; logged out
الرئيسية / تركيا والعرب.. إرث التاريخ ومنطق الجغرافيا إطلالة من نافذة الخليج العربي

العدد 105

تركيا والعرب.. إرث التاريخ ومنطق الجغرافيا إطلالة من نافذة الخليج العربي

الأحد، 06 آذار/مارس 2016

  • حدثت مؤخرًا على المستوى الإقليمي تطورات عنيفة، واكبت ما يشبه الهجمة لقوىً إقليمية ودولية حاولت أن تتخطى خطوط حمراء، ما كان للأمن القومي العربي أن يتجاهلها، ويبقى العرب في مأمن من أضرارها الاستراتيجية الممتدة، على أمن دولهم واستقرار مجتمعاتهم. ما يحدث الآن في بعض قلاع وحصون العرب التقليدية، في اليمن والعراق وسوريا، من حروب اختلط فيها المحلي بالإقليمي والدولي، لتشكل في مجملها خطرا استراتيجيا ناجزا على العرب جميعهم، ولا يقتصر فقط على مجتمعات ساحات الصراع العربية تلك، التي كان بعضها، لوقتٍ قريب، يشكل بوابات منيعة يتحصن داخلها أمن العرب واستقرارهم واستقلالية قرار القضايا القومية الكبرى للعالم العربي، بدايةً بقضية فلسطين.. ومرورًا بقضايا الوحدة والتكامل العربي، وانتهاءً بقضايا سياسية ملحة ومهمة لها علاقة بإحداث تنمية سياسية حقيقية ترفع من مكانة وكفاءة وفاعلية الأنظمة العربية لتقترب من مصادر الشرعية الحقيقية النابعة من الإرادة الحرة للمواطن العربي، وتحدث نقلة حضارية في مجتمعات العرب وبين أقوامهم. 

 

ما يحدث في بؤر الصراع الساخنة على التخوم الشرقية والشمالية الشرقية من العالم العربي في العراق وسوريا، وحتى لبنان، يقابله محاولة اختراق من الخاصرة الأكثر حساسية وخطورة في الركن الجنوبي الشرقي للعالم العربي (اليمن)، إنما يشبه صراع القوى الدولية في المنطقة، بداية القرن الماضي، عند بداية أفول الخلافة العثمانية، وتداعي قوى الاستعمار التقليدي على المنطقة العربية، لوأد فكرة الوحدة العربية من أساسها، وتستبدلها بكيانات إقليمية هشة، تبلورت في النصف الثاني من العقد الماضي بإنشاء الجامعة العربية، لتكرس الشرعية الإقليمية لصيغة الدولة القومية الحديثة في العالم العربي، وتتوالى، منذ ذلك الحين مشاريع التكامل الإقليمي الخجولة في المنطقة العربية، بعيدا عن حلم الوحدة العربية، الذي جسدته الثورة العربية بداية القرن الماضي، على الهيمنة العثمانية التي سيطرت على العالم العربي، لما يقرب من ثمانية قرون. 

 

فشل نموذج الدولة القومية الحديثة عربيًا

 

مع الوقت تكرس مفهوم وقيم ومؤسسات الدولة القومية الحديثة في العالم العربي على أسس جهوية، تفصل بينها حدود من صنيعة المستعمر، لتستبدل الهوية العربية، بشعوبية هشة تجتمع فيها تناقضات ومفارقات، ولا نقول تعددية، المجتمعات العربية، لتطور في هذه الدول أشكال من الشيفونية الضيقة، تغلبت -في النهاية -على فكرة الوحدة العربية، بل وأيضا طغت على الهوية الإسلامية لشعوب المنطقة، التي كانت تتجسد في رمز الخلافة العثمانية. لقد أخذ العرب صيغة الدولة القومية الحديثة من تراث الثقافة والممارسة الأوربية، لكن غاب عنهم جوهرها، الذي جعل أوروبا بعد قرون من الصراع تطور تجربة تكاملية فذة، في فترة وجيزة جدا، لا تتجاوز النصف قرن، بينما صيغة الدولة القومية الحديثة في العالم العربي، بالرغم من سبقها للتجربة التكاملية الأوروبية، لم تتطور بعد إلى إنشاء منظمة إقليمية عليا (Supranational) تتجاوز صلاحياتها وسلطاتها صلاحيات وسلطات أعضائها السيادية. 

 

صيغة الدولة القومية الحديثة في العالم العربي، لم تفشل في إنشاء كيان إقليمي قوي يزيد من متانة واستقرار أعضائه ويرفع كفاءة أنظمته السياسية المختلفة في إشباع حاجات المواطنين بتكريس تنمية مجتمعية مستدامة، تشكل حاجز صد رئيسي أمام أي احتمالات لانهيار الدولة من الداخل. لقد ثبتت هشاشة صيغة الدولة القومية الحديثة في العالم العربي، عند أول محاولة لاختراقها من الداخل، دون ما حاجة إلى غزو من الخارج.

 

في حقيقة الأمر نظام صدام حسين، ومعه دولة العراق، سقطا من الداخل، وما كان الغزو الخارجي إلا عملية إسراع لهذا السقوط، وليس بالضرورة سببا، في ذلك السقوط. سوريا نراها تتفكك من الداخل، بفعل خطايا نظام البعث فيها، وإلا ما كان لأي قوىً خارجية أن تتجرأ لتغزو سوريا، سواء في شكل تدخل دولي وإقليمي مباشر، أو بفعل تنظيمات غير نظامية استغلت فوضى أوجدتها ثورة شعبية عارمة على نظام الأسد، من أجل خدمة أجندات إقليمية ودولية. اليمن يمثل حالة فشل "كلاسيكية" لصيغة دولة قومية حديثة في مجتمع قبلي، لم تتطور في قيمة ومفهوم المواطنة للدولة، مقابل الولاء للقبيلة، الذي ظل النظام "الجمهوري" يعمل على تكريسه، من أجل بقائه في السلطة، حتى بعد أن فشل في الاستمرار في السلطة، بصيغة إزدواجية الولاء للقبيلة، قبل الدولة، لجأ إلى قوىً إقليمية لها أطماع تاريخية ممتدة في اليمن، مستغلا المتغير الطائفي، على حساب وحدة الدولة، طمعًا في البقاء في الحكم. 

 

نموذج الدولة الخليجية

 

لم تشهد المنطقة استقرارا لصيغة الدولة القومية الحديثة، كما هو حادث في منطقة الخليج العربي، وإن كان نموذج الدولة القومية الحديثة في دول مجلس التعاون الست، بعيدا كل البعد عن جوهر التجربة الأوروبية، في هذا المجال. وهذا ينسحب أيضا على فشل التجربة التكاملية لمجلس التعاون مقارنة بتجربة الاتحاد الأوروبي. إلا أنه ما يمكن أن يجعل دول مجلس التعاون الست أكثر استقرار وأكثر بعدا عن محاولة اختراقها داخليا من الخارج، كما حدث في العراق وسورية واليمن، هو ذلك المتغير الاقتصادي القوي، الذي حال دون أي محاكاة لتجارب "الهبات" الشعبية، التي حدثت في سوريا واليمن، وأفسحت الطريق لقوىً إقليمية ودولية لتعبث بمصير الدولة، في معظم دول ما يسمى بـ "ثورات الربيع العربي". لكن هذا لا يعني أن هذه الدول تخلو، في بعضها على الأقل من تهديدات حقيقية لمصير الدولة فيها.

 

العديد من هذه الدول يتهددها المتغير الطائفي، كأخطر الممرات التي يتسرب منها العبث الإقليمي، خارج معالجة سياسية شجاعة لهذا الملف الخطير والحساس، فإن صيغة الدولة القومية الحديثة في كثير منها تواجه مصيرًا غامضاً .. كما أن مستوى التنمية، بين هذه الدول متفاوت، لدرجة أن بقاء بعضها يعتمد على إعانة بعضها الآخر، مما يعكس أهم إخفاقات التجربة التكاملية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. أيضا هذه الدول، بالرغم من تشابه أنظمتها السياسية، إلا أن مستويات التنمية والممارسة السياسية متفاوت فيها، بدرجة كبيرة. هذا بالإضافة إلى حقيقة خلفية مجلس التعاون، عند نشأته كانت أمنية في الأساس، إلا أن حاسة الأمن الإقليمي الجماعي لم تتطور، بعد، في هذه الدول، بالرغم من التجربة المريرة التي مرت بها هذه الدول، عندما غزا صدام حسين الكويت في الثاني من أغسطس ١٩٩٠م. كل تلك الاختلافات أدت إلى ضعف تجربة التكامل الإقليمي بينها، بسبب طغيان مفهوم الدولة على إمكانات التكامل الإقليمي بينها.

 

تركيا تحديات الجغرافيا وخطر الإرهاب

 

أين تركيا، من كل ما يحدث على تخوم حدودها مع العرب، بسبب فشل مشروع الدولة القومية الحديثة في مناطق تلك التخوم. تركيا شاءت أم أبت فإنها لا يمكن أن تتجاهل ما يحدث على تخومها الشرقية والجنوبية، مع العالم العربي. تركيا، منذ مجيء حزب العدالة والتنمية أعلنت عن سياسة خارجية تقوم على أساس "تصفير" مشاكلها المزمنة في محيطها الإقليمي... إلا أن "عداد" قياس تلك المشاكل وحدتها يأبى إعادة "البرمجة" من جديد، من أجل أن يبدأ عهد جديد من علاقات لا تأسرها عقد التاريخ.. وتكبلها مظالمه.


إن كانت تركيا، نجحت إلى حدٍ كبير في التعامل بكفاءة عالية مع المسألة الكردية في داخلها، كما عبرت عنه الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي اكتسحها حزب العدالة والتنمية، حيث دخل البرلمان التركي، لأول مرة، حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي)، في إشارة واضحة لاستيعاب الأكراد في العملية السياسية، بدلا من استمرار صراعهم مع السلطة المركزية في أنقرة... إلا أن تركيا مازالت تنظر بعين الريبة والشك لطموحات الأكراد القومية، في الدول المجاورة، خاصةً العراق وسوريا. تركيا، على سبيل المثال لن تسمح بإلحاق مدينة كركوك العراقية الغنية بالنفط، بإقليم كردستان العراق. كما لن تسمح بأن يكون لأكراد سورية مناطق متاخمة للحدود التركية، على حساب العرب والتركمان. تركيا، ممكن أن تذهب إلى الحرب، لإحباط الطموحات القومية للأكراد في العراق وسورية.  

 

بالتساوي، تركيا لن تتسامح مع وجود تنظيمات إسلامية عنيفة، لا في داخل حدودها ولا على تخوم حدودها مع سوريا والعراق، بالرغم من أن حزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا الآن، محسوب من تيارات الإسلام السياسي، في مقابل تراث ممتد من العلمانية، يسود تركيا منذ انهيار الخلافة العثمانية في عشرينيات القرن الماضي. النظام السياسي في تركيا، اليوم إذاً: يمثل ما يعرف بـ (حكومات) تيارات الإسلام السياسي المعتدل، الذي لا يتحرج من التعامل مع الإرث العلماني الذي دشنه مصطفى كمال أتتارك (مؤسس تركيا الحديثة). هذا ما يجعل من نسخة تجربة حزب التنمية والعدالة التركي، تختلف عن صيغة حزب الحرية والعدالة المصري، الذي أنتهى حكمه بالإزاحة في مصر يوم ٣ يوليو ٢٠١٤م.. وإن كان كلا الحزبين التركي والمصري ينتميان إلى تنظيم الإخوان المسلمين. 

 

هذا التيار المعتدل للفكر والممارسة السياسية الإسلامية، الذي يمثله حزب العدالة والتنمية التركي، يشبه -إلى حدٍ كبير، تيار الإسلام السياسي التقليدي الذي يحكم معظم دول الخليج العربي، خاصة المملكة العربية السعودية، حيث يجمعهما نبذ العنف والتبرؤ من فكر وخطايا الإرهاب المقيت، وكذا التمسك بالنزعة المدنية المسالمة لتطبيق الإسلام الوسطي في كنف الدولة القومية الحديثة، بعيدا عن خطاب الثورة وعنف الإرهاب، قارن هذا على سبيل المثال: بما يحدث في إيران من خلط بين عنف الثورة وما يُفترض من عقلانية الدولة. إذن: هذا ما يمثله تيار الإسلام الوسطي، الذي يجمع أيدلوجيا، تركيا الحديثة، مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وبالذات المملكة العربية السعودية... الأمر الذي يشكل الدعامة الأساسية التي يقوم عليها التحالف العسكري الإسلامي، الذي دعت إلى تشكيله المملكة العربية السعودية، لمواجهة خطرين أساسيين محدقان بتركيا ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بزعامة المملكة العربية السعودية.

 

الخطر الأول: الإرهاب، الذي ألصق زورا بالإسلام. الإعلان عن حلف إسلامي تقوده المملكة وتركيا فيه، إخراج استراتيجي وأيدلوجي، وحتى على مستوى المفاهيم، لأي شكل من أشكال الإرهاب تقوم به تنظيمات تزعم أنها إسلامية، مثل القاعدة وداعش، وتنظيم الدولة، ليس عن مفهوم الإسلام السياسي، وأيضا: عن الإسلام نفسه كدين وعقيدة يعتنقها أكثر من مليار مسلم حول العالم. الخطر الثاني: ألا وهو الخطر الطائفي، الذي تتبناه قوىً إقليمية (إيران الملالي)، التي تلجأ إلى تغذية النعرات الطائفية على أساس مذهبي ضيق، من أجل التوسع الإقليمي وإحياء إمبراطوريات شعوبية، ظن الكثيرون أن الإسلام جاء على أنقاضها من أجل تحرير البشر من بطشها وجبروتها، بينما نيران الانتقام والثأر من الإسلام والعرب، لم تزل تشتعل في صدور أحفاد عبدة النار من المجوس. 

 

التحالف العسكري الإسلامي 

 

فالحلف العسكري الإسلامي الذي أعلن عن إقامته في الرياض في ١٥ ديسمبر الماضي، يتشكل من ٣٤ دولة عربية وإسلامية في مقدمتها المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر وباكستان، موجه أساسا ضد الإرهاب، وأي قوة إقليمية أو دولية تنزع إلى العنف وتحرض على الإرهاب، لتلصقه بالإسلام والمسلمين. لكن هناك فرق بين الإعلان، وحقيقة الالتزام بالمشروع. هناك خلافات بينية بين القوى المشكلة لهذا الحلف أو التحالف، تُفشل هذه الخلافات البينية العميقة بينها، تحقيق الحد الأدنى من التوافق بينها، مما يؤثر سلبا في تطوير آليات ردع حقيقية لمثل هذا الحلف العسكري، دعك من إمكانية تفعيله، بصورة جدية.

 

هناك، على سبيل المثال خلافات سياسية حقيقية مستعصية، بين مصر، من ناحية وتركيا وقطر، من ناحية أخرى. هناك خلافات في داخل مجلس التعاون وبين بعض الدول العربية، حول المشاركة في هذا الحلف ومستواها. لأسباب تتعلق بتحالفات إقليمية تقليدية.. ومحاذير دستورية، ولدواعٍ سياسية ذات اعتبارات أيدلوجية. سلطنة عمان على سبيل المثال: أعلنت عن عدم مشاركتها في هذا التحالف، والكويت تقول إن دستورها يحول دون مشاركتها في أية عمليات قتالية خارج حدودها، وإن أبدت استعدادها في المشاركة دون ذلك، مصر لازالت مترددة في المشاركة، وتتحفظ بشدة إذا كانت سوريا مرشحة لأن تكون ساحة عمليات التحالف، مع وضوح ميول أيدلوجية مع نظام الأسد، لذلك نجد ترددا في الالتزام بما قد يتطلبه هذا التحالف من عمليات قتالية فعلية. تركيا أعلنت أنه ليس من المعقول أن تدخل المملكة العربية السعودية وحدهما في أي عمليات قتالية برية في سوريا!؟

 

خطر استراتيجي داهم

 

مع ذلك فإن الخطر داهم والتحرك لازم والتردد، هذه المرة، باهظ التكلفة.. وفادح الثمن. ممكن لأول مرة في التاريخ، حتى زمن الخلافة العثمانية، لم تتوفر مبررات استراتيجية ليلتقي العرب والأتراك، وبالذات عرب الجزيرة العربية، للتوحد معا من أجل الدفاع عن أمنهم والذود عن مصالحهم، لمواجهة قوىً دولية وإقليمية تستهدف أوطانهم وعقيدتهم وأمن واستقرار مجتمعاتهم. تاريخيا: كان الخطر على تركيا، يأتي قِبَل حدودها مع أوروبا غربا وشمالاً وروسيا شرقا. كما أن عرب الجزيرة العربية، منذ الإسلام، وحروب الردة، لم يداهمهم. خطر ينال من وجودهم وعقيدتهم، مثل ذلك الذي يواجههم اليوم من الإرهاب والقوى الإقليمية والدولية المحرضة عليه والمستغلة له من أجل زعزعة استقرارهم وتهديد أمنهم. 

 

تركيا، كما سبق وذكرنا، لن تسمح لأي طرف إقليمي أو دولي استغلال ورقة الأكراد على تخوم حدودها الشرقية مع العراق وحدودها الجنوبية مع سوريا، لإعادة إحياء المسألة الكردية في داخلها.. أو تحقيق طموحات الأكراد القومية خارج حدودها في داخل العراق وسوريا. كما أن تركيا السنية، وهي تحكم بتيار إسلام وسطي، تجد أنها ملزمة دينيا وعقائديا ووجدانيا، بالدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة.. وكذا الذود عن أرض الحرمين الشريفين، من أي أطماع لقوىً إقليمية تدفعها ثارات شعوبية تتخفى وراء انحرافات مذهبية تنال من العقيدة الإسلامية الصحيحة، التي يعتنقها أكثر من مليار مسلم، حول العالم. 

 

في المقابل: تجد المملكة العربية السعودية  نفسها مضطرة لمواجهة احتمالات الحرب على أكثر من جبهة إقليمية، لأن التهديد مصدره واحد.. والعدو هو واحد... والمستهدف هو أمنها، بل وجودها كدولة وكيان ومصير. استراتيجيا لا يمكن الحديث عن مجلس التعاون ودوله، خارج وجود المظلة السعودية. غزو العراق للكويت في أغسطس ١٩٩٠م، ما كان ليفشل لولا الدور الاستراتيجي الذي تمثل في القرار السعودي بعودة الكويت ودحر صدام حسين ومشروعه التوسعي. تماما ما كان لدول الخليج جميعها أن تبقى، لو تمكن صدام حسين من ابتلاع الكويت وهدد أمن واستقرار المملكة العربية السعودية ، بصورة مباشرة. كما كان قرار المملكة الشجاع باستعادة الكويت، بمثابة قرار سعودي بالذود عن دول مجلس التعاون. وكان أن عادت الكويت.. وانهزم صدام حسين ومعه طموحاته التوسعية، في السيطرة على نفط دول الخليج العربية، واستعباد شعوبها.. وبقي مجلس التعاون، بدوله الست.  

 

استغلال الجغرافيا للقفز على التاريخ

 

إيران من جديد، كما فعل صدام حسين، تحاول أن تستغل الجغرافيا لتقفز على التاريخ. إيران التي ابتلعت العراق بفعل الغزو الأمريكي له (٢٠٠٣ م)، ومهدت واشنطن لذلك ببدعة "ديمقراطية المحاصصة الطائفية"، ليسود الشيعة في العراق على حساب العرب السنة.... إيران هذه لم تكتف بابتلاع العراق، بل نرى تمدد الزحف الإيراني غربا، ليلتقي مع صنيعها حزب الله، لتطبق إيران عمليا بمنطقة الهلال الخصيب، فتهدد تركيا شمالا وتستهدف أمن المملكة العربية السعودية جنوب الهلال الخصيب.

 

حتى يتضح كم هو جهنمي مشروع إيران التوسعي، حاولت إيران أن تطبق على المملكة من الجنوب، لتتمكن في لحظة استراتيجية حاسمة أن تزحف جنوبا من الهلال والعراق، وتزحف شمالا من اليمن، لتضع المملكة العربية السعودية بين فكي كماشة، ويتمكن ملالي قم الذين لازالوا يخدمون نار المجوس، من تحقيق الثأر من الإسلام والمسلمين بالدخول إلى مكة المكرمة لتكرار جريمة القرامطة.. وكذا الدخول إلى المدينة المنورة، وتتحقق لهم أمنيتهم المريضة بالقضاء على السنة وأهلها... بل وعلى الإسلام، نفسه. 

 

المملكة وتركيا: مفترق طرق تاريخي

 

إذن تركيا والمملكة العربية السعودية يشعران أنهما في مفترق طرق تاريخي تحدد معالمه جغرافيا وعرة أختلط فيها ما هو محلي بما هو إقليمي بما هو دولي، تلتقي فيها مصالحهما كما تتلاقى فيها ضرورات الدفاع عن أمنهما، حيث لا خيار، سوى الحرب، إن دعت الضرورة لذلك، وفشلت كل محاولات وحيّل الحلول السلمية، ولم يبق إلا الكي كآخر الدواء. المهم، في النهاية، تحقيق الهدف الاستراتيجي في هزيمة الإرهاب، وكل مشاريع الهيمنة الإقليمية في منطقة كانت تاريخيا ومازالت مطمعا للغزاة.. ومستهدفة من قبل أعداء الإسلام والسلام. 

 

إن التحالف التركي الخليجي، ممثلا في المملكة العربية السعودية بكل ما يملكانه من قوى ناعمة وصلبة.. ونفوذ في العالمين العربي والإسلامي، إنما في الأساس تعبير حقيقي عن حبهما للسلام.. ومهما كان التردد يسود بعض فعاليات هذا التحالف العسكري الإسلامي، فإنه سيزول عندما تتضح الإمكانات الحقيقية للردع التي تتوفر في هذين القطبين الإسلاميين الكبيرين. 

مجلة آراء حول الخليج