; logged out
الرئيسية / القوى الناعمة العربية أكثر تأثيراً في مواجهة المد الإيراني جنوب الصحراء التعاون الأمني والعسكري الخليجي ـ الإفريقي: ضرورة لمواجهة الإرهاب واستقرار المنطقة

العدد 109

القوى الناعمة العربية أكثر تأثيراً في مواجهة المد الإيراني جنوب الصحراء التعاون الأمني والعسكري الخليجي ـ الإفريقي: ضرورة لمواجهة الإرهاب واستقرار المنطقة

الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو 2016

في مناورات تاريخية لامتصاص صدمة المتغيرات الإقليمية والدولية،طفقت دول الخليج تقيم شراكات استراتيجية شرقًا وغربًا. ومن بينها محاولات تعزيز التعاون والشراكة بين الخليج والدول الإفريقية جنوب الصحراء كخيار استراتيجي. فإفريقيا مسرح مناسب لتنافس كثير من القوى الإقليمية والدولية الصاعدة؛لموقعها الهام وتوسطها الممرات الملاحية بين القارات الخمس،ولأنّ عبقرية المكان ستتضاعف في القرن الحادي والعشرين،مما جعلها مهمة لدول الخليج ليس لكون الأمن العالمي مترابط، فحسب، بل لكون دول جنوب الصحراء تعاني من ضعف في الموارد المالية جعلها غير قادرة على السيطرة على قرارها وعلى حدودها. فمن أشكال التنافس على دول جنوب الصحراء الاستنزاف المغلف بمحاربة الإرهاب والقرصنة كدخول الولايات المتحدة وفرنسا والصين والهند وإسرائيل وإيران وتركيا[1]. وفي الأسطر القادمة سوف نحاول تتبع إمكانية تفعيل التعاون الأمني والعسكري بين دول الخليج والدول الإفريقية جنوب الصحراء بالتعرف على التحديات التي تواجهها الدول الإفريقية وارتباط هذه التحديات بأمن الخليج،كما سنحاول بحث المقاربات الخليجية لتعاون ناجح مع هذه الدول.

تحديات تمس الخليج في دول جنوب الصحراء

للطابع الشمولي لتأثيرات العولمة،تداخلت المنظومة المصطلحية الخليجية رغم تعدد صورها،مع مصالح الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى. وتضمن ذلك الانغماس المشترك في الصراعات والنزاعات الإقليمية لكن أشدها وضوحًا هو التعامل مع الإرهاب بوصفه تهديدًا عابرًا للحدود ثم التحدي الإيراني لدول الخليج منطلقًا من إفريقيا بكافة صوره.

-الإرهاب ومثلث الرجال والسلاح والمال

دفعت الخيارات الصعبة جراء الظلم وغياب العدل والديمقراطية وتفشي البطالة،الشباب الإفريقي إلى الانضمام للجماعات الجهادية كبديل لقوارب الموت والهجرة غير الشرعية إلى أوروبا،وشكَّلت منطقتا الساحل والقرن الإفريقي فضاء للإعداد والتدريب والتزود للإرهاب، كما كانتا المكان المناسب للإنبات والإعداد لهجمات مسلَّحة في القارَّة وخارجها، ولاحقًا أتاح الربيع العربي إمكانيات وفيرة للتمكين والإعداد للتنظيمات اللإرهابية أما السلاح، فقد أدى سقوط نظام القذافي وانهيار المؤسسات الأمنية في ليبيا إلى تحويل هذا  إلى مستودع أسلحة للإرهاب يضم السلاح الفردي والصواريخ المضادة للدروع وللطائرات. وفي غياب استراتيجية لمواجهة تنظيمات الإرهاب في دول جنوب الصحراء أسهم التمويل الذاتي الوافر لتمدد الإرهاب عبر عمليات خطف وطلب الفدية مقابل إطلاق سراح الرهائن وتوفير الحماية لعمليات تهريب السلع والمخدرات والأسلحة. ويتواجد تنظيم القاعدة في 6 دول إفريقية هي الجزائر مالي النيجر موريتانيا ليبيا والصومال[2]. وحتى ظهور تنظيم الدولة "داعش "في إفريقيا عبر البوابة الليبية عام 2014م، كان يتبع لتنظيم القاعدة جماعات جهادية عدة كتنظيم "جماعة أهل السنَّة للدعوة والجهاد" في نيجيريا، المعروف باسم "بوكو حرام". والقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. وأنصار الشريعة في ليبيا وتونس، وشباب المجاهدين في الصومال، جماعة "المرابطون" بشمال مالي وجنوب ليبيا. والعلاقة شائكة بين تنظيم القاعدة وبين تنظيم الدولة وهي علاقة يلفها الكثير من الغموض مثل تحول "بوكو حرام" لمبايعة تنظيم الدولة الإسلامية وقبول داعش البيعة في 12 مارس 2015م، وكانت تتبع القاعدة وأقامت سمعتها الدموية على دعم القاعدة حيث قتلت أكثر من 20 ألف شخص وأجبرت أكثر من 2,6 مليون آخرين على الفرار[3]. ويوجد تنظيم داعش في أكثر من 10 بلدان إفريقية، فالتنظيم في 7 دول إفريقية على شكل مجموعات مسلحة في مصر، ليبيا، الجزائر، تونس، نيجيريا، مالي، والنيجر، بينما يوجد في شكل خلايا نائمة لا تقل عن 3 وهي المغرب وموريتانيا والسودان. فهناك داعش في نيجيريا ويمثِّله تنظيم بوكو حرام. وهناك داعش في مالي عبر تنظيم "الملثمون" المنشق عن تنظيم "المرابطون" التابع للقاعدة. و داعش في الصومال وهم الشباب المجاهدون التي نفذت العديد من العمليات المسلحة في كينيا. وهناك داعش في السودان في إقليم دارفور. كما أن هناك جيش تحرير أوغندا المسلم وقد بايع "داعش" في خريف 2015م.كما أن هناك جماعات داعشية صغيرة ومنتشرة بجنوب إفريقيا وموريتانيا وبوركينا فاسو[4].

-إيران ونوافذ إفريقيا على جزيرة العرب

متدثرة بمبادئ الإمام الخميني لنجدة قارة المستضعفين، تسربت إيران بصمت في مفاصل إفريقية عدة، ثم شرعت لها نوافذ مطلة على الجزيرة العربية مدخلة منها السلاح للحوثيين والتدخل في شؤون صنعاء والرياض وشكلت تهديدًا جادًا للأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي. فالاختراقات التي حققتها إيران في إفريقيا شكلت مشروعًا واستراتيجية عبر محاور سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية واضحة.

- نجاح إسرائيل في إفريقيا وإبعادها عن الصراع العربي الإسرائيلي، أغرى إيران لتكون قاعدة إفريقيا خلفية لسياستها وحساباتها الإقليمية والدولية. فبدت إفريقيا حاضرة وبقوة في الاستراتيجية الإيرانية ففي المحور السياسي وعبر أكثر من ثلاثين سفارة، تمكنت طهران من الحصول على عضو مراقب في الاتحادالإفريقي. وقد ساهم تواجد جالية لبنانية كبيرة تتبعها طائفيا من تسهيل تغلغلها في بلدان إفريقية عدة، فحظيت من دول غرب إفريقيا بدعم في المحافل الدولية وصل تأييد حقها في امتلاك برنامج نووي سلمي.

 - وفي المجال الاقتصادي بلغ عدد البعثات ومكاتب التمثيل التجاري الإيراني حوالي 26 بعثة ومكتب. فحققت في أفريقيا مكاسب اقتصادية ضخمة، فأصبحت المصدر الأول للنفط لجنوب إفريقيا، ووقعت مع أوغندا العديد من الاتفاقيات التجارية، وأقامت علاقات قوية مع السنغال، كما عرضت على كينيا المساعدة في إقامة مشروعات للطاقة، وهو الباب الذي استخدمته بتوسع كبناء مشاريع البنية التحتية للطاقة، ومصافي النفط، ومحطات توليد الكهرباء، بل وتكنولوجيا الاستخدام السلمي للطاقة النووية. يسند ذلك التوسع خط جوي منتظم لمعظم إفريقيا ،علاوةً على تأسيس خطوط بحرية منها (ممباسا- بندر عباس) يسنده توقيع مذكرة تفاهم حول سبل تعزيز التعاون الإيراني الكيني.

-أعطت إيران أهمية قصوى للحضور البحري الأمني على البحر الأحمر، وأهم مكان لتواجدها هو ميناء عصب اللإريتري، كما كان لها وجود في جمهورية جزر القمر وجيبوتي. ويرجع اهتمامها بالتواجد العسكري في دول جنوب الصحراء لأسباب عدة منها:

- يمكّنها تواجدها بالقرن الإفريقي بالتواصل مع الحوثة في اليمن ودعمهم بالأسلحة، وما يترتب عليه من ضغط على دول مجلس التعاون الخليجي وبشكل خاص المملكة العربية السعودية.

- يتيح تواجدها فرصة المساومة مع القوى المنافسة كالولايات المتحدة وإسرائيل. كما يعطيها نقطة ارتكاز تمكنها من القيام بمهام قتالية ضد القوى الغربية، ولعل سعي إيران لتطوير علاقاتها مع كينيا وتنزانيا وجزر القمر يؤكد هذا المنحى الاستراتيجي في الاختراق الإيراني لإفريقيا.

 - كشف تقرير لمركز بحوث تسليح الصراع عن أنه من بين 14 حالة كشف فيها عن وجود أسلحة إيرانية، هناك فقط 4 حالات كانت مع الحكومات والعشر الباقية مع جماعات غير نظامية، قد دعمت الانفصاليين في السنغال، ومتمردي ساحل العاج، وغامبيا، وحركة الزكزاكي في نيجيريا[5].

-التعاون بالقوة الناعمة اللإيرانية يظهر في إفريقيا بأشكال عدة، فقد عززت وجودها بشرق إفريقيا بإنشاء فرع لرابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية الإيرانية، ودعمت إنشاء عدد من المدارس والمساجد والمستوصفات الصحية بعدد من المدن بشرق إفريقيا، وتقوم برعاية الأُسر الفقيرة، وتأسيس جمعيات خيرية، وتعطي منحاً للطلاب للدراسة في إيران. ولكون الغالبية العظمى من المسلمين السنة في دول إفريقيا جنوب الصحراء، تتبع المنهج الصوفي الذي يكره التطرف، فقد تشكلت موجة تحول بين الأفارقة من سنة إلى شيعة. وأشار تقرير إلى أن عدد المتحولين للمذهب الشيعي، في نيجيريا وهي الأكبر من حيث عدد السكان بلغ 12% من سكانها المسلمين، البالغ عددهم 90 مليونًا، وكانت نسبتهم صفر تقريبًا في عام 1980م. وتبلغ نسبة الشيعة في تشاد 21%، من إجمالي عدد المسلمين، و20% في تنزانيا، و8% في غانا [6]

 الشراكات الخليجية مع دول جنوب الصحراء

في الأدبيات السياسية العربية اعتبر ولوقت طويل أن صغر المساحة وقلة عدد السكان للدولة ملاذًا آمنًا للانكفاء على نفسها، وتجنب تضحيات أن تكون مؤثرة في محيطها الإقليمي . لكن دول الخليج قلبت تلك المعادلة وصارت صوتًا مسموعًا ليس في الشرق الأوسط فحسب بل وفي الجوار الآسيوي والإفريقي. ولدول مجلس التعاون الخليجي 30 بعثة دبلوماسية أو قنصلية بالدول الإفريقية جنوب الصحراء، فيما لا يوجد أي تمثيل دبلوماسي لدول مجلس التعاون في 26 دولة إفريقية[7]. ربما لكون دول الخليج تسعى إلى إيجاد علاقات مع عواصم أكثر استقراراً لتضييق الخناق على التمدد الإيراني.

- فبهدف إحداث توازن استراتيجي في المنطقة ضد إيران تحركت السعودية نحو إريتريا، وتوصلت معها إلى اتفاق تعاون عسكري وأمني واقتصادي لمحاربة الإرهاب والتجارة غير المشروعة والقرصنة في مياه البحر الأحمر، وعدم السماح لأي تدخلات أجنبية في الشأن اليمني. وفي الوقت نفسه نجحت الرياض بتعزيز العلاقات مع اثيوبيا وتطويرها. كما شكّلت عمليات "عاصفة الحزم" نقطة تحول في العلاقة بين دول الخليج والخرطوم، فبعد أن كانت موانئ الخرطوم مفتوحة على مصراعيها للسفن الإيرانية، شاركت السودان رسمياً مع التحالف العربي في حرب اليمن ضد حلفاء طهران من الحوثة. كما قدم صندوق التنمية السعودية، خلال عام 2014،13 م، قرضًا ميسَّرًا إلى الدول الإفريقية من إجمالي 20 قرضًا قدمها خلال ذلك العام.[8]كما سعت السعودية إلى بناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، المطلة على مضيق باب المندب، ومنحتها 5 زوارق بحرية سريعة ومتطورة، فساهمت جيبوتي بنجاح في تحرير جزيرة ميون اليمنية من سيطرة الحوثة، فاستعادوا السيطرة على مضيق باب المندب، واستلمته قوات الجيش الوطني اليمني الذي وصل هناك عبر جيبوتي.

- نشطت دولة قطر بالقوة الناعمة وحققت نجاحات كبيرة في دول جنوب الصحراء، فكان لها دور سياسي ركزت من خلاله على التوسط لحل النزاعات وإقامة الشراكات، أبرزها الوساطة بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة في دارفور 2013م، كما توسطت بين إريتريا وجيبوتي في عام 2010م. والصومال وإثيوبيا، وقضية الصحراء الغربية. أما الدور التنموي فتعد دولة قطر إحدى أكبر الدول الداعمة مالياً لمؤتمرات المانحين في أفريقيا، فساهمت في تشكيل الأساس لتعاون خليجي إفريقي. كما حدث في النيجر والصومال. كما أن هناك مد إعلامي تمثل في قيام قناة الجزيرة بتغطية مناطق جنوب وشرق إفريقيا وكسر احتكار إذاعة "بي بي سي" لتلك المنطقة، بالإضافة إلى دورها الإغاثي في القارة من خلال الهلال الأحمر القطري وجمعيات ومنظمات أهلية وخيرية، لبناء المساجد، ودعم المدارس الإسلامية، والمراكز الصحية بمواقع الصراعات المسلحة الخطرة [9]. ومن جهة أخرى ساهمت القوات المسلحة القطرية بلعب دور بارز بالإسهام في قوات حفظ السلام التي شكلتها الأمم المتحدة في العديد من مناطق العالم، فكانت في ليبيا ثم تواجدت قوة الواجب القطرية لمراقبة الحدود الجيبوتية الإريترية لحين توصل البلدين لاتفاق سلام نهائي حدودي. 

-  أشادت مصادر أممية بالمؤسسات الإماراتية الإنسانية العاملة في مجال الإغاثة في القرن الإفريقي. كما نجحت استثمارات تجارية إماراتية عدة في دول جنوب الصحراء. ولم تفشل دولة الإمارات العربية المتحدة في ترجمة المبلغ الضخم الذي بموجبه أصبحت ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم في 2009م.بل أصبحت قوة عسكرية فعالة مقارنة بالقوى العسكرية الأخرى بجوارها الإقليمي، حيث حققت معادلة جيش صغير وفعال، وسجلت العسكرية الإماراتية أكبر حضور عربي في ساحات القتال الاقليمية والدولية خلال العقدين الماضيين[10]. وفي 1993م، شاركت في عملية إعادة الأمل بالصومال. وشاركت مع قطر وحلف شمال الأطلسي في إسقاط الطاغية معمر القذافي 2011م، كما دعمت 'عملية القط المتوحش' في مالي 2013م.

- وتستند الكويت في تواجدها في دول جنوب الصحراء على إرث تاريخي حمله الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وجدده رجل بقامة إنسانية عالية هو الدكتور عبد الرحمن السميط عبر منظمة العون المباشر. ففي أقل من 30 عامًا، قامت هذه المنظمة ببناء أكثر من 800 مدرسة، و200 عيادة طبية، وأكثر من 200 مركز لتدريب النساء. كما حفرت الآلاف من آبار المياه، وساعدت ببناء العديد من المشاريع الزراعية والري ووزعت آلاف الأطنان من المواد الغذائية والإمدادات الطبية في المناطق المنكوبة. أما في المجال العسكري فشاركت القوة البرية الكويتية عام 1992م، في قوة حفظ السلام في الصومال.

المسارات الخليجية المطلوبة

- المسارات الأمنية الخشنة

في التقرير الصادر عن موقع "جلوبال فاير باور 2015" المتخصص في تنظيم القوة العسكرية للدول لأقوى جيوش العالم، جاء ترتيب دول جنوب الصحراء الإفريقية بجيش دولة جنوب إفريقيا كأكثرها تأهيلًا ،ثم الجيش النيجيري، والجيش الإثيوبي، وجيش دولة كينيا، وجيش أنجولا، وجيش النيجر، وجيش أوغندا، و جيش تشاد، وجيش زيمبابوي، وجيش ساحل العاج، و جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجيش غانا، وجيش جمهورية إفريقيا الوسطي، وجيش ناميبيا، وجيش مدغشقر، وجيش جمهورية الكونغو، وجيش الجابون، وجيش الكاميرون، وجيش تنزانيا، وجيش جنوب السودان ، وجيش زامبيا، وجيش مالي، وجيش موزمبيق. وما يقلق أن التحديات التي تواجه دول الخليج وتحديدًا الإرهاب، والتغلغل الإيراني نجدها في أقوىهذه الدول وأضعفها على حد سواء، كنيجيريا في رأس القائمة ومالي في أسفلها.

 -المقاربة الأمنية الخليجية عبر الهياكل الأممية: كالقوات الأممية ممثّلة في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لتحقيق الاستقرار في إفريقيا الوسطى "مينوسكا"، والتي تشكّلت مطلع 2014م، وقوامها أكثر من 10 آلاف رجل، لمراقبة حدود إفريقيا الوسطى مع الكاميرون وتشاد[11]. 

-المقاربة الأمنية الخليجية عبر الهياكل الغربية: حيث ظلت الاستراتيجية المتبعة من قبل دول الغرب تنصبُّ على المقاربة الأمنية، وبشكل خاص من قبل فرنسا والولايات المتحدة كالتالي:

- حددت المصالح الفرنسية السياسة التي قامت بتنفيذها فرنسا في القارة الإفريقية، في مجالات ثلاثة هي المصالح الاقتصادية، والمصالح الاستراتيجية بالسيطرة على المواقع الهامة، فوصلت قواعدها العسكرية بالستينيات لـ 100 قاعدة عسكرية، وكانت أكبرها جيبوتي وداكار في السنغال، وليبرفيل في الجابون ونجامينا في تشاد، وقاعدة يوريون في ساحل العاج، وتتمركز فيها قوات للمشاة والبحرية وقوات جوية. وقد شاركت دول الخليج في عمليات القوات الفرنسية في عملية القط المتوحش" المسماة عملية سيرفال" 2013م، ونجحت في استعادة معظم شمال ووسط مالي من الجماعات المسلحة. ثم عملية "سانغاريس" 2013. لتتسلّم الواجب بعدها عملية" برخان" لمطاردة المجموعات الإرهابية الناشطة في الساحل الإفريقي 2014. وهي عمليات ناجحة يمكن المشاركة فيها لولا محاذير منها بعض التعاطف هناك جراء الادعاء أن القاعدة وبوكوحرام حركة تحرر من الهيمنة التاريخيةالفرنسية[12].

- الركائز الأربع للاستراتيجية الأميركية تجاه البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى كما قال الرئيس أوباما هي: لتقوية المؤسسات الديمقراطية، ولتحفيز النمو الاقتصادي، والتجارة، والاستثمار، ثم لدفع السلام والأمن قُدمًا، و أخيرًا تعزيز الفرص والتنمية،بالعمل مع الأمم المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة[13].وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر دشَّنت الولايات المتحدة ما سُمِّي بشراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء واستهدفت مساعدة حكومات موريتانيا، ومالي، وتشاد، وبوركينا فاسو، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال والاستعانة بالاتحاد الإفريقي كمنظمة إقليمية. وفي 2008م، أقامت واشنطن "أفريكوم" كقيادة عسكرية موحَّدة للقارة، ونقلت إليها مسؤوليات مبادرة مكافحة الإرهاب. ثم خلال 2011 -2012م، وضعت أمريكا اعتمادات بلغت 95 مليون دولار لفائدة مبادرة التعاون الأمني مع دول غرب إفريقيا. ومن المرجح أن تكون واشنطن أنشأت خلال السنوات الأخيرة ما لا يقل عن 12 قاعدة عسكرية "سرية" صغيرة في العديد من البلدان الإفريقية، بدليل أن الأمريكان نفّذوا ما بين 10 إلى 14 غارة بطائرات دون طيار، وما بين 8 إلى 11 عملية سرية في الصومال منذ عام 2011م [14].والمساندة الخليجية يمكن أن تتم على أشكال عدة أهما:

-مساندة ميدانية مباشرة: من خلال قوات واجب خليجية بعضها سبق له التمركز على الأرض في المناطق المعنية أو في محيطها، والأخرى تضطلع بمهام الرصد والدعم اللوجستي للقوات الإفريقية نفسها، فسلاح النقل الجوي الخليجي فاعل ومتطور وله خبرة كبيرة في إفريقيا نتيجة عمليات الإغاثة.

- المساندة الاستخبارية: فالدول الخليجية عانت من العمليات الإرهابية، ولديها قاعدة بيانات كبيرة عن الإرهابيين، وقد واكتسبت خبرة في تتبعهم، ولها نجاحات مشهودة بالتبادل المعلوماتي، والتي أعاقت عمليات إرهابية عدة خارج حدودها.

-المسار التنموي والتوغل الثقافي

يجزم البعض بالدور الإيجابي لـ "التحالف الإسلامي العسكري"، بقيادة الرياض، في التصدّي للإرهاب في القارة الإفريقية، إلاّ أنّ هناك من يرى أنّ هذا الإئتلاف الذي يضم 34 دولة، سيواجه ذات "العقبة المحورية" التي طرحت على "القوة الإفريقية المشتركة" للتصدّي لـ "بوكو حرام" في حوض بحيرة تشاد. وهي "التعثّر وغياب التنسيق[15].  وعليه يمكن إلحاق الهزيمة بالإرهاب ليس بالحل العسكري، بل عبر تحرك تنموي بهدف اجتثاث الأسباب التي أوجدته، وتوفير فرص عمل للشباب الإفريقي، بالضبط كما نجحت الرياض فيسبعينيات القرن الماضي من انتشال اندونيسيا من السقوط في براثن الشيوعية بتوفير فرص عمل لشبابها.

ولكون إفريقيا مرتكز للتحولات الكبرى ، يمكن مساعدة شعوبها باليقظة الإسلامية الشعبية بإرسال رجال الدين المسلمين من إفريقيا والخليج، ومن خارجها بطريقة تطوّعية لمعاضدة جهود الجيوش النظامية، وشرح الإسلام الحقيقي، فعدم الاهتمام بالعلاقات الثقافية، والاقتصار على الجوانب الاستثمارية غير مبرر، كما أن القنوات الثقافية للجانب العربي ستكون أكثر تأثيرًا أمام التوغل الإيراني الطائفي، فالعلاقة الثقافيةوالتنموية بين الدول العربية وإفريقيا عميقة الجذور، وهي أكثر ديمومة من التواصل العسكري، فكما ان الدولالعُظمى لا تحتضر على الفراش بل تحتضر في أماكن قوتها ، فالدول الصاعدة الطموحة قد تضيع في أدغال إفريقيا.

 

[1]. ريم سليم . توليد الفرص ومجابهة التحديات: نحو شراكة اقتصادية إفريقية شرق أوسطية . المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية.القاهرة.17 مايو 2016 م http://tinyurl.com/ht7ssj3

[2]. الحسين الشيخ العلوي . صراع النفوذ بين القاعدة وتنظيم الدولة في إفريقيا . مركز الجزيرة للدراسات. 1 فبراير, 2016 http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/02/2016217925474124.html

[3]. قمة أبوجا تدعو إلى بذل جهد أكبر لهزيمة « بوكو حرام ».صحيفة الخليج الإماراتية. 16 مايو2016م

http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/0ea349fb-c9ae-4b09-9711-90514bd3d04d

[4]. صراع النفوذ بين القاعدة وتنظيم الدولة في إفريقيا . مركز الروابط للبحوث.2 فبراير,2016 

http://rawabetcenter.com/archives/19800

[5]. - إيران في إفريقيا اختراقات وإخفاقات , .موقع البرهان .2 مايو 2016م http://alburhan.com/Article/index/8325

[6]. مسلم عباس . الشيعة وسبل اقتناص الفرصة المناسبة . موقع النبأ .15 مايو2016م  http://annabaa.org/arabic/rights/6361

 

[7]. محمد صادق أمين . إفريقيا والأمن الاستراتيجي الخليجي.. من الإهمال إلى عاصفة الحزم . الخليج اون لاين .9 نوفمبر 2015م

http://klj.onl/Z1tJyAP

[8]. ريم سليم . توليد الفرص ومجابهة التحديات : نحو شراكة اقتصادية إفريقية شرق أوسطية . المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية.القاهرة.17 مايو2016م. http://tinyurl.com/ht7ssj3

[9]. محمد صادق أمين .الدبلوماسية القطرية في إفريقيا.. نضج خليجي سابق الزمن.29الخليج أون لاين . نوفمبر 2015م

http://klj.onl/1WuVbP

[10]ظافر العجمي .مالي وثقافة التدخل الخليجي المسلح في القضايا الاقليمية والدولية. جريدة الان.23 يناير 2013م

 http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=131436&cid=46#.V1MTH_l96M8

[11]. أفريقيا.. من يواجه "بوكو حرام "؟وكالة الأناضول.17 مارس  2016

http://tinyurl.com/hynlpln

[12]. رسائل هجوم أبيدجان: إفريقيا مجال للقاعدة وداعش تتفكك لصالحها. موقع العرب . 18 مارس 2016م

http://www.alarab.co.uk/m/?id=75666

[13]. باراك أوباما . الاستراتيجية الأميركية تجاه البلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى. خطاب 14  يونيو، 2012م

http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2012/06/201206187611.html#ixzz4A4D0i3RP

[14]. القواعد العسكرية الأميركية السرية تجتاح إفريقيا . ميدل ايست أونلاين.30 اكتوبر2015م

http://www.middle-east-online.com/?id=210395

[15]. محمد عبد لاوي. الحرب على الإرهاب بأفريقيا.. "التحالف الإسلامي العسكري" في مواجهة معضلة التنسيق.وكالة الأناضول  18 ديسمبر 2015م http://tinyurl.com/z4xqbv9

 

مجلة آراء حول الخليج