; logged out
الرئيسية / تحديات التعاون الخليجي ـ الصيني: عزوف الصين عن الالتزام العملي بأمن الخليج العربي

العدد 106

تحديات التعاون الخليجي ـ الصيني: عزوف الصين عن الالتزام العملي بأمن الخليج العربي

الأحد، 03 نيسان/أبريل 2016

يعتبر الصعود الاقتصادي والسياسي الصيني من أهم علامات التحول الجاري في هيكل النظام الدولي نحو مزيد من التعددية القطبية، وهو ما يطرح بدوره عدة تساؤلات حول فرص وحدود الدول الصغيرة والمتوسطة وكذلك الأقطاب الإقليمية، خاصةً تلك القوى في المنطقة العربية، في تعظيم مساحة الحركة المتاحة لها في السياسة الدولية من خلال تنويع أكبر لعلاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وإن كانت القاعدة النظرية الراسخة تشير بصورة مُبسطة إلى أن تعدد الأقطاب الدولية يساهم في تعظيم فرص الحركة والمناورة للقوى الصغيرة والمتوسطة -وهو ما يستدل عليه من تجربة السياسة الدولية خلال القرن التاسع عشر وأغلب عقود القرن العشرين -إلا أن ثمة عوامل عدة من شأنها تعظيم فرص الحركة والمناورة هذه. بعض هذه العوامل يتعلق بالتقارب في سياسات وتوجهات ومصالح الأقطاب الدولية الصاعدة والقوى الصغرى والمتوسطة، وبعضها الآخر يتعلق بطبيعة وكثافة العلاقات بين هذه القوى الكبرى وتلك الصغرى والمتوسطة. 

وبالطبع تلقي هذه الأفكار النظرية بظلالها على الأُطروحات المتعلقة بإمكانات وفرص الدول العربية، والخليجية تحديداً، في تعظيم مساحة الحركة المتاحة لها دوليًا من خلال تعزيز تعاونها السياسي والأمني مع الصين، وذلك في محاولة منها لمواجهة التحديات الأمنية الهائلة التي أضحت تواجهها خلال هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، والتي يتضح من تفاصيلها عدم وجاهة الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة كشريك سياسي وأمني واستراتيجي وحيد في المنطقة.

في هذا السياق، يناقش هذا المقال فرص وحدود التوسع في التعاون السياسي والأمني بين دول الخليج العربية والصين من خلال مناقشة أربعة محاور أساسية: الأول هو التاريخ النظيف وبروز المصالح المشتركة، والثاني هو الأساس الاقتصادي القوي في العلاقات الصينية الخليجية، والثالث هو الانخراط الصيني المتزايد في الشؤون السياسية والأمنية العربية، وأخيرًا الصعود العسكري الصيني.

  1. التاريخ النظيف ... وبروز المصالح السياسية والأمنية المشتركة:

تتسم العلاقات الخليجية الصينية بالحداثة النسبية، فقد تأسست العلاقات الدبلوماسية بين أغلب دول الخليج العربية والصين خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين فقط. ولكن على الرغم من حداثتها النسبية، إلا أنه يمكن القول إن العلاقات بين الخليج والصين تتمتع بـ"تاريخ نظيف". وأهم ما يدلل على هذا التاريخ النظيف هو أن الصين تتشارك مع الدول العربية التاريخ الاستعماري، وأنها حتى مع صعودها كقوة كبرى على الصعيد الدولي فإنها تشارك دول الجنوب أغلب همومها التنموية، وأن الصين عادةً ما انتهجت سياسة خارجية تميل إلى تحقيق المصالح الاقتصادية دون التدخل في الشؤون السياسية أو الأوضاع الداخلية لدول المنطقة العربية، وأن صعود الصين العالمي يأتي لينافس الهيمنة الأمريكية على الشؤون العالمية أكثر مما يعتبر صعود عالمي في إطاره. وعلى الرغم من أن الصين تتمتع بعلاقات متوازنة مع أغلب القوى الإقليمية (العربية وغير العربية) في المنطقة، إلا أن هذه العلاقات تخلو من التحيز الأيديولوجي أو أي إدراك لهوية مشتركة. هذا التاريخ النظيف يعتبر إذاً فرصة هيكلية تدفع الدول العربية إلى مقارنة اقتراب الصين من الشؤون السياسية والأمنية بالمنطقة العربية باقتراب الولايات المتحدة خصوصاً والقوى الغربية الأخرى بصورة أكثر عمومية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين أضحت ترى الكثير من المصالح المشتركة لها مع الدول العربية الأساسية، ولا سيما مع دول الخليج العربي. فإلى جانب المصالح الاقتصادية التقليدية في مجال النفط، فهناك مصلحة سياسية أظهرتها خبرة التفاعلات السياسية منذ اندلاع الثورات العربية وهي التأكيد على مبدأ السيادة ومبدأ عدم التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية. وتعد خبرة التدخل الدولي في ليبيا في عام 2011م (حتى وإن كانت الصين بامتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973م، قد مكنت من إجازته ومن ثم من تدخل حلف الأطلنطي في ليبيا) من أحد المحددات الأساسية لتوجه الصين السياسي في أزمات المنطقة الأخرى. فأضحى من أهم أهداف الحضور السياسي الصيني الغير اعتيادي في الشؤون السياسية والأمنية للمنطقة العربية موازنة الدور السياسي الغربي وعدم ترك الساحة الشرق أوسطية بصورة مطلقة للقوى الغربية التقليدية، وهو ما يعتبر في حد ذاته فرصة كبيرة للدول العربية الأساسية في تعظيم مكاسبها السياسية من خلال دعم علاقات التعاون السياسي والأمني مع الصين. في الوقت نفسه، فإن أهداف الصين هذه تمثل قيدًا على تعزيز العلاقات الصينية الخليجية، لأنها لا تعبر عن مصلحة صينية أصيلة في أمن الخليج العربي أكثر منها انعكاس لتفاعلات الصين العالمية مع الغرب، ولأن الصعود الصيني اتسم ولايزال يتسم بالسلمية والوفاق مع القوى الكبرى العالمية دون إظهار سلوكيات عدائية أو تحد لمصالح القوى الغربية. يفسر ذلك بالأساس أن الصعود الصيني لم يكتمل بعد، فعلى الصعيد السياسي تواجه الصين انتقادات حقوق الإنسان، ومعضلة عدم تقديم بديل للنموذج الديمقراطي الغربي، وعملها التوافقي في إطار المؤسسات السياسية والأمنية الدولية التي لازالت تتحكم في قواعدها وأجندتها القوى الغربية. أما على الصعيد الاقتصادي، فعلى الرغم من النمو الهائل في اقتصاد الصين إلا أنها لازالت مثقلة بأعباء تنموية كبيرة شبيهة بدول الجنوب.

ولعل إعلان الصين في ديسمبر الماضي - خلال لقاء وانج يي وزير الخارجية الصيني مع نظيره السعودي عادل الجبير خلال اجتماع المجموعة الدولية لدعم سوريا في نيويورك - عن رغبتها في التعاون مع التحالف الإسلامي العسكري المكون من 34 دولة بقيادة المملكة العربية السعودية بهدف محاربة الإرهاب من أهم علامات الاهتمام الصيني بدعم علاقاتها السياسية والأمنية مع دول الخليج العربي، حتى وإن كان هذا الدعم سياسي ودبلوماسي أكثر منه التزام عسكري عملي، خاصةً وأن التحالف الإسلامي نفسه يعتبر غير واضح الالتزامات.

  1. الأساس الاقتصادي القوي نقطة انطلاق لشراكة سياسية وأمنية

يعتبر الأساس الاقتصادي القوي في العلاقات الخليجية الصينية نقطة انطلاق مهمة نحو تعزيز شراكة سياسية وأمنية بين الطرفين. ومن المعروف أن الدول الخليجية تتمتع بعلاقات اقتصادية قوية مع الصين، وأساسها العلاقات التجارية في مجال النفط. يذكر هنا أن التعاونالثنائيالصيني-السعودي بدأ في الانتعاشمع توقيع الدولتين اتفاقالتعاونالاستراتيجيفيعام 1999 الذي مهد للتعاون في مجال تصدير النفط السعودي للصين، وأخذ هذا الاتجاه في النمو إلى أن فاقت الصادرات النفطية السعودية للصين مثيلاتها للولايات المتحدة الأمريكية.  وفيالوقتالحاضر،تستقبل الصين ما يقربمن نصفاحتياجاتها النفطيةمنالشرق الأوسط،ويشكلالنفطالسعودي ربع وارداتالصينالنفطية. إلى جانب هذا يأتي التعاون السعودي في مجال المصافي الصينية وتوريد الغاز الطبيعي والصناعات البتروكيميائية، والتبادل التجاري الكبير بين البلدين الذي تجاوز الـ 74 مليار دولار في السنوات القليلة الماضية لتصبح الصين الشريك التجاري الأول للسعودية، والثاني للإمارات العربية المتحدة بحجم تبادل تجاري قدر بـ 55 مليار دولار في عام 2014م، وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة الشريك التجاري الثامن للصين على مستوى العالم. ومما لا شك فيه أن العلاقات الاقتصادية الخليجية الصينية تزداد في النمو، خاصةً مع التوسع في الاقتصاد الصيني الذي يتطلب بدوره تأمين المزيد من مصادر الطاقة من دول الخليج. كذلك تنمو بثبات الاستثمارات الصينية في الخليج العربي، والسعودية تحديداً، حيث يذكر أنه وفقا لتقديرات عام 2014م، فإن معدل الزيادة السنوية في الاستثمارات الصينية بالسعودية على سبيل المثال قُدر بـحوالي 30%. إلى جانب ذلك شهدت الواردات الصينية إلى السعودية نموًا متزايدًا خلال السنوات القليلة الماضية، وأضحت الصين تتصدر قائمة أكبر المصدرين للمملكة. وتعتبر مجموعة الاتفاقيات التي وقعتها الصين والسعودية خلال العامين السابقين في مجالاتالنفطوالغازوالموادالأوليةوالتجارةوالتعاونالتقنيخير دليل على التقارب الاقتصادي المتزايد بين الجانبين، وهو ما يعطي انطباع بحرص السعودية والصين على استثمار التعاون الاقتصادي لتأسيس شراكة استراتيجية أوسع بين الدولتين.

إلى جانب هذا، تمثل قيادة الصين لتأسيس البنك الآسيوي الاستثماري للبنية التحتية، والذي بادرت حكومة الصين بطرح فكرته وتأسيسه في 2014م، ثم توقيعه في يونيو 2015م، بادرة هامة لتأسيس القوى الآسيوية لمؤسسات اقتصادية من المتوقع أن تنافس نظيرتها الغربية، وهو ما يمكن أن يمثل فرصة اقتصادية هامة للدول العربية.  

ويحقق هذا السياق الاقتصادي الثري فرصة يمكن من خلالها أن تتحول الصين إلى شريك سياسي وأمني مهم للقوى العربية الخليجية الأساسية وعلى رأسها السعودية. على الرغم من ذلك، وفي ضوء مصالح الصين مع القوى الشرق أوسطية غير العربية وتفاعلاتها السياسية والاقتصادية مع القوى الكبرى العالمية، فإنه من غير المتوقع أن تبدي الصين في الأمد القريب أكثر من التأييد السياسي والدبلوماسي، كمظهر من مظاهر توطيد الصلات السياسية، وليس الانخراط العسكري العملي في الدفاع عن أمن المنطقة. وفي الواقع يمكن النظر بصورة إيجابية لهذا الاهتمام السياسي الصيني في التقارب من الخليج العربي، حيث يتماشى ذلك مبدئياً مع مصالح دول الخليج في تمكينها من الارتكان جزئياً على المواقف الصينية الدبلوماسية في محاولة منها لموازنة الأدوار السياسية والدبلوماسية للقوى الغربية في عدد كبير من القضايا السياسية والأمنية بالمنطقة التي أحبطت فيها الولايات المتحدة تحديداً توقعات دول الخليج.

  1. الانخراط الصيني في الشؤون السياسية والأمنية العربية

منذ اندلاع موجة الانتفاضات العربية بقوة في عام 2011م، بدأت الصين في الظهور السياسي والأمني بصورة برجماتية في المنطقة العربية. ويعتبر النشاط السياسي والدبلوماسي الصيني في الشؤون العربية من المظاهر غير الاعتيادية في السياسة الخارجية الصينية التي طالما تميزت بالاهتمام بالنواحي الاقتصادية خاصةً مع دول الخليج العربي. إلا أنه منذ عام 2011م، وكان للصين مواقفها السياسية ونشاطها الأمني الملحوظ في المنطقة العربية خاصةً إذا ما قورن ذلك بما قبل 2011م. من هذا: الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي خول التدخل العسكري في ليبيا عام 2011م، التدخل السريع لإجلاء المواطنين الصينيين في ليبيا، الموقف الحذر من الثورات العربية ومن الصعود البارز لتيارات الإسلام السياسي في أعقابها، العمل المشترك مع روسيا في معارضة قرار مجلس أمن يخول التدخل في الأزمة السورية، والعمل المشترك مع روسيا والقوى الغربية في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني. ويمكن النظر بإيجابية لمواقف الصين من الأزمة السورية والاتفاق النووي الإيراني لما فيهما من قدرة على موازنة المواقف الغربية وكسر احتكار الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لإدارة الشؤون السياسية بالمنطقة. وهنا تكمن الأهمية الحقيقة في ضرورة انفتاح دول الخليج العربية على الصين كقوة كبرى عالمية آخذة في الصعود السياسي (وليس الاقتصادي فقط) خارج عباءة الغرب.

وحتى مع غياب التطابق الكلي في وجهات النظر الخليجية والصينية بخصوص الأزمة السورية والاتفاق النووي الإيراني، فإن فهم محددات هذين الموقفين يسهم في دعم التقارب بين الطرفين. فالموقف الصيني من سوريا يحدده بالأساس تجربة تدخل حلف الأطلنطي في ليبيا وما آلت إليه الأوضاع في ليبيا منذ هذا التدخل. أي أنه يعكس تبني الصين لسياسة عدم ترك الشرق الأوسط لحرية تصرف القوى الغربية، ولهذا فإن تأييد الصين للحل السياسي في سوريا في إطار دبلوماسي دولي موسع إنما يعكس حرص الصين على ترسيخ مبدأ احترام السيادة وعدم التدخل العسكري لتغيير الأوضاع السياسية في الدول. أي أن هذا الموقف الصيني لا يأتي بالأساس تأييدًا لنظام بشار الأسد أو توثيقًا لتحالف سياسي مع روسيا أو دعمًا لمشروع شيعي تقوده إيران في المنطقة، وإنما يتعلق أكثر بإرساء قواعد للعمل الدبلوماسي الدولي بين الدول الكبرى (الصاعدة) في النظام الدولي في مواجهة القوى الغربية الراسخة، وهذا يجب أن يكون متفهمًا من جانب دول الخليج لدفع الشراكة السياسية مع الصين قدمًا.

بالمثل، فإن الموقف الصيني من الاتفاق النووي الإيراني عكس حرص الصين على عدم ترك إيران (كأقرب دول المنطقة للصين وكقوة إقليمية غير حليفة للغرب) فريسة لتسوية سياسية في غير صالحها. ومع تعارض المصالح البين في هذا الأمر بين الصين ودول الخليج إلا أنه يجب ملاحظة أن هدف الصين الأساسي هو الحفاظ على روابطها بإيران كحليف صريح وموثوق به في المنطقة أكثر منه الحفاظ على قدرة إيران التقنية في إنتاج سلاح نووي في المستقبل لتحقيق تفوق عسكري على القوى العربية الخليجية. فالملاحظ في هذا الشأن أيضاً أن الصين والسعودية قد بدأتا بالفعل منذ عام 2012م، في التعاون المشترك في مجال تطوير واستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، مع التركيز على مجالات مثل صيانة وتطوير محطات الطاقة النووية والبحث العلمي في هذا الشأن، ويأتي توقيع السعودية والصين في يناير 2016 م، مذكرة تفاهم لإقامة مفاعل نووي بالمملكة استكمالاً لهذا التعاون. إلى جانب هذا، ترحب الصين بإرسال الخبراء العسكريين إلى دول الخليج العربي وكذلك سبق وأن قدمت عروضًا للسعودية لشراء أنظمة صواريخ حديثة وأسلحة صينية متقدمة. وبالرغم من فرص تطوير العلاقات الخليجية الصينية في هذه القطاعات، إلا أن أحد أهم القيود عليها تظهر في الصورة الذهنية التي لازالت مترسخة لدى الطرفين من أن دول الخليج العربية تتمتع بشراكة استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة ومن أن الصين تتمتع بعلاقة خاصة مع إيران. فالثابت أن الصين، بالتوازي مع اهتمامها بالانفتاح على الخليج العربي سياسياً وأمنياً، فإنها تسعى لتعزيز علاقاتها مع إيران بعد توقيع الاتفاق النووي، وهو ما أكده نائبرئيسهيأةأركانالجيش،الأميرالسونجيانفو،الذي زارطهران في أكتوبر 2015 واجتمعمعوزيرالدفاعالإيرانيحسندهقان، مؤكداً على رغبة الصين في تطويرالعلاقاتالعسكريةمعإيران. يذكر في هذا الشأن أيضًا أنه خلال العام الماضي، وللمرة الأولى، رستسفينتانحربيتانصينيتانبميناءبندرعباسالإيرانيللمشاركةفي مناوراتبحريةمشتركةفيالخليجالعربي.

  1. الصعود العسكري الصيني:

بالمثل، يفتح صعود الصين العسكري المجال أمام الخليج العربي لتنويع علاقاته العسكرية. فمن الثابت عالمياً أن الصين أضحت من القوى العالمية المنافسة في صناعة السلاح الكفء والأرخص ثمناً. ومؤخراً اتجهت الصين لتطوير إنتاج عدد من الأسلحة التي حظت باهتمام بالغ في الأوساط العسكرية العالمية، ومن هذه: المقاتلات من الجيل الخامس Chengdu J-20 و Shenyang J-31 كمقابل للـ F-35 الأمريكية والـ T-50 الروسية، ومقاتلات "القرش الطائر" Shenyang J-15، والمقاتلات متعددة المهام Shengdu J-10، والصواريخ الهايبر سونيك Wu-14، والغواصات النووية المهاجمة التي بدأت الصين في نشرها في المحيط الهندي لأول مرة في أكتوبر 2014. ولعل مباحثات تركيا الأخيرة لعقد صفقة سلاح مع الصين تورد الأخيرة بموجبها منظومة دفاع صاروخية بعيدة المدى تتجاوز قيمتها 3 مليارات دولار قد أثارت الانتباه إلى التصنيع العسكري الصيني أكثر من ذي قبل.

إلى جانب هذا، فإن حصول الصين مع مطلع عام 2016 على أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي، أو بالأحرى تسهيلات لوجستية، لدعم دور القوات الصينية المشاركة في عملية الأمم المتحدة لمحاربة القرصنة في خليج عدن أثار الانتباه للتطور في الاهتمام الأمني الصيني بالمنطقة. فطالما شاركت الصين في عمليات تأمين طرق التجارة الدولية ضد أعمال القرصنة في خليج عدن والمحيط الهندي من خلال الموانئ الجيبوتية، حيث تستضيف جيبوتي قواعد عسكرية لفرنسا والولايات المتحدة واليابان. ومن الثابت أيضاً أن هناك عدة عمليات عسكرية أخرى (خاصة بحلف الأطلنطي والاتحاد الأوروبي) في هذه المنطقة لمكافحة أعمال القرصنة. لهذا فإن اهتمام الصين بامتلاك قاعدة عسكرية (هي الأولى من نوعها) في جيبوتي لا يعكس فقط حقيقة أن منطقة خليج عدن تُعد واحدة من أهم طرق التجارة الصينية مع العالم، وهو ما تسعى الصين إلى تعزيزه من خلال إحياء طريق الحرير من الصين مرورا بالمحيط الهندي لخليج عدن فالبحرين الأحمر والمتوسط، وإنما تُدشن أيضًا لقدر من الاستقلالية الصينية في إدارة مصالحها الأمنية خارج محيطها الآسيوي ولتنامي انخراطها العسكري في هذا الشأن. فمن الملاحظ أن امتلاك الصين لهذه القاعدة في جيبوتي، حتى وإن كان يبدو إجراء ضروري في إطار عمل جماعي دولي لتأمين طرق تجارية هامة، إلا أنه قد أثار حفيظة الولايات المتحدة التي حرصت على تمديدعقدإيجارقاعدتهاالعسكريةالاستراتيجيةفيجيبوتيلمدةعشرسنواتلتأمين بقائها في هذه المنطقة.

وبالطبع فإن الصعود العسكري للصين، سواء في تصنيع السلاح أو في الاهتمام الأمني المتزايد بمنطقة خليج عدن وشمال المحيط الهندي، تفتح المجال بقوة أمام تعزيز أوجه التعاون العسكري بين دول الخليج العربي والصين. وقد بدأت دول الخليج بالفعل في هذا التوجه مع الاتجاه المتزايد في استقدام الخبراء العسكريين الآسيويين ودعم التعاون العسكري مع عدد من القوى الآسيوية منها، إلى جانب الصين، الهند وباكستان.

مع هذا، فإن أحد أهم الحدود على التعاون العسكري بين الخليج والصين هو عزف الصين عن الالتزام العملي بأمن الخليج العربي، خاصةً إذا ما كان هذا الالتزام مصحوباً بإرسال أو المشاركة بقوات عسكرية. تُظهر هذه الحقيقة أمثلة مُعاشة كالأزمة اليمنية، وجهود مكافحة الإرهاب في المنطقة. يرتبط بهذا أيضاً حقيقة أن من الصعب على الصين مجاراة الحضور العسكري والسياسي الأمريكي في المنطقة العربية عمومًا وفي الخليج العربي خصوصًا. 

مجلة آراء حول الخليج