجهة الاعتداءات الإيرانية في المنطقة، ومن باب أولى أن لا يستطيعان علاج الأخطاء الإيرانية وهما أي السعودية وتركيا غير متفقتين، فمستقبل سوريا يكمن في أيدي الشعب السوري أولاً، ويكمن بأيدي جيرانها من العرب والأتراك، إضافة إلى أن السعودية وتركيا تعانيان من نتائج السياسة الإيرانية العدوانية داخل دولهما وليس في العراق وسوريا واليمن فقط.

إن الدولتين السعودية وتركيا تطالبان إيران بالحل السياسي والسلمي لقضايا المنطقة، وأن تبدأ إيران بسحب قواتها وحرسها الثوري من اليمن وسوريا والعراق، والمطالبة بسحب هذه القوات دليل على اعتبارها قوات أجنبية ولا حق لها في التواجد في الدول العربية، وفي نفس الوقت فإن الحكومة والرئاسة التركية وهي ترفض سياسة الصراع المذهبي الشيعي ضد أهل السنة، إلا أن ذلك لا يمنعها من الاعتراف بواقعها، فالواقع أن إيران وحرسها الثوري والميليشيات التابعة لها في البلاد العربية مثل حزب الله اللبناني والعراقي يحارب في هذه الدول على أساس مذهبي، ويوجهان التهديدات إلى السعودية بشكل دائم، ولذا فإن رفض السياسة التركية لهذا الصراع المذهبي لا يعني امتناع تركيا عن مساندة الحق ومناصرة الشعب السعودي والخليجي واليمني والعراقي والسوري لمواجهة هذه التهديدات الطائفية، دون أن يكون التعاون مع السعودية أو الحلف الإسلامي على أساس مذهبي، وإنما مناصرة للحق ورفضاً للظلم.

وعلى هذا الأساس قدمت تركيا دعمها اللوجستي وحتى الإمداد العسكري لعملية "عاصفة الحزم"، بناءً على طلب من سمو الأمير محمد بن نايف خلال زيارته لتركيا، قبل سفر الرئيس التركي لإيران بعد إعلان المواقف التركية المعادية للسياسة الإيرانية الطائفية، وبالتالي تم تهيئة الأرضية الاستراتيجية للتعاون الأمني والعسكري بين تركيا والسعودية، وهذا أمر اعترف به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعد أيام من توقيع تأسيس "مجلس التعاون الاستراتيجي" التركي السعودي فقال:"إن هدف مجلس التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا "التنسيق بين البلدين أمنياً، وعسكرياً، واقتصاديّاً، ومالياً، وتعليميّاً، من أجل دفع العلاقات الثنائية لخدمة مصالح البلدين".  

وفي سياق آخر أوضح وزير الخارجية السعودي أن التّحالف الإسلامي الذي تقوده بلاده ضد "الإرهاب"، والذي أعلن عنه بعد أسبوعين من تأسيس "مجلس التعاون الاستراتيجي" التركي السعودي يهدف لإيجاد استراتيجية شاملة لمواجهة الظاهرة أمنياً، وعسكرياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، وتعليميّاً"، وأضاف أنّ "الإرهاب لا يمكن القضاء عليه دون توحيد الصف ودون تعاون دولي، وذلك لنبرز أنّ الإسلام يرفض الإرهاب وأنه ضحيته"، في إشارة لتشكيل تحالف عسكري إسلامي بقيادة السعودية، فالسعودية ستكون مضطرة للقيام بأعمال عسكرية خارج حدودها وبالأخص في سوريا، بعد العدوان الروسي على سوريا، ومحاولته القضاء على الثورة السورية لصالح بشار الأسد بعد قتله لنحو نصف مليون مواطن سوري وتشريده لأكثر من ثلاثة عشر مليونا داخل سوريا وخارجها، أي أن الموقف الروسي منحاز إلى بشار وحلفه الإيراني الطائفي، فروسيا لم تأت إلى سوريا للقيام بدور سلمي أو حيادي لحل الأزمة السورية، وإنما لمناصرة حلف عسكري معتدي على الشعب السوري لأسباب طائفية، والانحياز الروسي لم يتوقف على الجوانب العسكرية، بل ظهر في جنيف3 الذي عقد يوم 29/1/2016 م، على أنه منحاز سياسيا ويريد أن يفرض أجندته السياسة على الثورة السورية، وبالتالي على الرؤية السعودية والتركية، وهو ما يتطلب تعاونا عربيا وتركيا أقوى وبشكل أكبر وأوسع. 

وفي الجانب التركي فإن التحديات التي واجهتها تركيا في عام 2015 م، كانت صعبة ومريرة وقاسية، وكادت أن تطيح بما أنجزته حكومات حزب العدالة والتنمية في السنوات الأربع عشرة الماضية، فمنذ انتخابات 7حزيران 2015 م، قامت عناصر حزب العمال الكردستاني بعمليات إرهابية قتلت مئات المواطنين الأتراك من الشرطة والجنود والمدنيين من كافة القوميات التركية بما فيهم المدنيين الأكراد، بهدف زعزعة استقرار تركيا والنيل من مواقفها السياسية الداخلية والخارجية، بما فيها دعمها للقضايا العربية العادلة، وهذه العمليات الإرهابية لا يمكن إبعاد التورط الإيراني عنها، لأن حزب العمال الكردستاني يأخذ أوامره من قيادته في جبال قنديل شمال العراق، حيث يسيطر الحرس الثوري الإيراني، بل ويرفع علم الجمهورية الإيرانية على جبال قنديل العراقية، باعتبار أن جبال قنديل جزء من الامبراطورية الإيرانية المزعومة لدى القيادة الإيرانية، كما جاء في تصريحات مستشار الرئيس الايراني بأن عواصم عربية أربع أصبحت تحت الهيمنة الإيرانية، بفضل عدوان الحرس الثوري الإيراني عليها، وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

هذه الاضطرابات السياسية والأمنية في داخل الأمن القومي السعودي والتركي استوجبت تعاونا أمنياً كبيراً بين تركيا والسعودية في عام 2015م، وسوف تستوجب تعاوناً أمنيا كبيراً في عام 2016 م، وفي المستقبل، وبالأخص بعد توقيع الاتفاق لتأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي السعودي التركي، فالتحديات لا تزال قائمة في أبعادها الأمنية والعسكرية، والخطر القادم من الحرس الثوري الإيراني تمدد إلى الحدود الروسية، وروسيا لا يستبعد قيامها بأعمال عدائية مباشرة على دول الخليج وتركيا بعد أن تورطت في الأزمة السورية عسكريا بصورة مباشرة من تاريخ 30/9/2015م، فروسيا الآن في وضع حرج بعد فشل خطتها الأولى، في تثبيت حكم بشار الأسد، وقد تلجأ إلى تقسيم سوريا بالتعاون مع أمريكا وإسرائيل وإيران والأكراد، والتقسيم ضد مصالح العرب والأتراك معاً، مما يستدعي تعاونا سياسيا وعسكريا أكبر بين تركيا والسعودية ودول الخليج أيضاً.

لقد وضعت روسيا خطتها العسكرية لإنجاز مهمتها خلال أسابيع قليلة، وهي القضاء على فصائل الثورة السورية العسكرية في الداخل، ثم تبين لها بعد شهرين تقريباً أنها أمام مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة، وأدركت أن تركيا والسعودية وقطر تقف إلى جانب المعارضة السورية الأصلية منذ أربع سنوات تقريباً، وأنها لن تفرط بها بسهولة رغم الضغوط الروسية أو الغطرسة الروسية، ولذلك أخذت الغطرسة الروسية تتعرض للسياسة التركية والسعودية، ولم يكن إسقاط الطائرة الروسية المعتدية على الأجواء التركية إلا جواب الحزم والحسم التركي على الاعتداءات الروسية على تركيا بتاريخ 24/11/2015، وتصعيد الموقف العدائي الروسي وفرض العقوبات الروسية على تركيا يؤكد ذلك.

وكذلك فإن تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير التي أكد فيها موقف المملكة العربية السعودية من دعم المعارضة السورية بما فيها الخيار العسكري في حالة فشل الحل السياسي هو مصدر قلق لروسيا وقد يكون لها ردود أفعال سيئة، قد لا تقل حقدا عما اتخذته ضد تركيا، وفي مؤتمر جنيف الأخير صرح وزير الخارجية السعودية بأن السعودية تقف مع المعارضة السورية في فريق واحد وليست داعما سياسيا لها فقط، وعليه فإن التهديدات الروسية بتدمير المعارضة السورية في الأشهر الثلاثة القادمة هي تهديدات موجهة إلى المريدين والداعمين للثورة السورية بطريقة غير مباشرة، وهي تهديدات قد تكون موجهة إلى دول  مجلس التعاون الاستراتيجي ومن بينها تركيا والسعودية، لأن فشل مسار الحل السياسي مؤكد في ظل الغطرسة الروسية والتخاذل الأمريكي، وهذا يعني أن الحل المتبقي هو الحل العسكري، وأن السعودية وتركيا سوف يدعمان المعارضة السورية بالإمكانيات العسكرية الضرورية لمواجهة العدوان الروسي، فروسيا صعبت الوضع السياسي والعسكري في سوريا بتحريض أمريكي، حيث أن الاستراتيجية الأمريكية إدامة كل مناطق الصراع في العالم العربي والإسلامي إلى أمد مفتوح، بما لا يهدد الأمن الإسرائيلي ولا المصالح الأمريكية، وهذا يتطلب حذرا من تركيا والسعودية ودول التحالف الإسلامي ضد الإرهاب وألا تكون عملياتها العسكرية مرهونة بالقيادة الأمريكية فقط، لأنها لن تكون لصالح السعودية ولا تركيا في هذه الحالة، بل لابد من استقلال القيادة التركية والسعودية عن القيادة الأمريكية، دون نفي التعاون معها لإبعاد مخاطر العدوان الروسي الهمجي على المنطقة العربية والإسلامية، مع الأخذ بعين الاعتبار الاعتداءات الروسية على السعودية على أيدي الحوثيين، بإطلاق صواريخ سكود الروسية على الأراضي السعودية، وعلى تركيا بأيدي حزب العمال الكردستاني.

الخاتمة:

إن الموقف التركي والسعودي من الوضع في سوريا ينبغي أن يتبلور أكثر ، فلا ينبغي على الدول العربية والإسلامية ترك الشعب السوري لقمة صائغة لغطرسة روسيا، الذي لا تقصف إلا تجمعات المعارضة والمدارس والمستشفيات بحسب تقارير منظمة العفو الدولية أمنستي، وبحسب إفادات لمبعوثين دوليين تابعين للأمم المتحدة أيضاً، بل إن المسؤولية على تركيا والسعودية أكبر من غيرهما بحكم ما أولوه من دعم للشعب السوري منذ بداية الصراع في سوريا، فالشعب السوري يتطلع إلى المساعدات السعودية والتركية قبل غيرهما، و السعودية وتركيا مطالبتان في المستقبل أن تكثفا حملة إعلامية عالمية ضد العدوان الروسي على الشعب السوري، فقد ثبت كذب الدعوى الروسية بأنها جاءت لمحاربة الإرهاب في سوريا، فالقتلى من القصف الروسي هم من المدنيين، وليسوا من الإرهابيين.

وأما الجوانب الاقتصادية الناتجة عن تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي التركي السعودي، فقد أخذت طريقها إلى الارتياح بين رجال الأعمال السعوديين والأتراك في زيادة الاستثمار المتبادل بين الدولتين، ولعل بدايتها يتمثل في اتفاق شراء وبناء معدات عسكرية تركية للسعودية بقيمة عشرة مليارات دولار في العام الحالي 2016 م، إضافة إلى توقيع عقود بناء ملايين الشقق السكنية في المملكة العربية السعودية من قبل شركات تركية، تقدر بعشرات ومئات المليارات، ومع أهمية هذه المشاريع الاقتصادية وغيرها كثير إلا أن نجاح التحالف التركي ــ السعودي في مواجهة التحديات الأمنية الخارجية هو الأساس القوي الذي سيقرر مستقبله ويثبت أهميته.

 

([1]) انظر الرابط: مقابلة الرئيس أردوغان مع وكالة فرانس24 بتاريخ 27/3/2015 (http://akhbarturkiya.com/?p=53712). 

مجلة آراء حول الخليج