; logged out
الرئيسية / حضور اقتصادي وأمني لموسكو في القارة السمراء رغم التحديات إفريقيا في الحسابات الروسية: المصالح والتوقعات

العدد 109

حضور اقتصادي وأمني لموسكو في القارة السمراء رغم التحديات إفريقيا في الحسابات الروسية: المصالح والتوقعات

الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو 2016

كانت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجنوب إفريقيا في سبتمبر 2006م، والتي كانت الأولى لرئيس روسي إلى دولة إفريقية جنوب الصحراء، تدشيناً لمرحلة جديدة من التطور الملحوظ في العلاقات الروسية الإفريقية بعد فترة من التدهور السريع خلال عقد التسعينات.

وتعود العلاقات الروسية مع إفريقيا جنوب الصحراء بجذورها إلى القرن التاسع عشر حين قامت روسيا القيصرية بإقامة علاقات دبلوماسية مع أثيوبيا وجنوب إفريقيا عام 1898م، إلا أن الطفرة الحقيقية في العلاقة بين الجانبين جاءت خلال الحقبة السوفيتية حيث قفزت العلاقات إلى مستويات استراتيجية غير مسبوقة في إطار دعم الاتحاد السوفيتي لحركات التحرر الوطني التي كانت تموج بها القارة الإفريقية منذ خمسينيات القرن الماضي، وقيامه بتقديم المساعدات العسكرية والتقنية للدول الإفريقية حديثة الاستقلال. وفى الوقت الذي كانت واشنطن تعتبر نيلسون مانديلا "إرهابي"، كان الاتحاد السوفيتي يدعم المؤتمر الوطني الإفريقي قائد النضال ضد التمييز العنصري، والحزب الحاكم حاليًا. وأطلقت موسكو اسم، باتريس لومومبا، قائد حركة التحرر في الكونغو الذي تم إعدامه بوحشيه عام 1961م، على إحدى الجامعات، وعلى مدى ثلاثة عقود وحتى عام 1992م، كانت جامعة لومومبا من أكثر الجامعات المرموقة في روسيا وتخرج منها أجيال من القيادات الأفارقة العاملة في مجال السياسة الخارجية.

ولعب الاتحاد السوفيتي دورًا بارزًا في إعداد وتدريب القيادات الإفريقية في مختلف المجالات، ومع انتهاء الحقبة السوفيتية بلغ إجمالي من تلقوا تعليمهم في الجامعات والمعاهد العسكرية السوفيتية 50 ألفًا من المدنيين والعسكريين، منهم رئيس جنوب إفريقيا (جاكوب زوما)، ورئيس أنجولا (خوسيه دوس سانتوس)، ورئيس موزمبيق السابق (أرماندو جويبوزا)، إلى جانب أكثر من 200 ألف من الأفارقة تم تدريبهم في بلدانهم على أيدي السوفييت. ويعطى هذا البعد التاريخي خصوصية لروسيا ويجعلها طرفًا دوليًا أكثر قبولاً لدى دول القارة. فروسيا لم تبدأ علاقاتها بإفريقيا السمراء من الصفر، كبعض القوى الأخرى، وإنما من رصيد ضخم موروث من الحقبة السوفيتية.

وكان على روسيا بذل جهد لإنعاش الذاكرة الإفريقية بهذا الماضي عقب حقبة التسعينات التي تراجعت خلالها إفريقيا جنوب الصحراء في الأجندة الروسية، وتم غلق تسع سفارات وثلاث قنصليات لروسيا في إفريقيا منها تلك في توجو وليسوتو وبوركينافاسو، كما تم إغلاق معظم المكاتب التجارية، وثلاثة عشر مركزًا ثقافيًا من إجمالي عشرين مركزاً في إفريقيا، وجمدت برامج المساعدات التي بدأت في العهد السوفيتي، وتوقفت وسائل الإعلام التي كانت تمثل صوت روسيا في القارة مثل "راديو موسكو" وغيره.

وبدأت روسيا في اتخاذ خطوات جادة لاستعادة علاقاتها بالقارة ونصت عقيدة السياسة الخارجية الروسية التي أقرها الرئيس بوتين في 12 فبراير 2013م، والتي حلت محل عقيدة مديفيديف لعام 2008م، على أن "المتغيرات العالمية المتسارعة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تتطلب اقترابات جديدة للتعاطي مع الأوضاع سريعة التغير في العالم، ورؤية جديدة لأولويات السياسة الخارجية الروسية مع الأخذ في الاعتبار المسؤولية المتعاظمة لروسيا في تحديد الأجندة الدولية وبلورة النظام الدولي". وأن "روسيا سوف تدفع التفاعلات متعددة الأبعاد مع الدول الأفريقية على أساس ثنائي ومتعدد الأطراف، مع التركيز على تطوير الحوار السياسي، وتشجيع التجارة والتعاون الاقتصادي المفيد للطرفين، والمساهمة في تسوية ومنع الصراعات والأزمات الإقليمية في أفريقيا"، لتحدد بذلك ثلاثة محاور أساسية لعلاقة موسكو بدول جنوب الصحراء.

أولها، المحور السياسي الذي يعتبر المظلة التي تنطلق في إطارها مجالات التعاون الأخرى، حيث استأنفت موسكو علاقاتها الدبلوماسية مع عدد من الدول الأفريقية، ولها حاليًا 40 سفارة بالقارة من بينها جنوب السودان، مقابل 35 دولة أفريقية لها سفارات في موسكو. ولروسيا ممثل دائم لدى الاتحاد الإفريقي منذ عام 2006م، وهو المنصب الذي يشغله فاليري يتكين منذ عام 2010م. وقام الرئيس الروسي السابق، ديمترى مديفيديف، بزيارة إلى القارة الإفريقية عام 2009م، شملت نيجيريا وأنجولا وناميبيا، كما قام الرئيس بوتين بزيارته الثانية لجنوب إفريقيا في مارس 2013م، لحضور قمة البريكس فى ديربان. وتحرص روسيا على المشاركة المنتظمة ورفيعة المستوى في القمة الإفريقية، والتواصل مع القادة الأفارقة على هامشها. كما استقبلت موسكو العديد من قادة إفريقيا جنوب الصحراء، ولعل أكثرهم ترددًا على موسكو رئيس جنوب إفريقيا وذلك في إطار العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين.

من ناحية أخرى، يمثل الثقل التصويتي للدول الإفريقية الـ (54) داخل الأمم المتحدة أهمية خاصة بالنسبة لروسيا، وذلك في وقت تحتدم فيه المواجهة مع الغرب، ويسعى الأخير للنيل من موسكو في المحافل الدولية. فعند التصويت لإدانة روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية امتنعت غالبية الدول الإفريقية عن التصويت، وكان من بين الدول العشرة التي صوتت لصالح روسيا أثنتين من الدول الإفريقية، الأمر الذي عُد مؤشرًا على تنامى التأثير الروسي في إفريقيا. وفى المقابل تحتاج الدول الإفريقية أيضًا إلى الفيتو الروسي لمواجهة الضغوطات الغربية، وعلى سبيل المثال استخدمت موسكو الفيتو على مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات اقتصادية على زيمبابوي عام 2008م، وكان ذلك عاملاً في دفع التعاون بين البلدين.

 

ثانيها، محور التعاون التقني والاقتصادي، ويحتل هذا المحور الأولوية لدى روسيا حيث تسعى إلى تعظيم استفادتها من الفرص المتاحة في إفريقيا على أساس من المنفعة المتبادلة وليس الاستغلال لدول القارة، وقامت كخطوة أولية في هذا الإطار بإسقاط ديون بقيمة 20 بليون دولار عن الدول الإفريقية لتبدأ صفحة جديدة من التعاون بين الطرفين. ومن المعروف أن القارة الأفريقية أصبحت من أسرع المناطق نموًا في العالم، ويبلغ متوسط معدل النمو بها حوالي 5%، ومن المتوقع خلال السنوات الخمس القادمة أن تصبح من 8 إلى 10 اقتصادات إفريقية ضمن الأسرع نموًا في العالم. كما تمتلك إفريقيا 30 % من إجمالي الموارد الطبيعية في العالم، ورغم أن روسيا غنية بالموارد الطبيعية إلا أن استيراد بعضها من إفريقيا أقل تكلفة من استخراجها من روسيا.

وفى يونيو 2009م، قامت الغرفة الروسية للتجارة والصناعة بإنشاء لجنة لتنسيق التعاون الاقتصادي مع إفريقيا جنوب الصحراء بهدف تشجيع رجال الأعمال على العمل في إفريقيا وتسهيل بدء الأعمال لهم، عرفت بـ AfroCom، وتضم 90 جهة روسية منها وزارات معنية وأجهزة مختصة ومنظمات وشركات، وتحظى اللجنة بدعم واضح من الحكومة والبرلمان والسلطات الروسية عامة. وفى 16 ديسمبر 2011م، تم عقد الدورة الأولى من منتدى الأعمال "روسيا -إفريقيا" في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وشارك فيه وزراء من تشاد ومالي والسودان وإثيوبيا وممثلين عن الاتحاد الإفريقي وكذلك ممثلو شركات روسية كبرى.

وهناك أكثر من 30 شركة روسية تسهم في تطوير استغلال الدول الإفريقية لمواردها الطبيعية في مجال التعدين والطاقة، يعمل معظمها في جنوب إفريقيا، وأنجولا، والكونغو الديمقراطية، ناميبيا، نيجيريا، وبتسوانا، كوت ديفوار، جانا، وتوجو.

ويستحوذ قطاع التعدين على شق كبير من التعاون التقني بين روسيا وإفريقيا السمراء، ومن أبرز المشروعات في هذا الخصوص، عقد بقيمة 3 بليون دولار مع زيمبابوي لتطوير منجم بلاتينيوم، ومشاركة الشركات الروسية في استخراج الماس واليورانيوم في ناميبيا، ومن المعروف أن بالأخيرة ثامن أكبر احتياطي عالمي من اليورانيوم. كذلك، الاتفاق على قيام روسيا بتزويد جنوب إفريقيا بحوالي 45 % من إجمالي احتياجاتها من اليورانيوم خلال الفترة من 2011م، وحتى 2017م، لاستخدامه كوقود نووي للمحطة الكهروذرية بها، وبناء مفاعلات نووية بجنوب إفريقيا، لتكون الأخيرة بحلول 2023م، موطن أول محطة نووية تعتمد على التكنولوجيا الروسية في القارة الإفريقية.

على صعيد آخر، وانطلاقًا من كون روسيا عملاقًا في مجال الطاقة وهى أكبر منتج وثاني أكبر مصدر للنفط في العالم حيث تستأثر بنحو 40% من إجمالي الصادرات العالمية من النفط، وهى الأولى في إنتاج وتصدير الغاز وبها 35% من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي، فإنها تتبنى سياسة تقوم في أحد أبعادها على الشراكة والاستثمارات المشتركة في شبكات الطاقة التي تمثل بدائل محتملة للطاقة الروسية بالنسبة لأسواقها خاصة في أوروبا، والدفع بالاستثمارات الروسية في قطاع الطاقة خارج روسيا، وهناك إقبال شديد من جانب شركات النفط الروسية لاسيما تلك التابعة للدولة للاستثمار في قطاع النفط والغاز في الدول المنتجة له في مختلف أنحاء العالم من خلال المشاركة في عمليات البحث والتنقيب وتطوير الانتاج. فروسيا تمتلك التكنولوجيا والخبرة اللازمة في مجال الكشف والتنقيب عن البترول واستخراجه، وكذلك في مجال الصناعات البتروكيماوية، وتعتبر الشركات الروسية خاصة "لوك أويل" و"غاز بروم" حالياً من كبرى الشركات العالمية العاملة في مجال الطاقة.

وتمتد خريطة الاستثمارات الروسية لتشمل القارة الإفريقية، ومن أبرز المشروعات المشتركة في هذا الإطار توقيع اتفاقية تعاون بين شركة "غازبروم" وشركة النفط الوطنية النيجيرية لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز من نيجيريا عبر الصحراء الكبرى إلى الجزائر، ثم عبر البحر المتوسط إلى أوروبا. وتوقيع عقد لاستغلال النفط في أوغندا بقيمة 4 بليون دولار في فبراير 2015م، وتؤهل الاكتشافات الحديثة للنفط في أوغندا الأخيرة لتصبح دولة مؤثرة في القارة، وتفتح آفاقًا رحبة للتعاون مع روسيا في هذا المجال. 

ثالثها، محور التعاون الأمني والاستراتيجي، فالتنظيمات الارهابية تمثل حلقة متصلة تغذي وتدعم بعضها البعض، وتبرز "داعش" كأخطر هذه التنظيمات في ضوء التمدد الواضح لها في العالم، الأمر الذي جعل منها حزام نار انطلق من العراق وسوريا وأمتد في أوربا وآسيا وإفريقيا ليطوق القارات الثلاث. ويحتل القضاء على الإرهاب قمة الأولويات الروسية، وأصبح التوجه الاستراتيجي الرئيسي الحاكم لسياسة موسكو خلال المرحلة المقبلة، باعتباره التهديد الأساسي للأمن القومي الروسي وللأمن والاستقرار العالمي. وفى إطار نهج روسيا لمواجهة الإرهاب، والذي يقوم على بناء نظام أمني دولي تشارك فيه كل الدول المعنية التي يطولها لهيبه، تبرز أهمية التعاون مع الدول الإفريقية خاصة تلك التي يعتصرها الإرهاب مثل نيجيريا. وقد استطاعت روسيا تطوير تعاون أمني ومعلوماتي مع عدد من دول إفريقيا السمراء وفى مقدمتها جنوب إفريقيا، وأطلق الجانبان نظام الأقمار الصناعية المعروف باسم مشروع كوندور، الذي يوفر المراقبة للقارة الإفريقية بأسرها، ويخدم الاستخبارات العسكرية الروسيةونظيرتها في جنوب إفريقيا.

كما تشارك روسيا في قوات حفظ السلام في عدد من الدول الإفريقية منها الكونغو الديمقراطية وكوت ديفوار وأثيوبيا وأريتريا والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية، ويفوق عدد القوات الروسية القوات الفرنسية والبريطانية والأمريكية مجتمعة. وقامت روسيا بتدريب 180 رجل شرطة من 18 دولة إفريقية على عمليات حفظ السلام، وقدمت مساهمة قدرها 2 مليون دولار في صندوق حفظ السلام التابع للاتحاد الإفريقي عام 2012م.

يضاف إلى هذا، التعاون العسكري بين الجانبين، وتمثل صادرات الأسلحة الروسية إلى إفريقيا جنوب الصحراء حوالي 7% من إجمالي الصادرات الروسية من الأسلحة. وتتعاون شركة "روس أوبورون إكسبورت" الروسية المعنية بصادرات السلاح، مع 15 دولة إفريقية جنوب الصحراء. وتقبل البلدان الإفريقية على الدبابات القديمة من نوع "تي- 55"، و"تي- 72" ومقاتلات "سوخوي"، والمروحيات من نوع "أم آي 8" و"أل آي 24". وعلى سبيل المثال، وقعت أنجولا عقداً عام 2013، بقيمة تتجاوز المليار دولار، للتزود بمعدات روسية، من بينها مقاتلات سوخوي ومروحيات. كما أنه، وللمرة الأولى منذ 15 عامًا، وقعت كل من روسيا وناميبيا عقدًا تحصل بمقتضاه الأخيرة على مركبات وذخيرة وصواريخ مضادّة للدبابات وقذائف الهاون. وقامت روسيا بتزويد نيجيريا بالطائرات بعد رفض الولايات المتحدة تزويدها بطائرات "كوبرا" عام 2014. ووقعت موسكو عقداً مع غانا لتسليم الأخيرة مروحيات بقيمة 66 مليون دولار. كما تبيع روسيا الأسلحة الخفيفة لمالي، ويتضمن ذلك البنادق والمدافع الرشاشة والذخائر، وذلك بمقتضى العقد الموقع بين الجانبين في سبتمبر 2012، بقيمة إجمالية 12 مليون دولار، وحصلت أوغندا على مقاتلات من طراز "سو – 30 أم كا 2" الروسية. وفى ضوء اتساع الصفقات الروسية للقارة وقعت شركة "مروحيات روسيا" اتفاقية لإنشاء مركز لصيانة المروحيات الروسية في جنوب إفريقيا مع شركة "ديفل أفييشن" الجنوبية الإفريقية، وافتتحت شركة "أورال فاجون زافود" لصناعة الدبابات مركز إقليمي لصيانة الدبابات من نوع "تي-72" في إفريقيا.

 

ويتزامن إحياء القوة الصلبة ببعديها الاقتصادي والعسكري، اتجاه روسيا للقوة الناعمة لتصل قناة"RT" الروسية إلى إفريقيا، ويتم استئناف البعثات لأبناء القارة، وكذلك نشر اللغة الروسية وإرسال الأساتذة المتخصصين في اللغة الروسية إلى إفريقيا.

 

إن تحرك روسيا في إفريقيا جنوب الصحراء يحكمه المصالح الروسية بجناحيها الاقتصادي والأمني، وهي تريد تمييز نفسها عن القوى الغربية الاستعمارية باعتبار أن روسيا ليس لها ماضٍ استعماري في القارة بل على العكس، كان لها دور أساسي في تحرير دول القارة من الاستعمار، وخلال الحرب العالمية الثانية ساند الاتحاد السوفيتي أثيوبيا ضد العدوان الإيطالي، وتوجه بعض الروس الى اثيوبيا للدفاع عنها. لذا وعلى خلاف عقيدة 2008 لم تشر عقيدة السياسة الخارجية الروسية لعام 2013م، إلى التعاون مع القارة الإفريقية من خلال مجموعة الثمانية التي تحولت لمجموعة السبع الكبرى بعد استبعاد روسيا منها.

وعلى العكس تعد مجموعة بريكس، التي تضم إلى جانب روسيا كل من الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، قدمًا أساسية لتحرك روسيا في إفريقيا جنوب الصحراء، وهي تتبع منظور تعاوني مع هذه الدول وليس تنافسي، وتحاول الاستفادة مما حققته دول مثل الصين والهند في القارة، حيث جاءت العودة الروسية لإفريقيا متأخرة عن اندفاع الدولتين نحو إفريقيا، كما تعتبر عضوية جنوب إفريقيا في البريكس نافذة هامة لروسيا على إفريقيا السمراء.

يضاف إلى ما تقدم، أن حجم التعاملات الروسية مع القارة يظل محدودًا نسبياً ولا يمكن اعتباره تنافسيًا مع القوى الأخرى. وعلى سبيل المثال، يبلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا جنوب الصحراء، وفقًا لتقديرات الغرفة الروسية للتجارة والصناعة، حوالي 2,3 بليون دولار مقارنة بحوالي 60 بليون دولار للولايات المتحدة عام 2013م، و200 بليون دولار للاتحاد الأوروبي، و200 بليون دولار للصين.

 

ومن المتوقع أن يزداد الحضور الروسي في إفريقيا جنوب الصحراء اقتصاديًا واستراتيجيًا، يدعم هذا رصيد روسيا التاريخي في إفريقيا، ومنظورها التعاوني وليس التنافسي مع القوى الكبرى الأخرى في الاقتراب من القارة، إلى جانب انطلاقها من مبادئ الاحترام المتبادل والشراكة القائمة على المصالح والمنافع المتبادلة، وما تبديه موسكو من حرص على تحقيق الاستقرار وتهدئة الصراعات والنزاعات الداخلية والبينية التي تموج بها القارة. إلا أن هناك تحديات قد تبطئ من صعود روسيا كفاعل هام وشريك استراتيجي للدول الإفريقية جنوب الصحراء، أهمها الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الروسي نتيجة انخفاض أسعار النفط، وانغماس روسيا في المواجهة مع الغرب حول قضايا الأمن الأوروبي من ناحية، وفى الأزمة السورية من ناحية أخرى، الأمر الذي سيؤثر على تركيزها وتفعيل دورها في القارة الإفريقية وكثافة حركتها جنوب الصحراء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ العلوم السياسية، جامعة القاهرة.

 

مجلة آراء حول الخليج