; logged out
الرئيسية / تركيا .. وحسم التوجه جنوباً

العدد 105

تركيا .. وحسم التوجه جنوباً

الأحد، 06 آذار/مارس 2016

العلاقات التي تجمع بين الدول العربية وتركيا متعددة الجوانب وتحكمها منطلقات الدين، التاريخ ، الجغرافيا، الاقتصاد، الأمن، والسياسة وزادت أهمية هذه العلاقات بعد المتغيرات التي طرأت على خريطة الشرق الأوسط مؤخرًا، وتواكب ذلك مع توجه تركيا نحو دول الجوار العربي والإسلامي، في ظل تحقيق أنقرة طفرة  كبيرة في معدلات النمو الاقتصادي، إضافة إلى تبني حزب العدالة والتنمية الحاكم هناك منذ مطلع الألفية الثالثة شعار (تصفير المشاكل) مع دول الجوار ما جعل العرب يرون في تركيا الشريك المناسب و الجار غير المؤدلج عكس إيران التي تريد اختراق محيطها وتفرض نفوذها الفارسي برداء طائفي.

وفي إطار هذا التقارب أبرمت دول مجلس التعاون عدة اتفاقيات مع أنقرة منها  (الحوار الاستراتيجي) وما تبعه من تعاون ثنائي بين دول المجلس وتركيا زادت وتيرته منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي، وترتب على ذلك زيادة حجم التبادل التجاري العربي ـ التركي إلى 53 مليار دولار عام 2014م، محققًا بذلك زيادة نسبتها 300% خلال السنوات العشر الأخيرة، مع توقعات بارتفاعه إلى 70 مليارًا العام المقبل، وصاحب ذلك نظرة إعجاب من الدول العربية والخليجية لما حققته تركيا من قفزة اقتصادية مهمة خلال عقد ونصف حيث تحولت من دولة مهددة بالإفلاس مع نهاية القرن الماضي، إلى عضو في مجموعة العشرين، وترتيبها السادس بين الدول الأكثر ثراءً في العالم بمساهمة في الإنتاج العالمي بنسبة 3.4% وإجمالي ناتج محلي قيمته 800 مليار دولار، مع نجاح ملموس في برنامج طموح للتصنيع العسكري ، وتدفقت الاستثمارات الخليجية في تركيا  وهي تقترب من سبعة مليارات دولار، إضافة إلى كون تركيا وجهة سياحية مهمة وتحتل المرتبة العاشرة عالميًا ومن ثم مقصدًا سياحيًا هامًا أمام أبناء دول المنطقة. في المقابل تعد دول الخليج هامة جدًا لتركيا سياسيًا واقتصاديًا وغير ذلك، وعلى سبيل المثال تمتلك هذه الدول 60% من احتياطي النفط العالمي، فيما تستورد تركيا 90% من احتياجاتها من الطاقة.

كل ذلك مدعاة التقارب الذي تزايدت وتيرته العام الماضي، خاصة بعد التنسيق السعودي ـ التركي حول الأزمة السورية، والاهتمام المشترك للدولتين بتطورات الملف النووي، وجسد ذلك زيارات رفيعة المستوى لكبار المسؤولين بين الرياض وأنقرة برهنت على أهمية هذه العلاقات في بعدها الآني والاستراتيجي، بل رسمت معالم خطوات جادة نحو شراكة استراتيجية. فقد بلغ عدد الزيارات التي قام بها كبار المسؤولين في البلدين خمس زيارات عام 2015م، من بينها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في قمة العشرين التي استضافتها تركيا، ثم جاءت زيارة أردوغان إلى المملكة نهاية ديسمبر الماضي، التي شهدت الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

ورغم كل هذه المشتركات في العلاقة التركية ـ العربية / الخليجية، وأهميتها، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعترض طريقها، والمطلوب من تركيا التعامل مع هذه التحديات بما يحقق الهدف المنشود، ومن بين هذه التحديات العلاقات التركيةــ الإيرانية فلا تستطيع أنقرة أن تضحي بعلاقتها المهمة مع طهران سواء بسبب المصالح المشتركة في العراق وسوريا، أو لحجم التبادل التجاري بين أنقرة وطهران الذي بلغ في عام 2012م، أكثر من 22 مليار دولار، وتطمح أنقرة زيادته إلى 30 مليارًا نهاية العام الحالي، إضافة إلى زيادة الاستثمار في إيران بعد أن تم رفع العقوبات الدولية.

فيما تظل علاقة أنقرة ببعض الدول العربية متوترة خاصة مصر حيث تختلف تركيا مع النظام الحالي في القاهرة وتتمسك بدعم جماعة الإخوان المسلمين التي أزاحها الشعب المصري بثورة مصرية في 30 يونيو بل تعتبرها الكثير من الدول الخليجية جماعة محظورة، وهذا الموقف التركي يثير حساسية العديد من دول المنطقة وتبدو كأنها تتعامل بمعايير مزدوجة وتعمل على ترسيخ فكرة إحياء الامبراطورية العثمانية، أو تسعى تعزيز مكانتها ونفوذها على حساب دول إقليمية أخرى.

 كما أن العلاقات التركية ـ الإسرائيلية مازالت تحمل العديد من علامات الاستفهام حيث هناك اتفاقية تعاون عسكري بين البلدين منذ عام 1996م، وكذلك اتفاقية تجارة حرة منذ يناير 2000م، وتعمل 250 شركة إسرائيلية في تركيا، وتعمل 580 شركة تركية في إسرائيل.

 بل يعتقد الكثير أن تركيا نفسها لم تحسم توجهاتها المستقبلية نحو الجنوب أو الشمال بما في ذلك محاولاتها القوية جدًا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي واستخدام دول الجوار العربية والمسلمة ورقة تفاوضية مع أوروبا، إضافة إلى الاختلاف بين أنقرة والعديد من الدول المجاورة حول الملف الكردي، وأيضا توتر العلاقات التركية ـ الروسية قد يكون لها تبعات إقليمية.

في النهاية، تركيا قوة إقليمية مهمة ومن الضروري أن تكون ضمن معادلة استقرار وأمن المنطقة، لكن عليها أن تحسم أمرها في إطار من التفاهم والتعاون الاستراتيجي القائم على أسس دائمة وواضحة تراعي كافة الظروف والمكونات والثوابت دون انتقائية، أو فرض توجهات أحادية على حساب أي طرف من المنظومة العربية لضمان الاستمرار والاستقرار في المنطقة، وكذلك تحديد توجهاتها مع جماعات الإسلام السياسي.

مقالات لنفس الكاتب