; logged out
الرئيسية / الغياب العربي في إفريقيا

العدد 109

الغياب العربي في إفريقيا

الإثنين، 11 تموز/يوليو 2016

العلاقات العربية ـ الإفريقية قديمة ومنقوشة على الآثار الموجودة منذ فجر التاريخ حيث امتدت هذه العلاقات من أقصى شرق إفريقيا إلى مصر وشمال القارة ثم جزيرة العرب وبلاد الشام، وفي العصر الحديث بلغت هذه العلاقات قوتها مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين وتجلى ذلك في دعم الدول العربية لحركات التحرر الإفريقية، وهذا ما جسدته قمة أكرا عام 1965م، ثم القمة الإفريقية عام 1967م، حيث تم إرساء قواعد صلبة للعمل العربي ـ الإفريقي المشترك، ودعم القضية الفلسطينية، والتصدي لمحاولات إسرائيل لاختراق القارة السمراء، وبعد ذلك جاءت القمة العربية ـ الإفريقية الأولى عام 1977م، في لومي وأكدت على الخطوط العريضة للتعاون بين الطرفين و تبلورت في "التطلع نحو تحقيق التعاون في المجالات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، وترسيخ التحرر والتنمية وتطبيق مبدأ التعايش السلمي المشترك لكل شعوب القارة".

التلاحم العربي ـ الإفريقي بلغ ذروته في سبعينيات القرن العشرين ثم اتجه في نهاية ذلك العقد نحو الانحدار لعدة عوامل متزامنة منها: استكمال استقلال الدول الإفريقية، تغير الموقف العربي تجاه إسرائيل بعد معاهدة كامب ديفيد، تأييد الشارع العربي للثورة الإيرانية، الانكفاء العربي على القضايا الداخلية، والصراعات الجانبية بين أعضاء النظام العربي، بل شهدت القارة تنافس عربي/ عربي على النفوذ ومن ثم فقدت العلاقات العربية ـ الإفريقية وهجها وتراجعت لتدخل القارة السمراء في محاولات إغراء من دول أخرى منها إسرائيل، إيران، الصين، وتركيا، إضافة إلى الاستعمار الغربي القديم. ولذلك لم تعقد القمة العربية ـ الإفريقية الثانية إلا بعد مرور 33 سنة أي في عام 2010 في سرت، ثم قمة الكويت 2013م.

وفي غمرة التنافس الدولي المصحوب بدعم اقتصادي للدول الإفريقية، وتطوير مشروعات خدمية ومرافق وإنشاء قواعد عسكرية من قوى دولية وإقليمية، نشبت ثورات الربيع العربي التي ألقت بظلال سلبية على العلاقات العربية ـ الإفريقية، حيث خشيت دول القارة السمراء من انتقال عدوى هذه الثورات، بل دعت أوروبا إلى انتشار مثل هذه الثورات في إفريقيا جنوب الصحراء، ودعا الكردينال بيتر تركسون رئيس المجلس البابوي للفاتيكان بضرورة انتقال الثورات العربية إلى جنوب الصحراء لتحقيق العدالة الاجتماعية.

كما أن بروز دور تنظيمات الإسلام السياسي ووصولها للسلطة في بعض الدول العربية، وتنامي موجات الإرهاب العابرة للحدود والتي أصبح لها امتداد في جنوب الصحراء كتنظيم داعش، القاعدة، وبوكو حرام وغيرها، أقلقت دول جنوب الصحراء وجعلتها تتحسس علاقاتها مع الجانب العربي.

والأمر لا يقتصر على تراجع العلاقات بين الطرفين فقط، بل بلغت حد التوتر كما حدث بين أثيوبيا من جهة، ومصر والسودان من جهة أخرى بسبب مياه النيل، وانسحاب المغرب من الاتحاد الإفريقي بسبب قضية الصحراء المغربية، في حين اقتربت الدول الإفريقية من إسرائيل وأصبحت مساندة لها في الأمم المتحدة ناهيك عن التبادل التجاري والعلاقات الدبلوماسية إضافة إلى تغلغل إسرائيل في إفريقيا وتأثيرها على صناعة القرار في كثير من دول القارة.

 على المستوى الاقتصادي، فرغم أهمية دول جنوب الصحراء، تظل قيمة التبادل التجاري العربي في حدود 3% فقط، ولا تمثل صادرات الدول الإفريقية للدول العربية سوى 2.5% من جملة الواردات العربية، فيما تبلغ الصادرات العربية لهذه الدول 5.7% من إجمالي واردات الدول الإفريقية، بينما يبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وهذه الدول 6 مليارات دولار.

هذا التهافت الدولي على إفريقيا، والتراجع العربي يهدد الأمن القومي العربي برمته، حيث تتواجد دول إقليمية لها أجنداتها المتعارضة مع الدول العربية وتتبع نظرية شد الأطراف التي أطلقها رئيس وزراء إسرائيل الأسبق بن جورين والتي تعني حصار العرب من الخارج لإضعافهم وفتح ثغرات إقليمية تمثل مهددات لهم.

كل ذلك يضع إفريقيا جنوب الصحراء على أولوية قائمة السياسة الخارجية العربية سواء تحت مظلة جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي، أو بشكل فردي لاستعادة دفء وقوة هذه العلاقات التي تأتي في صلب الأمن القومي العربي، والبناء على أسس العلاقات التاريخية، وكذلك الاستفادة مما تقوم به الجهات الخيرية والدعوية العربية في إفريقيا، إضافة إلى دعم الصناديق السيادية الخليجية، وكذلك البنك الإسلامي للتنمية، من أجل مواجهة المد الدولي والإقليمي الذي يهدد المصالح العربية.

لكن يظل تفعيل هذه العلاقة مرهون بإرادة سياسية عربية، وترتيب الأولويات تجاه إفريقيا، وإدراك مخاطر الغياب عن القارة السمراء، مع ضرورة أن يسبق ذلك تهيئة العلاقات العربية ـ العربية لترسيخ العمل الجماعي العربي وتكامل السياسة الخارجية لإعلاء المصلحة العليا للأمة في ظل الصراع الإقليمي والدولي المحموم على دول الجوار والعمق الاستراتيجي العربي.

مقالات لنفس الكاتب