array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 106

العلاقات الخليجية ــ الصينية.. بين الإقدام والتردد

الأحد، 03 نيسان/أبريل 2016

من المؤكد أن هناك أهمية متزايدة للصين على الساحة الدولية ومن ثم على المنطقة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، فهي العملاق الاقتصادي الذي يحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة الأمريكية بإجمالي ناتج محلي قيمته 10 تريليونات دولار، وبنسب نمو عالية جدًا على مدار العديد من السنوات.

على مستوى العلاقات الخليجية ـ الصينية، يوجد اهتمام متبادل ورغبة في توثيق أواصر هذه العلاقات في كافة المجالات، وبالفعل بلغت هذه العلاقات  شأنًا عظيمًا في المجال الاقتصادي حيث قفزت قيمة التبادل التجاري بين الطرفين إلى أكثر من 175 مليار دولار عام 2014م. كما أن تنامي اقتصاد الصين جعلها تأتي في المرتبة الثانية عالميًا استهلاكًا للنفط الذي تستورد منه 6 ملايين برميل يومًا نصفها من دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك أولى مركز الخليج للأبحاث منذ فترة ليست قصيرة أهمية كبيرة لدراسة واقع ومستقبل العلاقات الخليجية ـ الصينة، وقدم العديد من الدراسات حول ذلك لاستشراف ما يحدث فيما يتعلق بمعدلات نمو الاقتصاد الصيني وتأثيره المباشر على اقتصاديات دول الخليج أو غير ذلك، ولعل واحدة من هذه الدراسات ( إذا تباطأت الصين: الانعكاسات على الاقتصاد العلمي ) صدرت عام 2007م.

وإضافة إلى أهمية العلاقات الحالية بين دول الخليج والصين، سوف تزداد أهميتها في إطار مبادرة (الحزام والطريق) التي طرحتها بكين عام 2013م، لإحياء طريق الحرير القديم الذي يربط بين قارات آسيا، وأوروبا، وإفريقيا لتعزيز التعاون وزيادة التنمية بين دول حزام الطريق التي تعد دول مجلس التعاون الخليجي من أهم محطاته.

ورغم المزايا والمنافع المتبادلة في العلاقات بين الجانبين، إلا أن إقامة شراكة استراتيجية بين الطرفين بعيدة المنال ومن الصعب التنبؤ بها لطبيعة السياسة الخارجية الصينية، وأهدافها ومنطلقاتها، والإرث التاريخي للتفكير الصيني تجاه منطقة الخليج خاصة والعالم عامة باستثناء الدول المجاورة للصين التي تستحوذ على اهتمام بكين لتأثيرها على الأمن الصيني.

 المتتبع لسياسة الصين الخارجية وعلاقاتها الدولية يرصد أن أهم سماتها هي (التبعية والتردد والوقوف في المنطقة الرمادية) وهذا ما ينعكس على مواقفها الدولية رغم إنها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ناهيك عن قوتها الاقتصادية والعسكرية ومساحتها وموقعها وعدد سكانها.

لهذه السمات انعكاسات في السياسة الصينية تجاه قضايا الدول العربية ومنطقة الخليج، ففي الأزمة السورية، تدعم الصين نظام بشار الأسد خلف روسيا وإيران أو تابعة لهما، وفي الأزمة اليمنية، ليس لها أي دور إيجابي لدعم الشرعية ومساندة الشعب اليمني. كما أنها لم  تشارك في حرب تحرير الكويت واكتفت بالتصويت في مجلس الأمن دون أي دور على مسرح العمليات، وفي القضية الفلسطينية، لا يوجد لبكين مواقف جريئة لتحقيق السلام مع تقديرنا العميق لدورها في الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، وأيضًا تأييدها  لحل الدولتين، ونثمن تأخرها في الاعتراف بإسرائيل ونعتبر ذلك  تضامن مع العرب، إلا أنه وبدون التقليل من هذه المواقف فقد كان لها  مبررات أخرى  تتعلق بمصالح الصين نفسها، منها علاقة إسرائيل بالهند العدو اللدود للصين، إضافة إلى اعتراف تل أبيب بتايوان المناوئ الرئيسي للصين.

كما تظل إيران الحليف الأهم للصين في المنطقة وواحدة من أوراقها المهمة وبينهما علاقات تجارية مهمة ومتنامية حيث بلغ إجمالي قيمة التبادل التجاري بينهما 45 مليار دولار مع توقع زيادة هذه القيمة بعد رفع الحظر الدولي عن إيران وكذلك زيادة حجم وقيمة الاستثمارات بين البلدين، وهذه العلاقة أخذت بُعدًا عسكريًا شمل مناورات مشتركة وزيارة فرقاطة ومدمرة صينيتين إلى أحد موانئ إيران على الخليج العربي في خريف العام الماضي. وعلى صعيد ذي صلة تولي الصين أهمية كبيرة للتواجد في إفريقيا سواء كسوق اقتصادية أو منطقة نفوذ عسكرية خصوصاً دول شرق إفريقيا التي تعد مجالاً حيويًا مشتركًا لدول مجلس التعاون ثم للصين ويستوجب التعاون لتثبيت استقرار هذه المنطقة الحيوية.

في مجال التعاون العسكري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، أبدت بكين اهتمامًا بتصدير الأسلحة إلى هذه الدول التي تحتل مكانة مهمة عالميًا من حيث الإنفاق على التسلح، في وقت أصبحت فيه الصين ثالث أكبر مصدر للأسلحة في العالم، ومع الإقرار بأهمية صفقة رياح الشرق للصواريخ البالستية في ثمانينيات القرن الماضي التي حصلت عليها المملكة العربية السعودية من الصين وكان لها تأثير مدو على مستوى العالم. إلا أن دول مجلس التعاون لا تريد أن تكون سوقًا فقط للمنتجات الصينية سواءً من السلع، أو المعدات العسكرية والأسلحة ـ رغم أهميتها ـ لأن التبادل التجاري مهما بلغت قيمته لا يندرج تحت الشراكة الاستراتيجية التي تشمل الدفاع المشترك، والتعاون في الخبرات العسكرية والتدريب، والمناورات العسكرية المشتركة، وتوطين الصناعات، سواء العسكرية أو المدنية، وتنفيذ المشروعات المشتركة، وتبادل الخبرات، وغير ذلك.

كذلك دول مجلس التعاون تنتظر من الصين دورًا فاعلاً في محاربة الإرهاب الذي أصبح ظاهرة تضرب في أي مكان وليس هناك دولة في مأمن منها، بل تخشى بكين أن تصيبها شظاياها، خاصة من جماعة الإيجور وهم أتراك الأصل ويسكنون في إقليم تركستان الشرقية أو "شينغيانغ".

وعليه، إذا أرادت الصين أن تتعامل مع دول مجلس التعاون وفق مبدأ الشراكة الاستراتيجية و أسس هذه الشراكة ومتطلباتها، عليها أن تتخلى عن سياسة الألوان الرمادية ، والمواقف المترددة أو غير الواضحة، وأن تحسم أمرها كقوة كبرى ومرشحة للتفوق عن الولايات المتحدة الأمريكية في غضون أعوام قليلة من حيث الناتج الإجمالي المحلي، وأن تدخل بقوة إلى الساحة الدولية بسياسات واضحة المعالم تصاحبها مواقف محددة، والتزامات واضحة تقود إلى وضع استراتيجيات وترجمتها إلى أفعال، وأن تتعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي من منطلق الشراكة الاستراتيجية بكل ما تشمله، وليس كسوق للصادرات والواردات أو مخزونًا للنفط والغاز، وفي اعتقادي إذا بادرت الصين بذلك سوف تجد إقبالاً من دول مجلس التعاون الخليجي.

مقالات لنفس الكاتب