array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 108

مرحلة بداية سقوط الإمبراطورية الأمريكية مبدأ أوباما وأفول النجم الأمريكي في الشرق الأوسط

الثلاثاء، 07 حزيران/يونيو 2016

عندما نشر المؤرخ الأمريكي وأستاذ التاريخ بجامعة ييل، بول كنيدي كتابه " صعود وسقوط الدول العظمى " عام 1987م، أصيبت النخبة السياسية الأمريكية بالذهول، وأثار الكتاب ضجة كبرى في الولايات المتحدة لأنه تنبأ بسقوط الامبراطورية الأمريكية كغيرها من الامبراطوريات السابقة،واضمحلال قوتها تدريجيًا لأسباب داخلية بنيوية وأخرى خارجية كصعود قوى عظمى تنافس الولايات المتحدة مثل الصين. جاء صدور الكتاب في قمة النشوة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان عند انتصاره على الاتحاد السوفيتي في المستنقع الأفغاني عندما كانت الولايات المتحدة تدعم " المجاهدين " حسب قول ريغان ضد امبراطورية الشر، التي انهارت بعد ثلاثة أعوام من صدور الكتاب، وكان سقوط الاتحاد السوفيتي مفاجأة حتى للدوائر الأمريكية ومنها الاستخبارات الأمريكية (CIA). ولكن الانهيار الأمريكي يبقى ظاهرًا وهي تنسحب تدريجيًا من مناطق نفوذها في العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط ؟  

تراجع الامبراطوريات بين الربح والخسارة

ربط بول كنيدي بين انسحاب الامبراطوريات وما تحققه من فائدة مادية، وعندما تشعر بأن تكلفة توسعها وامتدادها إقليميًا أكثر من فوائدها، فأنها تنسحب وتتراجع، وكانت الامبراطورية البريطانية، الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وكانت تعتبر الهند درة التاج البريطاني، ولكنها عندما شعرت مع حركات التحرر الوطني التكلفة تفوق الربح انسحبت من مستعمراتها، وانسحبت بريطانيا من منطقة الخليج العربي 1971م، عندما شعرت حكومة العمال البريطانية بأن تكلفة بقائها في المنطقة أكثر من فوائدها، فالامبراطوريات والدول تتصرف في علاقاتها الخارجية وفق مبدأ الربح والخسارة ! لقد انسحبت الولايات المتحدة من فيتنام بعد شعورها بالهزيمة السياسية والخسارة والتكلفة الاقتصادية، وانتفاضة طلاب الجامعات الأمريكية ضد الحرب في فيتنام؟!

الأزمة الاقتصادية وتكلفة التورط في أفغانستان والعراق

كانت أحلام إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن، إدارة المحافظين الجدد كما توصف أو بأنها إدارة بترولية كما يحلو لبعض المعلقين وصفها، الهيمنة على بترول بحر قزوين والعراق، وقد تفاوضت الشركات الأمريكية مع حكومة طالبان بمد أنبوب بترول من بحر قزوبن عبورًا بأفغانستان حتى سواحل باكستان، وعندما فشلت المفاوضات، كانت واشنطن قد أعدت لإسقاط طالبان، وجاءت أحداث 11 سبتمبر عرضًا وعجلت من إسقاطها. أما في العراق فإن المحافظين الجدد فكروا إسقاط النظام العراقي واتخذوا ذريعة من المفاعل النووي وأحيانًا نشر الديمقراطية وتمهيدًا للغزو والهيمنة على البترول وتمويل تكلفة الحرب من البترول العراقي، ولكن المفاجأة أحبطت المخطط والمخططين. فتصوروا تضليلًا أن الشعب العراقي سيستقبلهم بالورود، بل ذهب ريتشارد بيرل " كما يوصف في واشنطن بأمير الظلام " إلى أنه يمكن احتلال العراق بأربعين ألفا من الجنود؟ وكان بيرل مساعدًا لوزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس ريغان وقد استقال من منصبه بعد فضيحة التجسس لجوناثان بولارد لإسرائيل 1985م، وهو يهودي أمريكي، ودارت الشبهات حول بيرل لأنه من اليهود الصهاينة ومن أشد المتحمسين لإسرائيل.

لقد فشلت الولايات المتحدة في أفغانستان، فطالبان عادت تهدد الحكومة الأفغانية التي تديرها واشنطن، فرغم أكثر من عقد من الوجود العسكري في أفغانستان كانت مستنقعا للولايات المتحدة، وأخيرًا أجبرت واشنطن وجلست تتفاوض مع حركة طالبان التي أصبحت تسيطر على مناطق عدة في أفغانستان وتهدد بسقوط حكومة كابول.

أما في العراق، فلم تسيطر واشنطن على البترول ولا حققت الديمقراطية، فكانت المقاومة العراقية أسرع مما تخيلت إدارة بوش الابن، وأسرع من المقاومة الفيتنامية، ونصبت حكومة طائفية، فلا ديمقراطية تحققت ولا استقرار سياسي بل أدى الاحتلال إلى مقاومة عراقية شرسة كبدت الولايات المتحدة الخسائر الباهظة، وكانت حملة الرئيس أوباما الانتخابية الخروج من المستنقع الأفغاني والعراقي للتكلفة الاقتصادية والسياسية في ظل أزمات اقتصادية أمريكية متفاقمة في البلاد.

وقد كتب ريتشارد هاس الذي تقلد عدة مناصب في الإدارات الأمريكية المتعاقبة بأن التورط الأمريكي في البلدين كان كارثة للولايات المتحدة أدت إلى مشاركة أكثر من مليونين من الجنود الأمريكيين في داخل الولايات المتحدة وخارجها ومقتل 6000 أمريكي وجرح 40000 أمريكي وكلفت الولايات المتحدة 1.5 تريليون دولار (1). إضافة إلى الوقت الذي أمضاه صانعو القرار الأمريكي في إدارة الحربين، مما جعل أغلب الشعب الأمريكي لا يرغب في التورط مرة أخرى في الشرق الأوسط، وقد أسهم هذا التورط في فوز أوباما بالرئاسة الأمريكية بوعوده بإخراج الولايات المتحدة من هذه المستنقعات التي ورطتها إدارة جورج بوش الابن. ويستذكر أوباما ورطة حرب فيتنام وما أدى إلى هزيمة سياسية للولايات المتحدة فيها.

أوباما ومحور آسيا -المحيط الهادي

عندما يردد الرئيس الأمريكي أن مصالح الولايات المتحدة تتركز أساسًا في المحور الآسيوي-المحيط الهادي حيث ثلثي التجارة الأمريكية في هذه المنطقة، فهي ليست جديدة، ففي بداية الثمانينات من القرن الماضي طرح مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس كارتر، زبجنيو بريجنسكي هذه الفكرة منبهًا القيادة الأمريكية إلى أن مستقبل المصالح الأمريكية في شرق آسيا، ولذلك إنه حتى في عهد إدارة بوش الابن تبنى نفس الفكرة، وبنى سياسة التحالف الديمقراطي في مواجهة الصين، عندما طرحت فكرة التقارب بين دول ديمقراطية في شرق وجنوب  آسيا، يشمل الهند واستراليا واليابان والولايات المتحدة .

ورغم أن الهند مترددة في هذا التعاون خوفًا من إثارة الصين، إلا أن المصالح الاقتصادية تدفع دول شرق آسيا للتعاون ومشاركة مجموعة آسيان مع الصين وكلها تقريبًا تقع ضمن إطار منتدى المحيط الآسيوي للتعاون الاقتصادي APEC تشترك فيها دول مثل الصين بحجمها الاقتصادي وروسيا الاتحادية. وقد نبذت هذه الدول الـ 21 خلافاتها الأيديولوجية في سبيل تحقيق المصالح الاقتصادية في سبيل رفاهية شعوبها.

   أوباما مشاكل الشرق الأوسط معقدة وحلولها صعبة

قال مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر في مقابلة له مع صحيفة الوتاشنطن بوست في 11 مايو الماضي، إنه لا يمكن إصلاح الأمور في الشرق الأوسط من جانب واحد، خاصة وأن الولايات المتحدة تلحق الضرر بمصالحها في مناطق أخرى في محاولتها إصلاح المنطقة. وكان أوباما قد صرح في مقابلة مع مجلة THE ATLANTIC في أبريل الماضي أن مشكلات الشرق الأوسط تحتاج أجيال لحلها. ويلتقي كلابر مع أوباما في تعقد مشكلات الشرق الأوسط، ويظهر أن هناك شبه إجماع في الإدارة الأمريكية أن انزلاق المنطقة في الصراعات العرقية والطائفية وتعدد التنظيمات المتصارعة تريد واشنطن أن تبتعد عن التورط فيها، خاصة مع تقلص مصالحها الحيوية فيها فالبترول لم يعد الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة كما كان خلال القرن الماضي مع توفر البترول فيها ويمكن استيراده من أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومع اختفاء الاتحاد السوفيتي وجدت واشنطن مصالحها في آسيا بعيدًا عن مشكلات الشرق الأوسط بعد انهيار بعض الدول و دول فاشلة أخرى وحروب أهلية في أخرى.

عدم التدخل العسكري الأمريكي المباشر والشركاء والتكاليف

 إن محور مبدأ أوباما عدم التدخل العسكري المباشر بقوات برية في الشرق الأوسط، كما حدث في أفغانستان والعراق، وقد أسهم هذا التورط في فوز أوباما بالرئاسة الأمريكية بوعوده بإخراج الولايات المتحدة من هذه المستنقعات التي ورطتها إدارة جورج بوش الابن. ويستذكر أوباما ورطة حرب فيتنام وما أدى إلى هزيمة سياسية للولايات المتحدة فيها.

ويؤكد أوباما على ضرورة مشاركة الحلفاء مع الولايات المتحدة في التكاليف أو في حالة التدخل، لن تكون واشنطن منفردة كما كانت، وهذا ما أكده أوباما في الحالة السورية أن الولايات المتحدة رغم انتقادها وتهديدها للرئيس السوري كانت تتشاور مع حلفائها الأوروبيين سواء في تكلفة الحرب أو المشاركة في الحرب فعليًا، ففي صيف 2012م، حذر الرئيس الأمريكي الرئيس السوري من استعمال السلاح الكيماوي ضد المعارضة السورية واعتبر استعماله خطًا احمر حتى أن تصريح الرئيس أثار قلق جوزيف بايدن لأنه قد يضع الولايات المتحدة في موقف حرج في حالة استعمال الرئيس السوري للأسلحة الكيماوية وهذا ما حدث في أغسطس 2013م، عندما قتل أكثر من 1000 شخص في غوطة دمشق، وأصبحت مصداقية واشنطن موضع استفهام للتدخل العسكري، ورغم دفع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لأوباما لضرب النظام السوري والتدخل العسكري، وكانت الأنظار متجهة لواشنطن لأن الأسد تجاوز الخط الأحمر الذي رسمه أوباما، إلا أن أوباما ورغم غضب حلفائه وضغط المعارضة الجمهورية وحتى من الحزب الديمقراطي رفض التدخل العسكري أو توجيه ضربة صاروخية لنظام الأسد مبررًا أن حلفاءه البريطانيين والألمان والفرنسيين ليسوا مستعدين للتدخل، ففي 29 أغسطس 2013م،رفض مجلس العموم البريطاني التدخل كما أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رفضت التدخل، بل عندما يتذكر أوباما رفضه بقراره في 31 أغسطس 2013م، بعدم ضرب النظام السوري، فإنه يقول " أنني فخور بهذا القرار" بل يذهب أن تحريضه على التدخل ما هي إلا مصيدة له من الحلفاء والخصوم السياسيين ؟ وأنه عن طريق الروس استطاع أن يخرج السلاح الكيماوي من يد النظام السوري.

 

القيادة من الخلف والحرب بالبديل

  إن الولايات المتحدة حسب مبدأ أوباما تريد إدارة المنطقة والتدخل من الخلف , ففي ليبيا كانت أوروبا هي المتورطة عسكريًا وكانت الولايات المتحدة تعمل من وراء الستار ، والعودة لمبدأ نيكسون (الحرب بالوكالة)،  وفي الحرب على الإرهاب والقضاء على داعش تريد الولايات المتحدة أن تبقى في الخلف وتقدم المساعدات العسكرية والاقتصادية والخبراء والتدريب ولكن ليست مستعدة للتدخل المباشر، فهي دعمت قوات حماية الشعب التركي والحزب الاتحادي الديمقراطي الكردي السوري وحتى حزب العمال الكردستاني التركي في مواجهة النظام السوري وداعش، كما دربت عناصر من المعارضة السورية مثل الجيش السوري الحر ودعمت الحشد الشعبي الشيعي  في العراق رغم انتقادها لممارسته، وعملت على حشد القبائل السنية إلى جانب الأكراد،  وأرسلت خبراء لتدريب الجيش العراقي، ولكن ليس تدخلًا مباشرًا من قواتها، وساعدت الدول الإقليمية بتدريب قواتها وإرسال الخبراء على أمل  تشكيل قوة سنية إقليمية لحرب داعش وحسب رأي الرئيس الأمريكي أن مشكلة داعش إقليمية وتهدد دول الإقليم  "وليست تهديد وجودي للولايات المتحدة"، بل إن التغيير المناخي أكثر خطر وجودي كامن للولايات المتحدة من الدولة الإسلامية (داعش)، خاصة إن مستشاريه من الاستخبارات الأمريكية أخبروه أن أهمية داعش هامشية بالنسبة للولايات المتحدة، حتى أن مدير الاستخبارات الوطنية  الأمريكية  كلابر اعترف في مقابلته المشار إليها  وأعاد ما ذكره في سبتمبر  من عام 2014م، من أن الولايات المتحدة  قد "أساءت تقييم" تنظيم داعش، وقال إنه لن يرتكب هذا الخطأ الآن. بل ذهب أبعد من ذلك بقوله إنه لن يتم استعادة معقل التنظيم الرئيسي بالموصل بالعراق هذا العام، وأن الولايات المتحدة تواجه صراعًا طويل الأمد سيمتد لـ"عقود".

منع انتشار الأسلحة النووية والتعاون الإقليمي

إن أحد أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منع انتشار الأسلحة النووية ولذلك يعتبر الإنفاق بين 5+1 وإيران في منع إيران من تطوير برنامجها النووي، حتى تبقى أقل خطورة في المنطقة، إن سياسة واشنطن برجماتية وسياسة الحد الأدنى، فإيران دولة إقليمية ورغم أنها كانت تصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر، فيرى أوباما أن استعمال القوة ضدها لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط.

ويطرح أوباما أهمية التعاون بين القوتين الإقليميتين، المملكة العربية السعودية وإيران، وذلك لحل الصراعات الطائفية ويعترف أن إيران هي وراء عدم الاستقرار والطائفية وإثارة الحرب الطائفية في العراق واليمن وسوريا، ولكن سياسته البرجماتيه في تعامله مع إيران بشأن المفاعل النووي قد تكون برجماتية أيضًا كسياسة إقليمية لإيجاد نوع من الاستقرار السياسي في الإقليم وما يعبر عنه أوباما (تلك مشاكلكم في الشرق الأوسط وحلوها)، تأكيد على أن الولايات المتحدة لن تتورط في صراعاتها، لأنها لم تعد القوة العظمى كما كانت , إنها دولة لا تستطيع تحمل تكاليف التدخل في العالم في قضايا لا تمس الأمن القومي الأمريكي بشكل مباشر ورئيسي، إنه اعتراف بتراجع قوتها وإنها أصبحت في عالم متعدد الأقطاب وإن عالم  الأحادية القطبية قد ولى .

إن النظام الدولي متغير وليس ثابتًا وتبعًا لذلك تتغير سياسة الدول وفقا للظروف المتغيرة، ولكن هناك من يتعامل بالسياسة من منطق الثابت وليس من منطق تغير الظروف والأحوال، والولايات المتحدة تراجعت كغيرها من الامبراطوريات عبر التاريخ التي انهارت، وكما قال ادورارد جيبون في كتابه عن سقوط الامبراطورية الرومانية كان الفساد هو السوس الذي ينخر في الامبراطوريات فتنتهي بالسقوط، إنها عجلة التاريخ والبقاء لله وحده.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

1- Richard Hass, " The irony of American Strategy: putting the Middle East in proper perspective', Foreign Affairs 92:57, June 2013, p.59.

مجلة آراء حول الخليج