; logged out
الرئيسية / التوجه شرقًا .. التطلعات والنتائج

العدد 111

التوجه شرقًا .. التطلعات والنتائج

الإثنين، 05 أيلول/سبتمبر 2016

شهدت الألفية الثالثة العديد من مظاهر التغير على الساحة الدولية بشقيها السياسي والاقتصادي وتبع ذلك التغير في موازين القوى العسكرية ومن ثم النفوذ والتأثير الدولي والإقليمي، وكانت منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، والمنطقة العربية على وجه الخصوص الأكثر تأثرًا بهذه المتغيرات التي كان بعضها مفاجئًا وبعضها متوقعًا.

وأدت هذه المتغيرات في مجملها إلى ظهور تكتلات اقتصادية جديدة واكتسبت هذه التكتلات أهمية سياسة وزاد تأثيرها على اتخاذ القرار الدولي ؛ حتى وإن لم تكن مشاركة في اتخاذه بصفة مباشرة، فقد أصبحت القوى العظمى تراعي هذه التوازنات وتتحرك حسب قوة تأثيرها الحالي والمتوقع، ومن ثم أصبحت القضايا العربية تقع تحت تأثير أو تدور في فلك جاذبية هذه التوازنات.

شهدت تلك المرحلة بروز دور قوى ناشئة في شرق آسيا بصفة خاصة وهناك رهانات كثيرة على دور هذه الدول المستقبلي خاصة الهند، إضافة إلى الصين وكذلك بعض الدول ذات المزايا المعروفة والإمكانيات الكبيرة في مجالات أخرى، ويأتي ذلك في مرحلة تشهد تغير في التحالفات التي سادت العالم منذ منتصف القرن العشرين أو بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية، وجاء ذلك تبعًا لتغير أدوار الدول على الساحة الدولية وإن كان الاقتصاد هو المحرك الرئيس ثم يتبعه النفوذ.

الدول العربية من جهتها، ترتبط بعلاقات اقتصادية ومصالح متعاظمة مع هذه القوى الصاعدة سواء في شرق آسيا أو أمريكا أو في إفريقيا، وإن كانت المبادلات التجارية بين الدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي مع هذه القوى الصاعدة سبقت المجالات الأخرى حيث يعتبر  النفط هو مفتاح هذه العلاقات باعتبار أن القوى الصاعدة في حاجة إلى نفط الخليج كأحد أهم أدوات التنمية لديها، إضافة إلى حاجتها إلى الأسواق الخليجية الكبيرة، وفي المقابل أبدت دول مجلس التعاون الخليجي اهتمامًا متزايدًا بهذه الدول في ظل تعاظم المصالح وسقوط الأيدلوجيات التي كانت تحكم العلاقات الدولية حتى فترة سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار سور برلين، وتجلى الاهتمام العربي والخليجي بهذه الدول في زيادة حجم المبادلات التجارية وفي الزيارات الرسمية المتبادلة بين كبار المسؤولين من الجانبين والتي تمخضت عن إبرام اتفاقيات وتوقيع مذكرات تفاهم هامة .

ومع ذلك يظل تفعيل الشراكات بين الدول العربية والقوى الصاعدة في جنوب شرق آسيا في غاية الأهمية لأسباب كثيرة منها القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية وتداخل المصالح والاشتراك في التحديات والمخاطر ومنها الإرهاب وتداعيات الأزمات الاقتصادية والحروب الإقليمية , خاصة الحروب الأهلية والصراعات الطائفية والمذهبية، إضافة إلى كونها من الدول النامية ودول الجنوب التي تشترك في سمات كثيرة، إضافة إلى كون تفعيل هذه الشراكات لا يأتي على حساب استقلال وسيادة هذه الدول، أو على حساب العلاقات التقليدية مع بقية دول العالم أو القوى الكبرى التقليدية.

ولعل من مكاسب تفعيل الشراكة مع الهند على سبيل المثال توطين التكنولوجيا والاستفادة منها في قطاع الصناعة والالكترونيات في دول المنطقة العربية والخليجية ؛ حيث قطعت دولة مثل الهند شوطًا كبيرًا في هذا المجال، إضافة إلى الاستثمارات الزراعية التي تحتاجها دول الخليج في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، لكن يظل تحقيق ذلك يتطلب وضع رؤية استراتيجية لتنويع سلة العلاقات الدولية والإقليمية انطلاقًا من المصالح الوطنية والجماعية تعتمد على تعظيم الفوائد والمكاسب ومحاصرة التحديات والمخاطر ، ووفقًا للمتغيرات التي طرأت على المنطقة والعالم، ومن أجل إرساء قواعد راسخة تفيد في إعادة توازن القوى في المنطقة ومواجهة بوادر الخلل في هذا التوازن الذي يتمثل في تنامي الدور الإيراني وتقهقر الدور الدولي في استقرار المنطقة , خاصة مع التوجهات الأمريكية الجديدة التي ترمي إلى تخفيف المشاركة في الأمن الإقليمي، بل منح حوافز لقوى أخرى لا تعمل على استقرار المنطقة.

لذلك من المهم أن يكون إرساء الشراكة مع القوى الصاعدة قائم على رؤية جماعية تحت مظلة جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي وفي إطار نظرة مستقبلية تحكمها المصالح والاحتياجات وتأخذ في اعتبارها المتغيرات الإقليمية والدولية والمزايا النسبية لكل الأطراف، وأن تكون وفقًا لعلاقات دولية تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض الطائفية والمذهبية والتطرف والإرهاب حتى تكون الاستفادة جماعية من التكتلات الكبرى التي بزغت في شرق آسيا ودول أمريكا اللاتينية وإفريقيا وغيرها، وعليه يجب أن يكون للدول العربية ودول الاقتصادات الناشئة دورًا يتناسب مع حجمها خاصة في حل قضاياها دون ارتهانها للإرادة الدولية والقوى الكبرى التقليدية بمفردها.

مقالات لنفس الكاتب