; logged out
الرئيسية / تتجاوز المساعدات الاقتصادية.. والآفاق واسعة العلاقات الخليجية الإفريقية: رؤية مستقبلية

العدد 109

تتجاوز المساعدات الاقتصادية.. والآفاق واسعة العلاقات الخليجية الإفريقية: رؤية مستقبلية

الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو 2016

شهدت السنوات 2012-2015م، عدة أحداث تشير إلى ازدياد أهمية قضية العلاقات الخليجية ـ  الإفريقية كان منها استضافة دولة الكويت لمؤتمر قمة التعاون العربي الإفريقي في 2013م، والسياسة السعودية النشطة في عدد من الدول الإفريقية، والتي كان من مظاهرها في 2016م،  الجولات التي قام بها وزير الخارجية السعودي في إفريقيا واستقبال الرياض لعدد من رؤساء الدول الإفريقية، واهتمام سلطنة عمان بالبحث والتوثيق في علاقاتها التاريخية بمنطقة شرق إفريقيا والتي تبلورت في عقد مؤتمر عن هذا الموضوع نظمه مركز الدراسات العمانية بجامعة السلطان قابوس في مسقط في 2012م، وآخر عن علاقات السلطنة التاريخية بجزر القمُر في ديسمبر 2015م، وهو المؤتمر الخامس الذي نظمته هيأة الوثائق والمحفوظات الوطنية بالسلطنة لدراسة جذور علاقات عُمان بدول القرن الإفريقي، والتي شملت علاقاتها بأثيوبيا ومدغشقر وموريشيوس وجيبوتي والصومال.

والحقيقة، أن التحليل العلمي لموضوع العلاقات الخليجية الإفريقية ينبغي أن يتم في إطار ثلاث سياقات: أولها، خبرة العلاقات العربية الإفريقية والدروس المستفادة منها حتى لا تتكرر الأخطاء ونعيد فتح الجراح، وثانيها، سمات المشهد الإفريقي الراهن والخصائص العامة للدول الإفريقية التي سوف يتم التعاون معها، وكذلك القوى الدولية الأخرى الفاعلة في القارة ومدى قبولها أو ترحيبها بدور خليجي أكبر، وثالثها آفاق العلاقات الخليجية الإفريقية.

أولاً: خبرة العلاقات العربية الإفريقية

تمتد العلاقات العربية ـ الإفريقية في أعماق التاريخ، فمن المؤكد أنه قد حدثت هجرات إفريقية عبر البحر الأحمر إلى شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وكانت الحبشة معروفة لدى القبائل العربية في ذلك الوقت وإليها كانت الهجرة الأولى للمسلمين. وفي القرون التالية، انتشر الإسلام في مختلف أرجاء إفريقيا، فانتقل من شرق القارة إلى منطقة البحيرات الإستوائية وصولاً إلى الغرب، وظهرت مراكز ثقافية كبيرة في مدن زنجبار وكلوة ومُمباسا. هذا بالإضافة إلى نشر الإسلام والعروبة في دول الشمال الإفريقي من مصر إلى موريتانيا. وفي مرحلة الاستعمار الأوروبي، استمر الوجود العربي الإسلامي، وحدثت مواجهات بين الطرفين لعل أبرزها المواجهة العسكرية بين سلطنة عمان والبرتغال في زنجبار والتي انتهت بطرد البرتغاليين منها، والسيطرة العمانية عليها من 1856 وحتى 1964م.

لقد كان هدف هذا العرض الموجز هو تبيان العمق التاريخي للعلاقات العربية (بما فيها الخليجية) الإفريقية. ولكن التأسيس الحديث لهذه العلاقات حدث في حقبة الخمسينيات من القرن العشرين، وازدهر في السنوات التالية حتى بلغ أوجه عام 1973م، ثم بدأت مرحلة الأفول في الثمانينيات وما بعدها.

يعود هذا التأسيس إلى الدور الذي قامت به مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر في مرحلة الخمسينيات في دعم حركات التحرر الوطني الإفريقية ضد الاستعمار وإنهاء الاحتلال الأجنبي للقارة. لقد أدرك الرئيس عبد الناصر مبكرًا أهمية البعد الإفريقي لمصر وللمصالح العربية، وأشار إلى "الدائرة الإفريقية" في كتابه بعنوان "فلسفة الثورة" كأحد مجالات الاهتمام الخارجي المصري والذي ضم أيضًا "الدائرة العربية"، و"الدائرة الإسلامية". ووفقًا لهذه النظرة، قامت مصر بتوفير الدعم السياسي والمالي والعسكري لحركات التحرر الإفريقية، واستضافت قادة هذه الحركات، وأنشأت مجموعة من الإذاعات الموجهة إلى الشعوب الإفريقية الناطقة بلغاتها، ودافعت عن قضاياها في الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز ومنظمة الشعوب الآسيوية الإفريقية. وكان من شأن هذه الجهود – مع الاتحاد السوفيتي والهند ويوغوسلافيا - صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960م، الخاص بإقرار حق تقرير المصير ومنح الاستقلال للشعوب المستعمرة. وفي بداية الستينيات، شارك كل من الجزائر والمغرب في مد بساط علاقات التعاون العربية الإفريقية بعد حصولهما على الاستقلال.

حفظ الجيل الأول من القيادات الإفريقية هذا الدور العربي، فرفضوا الدعاوى الاستعمارية الغربية بالفصل بين شمال القارة وجنوبها، والذي يعني الفصل بين "العرب" الذين يعيشون في الشمال و"الأفارقة" الذين يعيشون في جنوب الصحراء، وأكدوا على وحدة القارة بإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية في 1964م، وكان الرئيس عبد الناصر والملك محمد الخامس من الآباء المؤسسين لها.

في هذا المناخ، ساندت الدول الإفريقية القضايا العربية في المحافل الدولية وخصوصًا القضية الفلسطينية، والتي اعتبرتها منظمة الوحدة الإفريقية "قضية عربية –إفريقية"، وضمن هذا للعرب كتلة تصويتية مؤيدة في الأمم المتحدة تقرب من 50 صوتًا. وفي المقابل، دعمت الدول العربية قضية إفريقيا الأساسية وهي إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وروديسيا، واعتبرتها جامعة الدول العربية "قضية إفريقية – عربية".

وفي أعقاب هزيمة يونيو 1967م، تضامنت الدول الإفريقية مع مصر، وقامت الواحدة تلو الأخرى بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل باعتبارها قوة احتلال لجزء من إقليم الدولة المصرية. وتواصل هذا الدعم في حرب أكتوبر 1973م، مما أدى إلى إصدار مؤتمر القمة العربية المنعقد في الجزائر في العام نفسه قراراً يشيد فيه بموقف الدول الإفريقية، وتم إنشاء الصندوق العربي للمعونة الفنية الإفريقية والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، وإن كانت بعض الدول الإفريقية قد أعربت عن تضررها من ارتفاع أسعار النفط الذي فرض أعباء مالية إضافية عليها، وتم تشكيل لجنة مشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية لبحث آثار ارتفاع أسعار النفط على الدول الإفريقية وكيفية التخفيف منها.

 استمر زخم العلاقات العربية ــ الإفريقية، فأيدت المجموعة الإفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية في 1975م، وانعقد مؤتمر قمة التعاون العربي الإفريقي الأول في القاهرة في مارس 1977م، والذي أصدر مجموعة من الوثائق الخاصة بمبادئ التعاون بين الطرفين في المجالات المختلفة، وأنشئ مجموعة من المؤسسات لتنظيم هذه العلاقات. أكدت هذه الوثائق على أن التعاون بين الطرفين يقوم على مبادئ التحرر الوطني، والتعاون الاقتصادي، والتفاهم بين الشعوب. وشملت المؤسسات التي أقرها المؤتمر: مؤتمر القمة والمجلس الوزاري واللجنة الدائمة واللجان المتخصصة.

ومن نهاية السبعينيات وما تلاها من سنوات، تعرضت العلاقات العربية الإفريقية لسلسلة من الأزمات والمحن، ويمكن تلخيص أهم الدروس المستفادة منها فيما يلي:

  1. تضرر الدول الإفريقية من قيام الدول العربية بتصدير خلافاتهم وصراعاتهم إليها مما أوجد عاملاً انقساميًا بينها، من ذلك نقل الخلاف العربي حول اتفاقية كامب ديفيد التي أبرمتهما مصر في 1978م، إلى الساحة الإفريقية والدعوة لتجميد عضوية مصر في منظمة الوحدة الإفريقية، ومنها الخلاف بين الجزائر والمغرب بشأن منظمة البوليساريو ومستقبل الصحراء، وهو الأمر الذي انتهى إلى مقاطعة المغرب لأنشطة المنظمة بعد تبني الأغلبية الإفريقية لوجهة النظر الجزائرية.

أضف إلى ذلك شكوى الأفارقة من التنافسات العربية ــ العربية على النفوذ في القارة، وخصوصًا السياسات التي مارستها ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي، وهو الأمر الذي أدى بمنظمة الوحدة الإفريقية إلى إصدار قرار في 1978م، يطلب فيه عدم تدخل الدول العربية في قضية القرن الإفريقي، وعدم تدخل السياسات العربية في شؤون القارة الإفريقية. وارتبط بذلك – خصوصًا في حقبة الثمانينيات وبعد عودة العلاقات الدبلوماسية الإفريقية مع إسرائيل – طلب الأفارقة عدم ربط التعاون العربي الإفريقي بضرورة تبني الدول الإفريقية مواقف معادية لإسرائيل.

  1. المفارقة بين طموح الشعارات وقصور التنفيذ، إذ تبرز الفجوة الهائلة بين الأهداف والإنجاز في مجال التعاون العربي ــ الإفريقي. وعلى سبيل المثال، انعقد مؤتمر القمة الأول في 1977م، والذي اعتبر بمثابة المؤتمر التأسيسي لقواعد التعاون ومؤسساته، ونص المؤتمر في مقرراته على اجتماع اللجنة الدائمة للتعاون العربي الإفريقي والتي تضم 24 دولة (12 من كل طرف) كل 6 شهور، واجتماع المجلس الوزاري المشترك كل 18 شهرًا، واجتماع القمة كل 3 سنوات، ولم يتحقق ذلك. وتكفي الإشارة إلى أن مؤتمر القمة الثاني والذي كان من المقرر عقده في 1980م، انعقد بعد 33 سنة في 2010م، في مدينة سرت الليبية، ولكنه لم يحقق نجاحًا يذكر، وظهر ذلك جليًا في مستوى التمثيل الإفريقي المتدني في المؤتمر، ومن الأرجح أن ذلك هو ما دفع إلى عقد المؤتمر الثالث في الكويت في 2013م.

ومن مظاهر هذه المفارقة بين القول والفعل القرار الذي اتخذته قمة سرت بدعوة مندوب من الاتحاد الإفريقي لحضور جميع اجتماعات جامعة الدول العربية والعكس، وهو ما لم يتحقق أيضاً.

  1. انتقال أفكار التطرف الديني النابعة من البلاد العربية إلى عدد من الدول الإفريقية، وخصوصًا بعد استفحال خطر المنظمات الإرهابية التي تستخدم العنف بمبررات أو تفسيرات دينية.

تبقى الحقيقة أنه من أصل 22 دولة عربية، فإن عشرة منها تقع جغرافيًا في إفريقيا، ويبلغ عدد شعوبها ثلثي العرب. لذلك، ورغم تراجع العلاقات العربية ــ الإفريقية بشكل عام، فقد استمرت الجهود للحفاظ عليها، وخصوصًا في إطار الأمم المتحدة التي شهدت في 2012م، اجتماعًا على مستوى الوزراء بين الدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن العربي، والدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن الإفريقي، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة.

ثانيًا: سمات المشهد الإفريقي الراهن

إذا كان السياق الأول الخاص بخبرة العلاقات العربية الإفريقية يشير إلى دروس الماضي، فإن السياق الثاني بسمات المشهد الإفريقي يشير إلى الحاضر، فمن المهم إدراك طبيعة الواقع الذي سوف يتم التعامل معه. وكلما كان الإدراك صحيحًا فإن السياسات المتبعة سوف تتمتع بحظ أكبر من النجاح. وفي سياق أنه من الصعوبة بمكان إصدار تعميمات على ما يزيد عن خمسين دولة، فإن هناك خصائص عامة يمكن الإشارة إليها.

أول هذه الخصائص هو الطابع الديمقراطي لأشكال نظم الحكم، فقد تحولت كل دول القارة الإفريقية من نظم الحزب الواحد إلى نظم تعدد الأحزاب، والانتخابات الرئاسية والنيابية الدورية. لم يكن هذا التطور تلقائيًا أو طوعيًا، وإنما كاستجابة ورد فعل لضغوط المشروطية السياسية والاقتصادية التي مارستها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فيما عُرف باسم "سياسة دعم الديمقراطية". وكان من شأن اتباع هذا النظام انتقال سلطة رئاسة الدولة من شخص إلى آخر. وإن كان هذا التطور لا يعني اختفاء صور التسلطية السياسية التي تستتر خلف هذا المظهر أو الشكل الديمقراطي في بعض الدول. 

ولكن التطور المهم هو أن الديمقراطية بمعنى تولي الحكم من خلال الانتخابات العامة أصبحت قيمة سياسية مقننة في ميثاق الاتحاد الإفريقي الذي ينص على تجميد عضوية أي دولة يحدث فيها تغيير سياسي بالقوة أو عن غير طريق الانتخاب كالانقلابات العسكرية. وارتبط بذلك توطيد أركان الاتحاد الإفريقي كمنظمة إقليمية وفرت إطارًا مؤسسيًا جماعيًا لحماية الأمن والسلم دون الحاجة لتدخل الدول الكبرى بشكل مباشر في الشؤون الإفريقية، ومن ذلك الدور العسكري للاتحاد في الصومال ودولة جنوب السودان، ودورها السياسي في حل المنازعات بين الدول الأعضاء.

وثانيها، أن الدول الإفريقية انتهجت سياسات التحرر الاقتصادي، وسعت إلى بناء اقتصادات مفتوحة ومتكاملة مع الاقتصاد العالمي مما أدى إلى ازدياد تدفق الاستثمارات الأجنبية، وازدياد الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2004 – 2008م، بمعدل 4.9% سنويًا، وهو ضعف معدل الزيادة في العقدين السابقين. وفي 2008م، بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي 1.6 تريليون دولار وهو ما يضع إجمالي الاقتصاد الإفريقي في مصاف القوى الاقتصادية الكبرى.

وثالثها، أنه لا ينفي هذا النمو الاقتصادي وجود مشكلات هيكلية تعاني منها أغلب الاقتصادات الإفريقية مثل ضعف البنية الأساسية، وارتفاع العجز المالي، وانخفاض مستوى المعيشة، وضعف نسبة نمو القطاع الصناعي التي بلغت 2% في 2014م، والتداعيات السلبية الناتجة عن أنشطة الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام والشباب الصومالي وجيش الرب الأوغندي.

ورابعها، تعدد الفواعل الدولية التي أقامت علاقات وثيقة مع الدول الإفريقية وسعت إلى الاستفادة من مواردها الطبيعية ومن الترويج لصادراتها في أسواقها، إضافة بالطبع إلى إيجاد مواقع للنفوذ السياسي والعسكري.

وتعتبر الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي في القارة بسبب مصالحها السياسية والاقتصادية التي تتمثل في قواعدها العسكرية في عدد من الدول الإفريقية، وفي طرحها عدد من المبادرات في مجال مكافحة الإرهاب مثل مبادرة الشراكة الإفريقية المنبثقة من قوات الأفريكوم التي أنشأت عام 2006م، وإطلاق إدارة أوباما "استراتيجية نحو إفريقيا جنوب الصحراء" في 2012م، وارتفاع الصادرات والاستثمارات الأمريكية خلال الفترة من 2009 -2013م، بنسب 45% و37.5% على التوالي.

وإلى جانب الولايات المتحدة تتزايد أدوار الصين والهند وتركيا وإيران وإسرائيل. وعلى سبيل المثال فقد أنشأت الصين المنتدى الصيني الإفريقي عام 2000م، وبلغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة مبلغ 550 مليار دولار عام 2009م، ولديها حسب تقارير الاونكتاد لعام 2014م، ما يقرب من 2200 شركة تعمل في دول إفريقيا جنوب الصحراء، وارتفعت التبادلات التجارية بين الطرفين بحيث بلغت التجارة مع الصين نسبة 25% من إجمالي التجارة الإفريقية. وساعد الصين على ذلك استثماراتها في مجال البنية التحتية والطاقة وتطوير عدد من الموانئ لتسهيل عمليات النقل والتبادل التجاري مثل تطوير ميناء لامو الكيني.

 وقامت تركيا باستضافة القمة التركية الإفريقية في 2008، والتي تلاها إنشاء مكاتب تجارية لها في 22 دولة إفريقية. أما إيران، فقد ركزت على منطقة شرق إفريقيا من خلال إنشاء فرع لرابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية الإيرانية بها، وقامت بتسيير خط بحري منتظم بين ميناء بندر عباس الإيراني وميناء ممباسا الكيني. كما أنشأت منتدى التجارة الإيراني الإفريقي، ودعت إلى إنشاء سوق تجارية إفريقية آسيوية تكون هي مركزها. من جانب أخر نشطت إسرائيل لتطوير علاقاتها ونفوذها مستغلة في ذلك ظروف جمود العلاقات العربية الإفريقية والأزمات التي تعرضت لها. فركزت على المعونات الفنية والتعليم التكنولوجي، وأولت اهتمامًا خاصًا لتدريب الكوادر العسكرية والاستخباراتية.

ثالثًا: آفاق العلاقات الخليجية ــ الإفريقية

لا تبدأ العلاقات الخليجية الإفريقية من فراغ، فبالإضافة إلى الصلات التاريخية التي تم الإشارة، فإن بعض الدول الخليجية كالسعودية تمارس سياسة إفريقية نشطة، ومن الضروري تطويرها وتنشيطها في إطار خليجي. وفي هذا السياق، يمكن التأكيد على العناصر التالية:

  1. تحديد الإطار السياسي والأخلاقي للتعاون، فطرح مؤتمر الكويت عدة مفاهيم يمكن البناء عليها كمفهوم الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، وشركاء في التنمية والاستثمار، فأي تعاون في الوقت الراهن له أسسه ومبرراته ولا يمكن اختزاله في المساعدات الاقتصادية. وعلى سبيل المثال، فإن تجارب التعاون الدولي اليوم تتأسس على أن هدفها هو المشاركة في بناء مستقبل أفضل لكل الأطراف. وهذا المستقبل يتضمن بالطبع التنمية الاقتصادية والارتفاع بمستويات النمو والمعيشة، ويتضمن أيضًا العدالة في توزيع عوائد التنمية، واحترام حقوق الإنسان، وتأكيد قيم المواطنة والمساواة، وتعزيز الثقة والتفاهم بين الشعوب، وأنه يقوم على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة بين الأطراف دون ربطها باتخاذ مواقف مع أو ضد أطراف أخرى، وفي إطار من الندية والتكافؤ.

كما أن التعاون الدولي اليوم لا تقتصر أطرافه على الحكومات والهيآت الرسمية، وإنما يشمل أطراف أخرى كالجامعات ومراكز البحوث والغرف التجارية والجمعيات الأهلية. وهكذا، فإنه يهدف إلى تنمية رأس المال الاجتماعي الذي يعتمد على قدرات البشر وتعليمهم وخبراتهم. وأخيرًا، فبفعل التداخل بين الداخل والخارج، فإن التعاون الدولي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في الدول أطراف التعاون.

  1. إيجاد الإطار المؤسسي للعلاقات، فمن الأهمية بمكان أن تنتظم هذه العلاقات في أطر مؤسسية، وذلك من خلال إقامة لجان للتعاون المشترك لتنظيم العلاقات مع عدد من الدول الرئيسية الإفريقية، وإن كان يعيب هذا التصور غياب إطار جماعي للعلاقات مثل المؤتمرات التي تنظمها الولايات المتحدة وفرنسا والصين والهند وتركيا، والتي توجه الدعوة فيها إلى جميع الدول الإفريقية.

وقد يكون من المتصور في هذا الشأن إما أن يتم التعاون في إطار جماعي يتم تنظيم العلاقات فيه بين مجلس التعاون الخليجي من ناحية، والاتحاد الإفريقي من ناحية أخرى، أو أن تقوم المملكة العربية السعودية بالدعوة إلى مثل هذا اللقاء أسوة بالدول التي تم الإشارة إليها على أن يكون انعقاد هذا المؤتمر بصفة دورية، وأن تُدعى للمشاركة في مداولاته بقية الدول أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

وقد يكون المنتدى السعودي – الشرق إفريقي الذي انعقد في أديس أبابا في نوفمبر 2009م، أو منتدى الاستثمار الخليجي الإفريقي الذي دعت إليه الرياض في 2010م، وشارك فيه رؤساء كل من السنغال وبنين وأنجولا وتنزانيا وكينيا وموزمبيق والكونغو بادرة يمكن البناء عليها.

وفي كل الحالات، فإن تطوير العلاقات الخليجية الإفريقية، ينبغي ألا يبدو منافسًا للعلاقات العربية الإفريقية، وإنما متمم ومكمل لها.

  1. واقعية الأهداف، فقد أوضحت الخبرات السابقة أن التركيز على موضوع المساعدات المالية هو اتجاه قصير النظر، ويجعل الدول الأخرى تنظر إلى الطرف الخليجي كمصدر للمال وحسب. وتزداد أهمية هذه النقطة في ظروف انخفاض أسعار النفط وتأثيرها على الموازنات العامة في دول الخليج.

هناك آفاق واسعة لتطوير العلاقات الخليجية الإفريقية: اقتصاديًا في مجال الزراعة وإنتاج الغذاء أو الصناعة وتطوير البنية التحتية في هذه الدول، وسياسيًا ضد الأنشطة الإرهابية والقرصنة البحرية والهجرة غير المشروعة. ولكن هذه الآفاق ليست بدون حواجز أو عوائق منها: الاتجاهات السياسية غير الصديقة تجاه الدول العربية من جانب بعض النخب الإفريقية، وغياب الإطار القانوني لحماية الاستثمارات في بعض الدول الإفريقية، وغياب البنية التحتية بالنقل ومنافذ التصدير، ومواقف القوى المنافسة التي من الأرجح أن يعمل بعضها ضد تطوير العلاقات الخليجية الإفريقية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أستاذ العلوم السياسية – جامعة القاهرة

مجلة آراء حول الخليج