; logged out
الرئيسية / في عهده تزيد فرص التعاون بين الدول اللاتينية والخليجية اليسار اللاتيني ليس أيدلوجيًا بل ضد الهيمنة الأمريكية ومؤيد لتعاون الجنوب ـ الجنوب

العدد 110

في عهده تزيد فرص التعاون بين الدول اللاتينية والخليجية اليسار اللاتيني ليس أيدلوجيًا بل ضد الهيمنة الأمريكية ومؤيد لتعاون الجنوب ـ الجنوب

الأربعاء، 03 آب/أغسطس 2016

تبدى دول الخليج في الفترة الأخيرة اهتمامًا كبيرًا بتوسيع علاقاتها في مناطق خارج إطار دوائرها التقليدية. سواء على المستوى التجاري وفتح منافذ للاستثمار الخليجي في الخارج، أو على المستوى السياسي نظرًا لتعقد خريطة الفاعلين الدوليين في قضايا الشرق الأوسط والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمصالح الخليجية والأمن القومي الخليجي.

وبما أن الدول اللاتينية الواقعة من بداية الحدود الجنوبية للولايات المتحدة وحتى أطراف قارة أمريكا الجنوبية عند التقاء المحيطين الأطلنطي والهادي، تعتبر من مناطق الاهتمام الجديدة لدول الخليج، ومن ثم يصبح الاهتمام بمتابعة انحسار التيار اليساري في أمريكا اللاتينية وتحولها تجاه اليمين أمر جدير بالدراسة.

ستحاول هذه الدراسة الإجابة على تساؤل: هل هناك تأثير لتحول حكومات الدول اللاتينية نحو اليمين على العلاقات الخليجية ــ اللاتينية؟ أوهل يكون لهذا الانحسار اليساري أثر سلبي أم إيجابي على المصالح الخليجية فى منطقة أمريكا اللاتينية؟

تهتم أغلب الدراسات المعنية بالعلاقات العربية/ اللاتينية عن محاور التعاون ودرجته والمجالات المتاحة وكذلك المصالح بين المنطقتين. بينما تندر الدراسات التي تناقش أثر التحول نحو اليمين أو اليسار فى الدول اللاتينية على سياستها تجاه الدول العربية، لذلك تحاول هذه الدراسة القاء الضوء على ارتباط المصالح العربية بالتحول السياسي في الدول اللاتينية. وبالتحديد تأثير التحول السياسي على العلاقات مع الدول الخليجية.

اليسار اللاتيني بين المد والانحسار

فشلت جماعات اليسار السلمية والمسلحة اللاتينية فى تحويل دول المنطقة إلى الشيوعية – فيما عدا كوبا -في ستينيات القرن الماضي بسبب المواجهة الشرسة لجيوش تلك الدول المدعومة من أمريكا. ولكن اليسار اللاتيني الجديد (الأقل راديكالية) نجح في الوصول إلى الرئاسة والبرلمان بأصوات الفقراء. حيث شهدت الانتخابات الحرة بعد التحول الديمقراطي وانهاء عهد الانقلابات العسكرية والديكتاتوريات اللاتينية في بداية القرن الواحد والعشرين نجاحًا كبيرًا لأحزاب اليسار ومن ثم أخذت القارة فى التحول إلى اللون الوردي "Pink tide التيار الوردي"[1] بعد فشلها فى التحول إلى الأحمر.

بين عامي 1998 و2015م، شهدت أمريكا اللاتينية حالة من العدوى بين ناخبى دول المنطقة حيث لجؤوا لانتخاب حكومات يسارية لم يستثن من ذلك إلا كولومبيا -الدولة اللاتينية الوحيدة التى تستضيف قواعد عسكرية أمريكية -وكان السبب الحقيقي وراء هذا التوجه هو رغبة ملايين الفقراء من مواطني تلك الدول فى تحسين أحوالهم المعيشية بعد عقود من الرزوح تحت براثن الفقر.

ومع وصول شافيز إلى الرئاسة في فنزويلا عام 1998 م، ثم لولا دا سيلفا بالبرازيل في 2003م، وكذلك نستور كريشنر بالأرجنتين في العام نفسه، نجحت هذه الحكومات اليسارية مدعومة بالارتفاع المفاجئ بأسعار المواد الخام في تنفيذ حزمة من سياسات الإعانات الاجتماعية. وأدى ذلك إلى رفع ملايين الأسر من خط الفقر إلى الطبقات الوسطى وهو ما أدى إلى زيادة شعبية تيار اليسار، وأصبح هو الجواب الموحد فى كافة بطاقات الانتخابات الرئاسية أو التشريعية فى بقية دول المنطقة أملا من ناخبيها الفقراء فى التمتع بانجازات اليسار فى دول الجوار.

الخريطة السياسية لأمريكا اللاتينية في 2009

يتعين التأكيد على أن حكومات اليسار اللاتيني لم تنتهج سياسات داخلية أو خارجية متماثلة. والادعاء بأن اليسار اللاتيني كتلة واحدة فيه مغالطة. في حقيقة الأمر اتفق جل اليسار اللاتينى على قضايا محددة منها المساعدات الاجتماعية للطبقات الفقيرة، والتركيز على التعاون الإقليمي، ومواجهة الهيمنة الأمريكية، بينما اختلفت الحكومات اليسارية فيما بينها فى طريقة تحقيق هذه المطالب.

في العصر الذهبي للمد اليساري شهدت بعض الدول انتقال للسلطة من اليسار إلى اليمين ثم مرة أخرى إلى اليسار كما حدث فى شيلى فى الانتخابات الرئاسية حيث نجح اليسار فى الحصول على الرئاسة عام 2006م، ثم انتقلت إلى اليمين في انتخابات 2010م، ثم عادت مرة أخرى إلى اليسار منذ 2014 م، وهو أمر منطقي في الدول الديمقراطية.

لكن الحديث عن ظاهرة انحسار اليسار اللاتينى وخفوت شعبيته والتحول اللاتيني نحو اليمين ظهر بقوة خلال العامين الأخيرين. وسبب ذلك ما حدث وما زال يحدث في أهم وأكبر ثلاث دول لاتينية في المنطقة وهي البرازيل والأرجنتين وفنزويلا.

في البرازيل انخفضت شعبية الرئيسة اليسارية ديلما روسيف وحزب العمال بدرجة أدت إلى خروج مظاهرات حاشدة في 2013م، وعلى الرغم من نجاحها بفترة رئاسية ثانية فى انتخابات 2014م، إلا أن الاحتجاجات استمرت وشعبيتها أخذت في التناقص. وانتهى الأمر بتوجيه اتهام لها مكن البرلمان من التصويت بعزلها والانتهاء بمحاكمتها. وعلى الرغم من وجود شبهات كثيرة حول مؤامرة يمينية داخل مؤسسات الدولة ضدها إلا أن النتيجة هى أن البرازيل الدولة اللاتينية الأكبر والأهم والتي حققت طفرة اقتصادية واجتماعية كبيرة بفضل حكومات اليسار يحكمها الآن حكومة يمينية برئاسة الرئيس ميشيل تامر منذ مايو 2016م، حتى ولو بصورة مؤقتة.

أما الأرجنتين فبعد 12 عامًا من حكم اليسار المتمثل فى الزوجين نستور وكريستينا كريشنر استطاع موريسيو ماكرى اليميني من الفوز بالرئاسة نهاية 2015م، وأما فنزويلا منذ وفاة شافيز ووصول خليفته مادورو إلى الرئاسة وهي تواجه مظاهرات غاضبة ضد الفساد والفشل الاقتصادي. وانتهى الأمر بفوز كبير لحزب اليمين فى الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو ما ينذر بأن قدرة الشافيزية على الاستمرار بالتمسك بالرئاسة فى الانتخابات القادمة أصبحت شبه مستحيلة، بل وارد ألا يتمكن مادورو فى ظل غياب حكومات يسارية تسانده فى دول الجوار من اكمال مدته أمام المطالب بانتخابات رئاسية مبكرة. اذاً هذه الأحداث وغيرها تعد سببا للحديث عن انحسار موجة اليسار اللاتيني وأحيانًا عن موت اليسار اللاتيني.

في حقيقة الأمر إن التشابه الحقيقي بين حالات تحول الحكومات نحو اليمين في بعض الدول اللاتينية ليس زيادة شعبية تيار اليمين، ولكن هو لجوء الملايين الفقيرة للتصويت العقابي لعدم رضائها عما قدمه لها اليسار وكون ما تم إنجازه لم يشبع أحلامهم ولم يوافق وعود اليسار عندما كان في المعارضة. إن التظاهرات ونتائج الانتخابات لا تمثل توجهًا شعبيًا نحو اليمين ولكنها تعبيرًا عن خيبة أمل الملايين فى يسار ارتكب اخطاءً أحيانًا وفسادًا أحيانًا أخرى أدى إلى تدهور اقتصادي انعكس في النهاية على قدرته على تحسين الحياة المعيشية لهؤلاء الفقراء. وعندما غضبت هذه الملايين وسحبت تأييدها الانتخابي لليسار وعبروا عن هذا الغضب من خلال المظاهرات كان من السهل جدًا أن يخسر اليسار سواء من خلال صندوق الانتخاب أو حتى بانقلاب دستوري كما فى حالة البرازيل، لأنه فى واقع الأمر اليسار اللاتينى لم يكن أبدًا جزء من مؤسسات الدولة أو قوة المال أو الإعلام ومن ثم إذا ما فقد تأييد الفقراء فإن بقاءه في السلطة يصبح شبه مستحيل.

فى اللقاء مع الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف عقب عزلها، قالت إن حكومتها اليسارية سعت لتحسين معيشة الفقراء وإعادة توزيع الدخل لكن ذلك يحتاج إلى وقت والناس تريد أن ترى تحسن خدمات التعليم والصحة وغيرها خلال فترة زمنية قصيرة، لذلك خرجت الاحتجاجات في 2013م.[2]

 

اليسار وصل إلى الحكم بعد محاولات انتخابية عديدة بسبب الأزمة الاقتصادية التي القت بظلالها على معظم الحكومات اللاتينية اليمينية السابقة. ثم استقر اليسار في الحكم بسبب استفادته من ارتفاع أسعار النفط. ولكن أزمة انخفاض أسعار النفط الأخيرة أدت إلى تدهور الاقتصاد مرة أخرى وظهور فشل خطط حكومات اليسار إلى جانب ملامح الفساد أحيانًا والاستبداد والبقاء فى الحكم من خلال تغيير الدساتير أحيانًا أخرى ما أدى إلى لجوء المواطنون إلى سحب ثقتهم من اليسار إما من خلال الانتخابات أو من خلال الاحتجاجات.

والجدير بالذكر أن الإشارة إلى أن اليسار كان مرحلة وانتهت في القارة بأكملها مقولة يشوبها الكثير من المبالغة حيث أن اليسار اللاتيني لا يمثل ايديولوجية على غرار المعسكر الشيوعي في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية سابقًا، ولكنه توجه سياسي متفاوت في درجته وطريقة تعبيره ومواقفه من الهيمنة الأمريكية والسياسات الاقتصادية. كما أن ما يحدث هو حالة طبيعية من التناوب الحزبي. ولقد أصبح وأضحًا في أمريكا اللاتينية أن الجميع شعبًا ونخبًا اتفقوا على أمر واحد وهو احترام الديمقراطية باعتبارها الطريق الوحيد لتداول السلطة.

تأثير انحسار اليسار على العلاقات الخليجية/ اللاتينية:

لمحاولة تقدير تأثير التحول السياسي الحادث في أمريكا اللاتينية نحو اليمين على المصالح الخليجية، رصدت الدراسة أربعة محاور رئيسية: أولها اقتصادي، خاص بفرص الاستثمار الخليجى والتبادل التجاري مع الدول اللاتينية. والمحاور الثلاث الأخرى سياسية وهي: ـ قضية النفوذ الايراني في أمريكا اللاتينية ــ الموقف اللاتيني الداعم لنظام الأسد في الأزمة السورية ــ الموقف اللاتيني من القضية الفلسطينية.

 

  1. فرص الاستثمار الخليجي في أمريكا اللاتينية

من المؤكد أنه منذ التحول اليساري في دول أمريكا اللاتينية تطورت العلاقات الاقتصادية بين الدول اللاتينية والدول العربية. وذلك نظرًا للانجذاب اليساري المساند لفكرة التوجه نحو الجنوب وتعزيز تعاون الجنوب الجنوب SSC.

تعد القمة العربية/ الجنوب أمريكية (اسبا ASPA) فرصة كبيرة للتعاون الاقتصادى سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف. فرغم أن جدول أعمال القمم اهتم بالعديد من القضايا السياسية، إلا أن الجانب الاقتصادي حظي باهتمام كبير، حيث عقد بموازاة القمم لقاءات لرجال الأعمال من الجانبين لتقوية العلاقات الاقتصادية.

 ولعل الأرقام خير دليل على دور قمة اسبا والحكومات اللاتينية اليسارية في الدفع بعجلة العلاقات الاقتصادية اللاتينية والدول العربية بصورة عامة والخليجية بصورة خاصة. فقد زادت معدلات التجارة البينية ـ العربية من 10 مليار دولار في 2004م (قبل عام واحد من قمة اسبا الأولى) إلى 34.7 مليار دولار حاليًا.

تأتي البرازيل فى مقدمة الدول اللاتينية توجها نحو تعزيز التجارة والاستثمار مع الدول العربية يليها الأرجنتين، كما تعد كلتا الدولتين أكثر الأماكن في القارة جذبًا لاستثمارات رجال الأعمال والشركات العربية. فعلى سبيل المثال هناك شركات زراعية سعودية خاصة تمتلك أراضي زراعية في الأرجنتين برأس مال بلغ 100 مليون دولار. وأيضًا بلغ عدد الشركات التجارية البرازيلية في الإمارات 25 شركة، فيما وصل عدد الوكالات إلى 9 وكالات، أما العلامات التجارية البرازيلية المسجلة في أسواق الإمارات وصلت إلى 358 علامة. من جانب آخر تبلغ استثمارات شركة اودبريشت البرازيلية للإنشاءات 1.25 مليار دولار في مجمع صُحار في عُمان، وهى نفس الشركة التي قامت بإنشاءات في مطار أبوظبي.

كما تضاعف حجم التصدير من الأرجنتين إلى دول الخليج ما بين عامي 2010 إلى 2012م، من 3.6 مليار دولار أمريكي، إلى 6.5 مليار دولار، تستحوذ السعودية وحدها على أكثر من 50% من تلك الصادرات.

التطور فى حركة الصادرات البرازيلية للدول الخليجية بين عامي 2004 و2015.[3]

التطور فى حركة الواردات الأرجنتينية من الدول الخليجية بين عامي 2004 و2015.[4]

 

في ظل حكومات أقصى اليمين بالبرازيل في السبعينيات، ازدهرت العلاقات الاقتصادية مع الدول الخليجية. فقد نشأت منذ 1971م، علاقات في مجال الطاقة مبنية على أساس المنفعة الاقتصادية. وتناوب العراق والسعودية بين عامي 1976 و1984م، على المرتبتين الثانية والثالثة من مجمل الواردات البرازيلية.كما أن البلدين سيطرا على أغلبية الواردات النفطية البرازيلية بنسبة بلغت 60 % بين عامي 1972 و1980م.وأنشأت البرازيل كونسورتيوم (ائتلاف تجاري) مع الكويت عام 1975م، وفي 1971م، بدأت شركة النفط البرازيلية بتروبراس أنشطتها في العراق مما أدى إلى اكتشاف أكبر حقل نفطي عراقي آنذاك، حقل مجنون. [5]

ومن أهم الإصلاحات التي قامت بها الحكومة البرازيلية اليمينية منذ 1994م، بهدف زيادة الفرص الاستثمارية، إعطاء الأولوية لتأهيل البنية الأساسية، وقدر من المرونة للقطاعات التي كانت تسيطر فيها الحكومة كقطاعات الاتصالات والكهرباء والبترول والغاز الطبيعي، منح صلاحيات توسعية للشركات الأجنبية، فتح الأنشطة التعدينية والاستثمار في مجال الطاقة الكهربائية أمام المستثمرين الأجانب.[6]

 

  1. النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية

فى دوائر السياسة والتقارير الحكومية والإعلام فى واشنطن لا يجتمع مصطلحي الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية إلا وتذكر المؤامرات والحركات الإرهابية المقصود بها حزب الله والقاعدة والحرس الثوري الإيراني والحديث عن فتح المجال أمامهم للتدريب فى منطقة الحدود الثلاثية (Tri-border area)[7] أو جزيرة مارجاريتا الفنزويلية[8].

أما بالنسبة للعلاقات اللاتينية / الإيرانية، الحكومات اليسارية فى أغلبها أيدت الموقف الإيراني في ملفها النووي، وتراوح ذلك بين التأييد القوي فى دول البديل البوليفاري (فنزويلا، كوبا، بوليفيا، نيكارجوا، والإكوادور) إلى تأييد متوازن في البرازيل التي تؤيد امتلاك طهران لتكنولوجيا نووية سلمية وليس لسلاح نووى وترفض فكرة العقوبات من قبيل أنها تؤدي إلى مشكلات أكبر من نفعها.

انتهج الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا" سياسة مساندة لطهران فيما يخص ملفها النووي، حيث عارضت البرازيل قرارًا بفرض عقوبات اقتصادية للمرة الرابعة في تصويت مجلس الأمن في 2010م، باعتبارها عضوًا غير دائم في المجلس، بالإضافة إلى ذلك قدمت خطوات لاحتواء الأزمة بطرق سلمية من خلال المبادرة التركية البرازيلية لتبادل اليورانيوم الإيراني ضعيف التخصيب بوقود نووي تركي عالي التخصيب.[9]

          أما فنزويلا فقد أنشأت علاقات وطيدة مع إيران، والتي وصلت إلى الصداقة الكبيرة بين شافيز ونجاد، الذي كتب في برقية التعزية في وفاة شافيز "لا يراودني شك في أنه سيعود إلى جانب السيد المسيح والمهدي المنتظر"، كما ظهر في مراسم الجنازة باكيا شديد التأثر لفقدانه حليفًا مهمًا له.[10]

تكمن خطورة النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية اليسارية في التنسيق والتواجد على المستوى المخابراتي. فهناك العديد من التقارير الأمريكية تشير إلى تنامي العمل الاستخباراتي الإيراني داخل أراضي القارة والتي تتم من خلال خلايا تابعة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني وما يعرف بجيش القدس.

         وقد كانت التفجيرات التي شهدتها العاصمة الأرجنتينية بيونس ايريس في 1992م، داخل السفارة الإسرائيلية ثم تلتها تفجيرات مركز الجالية اليهودية في نفس المدينة عام 1994م، مخلفة 85 قتيلًا ومئات الجرحى من اليهود أهم مثال على التعاون الاستخباراتي بين حزب الله وإيران على الأراضي اللاتينية، حيث أثبتت التحقيقات الأرجنتينية ذلك واستخرجت مذكرة توقيف بحق وزير الدفاع الإيراني "أحمدي وحيدي". ووقفت حكومات كريشنر اليسارية دون خروج أي تصريح رسمي أو إدانة نهائية ضد إيران في هذه القضية، حتى أن الرئيسة السابقة كريستينا كريشنر تثور حولها اتهامات بتعمدها إخفاء أدلة الإدانة وهو ما أثار خلافات كبيرة بينها وبين اسرائيل والولايات المتحدة حتى آخر فترتها الرئاسية المنتهية منذ شهور.

 

  1. الموقف اللاتيني من الأزمة السورية

 

سوريا "الممانعة والمقاومة للهيمنة الأمريكية" كانت جذابة جدًا للحكومات اللاتينية اليسارية.فقد وقع كل من حزب العمال البرازيلي والبعث السوري اتفاقية لتبادل الزيارات في يونيو 2007م. وفي عام 2006م، أصدر شافيز والأسد إعلانًا مشتركًا يفيد أنهم يقفان موقفًا موحدًا ضد "العدوان الامبريالي ونوايا الهيمنة للولايات المتحدة". وكدليل على هذه الشراكة الجديدة، زار شافيز سوريا ثلاث مرات، في أغسطس 2006، سبتمبر 2009 وأكتوبر 2010م.

في يونيو 2010م، وقبيل شهور من اندلاع الثورة السورية، قام الأسد بجولة تاريخية في أمريكا اللاتينية بهدف جذب الاستثمارات في البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وكوبا. وتم توقيع عشرات الاتفاقيات، تشمل الزراعة، وصناعات البترولية والسياحة. كما انضمت سوريا في نفس العام الى تحالف البديل البوليفاري ALBA.[11]

عقب الثورة السورية اتخذت الدول اللاتينية في أغلبها موقفًا مؤيدًا للنظام السوري رافضة الاعتراف بأن ما تشهده سوريا هو ثورة، وإنما جزء من مؤامرة أمريكية لهدم دولة معادية لها.

وفي أكتوبر 2011م، امتنعت البرازيل إلى جانب الهند وجنوب إفريقيا ولبنان عن التصويت لصالح القرار الذي طالب به الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة ضد سوريا.

اجتماع البريكس 2015م، لم يتطرق لعنف نظام الأسد وإرهابه. بصورة عامة فإن البرازيل فى عهد الحكومة اليسارية دعمت بوضوح سياسة روسيا في سوريا.[12] أما فنزويلا فقد ذهبت أبعد من ذلك حيث رفضت جميع الانتقادات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق الحكومة السورية. وأمدت النظام السوري بالنفط رغم العقوبات المفروضة. وأيدت صراحة التدخل العسكري الروسي فى سوريا منذ سبتمبر 2015م.

التنسيق اللاتيني ـ الروسي كان أشمل من الاتفاق حول الأزمة السورية. فالتحالف البرازيلي الروسي في تجمع البريكس خير دليل. وعلى مستوى الأرجنتين فقد كانت هناك حالة من العلاقات الجيدة جدًا بين الرئيسة اليسارية كريستينا كريشنر وبوتين وتبادلا الزيارات والهدايا وحضور الاحتفالات المشتركة. كما ترددت أنباء عن استقبال الأرجنتين لقاعدة عسكرية روسية على الرغم من نفي الكرملين لهذا الخبر.[13]

  1. الموقف اللاتيني من القضية الفلسطينية

لا يمكن فهم دعم اليسار اللاتيني للفلسطينيين في صراعهم مع إسرائيل إلا فى إطار المواجهة ضد واشنطن بصورة موجزة مثلت الولايات المتحدة منذ فترة الحرب الباردة العدو التقليدي لتيار اليسار على طول الأرض الممتدة من حدودها الجنوبية في المكسيك وحتى أطراف شيلي في نهاية المخروط اللاتيني. وشهدت العلاقة توترات حادة في ظل الخطط الأمريكية الاقتصادية والعسكرية والسياسية والمخابراتية لمقاومة نشوء حكومة يسارية في فنائها الخلفي طوال عقود. وقد خلف هذا الصراع مئات الآلاف من الضحايا بين قتلى ومختفين ومعتقلين يساريين في دول أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من أن المسؤول المباشر عن الانتهاكات التي تعرض لها أنصار اليسار في تلك الدول كانت الحكومات اليمينية والعسكرية، إلا أن الدعم والتخطيط الأمريكي أمر واضح لا يحتمل الجدال. بل إن الولايات المتحدة قد اعترفت بذلك.

ومن ثم اتجهت كافة الحكومات اليسارية التى تشكلت خلال العقدين الماضيين في أمريكا اللاتينية لتبني مواقف مناهضة للسياسة الأمريكية في العالم. وقد كانت القضية الفلسطينية أهم وأبرز هذه المواقف. وسحبت بعض دول أميركا اللاتينية كتشيلي وبيرو والبرازيل والإكوادور سفراءها من إسرائيل بينما اعتبرت بوليفيا إسرائيل دولة إرهابية احتجاجًا على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وفنزويلا وبوليفيا فقد قاما بقطع علاقاتهما الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني منذ 2009م، أما كوبا فكانت قد اتخذت هذه الخطوة في عام 1973م، بعد حرب أكتوبر. بالاضافة بالطبع الى الدور الحيوي والريادي الذى قام به لولا في خلق تيار لاتينى قوي داعم ومؤيد للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

أما فى السابق كثيرًا ما اتخذت الحكومات اللاتينية اليمينية موقفًا مساندًا لإسرائيل. وقد كانت هناك حركة لتجارة السلاح بين إسرائيل وأمريكا الجنوبية، ونشأت علاقات عسكرية وطيدة خاصة مع كلومبيا.[14]

وعندما تمكنت العراق من استغلال علاقاتها التجارية والنفطية القوية مع البرازيل كما سبقت الإشارة، استطاعت من توجيه السياسة الخارجية للأخيرة رغم يمنيتها لاتخاذ مواقف ضد المصالح الإسرائيلية. حيث حصلت على سبيل المثال على افتتاح لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في برازيليا في عام 1975م.كما صوّتت حكومة إرنستو جيزل لصالح القرار رقم 3379 للجمعية العامة للأمم المتحدة الّذي اعتبر الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية.

لكن سرعان ما استطاعت الولايات المتحدة التأثير مرة أخرى على الحكومة اليمينية في البرازيل، ومن ثم عاد الموقف الرسمى للبرازيل وبقية الدول اللاتينية في السبعينيات لتأييد إسرائيل والسياسة الأمريكية في القضية الفلسطينية، ومن ثم التغيب اللاتيني عن التصويت على القرار 3120 يوم 24 نوفمبر 1976م، المطالب بإقامة دولة فلسطينية. [15]

خاتمة

بصورة عامة يمكن القول إن تيار اليسار في الدول اللاتينية يشترك في سمات أساسية تأتي في مقدمتها تبني سياسات اقتصادية واجتماعية لتخفيف وطأة الفقر عن ملايين المواطنين. ثم وبصورة واضحة مواجهة الهيمنة الأمريكية والحيلولة دون تدخلها مرة أخرى في الشأن اللاتيني والعبث بمصالح دول المنطقة على غرار فترة الحرب الباردة. ومن ثم اشتراك اليسار اللاتيني في التوجه نحو الجنوب والحماس لإيجاد بدائل للتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي من داخل الجنوب بدلا من عدوها التقليدي وجارها الحالي الولايات المتحدة. وعلى هذا الأساس يمكن فهم مواقف حكومات اليسار السابقة أو الحالية أو في المستقبل من قضايا الشرق الأوسط على هذا الأساس. مع الأخذ في الاعتبار وجود هامش لدى دول الخليج لايجاد نقاط اتفاق في تلك القضايا وخاصة الأزمة السورية وإيران مع الحكومات اليسارية الأقل راديكالية.

فيما لا يمكن الجزم بأن وصول اليمين إلى الحكم يمثل ضررًا للمصالح الخليجية بالتحديد، رغم كونه كذلك لبعض الدول العربية الأخرى. وذلك لكون اليمين لن يتخذ مواقف داعمة لدول وجماعات في الشرق الأوسط على أساس العداء المشترك للولايات المتحدة على غرار حكومات اليسار وهو ما يصب فى مصلحة الدول الخليجية فى المسألة السورية على سبيل المثال. ويظل محور التعاون التجاري والنفطي والاستثماري محورًا رئيسيًا ويتسم بقدر أكبر من الثبات في العلاقات الخليجية/ اللاتينية سواء يمينية أو يسارية لكونه يعتمد على مصالح اقتصادية. ويبقى التأكيد على أن ما تشهده أمريكا اللاتينية ليس نهاية مرحلة وبداية أخرى وليس موتا لتيار اليسار ولكنه تداول طبيعي للسلطة وانخفاض في شعبية اليسار في عدد من دول المنطقة. ولكن من المؤكد أن كلا التيارين سيظل موجودًا بين الحكم والمعارضة. والعلاقات الخليجية اللاتينية التى أخذت دفعة قوية في إطار الحماسة اللاتينية اليسارية تجاه الدول العربية تحتاج إلى عملية مأسسة لتتحول إلى علاقات راسخة مبنية على مصالح متبادلة بين المنطقتين تتأثر قليلاً بتغير الأنظمة ولا تصل إلى مرحلة التحولات الجذرية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحثة في الشؤون اللاتينية ــ مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

 

[1] مصطلح ظهر في بدايات القرن الحالي في الأوساط الإعلامية للإشارة الى تيار اليسار اللاتيني وتيار معاداة الولايات المتحدة الأمريكية. كما يأتى مرادفا أيضًا لمصطلح ما بعد النيوليبرالية Post-neoliberalism.

 

[2]Dilma Rousseff interview: Brazil's first female leader on trying to clear her name

Exclusive Q&A : Ms Rousseff said she was the victim of a 'parliamentary coup'

[3] شكل توضيحي من إنجاز الباحث يبين التطور فى حركة الصادرات البرازيلية للدول الخليجية بين عامي 2004 و2015 معتمدة على أرقام UN Comtrade database. على الرابط التالي

http://comtrade.un.org/data/

 

[4] شكل توضيحي من إنجاز الباحث يبين التطور في حركة الواردات الأرجنتينية من الدول الخليجية بين عامي 2004 و2015 معتمدة على أرقام UN Comtrade database. على الرابط التالي

http://comtrade.un.org/data/

 

[5] Elodie Brun,"BRAZIL AND THE MIDDLE EAST: A PAST LINKED TO OIL", 07/03/2015

http://www.lesclesdumoyenorient.com/Bresil-Moyen-Orient-un-passe-lie.html

 

 

[6]أيمن الرشيدان ، "أمريكا اللاتينية .. هل تكون أحد الخيارات الخليجية للاستثمار الزراعي؟"

http://www.aleqt.com/2009/03/29/article_209142.html

 

[7] منطقة حدودية بين ثلاث دول في أمريكا الجنوبية هم البرازيل، بارجواى، والأرجنتين. تدعى تقارير الولايات المتحدة الأمنية أنها مركز لتمويل وتدريب الجماعات الإرهابية الإسلامية مثل القاعدة وحزب الله والحرس الثوري الإيراني.

 

[8]ALEXANDER MAINJUNE , "THE MIDDLE EAST CHANNEL Latin America and the Middle East: a threatening alliance?", 3 June, 2010

http://foreignpolicy.com/2010/06/03/latin-america-and-the-middle-east-a-threatening-alliance/

 

[9] أمل مختار، "تحولات الموقف البرازيلي تجاه إيران وأثره على العقوبات"، ملف الأهرام الإستراتيجي

 

[10]أمل مختار ، "غياب زعيم: حدود التغير في فنزويلا بعد شافيز، السياسة الدولية"، ابريل/2014

[11]Cecilia Baeza, " How South America became an objective ally of the Assad regime", June 1, 2016.

 

[12]Cecilia Baeza، مرجع سابق

 

[13]Eugene Bai, " As Argentina turns to the right, what has Russia lost?", Dec 9, 2015

http://www.russia-direct.org/analysis/argentina-turns-right-what-has-russia-lost

 

[14]Kevin Funk , "A Political Economy of Arab-Latin American Relations: Notes and Theoretical Reflections from within the “American Social Science”,  FLACSO-ISA Joint International Conference July 23-25, 2014.

 

[15] Elodie Brun,"BRAZIL AND THE MIDDLE EAST: A PAST LINKED TO OIL", 07/03/2015

http://www.lesclesdumoyenorient.com/Bresil-Moyen-Orient-un-passe-lie.html

 

 

مقالات لنفس الكاتب