; logged out
الرئيسية / عالمية النظام الدولي اقتصاديًا واردة والرؤية الخليجية قابلة للتنفيذ النظام العالمي الجديد: بين الرؤية اللاتينية والرؤية الخليجية

العدد 110

عالمية النظام الدولي اقتصاديًا واردة والرؤية الخليجية قابلة للتنفيذ النظام العالمي الجديد: بين الرؤية اللاتينية والرؤية الخليجية

الأربعاء، 03 آب/أغسطس 2016

عرفت العلاقات الدولية الخارجية عبر تاريخها الطويل أنماطًا مختلفة من هياكل في صياغتها وإدارتها. وقامت تلك الخبرات منذ قرون من الزمن، بين أطراف عدة شملت الدول في علاقاتها ببعضها البعض، وفي علاقاتها بفاعلين "خارجيين" من غير الدول فضلا على العلاقات الخاصة بكيانات تاريخية، مثل الإمبراطوريات الدينية ومنها الإمبراطورية البيزنطية، والإمبراطورية الرومانية، والإمبراطوريات الإسلامية، مثل الإمبراطورية الأموية، والإمبراطورية العباسية، والإمبراطورية العثمانية، وكذلك كان ثمة أنماط أخرى لإمبراطوريات أوروبية استعمارية، مثل الإمبراطورية البريطانية، والإمبراطورية الفرنسية، وإمبراطوريات أقل، مثل الإمبراطورية النمساوية المجرية.

ونستطيع الانتقال من تلك النماذج للعلاقات الإمبراطورية التي لم تكن بالأساس علاقات دولية، بل خارجية، لأنها لم تكن بين دول، وإنما بين كيانات خارجية أخرى.

وحتى منتصف القرن السابع عشر انتهى نموذج تاريخي آخر للعلاقات الخارجية تمثل في صلح وستفاليا الذي وقع في عام 1648م، لينهي مرحلة علاقات خارجية فيما بين كيانات من دون الدول تمثلت في القبائل والعشائر والكنائس والعائلات، وهو ما أدى إلى ظهور الدولة القومية كنموذج للفاعل الرئيسي في الحياة السياسية. وقد استمرت تلك المرحلة من منتصف القرن السابع عشر إلى منتصف القرن العشرين، أو لمزيد من الدقة من عام 1648م، مع توقيع صلح وستفاليا، وحتى عام 1947م، الذي أنهى مرحلة الحرب العالمية الثانية. ومع أن تلك الحرب كانت قد انتهت في عام 1945م، عسكريًا فإن المرحلة اللاحقة لها بدأت رسميًا مع مشروع مارشال عام 1947م،ومع نشأة حلف شمال الأطلنطي (الناتو) عام 1949م. وحتى ذلك التاريخ كانت أغلبية بلاد العالم، وبخاصة تلك التي تقع خارج القارة الأوروبية "لا دول"، حيث كانت محتلة من دول أوروبية، وبخاصة بريطانيا وفرنسا، ثم بعدها بمسافات طويلة إسبانيا وإيطاليا.

ومع انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية، ونمو حركات التحرر الوطني في بلاد العالم الثالث، تحررت تلك البلدان، وأصبحت دولاً مستقلة، وهو ما أدى إلى ترسخ مفهوم الدولة القومية، ومن ثم، مفهوم النظام الدولي، الذي أصبح الإطار التنظيمي الأساسي لإدارة حركة العلاقات الدولية. ومعنى ذلك أن الزيادة الكبيرة في عدد الدول المستقلة التي كانت أقل من 55 دولة، ثم أصبحت الآن 193 دولة أعضاء في منظمة الأمم المتحدة. ومع أن دولية النظام الذي يدير العلاقات الخارجية كانت تترسخ من خلال تطورات ومؤشرات أخرى إلى جانب الزيادة الكبيرة في عدد الدول أعضاء ذلك النظام، فإن عوامل أخرى لعبت دورًا لا يقل أهمية، في ذات الاتجاه، ومنها نشأة الفاعلين من غير الدول، وبخاصة المنظمات الدولية الحكومية، والمنظمات الدولية غير الحكومية، والشركات متعددة الجنسيات، وجماعات العنف والإرهاب الدولي، بل وبعض الشخصيات ذات التأثير على حركة العلاقات العالمية، وبخاصة في مجال البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والعولمة الثقافية.

وقد كانت تلك التطورات وراء نشأة هيكل قوة ذو تأثير في حركة العلاقات الدولية من خلال صياغة قواعد قانونية وآليات سياسية لإدارة تلك العلاقات بما ينشئ نظامًا لإدارة تلك العلاقات على النطاق الدولي بما يضمن السعي إلى احترام القوى والهياكل القائمة على تلك الإدارةوالوصول إلى نظام دولي يضمن تحقيق ذلك الهدف.

وثمة مؤشرات تقاس بها درجة ومستوى ونطاق العلاقات بين الكيانات الدولية المختلفة. ومن بين تلك المؤشرات مدى دولية، أو عالمية النطاق الجغرافي لعملية إدارة العلاقات الجغرافية، وما إذا كان عالميًا يغطي الكرة الأرضية ونطاقها الجغرافي الكامل. وعند هذه الحالة نكون قطعًا في نظام عالمي. ويتحقق ذلك أيضًا عندما يكون الفعل والإرادة والفعالية في ذلك النظام يغطي اهتمامات وانشغالات الفاعلين الدوليين، على أن تتوزع قوة وقدرة هيكل القوة في النظام على كل مكوناته، وقضاياه، وأطرافه، وبما يجعل القوى الفاعلة منتشرة في كافة مناطق، وكل قضايا ذلك النظام، وبما يسمح بتنوع وعالمية أجندة النظام وجدول أعماله وانشغالاته، وهو ما يقود إلى تحول النظام الدولي إلى نظام عالمي. وإذا كانت عالمية النظام تجعله أكثر فعالية وأقدر على حل المشكلات، وحتى المعقدة منها، فإن الوصول إلى تلك العالمية يحتاج إلى قدرات هيكلية فعالة، وتعدد في الفاعلين الدوليين، وتنوع في أجنداتهم، وانتشار جغرافي واستراتيجي لعناصر قوة هؤلاء الفاعلين. ويمثل ذلك تحديًا كبيرًا قد لا يكون من السهل تحقيقه.

وإذا نظرنا إلى الخريطة الزمنية للعلاقات الدولية، وبالذات خلال القرن العشرين فسوف نجد أنه كان هناك نظامًا دوليًا غير عالمي. فالقوى الدولية الكبيرة، أو المؤثرة، كانت قليلة العدد، وكانت كلها أوروبية. ولم يكن هناك تأثير في حركة العلاقات الدولية لقارات أفريقيا وآسيا، وإلى حد ما أمريكا اللاتينية. وكانت حركة العلاقات، بالأساس، صراعية، سواء فيما بين قوى الاستعمار الكبرى وبلدان العالم الثالث غير المستقلة (أي أنها لم تكن دولاً بعد، أو فيما بين الدول الاستعمارية، نفسها، وبعضها البعض). وهذا النموذج الأخير كان آنذاك، هو الأخطر والأفعل، وكان ذلك  واضحًا في الصراع الأوروبي – الأوروبي الذي قاد العالم إلى أخطر حروب الأرض وأكثرها تدميرًا. وهما الحربان العالميتان الأولى والثانية. وفي مثل ذلك الوضع لم يكن ممكنًا، حتى تخيل تصور وهمي بأن ينشأ هيكل عالمي لإدارة منظومة العلاقات الدولية.

وربما يكون البعض قد ظن بأن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت قد أصبحت أقرب إلى حالة وجود نظام عالمي. فقد أدت تلك الحرب، فيما بين نتائج أخرى، إلى إضعاف القوى الاستعمارية الإمبراطورية، سواء الذين هزموا في تلك الحرب، أو حتى الذين انتصروا فيها. وأدت تلك الحرب، أيضًا إلى فتح أبواب حركة التحرر الوطني في القارات الثلاث غير الأوروبية مما أحدث اتساعًا في نطاق دائرة الحركة الخارجية أمام الكثير من القوى غير الأوروبية. وفي تلك المرحلة نفسها صعدت إلى قمة هيكل القوة في العلاقات الدولية الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي السابق، وكلاهما دول غير أوروبية (الولايات المتحدة)، أو نصف أوروبية (الاتحاد السوفيتي السابق). ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في ديسمبر 1991م، جعل الأمر محسومًا في غير صالح القائلين، آنذاك، بعالمية النظام الدولي. وهنا نصل إلى السؤال عن طبيعة المرحلة الراهنة، وإلى أي حد يوجد بها دلائل على عالمية النظام الدولي. وقبل ذلك، لابد من التأكيد على حقيقة أن انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وتوليد مرحلة الأحادية القطبية كانت منطقيًا ضد النظام العالمي لأنها كانت شبه محكومة بالقطب الواحد.

النظام العالمي: رؤية لاتينية:

خلال العقدين الأخيرين أخذت دول أمريكا اللاتينية تسعى إلى تعزيز نتائج نهضتها الاقتصادية في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ما تزال تعاني من نتائج أزماتها الاقتصادية والمالية وكان ذلك يعني، في أحد أبعاده أنه في الوقت الذي كانت تسعى فيه الدول الغربية، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية، منفردة أو بالتنسيق مع كل أو بعض دول الاتحاد الأوروبي، إلى إدامة القطبية الأمريكية الأحادية، أو بناء عالم جديد فيه تعددية قطبية شكلية كنتيجة لانفراد تلك الدول الغربية القليلة العدد على رأس هيكل النظام الدولي، وبما يحول دون تحول ذلك النظام إلى العالمية، سواء من حيث عدد القوى العظمى والكبرى الأعضاء في النظام الدولي، أو من حيث تضييق الفجوات، أو المسافات التي تفصل بين الكبار وبعضهم البعض، أو بينهم وبين الكيانات الأصغر أو الأقل، أو مراجعة هيكل القوة، ومن ثم هيكل السلطة، وبخاصة فيما بين الكبار والصغار. وبحيث لا يكون هناك سلطة للنقض أو الفيتو في يد عدد محدود من الدول الأعضاء، وذلك مثلاً كما هو الحال داخل مجلس الأمن الدولي، أهم مؤسسات منظمة الأمم المتحدة، التي تعد أبرز مؤسسات النظام الدولي الراهن، والذي يمكن أن يتحول إلى نظام عالمي إذا انتقلت الرؤية والروح العالمية، أو المعولمة، التي تدفع إليها المواقف والسياسات التي تدعو إليها وتساندها دول أمريكا اللاتينية.

وبطبيعة الحال، ما كان يمكن للدول اللاتينية أن تتبنى تلك الفلسفة، أو السياسة ما لم تكن قد أحرزت ما أحرزته من تطور وتقدم اقتصادي وعلمي، ومن ثم سياسي، وبخاصة في العقدين الأخيرين. ومع تلك النهضة الاقتصادية والعلمية ما كان يمكن لدول أمريكا اللاتينية، وبخاصة البرازيل والأرجنتين، أن تحقق الإنجاز المتعلق بتبني سياسات لا تتوقف نتائجها عند داخل كلٍ منها، على أهميته، بل تمتد لتدافع عن مصالح إقليمها اللاتيني، بل وأقاليم أخرى في العالم الثالث، وهو ما يعزز من فرص نجاح سياسات ومواقف تقود إلى عالمية النظام الدولي، وعدم اقتصاره على خدمة مصالح الكبار الأوروبيين أو الغربيين فقط. وبالطبع لن يتحقق مثل ذلك الهدف إلاَّ بصياغة هيكل قوة عالمي جديد، ليس فقط فيما يتعلق بالقوة الناعمة ولكن أيضًا في القوة الصلبة، أو القوة الذكية التي تجمع بينهما.

وقد اتجهت دول أمريكا اللاتينية إلى تبني سياسات ومواقف مناهضة لسياسات الهيمنة التي تأخذ بها دول كبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أو مؤسسات اقتصادية دولية مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وهو ما يعني أن دول أمريكا اللاتينية تضع مصلحة شعوبها أمامها، وبعيدًا عن نفوذ وتأثيرات القوى الخارجية. وكان التكامل هدفًا استراتيجيًا لدول أمريكا اللاتينية، وبخاصة في العقدين الأخيرين، ولذلك، وقعت تلك الدول العديد من الاتفاقيات الثنائية التي تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، وفي هذا السياق، وقعت البرازيل وفنزويلا 26 اتفاق تعاون وتكامل في مجالات الدفاع والطاقة والتعدين، كما وقعت 12 دولة على الاتفاق التأسيسي لاتحاد بلدان أمريكا الجنوبية "يوناسور" الذي يعمل على تحقيق التكامل بين البرازيل والأرجنتين، وفنزويلا، وتشيلي، وأوروجواي، وباراجواي، وبوليفيا، والإكوادور، وكولومبيا، وجويانا، وبيرو، وسورينام. وهذا الاتفاق يعني أن دول أمريكا اللاتينية تبتعد عن سياسة التبعية للولايات المتحدة الأمريكية إلى سياسة تضمن تحقق عالمية النظام الذي تتم فيه إدارة الشؤون الخارجية على نطاق عالمي لا سيطرة فيه لأحد، وإنما لمجموع مصالح الدول الأعضاء في ذلك النظام، بما فيهم دول أمريكا اللاتينية التي أدركت حقيقة أن نظام العلاقات الخارجية لا يمكن أن يتحول إلى العالمية إلاَّ عندما تضيق فجوات أو مسافات القوة بين الشعوب والدول بحيث لا تسيطر دولة واحدة، أو قطب واحد، أو دولتان، أو قطبان، أو عدد قليل من الدول القوية على حركة العلاقات الخارجية. وذلك هو ما فهمته دول أمريكا اللاتينية وأدركته، فأخذها ذلك إلى طريق العالمية في النظر إلى حركة النظام "الدولي".

وما كان يمكن أن يتحقق ذلك إلاَّ بنجاح البرازيل ودول أمريكا اللاتينية المهمة الأخرى في تجنب آثار الأزمة المالية والاقتصادية التي أثرت سلبًا على الاقتصاد الأمريكي، واقتصادات عدد من دول أوروبا الغربية، فبدأت المسافة في القوة الاقتصادية تضيق بين الطرفين، بما يساعد على التحرك نحو عالمية النظام الدولي. وما كان يمكن أن يحدث تحرك نحو عالمية النظام الدولي إلاَّ بتوسيع نطاق علاقاته، من خلال زيادة عدد الدول الأطراف الفاعلة، وهو ما سبق عرضه. وليس ذلك فقط، وإنما بقدرة دول مثل الدول اللاتينية لبناء سياسي داخلي سليم وقوي بإتباع سياسات اقتصادية وثقافية وسياسية تحقق ذلك الهدف، وتقوي تلك الدول وتنهي مرحلة الهيمنة الأمريكية.

وحتى يتحقق هدف العالمية بما يعنيه من زيادة عدد الدول القوية، وبناء كيان عالمي عابر للقارات لدول مهمة خارج النطاق الغربي الأوروبي الأمريكي اتجهت أمريكا اللاتينية ممثلة في البرازيل، وأوراسيا ممثلة في روسيا الاتحادية، وآسيا ممثلة في الهند والصين، وإفريقيا ممثلة في جنوب إفريقيا إلى بناء كيان تعاون عالمي باسم البريكس B.R.I.C.S، وهو بنيان مؤسسي سياسي عابر للقارات.

وبطبيعة الحال، كانت عملية إعادة بناء الداخل اقتصاديًا وسياسيًا في الداخل اللاتيني عنصرًا مهمًا وأساسيًا في نجاح التجربة اللاتينية في دفع العلاقات الخارجية نحو العالمية. وعند هذه النقطة نتوقف لننظر فيما إذا كان ثمة رؤية خليجية لنظام عالمي جديد من عدمه وما إذا كانت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو المجلس ذاته، يمتلكون رؤية واضحة المعالم والحدود في هذا السياق، وما إذا كان ممكنًا اتخاذ خطوات عملية في ذلك السياق.

النظام العالمي: رؤية خليجية:

يضم مجلس التعاون لدول الخليج العربية ست دول عربية خليجية هي المملكة العربية السعودية، الكويت، سلطنة عمان، الإمارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، وقطر. وقد أنشئ المجلس ليخدم كمؤسسة تعاون، كما يدل على ذلك اسمه. ثم حاولت دوله الأعضاء أن تنتقل به إلى مستوى أعلى لتحقيق التكامل بين دوله، اقتصاديًا، وربما أيضًا عسكريًا، أو دفاعيًا، من خلال تشكيل قوة درع الجزيرة. ولكن تلك القوة كانت صغيرة الحجم جدًا، عند تأسيسها بما لا يسمح لها بخوض عمليات كبيرة، أو تحقيق أهداف فعالة. وفي ضوء الخبرات العملية التي تؤكد صحة ما ذكرته الكلمات والسطور الماضية، تم زيادة حجم قوات درع الجزيرة بما يمكنها من تحقيق أهداف إقليمية، لكن من دون أن تصل إلى المستوى الذي يصعد بها إلى مستوى العالمية.

ويعني ذلك أن قدرة مجلس التعاون الخليجي على بناء أو المشاركة في بنيان عسكري عالمي هي قدرة محدودة للغاية. صحيح أن السعودية والإمارات وسعتا حجم قدراتهما العسكرية، وتشاركان، بأدوات ومستويات مختلفة في أنشطة عسكرية، بالذات في مجال مكافحة الإرهاب الدولي، ولكنهما تحتاجان إلى مزيد من الوقت والمال والخبرة لتحقيق هدفها الرامي إلى الانتصار على الإرهاب. ومن ناحية ثانية، فإن احتمالات وإمكانيات تعاونهما مع قوى عالمية عسكرية هي ما تزال احتمالات محدودة، ولو نسبياً، لتركيزها، تاريخيًا، على التعاون مع قوى الغرب عسكريًا، لأنها هي التي كانت هناك كقوى عسكرية عالمية، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية. هذا في الوقت الذي كانت القوى العالمية الأخرى، وبالذات الاتحاد السوفيتي السابق بعيدة عن منطقة الخليج العربي، أو موجودة ومتعاونة، أو متحالفة لبعض تلك القوى العسكرية العالمية مع قوى إقليمية معادية لدول الخليج العربية، أو لمعظمها، وبالذات إيران.

والأهم من كل ذلك أن المنطقة العسكرية المركزية الأمريكية Central Command توجد قيادتها في الداخل الأمريكي في مدينة تمبا بولاية فلوريدا في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، بينما توجد قيادتها العسكرية العالمية في العديد والسولية بدولة قطر "الخليجية"، وهو ما يعنى أنه من الصعب تصور حدوث تحول إلى العالمية في ذلك السياق المتعلق بالقوة العسكرية، ومدى عالميتها، وذلك لانفراد عدد محدود من دول الغرب، بالإضافة إلى الصين والهند بامتلاكها وتطويرها وإنتاجها، واستخدامها للحرب أو للردع.

أما في شأن القوة الاقتصادية فإن التحول إلى عالمية النظام الدولي هو أمر وارد، وبنسب، أو معدلات أعلى كثيرًا، وهو ما يجعل الرؤية الخليجية، في هذا المجال، أوضح وأكثر قابلية للتنفيذ والنفاذ. ففي ذلك الإطار الاقتصادي العالمي يزداد عدد الأقطاب الاقتصاديين ومن ناحية أخرى، فإن هذه القوى الاقتصادية العالمية لا تنتمي فقط إلى الغرب الأمريكي أو الأوروبي، وإنما تمتد إلى آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا.

وفي حالة مجلس التعاون الخليجي، فإن دوله تنتج وتصدر نصف نفط العالم، وتمتلك 25% من احتياطيات العالم النفطية. وعلى المستوى المؤسسي، فإن الأوبك O.P.E.C ما تزال تمثل أهم إطار منتج للنفط عالميًا، ولكن ثمة تطور يصل إلى حد التحول في مجال إنتاج وتصدير أهم مصادر الطاقة، عالميًا، حتى الآن، فقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تقود عملية دولية، أو عالمية، أدت إلى هبوط شديد في سعر برميل النفط من أكثر من 150 دولار للبرميل إلى أقل من 30 دولار للبرميل، وهو يعني آثارًا ونتائج خطيرة بالنسبة لكبار مصدري النفط في العالم، وبخاصة روسيا ودول الخليج العربية. وكان وراء ذلك عوامل مهمة منها زيادة هائلة في المخزون الأمريكي، أو الاحتياطي، إلى معدلات تجعل من الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مالكة لأكبر قدر من احتياطي النفط والغاز الطبيعي، وهو ما يمكن أن يصعد بها إلى المركز الأول بين منتجي هذين المصدرين الأهم في مجال الطاقة التقليدية، وهو ما يمكن أن يغير بشكل جوهري من خريطة النظام الدولي، وما يمكن أن يعود بالبشرية إلى حالة، أو نموذج النظام اللاعالمي.

وفي المقابل ما تزال روسيا من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط والغاز الطبيعي.

ورغم هذا التحول الخطير الناتج عن انخفاض سعر النفط وانعكاساته، فإن ثمة إمكانية للتنسيق، خليجيًا مع الدول الآسيوية المستوردة للنفط، وبالذات الصين والهند، وربما باكستان وماليزيا بما يقلل من الآثار السلبية المتعلقة بسياسات الطاقة والتي سبق ذكرها.

وهنا لا يجب أن يتوقف الأمر عند قضية الطاقة فقط عند التعامل مع القوى الآسيوية واللاتينية والإفريقية، بل يجب توسيع نطاق التعاون ليشمل كل مجالات العلاقات الدولية، خصوصًا أن لدى الصين مشروع سيكون، إذا اكتمل وتم تنفيذه بفاعلية، أهم وأكبر مشاريع القرن الواحد والعشرين، وهو مشروع طريق الحرير الجديد، ويستلزم ذلك أن تبدأ دول الخليج العربية، في توسيع نطاق علاقاتها لتضم شبكة علاقات عالمية مع دول ومنظمات وتكتلات دولية فاعلة إلى الحد الذي يجعلها قادرة على التأثير على حركة العلاقات الخارجية لتتحول من الدولية الإقليمية إلى العالمية. وبقدر ما يمثل مثل هذا التفكير من تحدٍ بقدر ما يمكن أن يعطي فرصة تاريخية للمشاركة في حركة تحول النظام الدولي إلى العالمية. 

مجلة آراء حول الخليج