array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 112

مضيق باب المندب: نقطة تماس استراتيجي للأمن الخليجي الإفريقي منتدى للأمن الإقليمي وتكامل الجهود لنزع فتيل الأزمات

الثلاثاء، 04 تشرين1/أكتوير 2016

ازداد الحديث عن أمن الممرات البحرية خلال السنوات الأخيرة في ظل المواجهات مع الجماعات الإرهابية في البر الأمر الذي دفعها لاستهداف ممرات بحرية تمثل شرايين رئيسية لحركة التجارة العالمية، إذ يمر ما يقرب من ثلثي إنتاج النفط في العالم و90% من التجارة العالمية عبر المضائق ومنها مضيق باب المندب، فعلى الرغم من كونه أحد ستة ممرات حيوية في العالم  فإن تعطيل الملاحة به يعني توقف العمل في ممرات أخرى ومنها قناة السويس، وفي الوقت ذاته فإن أهمية المضيق تكمن في بقاء مضيق هرمز وقناة السويس متاحتين للملاحة، أي أن العلاقة بين الممرات الثلاثة يحكمها الاعتماد المتبادل، وفي الوقت الذي تزداد فيه حركة التجارة العالمية عبر البحار فإن ذلك يتزامن مع زيادة الإرهاب البحري على نحو ملحوظ، ويثير ذلك تساؤلات أربعة:

الأول: ما هي الأهمية التجارية والاستراتيجية والوضع القانوني لمضيق باب المندب؟

الثاني ما هي أبرز التهديدات التي تواجه حركة الملاحة في المضيق؟ الثالث: ما هي آليات تأمين الملاحة في مضيق باب المندب؟

 الرابع: هل هناك مقترحات أمنية لتحقيق الترابط الاستراتيجي بين أمن الخليج العربي وأمن الدول الإفريقية؟

أولاً: الأهمية التجارية والاستراتيجية لمضيق باب المندب:

 جغرافيًا: يقع المضيق بين اليمن في آسيا وجيبوتي في إفريقيا وأدى وقوع جزيرة بريم اليمنية وسط المضيق إلى فصله لقناتين الشرقية ويبلغ عرضها حوالي 3 كم وعمقها حوالي 30 م، أما القناة الغربية والتي تقع بين جزيرة بريم اليمنية والسواحل الإفريقية فيبلغ عرضها حوالي 25 كم وبعمق يصل إلى 310م الأمر الذي يتيح لكافة السفن وناقلات النفط العملاقة العبور بسهولة من خلال المحورين المتعاكسين، إلا أنه في الوقت ذاته يمثل منفذًا مهمًا  لجميع الدول التي لديها واجهات بحرية على البحر الأحمر وهي "إريتريا، السودان، مصر، إسرائيل، الأردن، والمملكة العربية السعودية" حيث أن تلك الدول لن يكون بإمكانها الوصول إلى خليج عدن والمحيط الهندي سوى من خلال عبور المضيق.

وقانونيًا: تنظم عمل المضيق اتفاقية الأمم لمتحدة لقانون البحار الصادرة عام 1982م، وتتضمن تعريفًا محددًا لأنواع المضائق الدولية، ووفقًا للمادة (122) من هذه الاتفاقية والتي تعرف مفهوم البحار شبه المغلقة وهو ما ينطبق على البحر الأحمر الذي يتصل بالمضيق فإن هناك حقوق والتزامات على الدولة المعنية التي يقع المحيط في أراضيها وهي اليمن ويعني ذلك أنه حال تهديد الملاحة في المضيق على نحو خطير فإنه ستكون هناك تدخلات دولية وفق قرارات أممية باعتباره ممرًا دوليًا، إلا أن المشكلة لا تكمن في الاتفاقية ذاتها بل في أن هناك بعض الدول التي تشاطئ المضيق لم تقرها بعد، فضلاً عن وجود خلافات فيما بينها ومنها النزاع بين اليمن وإريتريا حول ملكية عدد من الجزر التي تقع جنوب البحر الأحمر.

استراتيجيًا: يشكل المضيق الضلع الثالث من المثلث الاستراتيجي الذي يضم بالإضافة للمضيق قناة السويس ومضيق هرمز اللذان يمنحان مضيق باب المندب أهمية طالما ظلا ممران متاحان للتجارة العالمية كما أنه في حال تعطيل  الملاحة في ذلك المضيق نتيجة أزمة ما فإن ذلك يعني عدم قدرة السفن على الوصول إلى قناة السويسأو خليج عدن والمحيط الهندي، وبالتالي يحدث" حالة اختناق بحري واسعة المدى" بما يمكن معه القول أن مضيق باب المندب يمثل نموذجًا واضحًا لالتقاء وتشابك الأمن الإقليمي مع العالمي، حيث يعد نقطة تماس استراتيجي تربط بين أمن الخليج وأمن إفريقيا من خلال التقاء المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، ويربط غرب وشرق آسيا بالقارة الإفريقية، كما يربط آسيا بأوروبا عبر البحر المتوسط.

تجاريًا: يكتسب المضيق أهمية بالغة بالنسبة لعدد السفن التي تعبره سنويًا وهي حوالي 25  ألف سفينة بما يمثل 7% من الملاحة العالمية و كما يتم من خلاله نقل 4 ملايين برميل من النفط  يوميًا إلى أوروبا و أمريكا وآسيا، فوفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية فقد تضاعف حجم تجارة المنتجات البترولية والنفط الخام التي تعبر المضيق من 2,7 مليون برميل يوميًا عام 2010م، ليبلغ 4,7 مليون برميل يوميًا عام 2014م، ويعد المضيق أحد أهم ثلاثة مضائق عالمية إلى جانب كل من مضيق هرمز ومضيق ملقا، وبوجه عام يمر عبر المضيق نحو 40% من المعروض النفطي العلمي.

  ثانيًا: التهديدات التي تواجه الملاحة في المضيق:

1-             الصراع الإقليمي:

نادرة الدراسات الجيوبوليتيكة التي تناولت تأثير الموقع الجغرافي على سياسات الدول، وحظيت تلك القضية باهتمام  كبير في الدول الغربية منها ما كتبه العالم الجغرافي هالفورد ماكيندر حول "نظرية قلب العالم" وكذلك ألفريد ماهان الذي كتب عدة مؤلفات حول" القوة البحرية " و استكمل الكاتب الأمريكي روبرت كابلان ذلك الاهتمام وألف العديد من الكتب كان مضمونها دراسة تأثير الموقع الجغرافي للدولة  على سياستها الخارجية وكانت خلاصة تلك المساهمات هي أن الدول البحرية دائما ما يكون لديها ميزة استراتيجية سواء باستغلال موقعها الجغرافي أو توظيف الجغرافيا في سياستها الخارجية، عكس الدول الحبيسة، وضمن هذا الإطار يمكن تفسير السياسة الإيرانية التي تسعى لوضع منطقة الخليج العربي بين شقي رحى وهما مضيق هرمز شمالاً و مضيق باب المندب جنوبًا تطبيقًا لنظرية "شد الأطراف" وصاحب تلك النظرية هو ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل عام 1949م، ومضمونها حتمية تغلغل إسرائيل في الدول المحيطة بالعالم العربي وقد تمت صياغة تلك النظرية للإجابة عن تساؤل مصيري يواجه الدول الناشئة في حينه حيث يقول "كيف يمكن لشعب قليل العدد يعيش في دولة صغيرة المساحة محدودة الموارد محاطة بكثرة عددية "ويضيف "نحن لا نملك القدرة على الدخول في مجابهة جبهوية مع كل الدول العربية لكننا نملك الخيارات الأخرى لإضعاف تلك الدول واستنزاف طاقتها وقدرتها من خلال علاقتها مع دول الجوار أو الجماعات والأقليات العرقية والطائفية التي تعيش على التخوم" ويلاحظ أن إيران تسعى لتطبيق النظرية ذاتها فهي لا تدخل في مواجهات مباشرة مع دول مجلس التعاون ولكن تعمل على جعل محيطها الإقليمي" سوريا، العراق، اليمن" في حالة من التوتر المزمن مما يفسر حرص إيران على دعم الحوثيين من خلال عمليات تهريب الأسلحة عبر السواحل اليمنية على البحر الأحمر وخليج عدن والتي تبلغ 1900 كم، بالإضافة إلى تأكيد العديد من المصادر قيام إيران باستئجار عدة جزر في إريتريا كنقاط ارتكاز ومنطلق لدعم الحوثيين، تلك السياسات تمثل تهديدًا ليس فقط للملاحة في المضيق وإنما لتوازن القوى حيث أنه في حال تمكن أي قوة من السيطرة على ذلك المضيق فإن ذلك سوف يعني تغير جوهري في ميزان القوى الإقليمي، ففي أعقاب سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014م، تمكنوا من نقل صواريخ باليستية بعيدة المدى إلى معسكر ببعد 10 كم عن مضيق باب المندب وهو مؤشر يعكس سعي إيران لتغيير موازين القوى الإقليمية، من ناحية ثانية يعد المضيق مجالاً آخرًا من مجالات الصراع العربي- الإسرائيلي حيث بدأت إسرائيل بتعزيز نفوذها في المضيق من خلال تأسيس علاقات مع كل من جيبوتي وإثيوبيا، والجدير بالذكر أن اليمن قام بإغلاق ذلك المضيق أمام الملاحة الإسرائيلية خلال حرب عام 1973م، لوقف الملاحة من وإلى ميناء إيلات، كما أثارت إسرائيل مقترح وضع جزيرة بريم "التي تتبع اليمن الآن" أو باب المندب تحت أي مسمى من مسميات السيادة الدولية وهو الاقتراح الذي لم يلق أي تأييد من الأطراف الإقليمية أو الدولية.   

2-الإرهاب البحري والقرصنة:

 في ظل شيوع ظاهرة المبايعات لفروع الجماعات الإرهابية فإن المخاطر التي تهدد الملاحة في مضيق باب المندب لا تكمن في تلك الجماعات والتي تتواجد في شبه الجزيرة العربية والقرن الإفريقي بل أن قيام تحالف بين تلك الجماعات على ضفتي المضيق يظل احتمالاً قائمًا، فضلاً عن إمكانية بدء هذه الجماعات العبور إلى شبه الجزيرة العربية، وهي استراتيجية تنتهجها الجماعات الإرهابية عمومًا ومفادها البحث عن جبهات جديدة على غرار انتقال العديد من أفراد داعش إلى ليبيا، وهو ما سيكون تحديًا أمنيًا هائلًا لاسيما وأن السواحل اليمنية شهدت حوادث إرهابية منها قيام تنظيم القاعدة بتفجير المدمرة الأمريكية كول عام 2000م، فضلاً عن استهداف التنظيم ناقلة نفط فرنسية في خليج عدن جنوب باب المندب.

كما تعد القرصنة تحديًا للملاحة في مضيق باب المندب وتتحمل  شركات الشحن أعباءً مالية إضافية لزيادة التأمين على السفن والأفراد، فضلاً عن خسائر عمليات اختطاف السفن ويعيد ذلك إلى الأذهان حادثة اختطاف ناقلة النفط السعودية العملاقة عام 2008م، بالقرب من السواحل الكينية وطالب المختطفون بفدية مقدراها 25 مليون دولار، وتكمن الخطورة في ظهور تحالف بين عصابات القرصنة والجماعات الإرهابية، حيث تشير تقارير إلى أن حركة الشباب التابعة للقاعدة في الصومال تحصل على نسبة ما بين 20% -25% من المكاسب التي يجنيها القراصنة الصوماليون مقابل منحهم الحرية في العمل قرب السواحل الصومالية، وإزاء تلك التهديدات فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قرارات مهمة للحد من القرصنة خلال الفترة من عامي2008م،  وحتى 2012م، أهمها القرار رقم 1861 الذي طالب الدول والمنظمات المختلفة إرسال قوات بحرية إلى المياه المحاذية سواحل الصومال وامتداداتها غرب المحيط الهندي لمكافحته، ووفقًا لهذا القرار أرسلت عدة دول منها الهند والصين وروسيا وأمريكا سفنًا حربية وكذلك حلف الناتو الذي أرسل سفنًا- للمرة الأولى- للمساهمة في التصدي للقرصنة. 

ثالثًا: آليات حماية الملاحة في باب المندب:

 لم تكن التطورات التي يشهدها كل من اليمن والقرن الإفريقي منشأة للاهتمام الإقليمي والدولي بحماية مضيق باب المندب وضمان استمرار الملاحة لكنها كانت كاشفة لحجم ذلك الاهتمام، فعلى المستوى الدولي توجد بالقرب من المضيق قطع بحرية عالية التسليح تتبع عدة دول وذلك وفقًا للقرار الأممي المشار إليه، الذي نص للمرة الأولى على دور لحلف "الناتو" ضمن تلك الجهود، فضلاً عن أن أمن المضيق حظي باهتمام من جانب أمريكا بشكل خاص ليس لكونه ممرًا تجاريًا حيويًا فحسب، بل لأن الاهتمام جاء ضمن الجهود الأمريكية للتصدي للإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، لذلك أنشأت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في جيبوتي وتمثل قيادة القوات الأمريكية في القرن الإفريقي، بالإضافة إلى حرص واشنطن على إجراء مناورات بحرية بالقرب من المضيق كرسالة ردع سواء للدول أو الجماعات التي لديها قناعة بتهديد الملاحة في المضيق ، ومن ثم أجرت أمريكا مناورات بحرية في إبريل 2016م، بعنوان" التدريب العالمي المشترك المضاد للألغام" بمشاركة 36 دولة في الخليج العربي ومضيق هرمز وبحر العرب وخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس"، فضلاً عن تأكيد قائد القوات الأمريكية في المنطقة الوسطى الجنرال لويد أوستن في شهادته أمام الكونجرس في مارس 2015م، "أن الجيش الأمريكي سوف يعمل مع شركاء واشنطن في الخليج وأوروبا لتأمين مضيق باب المندب الاستراتيجي وإبقائه مفتوحًا للملاحة التجارية"

ومن جانبها، صاغت الصين استراتيجية " عقد اللؤلؤ" لتأمين إمدادات النفط تعتمد على منشآت عسكرية وعلاقات دبلوماسية على طول خط الإمدادات وتمتد من سواحل الصين مرورًا بالمسطحات المائية لبحر الصين الجنوبي ومضيق ملقا عبر المحيط الهندي وبحر العرب وصولاً إلى السودان، فضلاً عن إعلان الصين عن إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي في يناير 2016م.

ويعني ما سبق أن هناك إدراك دولي لأهمية المضيق حتى لا يشهد المضيق صراعًا دوليًا بين الأطراف التي لديها مصالح قد تكون متناقضة من شأنها أن تفضي إلى مواجهات تمثل تهديدًا جديدًا للأمن الإقليمي.   

 وعلى المستوى الإقليمي، وانطلاقًا من أن أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي جزءً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري فقد أعلنت مصر إرسال قطع بحرية لتأمين الملاحة في المضيق بعد أعقاب الانقلاب  الحوثي، وهو الأمر الذي أكده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالقول" إن حماية مضيق باب المندب أولوية قصوى من أولويات الأمن القومي المصري" وهو المعنى ذاته الذي أشار إليه الفريق أسامة الجندي قائد القوات البحرية المصرية بالقول"" إن مصر تتابع الموقف في اليمن بشكل يومي وإن أي خطورة على الأمن القومي المصري سوف يتم التعامل معها  طبقًا للموقف ".

 أما دول مجلس التعاون فلم تكن ببعيدة عن حماية الملاحة في ذلك المضيق سواء من خلال قرار التدخل العسكري في اليمن للحيلولة دون سعي الحوثيين للسيطرة على ذلك المضيق، أو بإقرار قادة دول المجلس إنشاء قوة بحرية مشتركة خلال قمة الدوحة 2014 م، "قوات الواجب البحري الموحد81" على غرار قوات "درع الجزيرة" كخطوة استباقية لإمكانية شن الجماعات الإرهابية هجمات عبر البحر، من المهم الإشارة إلى أن عدد تلك القوة لم يحدد بل يظل مرتهنًا بمستوى التهديد الخارجي للأمن البحري بما يمنحها المرونة والقدرة على مواجهة تلك التهديدات، والجدير بالذكر أنه تلى ذلك تأسيس مركز العمليات البحرية الخليجي الموحد ومقره البحرين، بالإضافة إلى حرص دول المجلس على إجراء التمرينات البحرية المشتركة ومنها التمرين البحري المشترك للقوات البحرية الخليجية" اتحاد 18" بهدف زيادة كفاءتها القتالية، فضلاً عن تنويع التعاون البحري مع الدول الصاعدة ومنها الهند ومن ذلك زيارة ثلاث سفن حربية للبحرين خلال إبريل ومايو 2016م.    

ومع أهمية هذه الجهودفإنه في ظل طبيعة التحديات الأمنية بشكل متسارع وعلى نحو خاص أساليب عمل الجماعات الإرهابية التي تسعى لاستهداف الممرات البحرية فإنه لا مناص من التعاون الإقليمي – الإقليمي، والإقليمي-العالمي لتأمين هذا الممر الحيوي وتجدر الإشارة إلى جهود قوات التحالف العسكرية ومقرها البحرين والتي تضم 27 دولة ولها ثلاث مهام الأولى القوة 150 وتختص بالأمن الملاحي ومكافحة الإرهاب، والثانية القوة 151 وتهدف إلى مكافحة القرصنة، بينما القوة الثالثة وهي 152 فهدفها التعاون بشأن أمن الخليج العربي، وتعمل تلك القوى تحت ائتلاف واحد وتستهدف مراقبة السفن وفحصها والإنزال عليها والسماح بالمرور أو إيقاف الشحنات المشتبه بها في بحر العرب والمحيط الهندي من أجل تحقيق الأمن البحري، ويمكن البناء على تلك الجهود من أجل إيجاد أطر أكبر للتعاون البحري بالنظر إلى تنامي أهمية المضائق البحرية.

 من ناحية ثانية، يمكن الاستفادة من تجارب منظمات دولية ومنها قوات المسعى النشط وهي عبارة عن دوريات بحرية أنشأها حلف الناتو في البحر المتوسط وتضطلع بمهمة تفتيش السفن التي يشتبه بأنها تحمل جماعات إرهابية أو تجارة غير مشروعة كالمخدرات والأسلحة.

 من ناحية ثالثة، تعد المناورات البحرية أحد أهم الآليات لتأمين الممرات البحرية الحيوية لكون المناورة رسالة ردع مباشرة سواء للدول أو الجماعات دون الدول التي تمثل تهديدًا لتلك الممرات سواء بين دول مجلس التعاون أو بين تلك الدول والدول العربية المحورية ومنها مصر والأردن أو تلك المناورات التي تجمع بين الدول العربية ونظيرتها الغربية بما يحقق بناء الكفاءات واختبار أحدث التقنيات المتاحة وتعزيز الشراكة فيما بين تلك الدول ضمن الالتزام بقواعد وقوانين الملاحة الدولية المعمول بها.

من ناحية رابعة، وفي ظل وجود الحرس الثوري الإيراني في إريتريا فإن هناك أهمية للحد من النفوذ الإيراني في الساحل الإفريقي ولعل قرار المملكة العربية السعودية إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي يعد تطورًا مهمًا ليس فقط لتأمين مضيق باب المندب وإنما لنقل خطوط الدفاع عن الأمن القومي للمملكة ودول مجلس التعاون عمومًا خارج نطاق الأزمة اليمنية.           

رابعًا: مقترحات أمنية لتحقيق الترابط الاستراتيجي بين أمن الخليج وأمن الدول الإفريقية:

على الرغم من أن أمن الممرات البحرية يعد مسؤولية مباشرة للدولة التي تقع فيها الممرات فإنه يعد أيضًا مسؤولية الدول المعنية على المستويين الإقليمي والعالمي بما يعني أنه يجب أن تكون هناك صيغًا أمنية تعاونية بين الدول المطلة على تلك المضائق والمعنية بها بما يحقق الأمن الإقليمي والعالمي، وفي هذا السياق يمكن اقتراح آليتين:

 الآلية الأولى: تأسيس منتدى للأمن الإقليمي: وفي هذا الإطار يمكن للدول المطلة على البحر الأحمر والمحيط الهندي أن تؤسس منتدى للأمن الإقليمي على غرار التجمعات الأمنية الإقليمية ومنها رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي ورابطة الدول المطلة على المحيط الهندي ،حيث يلاحظ أن تلك المنتديات تتيح لكافة الدول المعنية أن تتمتع بعضويتها سواء أكانت عضوية أصلية أو بصفة مراقب، إذ أن الهدف هو أن يكون هناك إطار جماعي للتشاور بشأن المخاطر والتحديات المشتركة، ويلاحظ أن تلك الدول بالفعل لديها علاقات سياسية واقتصادية متميزة بيد أنها على المستوى الثنائي فحسب،  وتبقى الحاجة لترجمتها على مستوى جماعي في ظل تنامي الاعتماد الإقليمي والعالمي على الممرات البحرية من ناحية وزيادة حدة الصراع والتنافس الدولي على مناطق النفوذ من ناحية ثانية الأمر الذي يتطلب تنسيقًا في ظل التداخل والتشابك بين مصالح الدول.

الآلية الثانية: التكامل بين جهود المنظمات الإقليمية لنزع فتيل الأزمات الإقليمية وتفعيل التعاون الاستخباراتي ضمن آلية تتضمن التنسيق والحوار بين دول مجلس التعاون والاتحاد الإفريقي بشأن الأزمات الإقليمية التي تمثل مخاطر مشتركة لاسيما في كل من اليمن والصومال واللتان تمثلان نقطة تماس استراتيجي بين أمن دول مجلس التعاون وأمن الدول الإفريقية، كما أن كلتا المنظمتين تعبران عن تجربتين مهمتين للأمن الإقليمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة    

مجلة آراء حول الخليج