; logged out
الرئيسية / العرب .. وملء الفراغ الاستراتيجي

العدد 106

العرب .. وملء الفراغ الاستراتيجي

الأحد، 03 نيسان/أبريل 2016

مع صعود الصين على الساحة الدولية، والزحف الروسي إلى المنطقة العربية، وتراجع اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط، وتغيير استراتيجياتها وتبديل أولوياتها، إضافة إلى حضور تركيا العسكري والسياسي في منطقتنا، وقرب ظهور إيران النووية، وفي ظل التنافس الدولي المحموم على التواجد العسكري في شرق إفريقيا وبالقرب من مضيق باب المندب.. يقف العرب على مفترق طرق بين مراجعة الحسابات، وتحركات تسبق ما قد يحدث، ففيما ينظرون بقلق وشك تجاه أمريكا حيث يشعرون بالخذلان والتنكر بل خيانة لأصدقاء كانوا ومازالوا في خندق الشركاء أو الحلفاء معها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، كما لديهم حالة استغراب من السلوك الروسي الذي يفعل ما لم يفعله الاتحاد السوفيتي في ظل الحرب الباردة، إضافة إلى قلقهم من تنامي القوة الإيرانية التي اقتربت من أن تتحول إلى نووية في غضون أعوام ليست بعيدة، والعرب أيضًا في حالة من عدم العجل للقدوم التركي المحكوم بتوازنات وعلاقات إقليمية ليست في صالح العرب بالمجمل. وكذلك يترقبون الحضور الصيني المتردد والمتباطئ، بل الكسول وغير القادر على الاقتحام والذي يتخندق خلف الاقتصاد فقط.

ويأتي في خلفية الصورة قضية الأمن الإقليمي والفراغ الاستراتيجي، والبحث عن إحلال قوى جديدة محل القوى الآفلة لمواجهة القوى الطامحة والطامعة التي انتشرت في الأطراف بل اخترقت العمق، وهي كانت قد استعدت مبكرًا للتطويق عبر التواجد في المناطق المحايدة والمتشاطئة للعرب في إفريقيا وآسيا الوسطى، واقتحام الأمن القومي العربي عبر بوابة العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكذلك محاولات الاحتكاك بدول مجلس التعاون الخليجي وهو ما تقوم به إيران بشكل واضح بل تتفاخر به وتعتبره إنجازًا تاريخيًا طال انتظاره.

في المقابل مطروح على طاولة صناع القرار والمفكرين العرب في هذه المرحلة الفاصلة عدة سيناريوهات للتعامل مع التحديات القائمة والمحتملة، منها اختيار نموذج العلاقات التي تندرج تحت مسمى الشراكات الاستراتيجية مع قوى صاعدة وفي مقدمتها الصين وتركيا ومجموعة البريكس، ومنها أيضًا التعاون والتكامل مع الدول الإسلامية وهو ما جسده التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب والذي طرح نموذجًا للقوة الإسلامية  وجسدته المناورة العسكرية الكبرى رعد الشمال بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة (14 فبراير ـ 10 مارس 2016م) بمشاركة  20 دولة و350 ألف جندي و 2540 مقاتلة حربية و20 ألف دبابة و460 هليكوبتر هجومية، وأثبتت هذه القوات كفاءة قتالية عالية.

كما سبق أن طرح مؤتمر القمة العربية الذي عُقد في مارس من العام الماضي بشرم الشيخ، تشكيل القوات العربية المشتركة لتكون قوة عربية خالصة لتأمين المنطقة من المخاطر والتحديات المتنامية، ولمواجهة موجات الإرهاب المتصاعدة والمتتالية والتي تنفذها جماعات إرهابية محلية أو عابرة للحدود.

 إضافة إلى ما سبق وعلى المستوى الخليجي يوجد نواة مهمة للجيش الخليجي الموحد وهي قوات درع الجزيرة التي أثبتت كفاءة عالية في اختبارات مهمة لعل أبرزها تأمين مملكة البحرين ضد مخاطر الإرهاب والمؤامرات الإقليمية المتكررة. 

ونعتقد أن هذه الدوائر الثلاث على المستويات الخليجية، والعربية، والإسلامية متكاملة وليست متقاطعة، وتؤكد قدرات هذه الدول في التأسيس لتوزان استراتيجي ذاتي ودائم دون الحاجة إلى تدخل خارجي لتأمين المنطقة، لا سيما أن هذه الدول تمتلك مقومات ذلك سواء من حيث العدة أو العتاد، وأدوات التخطيط الاستراتيجي، بل هي الأقدر على تحديد المخاطر والتحديات وترتيبها حسب الأولويات.

وعليه من الضروري أن يتم وضع رؤية استراتيجية بمشاركة الدول المتوافقة في المنطقة والتي تواجه تحديات مشتركة، على أن تشمل هذه الاستراتيجية تحديد الأهداف، ووضع الأولويات، واختيار الأسلوب الأمثل في التشكيل والتمركز والقيادة، وبالتوازي مع ذلك وبالأهمية ذاتها يتم التأسيس لصناعات عسكرية مشتركة طبقًا للمزايا النسبية لكل دولة، وبناءً على قدراتها وما تنتجه فعلاً وكيف يمكن تطويره أو استحداثه، وكذلك توطين هذه الصناعات في منطقتنا، وهناك نماذج كثيرة ناجحة في الدول النامية.

ونعتقد أن هذا السيناريو من الخيارات المناسبة لتحقيق الاستقرار الدائم للمنطقة بعد تجارب كثيرة للاعتماد على الغير في تأمين المنطقة واستقرارها، وفي الوقت نفسه لا توجد موانع تحول دون تحقيق ذلك، لكن الأمر يتوقف على الإرادة، وتوفر الثقة، وطرح رؤى واقعية أسوة بالعديد من التكتلات العالمية وعلى مستويات اقتصادية، وسياسية، وعسكرية التي حققت نجاحًا مهمًا وهذا ما نراه على سبيل المثال في مجموعة دول البريكس، وتجمعات شرق وغرب إفريقيا، ومن قبل الناتو والاتحاد الأوروبي. 

مقالات لنفس الكاتب