; logged out
الرئيسية / المملكة وثقت علاقاتها ب 43 بعثة دبلوماسية والصناعات العسكرية السياسة السعودية في إفريقيا آفاق واعدة وفرص مواتية

العدد 109

المملكة وثقت علاقاتها ب 43 بعثة دبلوماسية والصناعات العسكرية السياسة السعودية في إفريقيا آفاق واعدة وفرص مواتية

الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو 2016

شهدت الأعوام الماضية تحركًا سعوديًا نشطًا صوب القارة الإفريقية، وهو ما يعكس تصاعد أهمية الدائرة الإفريقية بين دوائر حركة السياسة الخارجية السعودية، ويكشف عن مشروع متكامل لمحاصرة نفوذ القوى الإقليمية المنافسة في إفريقيا، وتنويع خارطة التحالفات الإقليمية، وتقليل الاعتماد على الغرب، ومواجهة التداعيات السلبية لانخفاض أسعار النفط. وعلى ذلك يسعى هذا التقرير إلى رصد أهداف ودوائر التحرك السعودي في القارة، وكذلك أدوات تحقيق المصالح الوطنية السعودية، والفرص والتحديات التي تواجه الدور السعودي المتنامي في القارة.

أولاً- موقع إفريقيا بين دوائر الحركة السياسية السعودية:

       تقوم السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية على مبادئ وثوابت ومعطيات جغرافية، تاريخية، دينية، اقتصادية، أمنية، سياسية، على أساس: الانسجام مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها دستوراً للمملكة، وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والعمل لأجل السلام والعدل الدوليين، ورفض الإرهاب بكافة أشكاله وأساليبه، والالتزام بقواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية والثنائية، والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية، وتطبيق سياسة متوازنة في مجال إنتاج وتسويق النفط، وانتهاج سياسة عدم الانحياز، ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية.

       وتدور حركة السياسة الخارجية السعودية بين أربع دوائر أساسية هي: الدائرة الخليجية، الدائرة العربية، الدائرة الإسلامية، والدائرة الدولية. وهنا تحتل القارة الإفريقية موقعًا متميزًا، حيث إنها تمثل قاسمًا مشتركًا بين الدوائر العربية والإسلامية والدولية. لذا حرصت المملكة على مد جسور التواصل مع دول إفريقيا جنوب الصحراء منذ ستينيات القرن المنصرم، بالتزامن مع حصول الدول الإفريقية على استقلالها، وانضمامها إلى عضوية الأمم المتحدة. وتعتبر زيارة العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز للسودان عام 1965م، وجولته في إفريقيا عام 1972م، من العلامات الفارقة في تاريخ العلاقات السعودية-الإفريقية.

        تغطي العلاقات السعودية كافة الأقاليم الإفريقية جنوب الصحراء بلا استثناء. لكن يظل إقليم القرن الإفريقي في مركز الصدارة، نظراً لارتباطه الوثيق بأمن المملكة والخليج العربي، خاصة في مواجهة التغلغل الإيراني والإسرائيلي.

ثانياً-المصالح والأهداف السعودية في إفريقيا:

1-مواجهة النفوذ الإيراني والإسرائيلي في إفريقيا:

        تسعى السعودية إلى مواجهة النفوذ الإيراني والإسرائيلي المتزايد في إفريقيا، وتعتبره تهديدًا لأمنها الوطني بصفة خاصة، وخصمًا من قوة النظام الإقليمي العربي عامة. وبالنسبة لإيران فقد حققت وجودًا سياسيًا واقتصاديًا مؤثرًا في القارة، مستفيدة من انحسار قوة العراق، وجنوح بعض الجماعات السلفية إلى التطرف والعنف، وتراجع الدور العربي بوجه عام في إفريقيا. 

       وثقت إيران علاقاتها مع معظم دول القارة، خاصة السودان واريتريا، والسنغال ونيجيريا. كما دعمت المذهب الشيعي في إفريقيا، بإنشاء أحزاب على نمط حزب الله اللبناني، حتى في دول الأغلبية السنية الساحقة، مثل نيجيريا، التي تسلل إليها التشيع على يد إبراهيم الزكزكي منذ منتصف التسعينيات. بالإضافة إلى مشاركة سفنها في جهود مكافحة القرصنة في خليج عدن، ودعمها المالي والتسليحي للحوثيين في اليمن.

       أما إسرائيل، فإن وجودها المتنامي في القارة يقلق المملكة، خاصة مع دور إسرائيل في تهديد الأمن المائي المصري في حوض النيل، واتباع سياسة الضربات الاستباقية التي أضحت تركز عليها تل أبيب، حيث شنت هجمات صاروخية داخل العمق السوداني. ولعل ذلك هو ما دفع المملكة إلى تدعيم الدول الإفريقية لاتخاذ مواقف مؤيدة للعرب في القضايا المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، ومنها جيبوتي والصومال والنيجر، مثلما فعلت من قبل عندما دعمت الدول الإفريقية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل عقب حرب أكتوبر 1973م.   

2-تنويع خارطة الحلفاء الإقليميين:

       تسعى السعودية إلى الانفتاح على القارة الإفريقية لتنويع خارطة تحالفاتها الإقليمية، خاصة أن القارة تحتل المرتبة الثانية – بعد الكتلة الآسيوية-بين الكتل التصويتية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بمجموع (54 دولة). وأنها تحتفظ بثلاثة مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن. فضلاً عن عضوية الكثير من دولها في مجموعة عدم الانحياز، ومجموعة السبع والسبعين ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرها. ولعل دور الأفارقة فى صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975م، باعتبار الصهيونية إيديولوجية عنصرية ثم دورهم في إلغاء هذا القرار عام 1991 م، يعكس الثقل الإفريقي في المحافل الدولية.

       يضاف إلى ذلك حرص المملكة على مواجهة تداعيات الأحداث في دول الربيع العربي، والحيلولة دون امتداد رياح التغيير، وكذلك التنسيق السياسي مع الدول الإفريقية حيال بعض القضايا وأهمها القضية الفلسطينية، والملف السوري، وإصلاح الأمم المتحدة، وتوسيع عضوية مجلس الأمن الدولي، الذي يمثل بتشكيله الحالي عدم توازن القوى في العالم.

       وتجلت أهمية القارة مؤخرًا مع عاصفة الحزم ضد الحوثيين، حيث أيدتها غالبية الدول الإفريقية سياسياً. وشاركت فيها عسكرياً كل مصر والسودان والمغرب فعلياً، وربما السنغال لاحقاً.

3-التعاون في مجال مكافحة الإرهاب:

        تعتبر مكافحة الإرهاب أحد أهم دوافع التحرك السعودي في إفريقيا، خاصة مع تعرض المملكة للعديد من الحوادث الإرهابية، ما دفعها إلى تبني إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب تابع للأمم المتحدة، حيث أطلق الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز هذه الفكرة إلى أن تم إنشاء المركز عام 2011م. 

       ولعل إعلان المملكة جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية في 7 مارس 2014م، يعتبر من أقوى الممارسات في هذا الشأن، حيث أصدرت المملكة بيانًا أضافت فيه الإخوان المسلمين إلى لائحة التنظيمات الإرهابية. ودفع ذلك دولاً أخرى إلى الاقتداء بالمملكة، ومنها الإمارات التي أعلنت الإخوان كتنظيم إرهابي في نوفمبر2014م.

       كما كان ملف مكافحة الإرهاب وحركات التطرف الديني أحد أبرز الملفات محل الاهتمام في العلاقات السعودية-الإفريقية، خاصة مع الدول التي تعاني من وجود الحركات التكفيرية المتطرفة مثل: نيجيريا (بوكو حرام) والصومال (الشباب المجاهدين) ومصر وليبيا وتونس (أنصار الشريعة)، وموريتانيا (التوحيد والجهاد)، ومالي (أنصار الدين).

        كما تحرص المملكة حاليًا على توقيع الاتفاقات مع الدول الإفريقية في مجال محاربة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتسليم المجرمين، ومحاربة التجارة غير المشروعة. ومن ذلك الاتفاق السعودي-الاريتري في أبريل 2016م.

4-التعاون الاقتصادي والتقني مع الدول الإفريقية:

       توفر القارة الإفريقية فرصًا اقتصادية سانحة أمام السعودية، سواء لما تملكه من ثروات معدنية وطبيعية، أو من حيث حجم السوق الإفريقية. إذ تزخر القارة بنحو 30% من احتياطي الثروات المعدنية في العالم. وتعتبر من أهم منتجي العالم من الماس والذهب والبلاتين واليورانيوم، والأخشاب والكاكاو والبن والشاي ..الخ. كما يتسم السوق الإفريقي بالاتساع (مليار ومائة وخمسين مليون نسمة)، فضلاً عن القرب الجغرافي من المملكة، والتنوع. لذا سعت المملكة إلى تعزيز التبادل التجاري مع دول القارة.

       كما تضم القارة الإفريقية أكثر من 21 دولة منتجة للنفط، منهم أربع دول تنتمي لأوبك هي: نيجيريا، أنجولا، ليبيا، والجزائر. كما تشير الأرقام إلى أن أكثر من نصف الاكتشافات النفطية التي حدثت في الأعوام العشر الأخيرة كانت في دول غرب أفريقيا، خاصة منطقة خليج غينيا.

       لذلك تحرص المملكة على تدعيم التعاون مع الدول النفطية في القارة، خاصة نيجيريا وأنجولا، اللتان تحتلان حالياً المركزين الأول والثاني في إنتاج النفط في إفريقيا. ولعل هذا هو ما يفسر حرص الرياض على إقامة علاقات دبلوماسية مع أنجولا عام 2009م، بعد انضمام الأخيرة إلى أوبك عام 2007. كما يفسر استقبال المملكة للرئيس النيجيري محمد بخاري في فبراير 2016م، بهدف ضبط أسعار النفط، وكذا توثيق العلاقات السعودية مع غينيا الاستوائية.

       من جهة أخرى، تحرص الرياض على الاستفادة من الإمكانيات التقنية لدى بعض دول القارة، مثل جنوب أفريقيا، التي تشترك مع السعودية في عضوية مجموعة العشرين، والتي تملك رصيداً وافراً من الخبرة في التصنيع المدني، والطاقة المتجددة، والاتصالات، والأقمار الصناعية، والثروة السمكية، والهندسة والطب، ومكافحة الجريمة المنظمة. يضاف إلى ذلك خبرة جنوب أفريقيا في التصنيع العسكري، حيث تسعى المملكة إلى تقليل واردات السلاح من الغرب، وتطوير صناعتها العسكرية في مجال الدفاع الجوي، في مواجهة التقدم الإيراني الذي حققته إيران في تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى.

ثالثاً-أدوات التحرك السعودي في إفريقيا:

        استطاعت السعودية أن تكسب مزيداً من النفوذ في القارة الإفريقية، مستفيدة في ذلك ثلاثة عوامل هي:

-       الرمزية الدينية للمملكة التي تساعدها في النفاذ إلى القارة ذات الأغلبية المسلمة، حيث تعتبر إفريقيا هي القارة الأولى في العالم من حيث نسبة المسلمين إلى إجمالي عدد السكان (52% من الأفارقة مسلمون).

-       الانكسارات التي تعرضت لها إيران في إفريقيا منذ عام 2010م، عندما قطعت نيجيريا والسنغال وجامبيا علاقاتهما الدبلوماسية بإيران، وأوقفت جنوب إفريقيا وإدارتها النفطية منها، التزاماً بالعقوبات الدولية.

-       الإمكانيات الاقتصادية للمملكة، في مقابل عدم وفاء إيران بتعهداتها التجارية والاستثمارية ومساعدتها لدول القارة. وقد كان ذلك من أهم الأسباب التي دفعت السودان وجيبوتي وجزر القمر إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في يناير2016م. 

        ونجحت السعودية في توظيف مختلف أدوات السياسة الخارجية على التوازي في سبيل تحقيق وتعظيم مصالحها الوطنية في القارة، ومن أهم هذه الأدوات ما يلي:

1-الأداة الدبلوماسية والزيارات المتبادلة:

        وثقت السعودية علاقاتها بدول القارة السمراء عبر تشكيل اللجان العليا المشتركة، ومنها اللجنة السعودية– المصرية، برئاسة وزيري الخارجية في الدولتين، ولجنة التشاور السعودي-السوداني، وغيرهما. 

       كما تحرص المملكة على تبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدول الإفريقية، حيث بلغ عدد البعثات الدبلوماسية السعودية في إفريقيا 43 بعثة حتى أبريل 2016م، متفوقة بذلك على إيران التي كانت ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع 30 دولة إفريقية قبل الأزمة الدبلوماسية بين طهران والرياض في يناير2016م، والتي دفعت بعض دول القارة إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.

       وتحرص المملكة أيضًا على المشاركة في الفعاليات الإفريقية، ومنها القمة السادسة والعشرين للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا في يناير2016م، التي شارك فيها وفد برئاسة وزير الخارجية عادل الجبير. بالإضافة إلى الزيارات المتبادلة التي أصبحت تتم بوتيرة متسارعة وبوفود كبيرة العدد، ومتنوعة التخصصات والخبرات. وهنا تجدر الإشارة إلى ملاحظتين هما:

-       شهد عام 2015/ 2016م، استقبال المملكة لرئيس الوزراء الإثيوبي، ورؤساء اريتريا، وجيبوتي، والصومال، لمواجهة تداعيات الصراع اليمني، وكذا استقبال رؤساء مصر والسودان والسنغال وموريتانيا، لبحث تداعيات عاصفة الحزم. واستقبال الرئيس النيجيري محمد بخاري لضبط أسعار النفط، واستقبال جاكوب زوما رئيس جنوب إفريقيا في مارس 2016م، لبحث تطوير التصنيع العسكري. بل إن بعض هؤلاء الرؤساء زار المملكة ثلاث مرات خلال أقل من عام مثل رؤساء إريتريا والسودان وموريتانيا.

-       في الوقت الذي حرص فيه رؤساء دول القارة على زيارة السعودية، ظلت المملكة تعتمد حتى الآن على وزير خارجيتها في زيارة الدول الإفريقية، حيث زار وزير الخارجية كل من جنوب إفريقيا والسودان وزامبيا، وكينيا وتنزانيا خلال العام الأخير. ويتوقع الكثيرون أن زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لإفريقيا جنوب الصحراء، سوف تمثل قوة دفع هائلة لدور المملكة في القارة الإفريقية.

2-الاستثمار والتبادل التجاري:

      السعودية أكبر مستثمر خليجي في معظم دول القارة الإفريقية مثل مصر والسودان وجنوب إفريقيا والسنغال وإثيوبيا، حيث بلغ عدد المشروعات السعودية في إثيوبيا على سبيل المثال 294 مشروعًا، بقيمة 3 مليار دولار، منها 141 مشروعًا في الإنتاج الحيواني والزراعي، و64 مشروعًا صناعيًا، ومشروعات أخرى متنوعة.

        وفى إطار حرص المملكة على دفع العلاقات الاقتصادية بينها وبين القارة الإفريقية، جرى تنظيم العديد من الاجتماعات بين مجلس الغرف السعودية وسفراء الدول الإفريقية بالمملكة. كما استضافت الرياض في ديسمبر2010م، مؤتمر الاستثمار الخليجي الإفريقي، بهدف تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين الجانبين في قطاعات المصارف، والتجارة والاستثمار الزراعي، والبنية التحتية، والاتصالات، والتعدين، والطاقة والنفط.

        وتجدر الإشارة إلى ارتفاع نصيب السنغال من استثمارات الصندوق السعودي للتنمية في غرب إفريقيا، بنسبة تصل إلى 40%، وهو ما يفسر بأمرين هما: حرص السعودية على مد نفوذها الديني إلى السنغال، التي تبلغ نسبة المسلمين بها 96% من السكان، ودعم السنغال القوي لعملية عاصفة الحزم.

       لكن الاستثمارات السعودية في إفريقيا لا تزال دون المستوى المأمول، فهي لا تتجاوز 2% من إجمالي الاستثمارات السعودية في العالم. وربما يمكن تفسير ذلك بارتباط بيئة الاستثمار في إفريقيا جنوب الصحراء بكثير من المشكلات التي تجعلها بيئة غير آمنة نسبيًا، ومن ذلك الصراعات والحروب الأهلية، والفساد السياسي، والقصور التشريعي. 

       وبالنسبة للتبادل التجاري، فقد بلغ حجم التجارة بين السعودية والدول الإفريقية بنهاية العام 2015 نحو68.6 مليار ريال،منها 55.9 مليار للصادرات السعودية إلى إفريقيا، و12.7 مليار لواردات المملكة. وتضم قائمة الصادرات السعودية النفط ومشتقاته. بينما تشمل الواردات: اللحوم، والفحم والمعادن.

       وهنا تبرز مصر وجنوب إفريقيا كأهم شركاء التجارة مع السعودية. كما يتوقع أيضًا أن يزداد حجم التجارة السعودية الإفريقية مع توجه المملكة إلى إقامة خطوط بحرية وبرية مباشرة مع دول القارة، مثل إقامة خطوط ملاحية بين موانئ جيبوتي وجدة وجازان. كما يعتبر مشروع جسر الملك سلمان على خليج العقبة، والذي تم تدشينه لدى زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر في أبريل 2016م، أحد أبرز الخطوات على طريق تعزيز التعاون بين السعودية والقارة الإفريقية. 

        يضاف إلى ما سبق العمالة الإفريقية التي تنتشر في المملكة، وهو ما يمنح المملكة نفوذًا قويًا لدى دول القارة، التي لا يمكنها تحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية للاستغناء عن هذه العمالة.

3-المساعدات الإنسانية والتنموية:

تعد السعودية الدولة الأولى في العالم من حيث ما تقدمه من مساعدات خارجية إلى إجمالي الناتج القومي، والأولى بين دول أوبك، والثانية من حيث ما تقدمه كقيمة مطلقة بعد الولايات المتحدة.

       إذ أوصت الأمم المتحدة الدول المانحة للمساعدات بألا تقل نسبة ما تقدمه من مساعدات عن 0.7 % من دخلها الوطني. لكن المملكة ظلت لعقود طويلة تقدم ما لا يقل عن 4% من ناتجها المحلي الإجمالي. وكانت الدول الإفريقية في مقدمة المستفيدين من هذه المساعدات، حيث استفادت منها 41 دولة إفريقية، مقابل 23 دولة آسيوية، و9 دول أخرى.

        كما تتقدم السعودية الدول المانحة لعمليات الإغاثة الإنسانية، ومكافحة الفقر، وتسهم في موازنات نحو 18 مؤسسة للتمويل الدولي، فضلاً عن دعمها لمبادرة تخفيف الديون لدى صندوق النقد الدولي. ويعتبر الصندوق السعودي للتنمية بمثابة الجهاز الأساسي المعني بتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية للدول الإفريقية، فمن خلاله قدمت المملكة الدعم الغذائي لدول القارة. ودعمت اللاجئين والنازحين بها، حيث تحرص المملكة على تأكيد أن هذه المساعدات غير مشروطة ولا تميز بين البشر على أي أساس ديني أو عرقي.

4-التعاون العسكري:

      تعتبر السعودية واحدة من أكبر دول العالم من حيث الإنفاق العسكري. إذ قدر إنفاقها الدفاعي خلال العام 2015م، بنحو 52 مليار دولار. وفى إطار سعيها لتدعيم مصالحها الأمنية في إفريقيا استخدمت المملكة آليات عديدة أهمها:

أ‌-     إقامة القواعد العسكرية: إذ أعلن سفير جيبوتي لدى الرياض في مارس 2016م، أنه جرى الترتيب لإنشاء قاعدة عسكرية سعودية في جيبوتي، خلال زيارة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله للسعودية. وهي خطوة يمكن تفسيرها برغبة المملكة في مواجهة مساعي إيران لاستئجار جزر للاستخدام العسكري على الجانب الإفريقي من البحر الأحمر، وكذا رغبتها في مراقبة النشاط الإسرائيلي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

ب‌-تشكيل اللجان العسكرية المشتركة: ومنها اللجنة المشتركة بين السعودية وجيبوتي، والتي تشكلت بعد انطلاق عاصفة الحزم.

ت‌-التصنيع العسكري: ومثال ذلك افتتاح مجمع عسكري بالسعودية لإنتاج قذائف الهاون وقنابل الطائرات، بترخيص من شركة (راينميتال دينيل) للذخيرة الجنوب إفريقية، وبتكلفة بلغت حوالي 240 مليون دولار.

ث‌-المساعدات العسكرية:

       تقدم المملكة دعمًا عسكريًا للعديد من الدول الحليفة، ومنها جيبوتي، التي حصلت على صفقة من الزوارق الحربية لمراقبة السواحل، وكذا السودان التي منحتها المملكة صفقة عسكرية كانت في طريقها إلى لبنان، بعد مواقف حزب الله السلبية تجاه المملكة. 

       ولعل ذلك هو ما دفع وزير الدفاع السوداني إلى القول بأن السودان تمثل " أمين ظهر السعودية في إفريقيا". وقد بلغ الأمر حد تصريح وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور بإمكانية مشاركة السودان في العمليات العسكرية البرية فيسوريا، قبلأن يؤكد أن الأمر سابق لأوانه.

ج‌-المناورات المشتركة: ومن أهمها مناورات " رعد الشمال"، التي نظمتها السعودية في حفر الباطن بمشاركة عشرين دولة، منها مصر والسودان، وتشاد، وجزر القمر، وموريشيوس، وجيبوتي، والسنغال، وتونس، والمغرب، وموريتانيا.

ح‌-اتفاقات التعاون العسكري: ومنها الاتفاق بين السعودية واريتريا في أبريل 2015م، في مجال محاربة الإرهاب والتجارة غير المشروعةوالقرصنة في البحر الأحمر.

5-الدعوة الدينية والدفاع عن قضايا المسلمين:

        كان النفوذ السعودي في أفريقيا في بدايته بدوافع دينية أكثر منها سياسية أو اقتصادية، فقد انصب اهتمام المملكة أولا على الجوانب الدعوية والتربوية. ومن أهم الآليات التي تعتمد عليها المملكة فى هذا الشأن الجمعيات الخيرية وأهمها: لجنة مسلمي إفريقيا، ومؤسسة الحرمين الخيرية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهيأة الإغاثة العالمية، وإدارة المساجد والمشروعات الخيرية.

        إذ نشطت هذه الهيآت في نشر الإسلام عبر إنشاء المدارس ودور تحفيظ القرآن، والمراكز الإسلامية الشاملة، التي تقدم الخدمات الدينية والتعليمية والصحية، ومن ذلك المركز الإسلامي في السنغال، والذي جاء ثمرة لزيارة الملك فيصل سنة 1972م.

       كما حرصت المملكة على إقامة كيانات تنظيمية لخدمة الأنشطة الدعوية، والدفاع عن مصالح وقضايا الدول الإسلامية. ومن ذلك رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي ومقرها جدة.

       لكن تظل الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة أم القرى وغيرهما من الجامعات السعودية التي تستقبل الطلاب الأفارقة هي أكثر الآليات بروزاً. بل إنها تمثل أهم أدوات القوة الناعمة السعودية في القارة الإفريقية، حيث تخرج سنويًا الآلاف من أبناء القارة، في مجالات العلوم الشرعية والتطبيقية، وغالبًا ما يتقلد خريجو هذه الجامعة مسؤوليات ومناصب عليا في بلدانهم، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على المصالح السعودية في القارة.

رابعاً-التحديات التي تواجه السياسة السعودية في إفريقيا:

     هناك بعض التحديات التي تواجه السياسة السعودية في إفريقيا وأهمها:

1-الدعاية السلبية المضادة: 

        هناك العديد من الأطراف التي تتخوف من الدور السعودي المتنامي في القارة الإفريقية. لذا فهي تحرص على عرقلة هذا التقدم عبر بث دعاية مضادة لسياسة المملكة، تدور حول الدور العربي في تجارة الرقيق واستغلال موارد الشعوب الإفريقية، ومزاعم حول سعى السعودية لنشر المذهب السلفي في القارة.

2-الطرق الصوفية في إفريقيا:

       إن الطابع الصوفي الطاغي على مسلمي إفريقيا يجعل المد الحضور السعودي السلفية لا يجد الأرضية الملائمة في الأوساط الإفريقية.

3-القضايا الخلافية بين المملكة وبعض الأطراف الإفريقية:

        ومن أهم هذه القضايا الموقف من إيران والأزمة السورية، وتباين وجهات النظر بين المملكة وبعض الدول الإفريقية حيال الأزمة السورية.

        وختاماً، فإن هذه التحديات لم تفلح في عرقلة التقدم السعودي في إفريقيا، بل إن المملكة استطاعت أن تحقق عبر سياستها في القارة نتائج مثمرة وسريعة، سواء على صعيد تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، والذي تلعب الدول الإفريقية دورًا مهمًا فيه، أو بالنسبة لقطع العلاقات مع إيران وتحجيمها، أو تعزيز المصالح الاقتصادية، والتنسيق السياسي، وهو ما عكسته أرقام التجارة والاستثمار، وتأييد معظم الأفارقة لإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية، على أن يكون (يمنى– يمنى) وفق قرار مجلس الأمن 2216.

        وفى تقديري فإن طرح المبادرات السعودية لتسوية الصراعات في إفريقيا، خاصة في حوض النيل والقرن الإفريقي، وتنظيم قمة دورية للعلاقات السعودية الإفريقية سوف يكون له عظيم الأثر في دفع العلاقات بين الجانبين إلى آفاق غير مسبوقة، بالقياس إلى الحجم الكبير للمصالح المتبادلة بينهما، والثقل الإقليمي والدولي الذي تمثله المملكة. 

 

 

مجلة آراء حول الخليج