; logged out
الرئيسية / الشراكة الخليجية ـ الكورية الجنوبية: المقومات والدوافع

العدد 113

الشراكة الخليجية ـ الكورية الجنوبية: المقومات والدوافع

الأربعاء، 02 تشرين2/نوفمبر 2016

العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وكوريا الجنوبية قديمة , وبدأت بعد انتهاء الحرب الكورية عام 1953م، ثم نشطت هذه العلاقات منذ مطلع ستينيات القرن العشرين، وزاد من توثيق هذه العلاقة عدة عوامل منها التطور الصناعي وزيادة معدلات النمو في كوريا الجنوبية ومن ثم زيادة اعتماد سيئول على الطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي، كما استفادت كوريا من الطفرة الاقتصادية في دول الخليج منذ سبعينيات القرن الماضي التي جعلتها سوقًا استهلاكية ضخمة تستوعب المنتجات القادمة من كوريا و دول جنوب شرق آسيا، وسهل من هذا التعاون انتهاج سيئول سياسة السوق المفتوح والاقتصاد الرأسمالي الحر ، كما ارتبطت بعلاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب الكورية، في حين اختارت جارتها الشمالية النهج الاشتراكي الشيوعي بعد انتهاء الحرب الكورية ,واقتربت من الصين والاتحاد السوفيتي. هذا التوجه الاقتصادي والايدولوجي سهل على كوريا الجنوبية التعاون الاقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي، وساعد على ذلك الطفرة التنموية والتقدم الذي شهدته كوريا الجنوبية، وعليه فقد نمت العلاقات بين الجانبين بصورة كبيرة وفي وقت قصير نسبيًا.

العلاقات الخليجية ـ الكورية الجنوبية كانت ومازالت تصب في مصلحة الطرفين، وحققت منافع متبادلة جراء اعتماد سيئول على النفط والغاز الخليجي، كما استعانت دول مجلس التعاون بالخبرات الكورية ومن ثم دخلت  كوريا في العديد من المشروعات المهمة بمختلف أنواعها بدول المجلس، وظلت هذه المعادلة تحكم هذه العلاقات طيلة أكثر من نصف قرن مضى، لكن لن تستمر العلاقات هكذا في المستقبل على ضوء الكثير من المتغيرات ومنها انخفاض أسعار النفط، والتوجه السريع نحو الطاقة الجديدة والمتجددة، وتغير أدوات اللعبة الاقتصادية التي سيطرت على الأسواق العالمية منذ منتصف القرن العشرين وحتى الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008م، ثم زادت حدتها خلال العامين الأخيرين بعد انخفاض أسعار النفط، وواكب ذلك تحولات كبرى في منطقة الشرق الأوسط تحديدًا منها الأزمة السورية والتدخل الروسي والإيراني في سوريا، وأيضًا الأزمة في اليمن منذ الانقلاب الحوثي وتطوراته التي مازالت مستمرة ، وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني بين طهران والقوى الكبرى، والانسحاب التدريجي لأمريكا من منطقة الخليج أو تبديل تحالفاتها وسياستها التقليدية  التي بدأت منذ مطلع السبعينيات الميلادية بشكل لا يجد ارتياحًا لدى دول مجلس التعاون، ناهيك عن القضية الفلسطينية، والأوضاع في العراق.

كل ذلك وغيره يتطلب إعادة النظر في حسابات دول مجلس التعاون الخليجي وتوجهاتها نحو الترتيبات المستقبلية على عدة أصعدة سواء العسكرية، أو الاقتصادية، أو السياسية. وهنا يأتي دور كوريا الجنوبية التي تعد شريكًا مناسبًا لدول الخليج كونها دولة استطاعت أن تنفذ تجربة تنموية تكاد تكون نادرة على مستوى الدول الناشئة ؛ولم يستغرق تنفيذها أكثر من 30 سنة بلغت خلالها شأوًا عظيمًا بمقاييس التنمية في العالم، كما إنها تتشابه مع دول الخليج في النمط الاقتصادي، وليس لها ايدولوجيات متناقضة مع دول المنطقة سواء دينية، أو مذهبية، أو قومية، كما إنها ليست على درجة عالية من الوفاق مع إيران والدليل إنها التزمت بتطبيق العقوبات الدولية على طهران وتوقفت عن استيراد النفط الإيراني استجابة للمقاطعة الدولية، إضافة إلى كونها وثيقة الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية بل تحت حمايتها العسكرية وهذا يعني أن الشراكة الخليجية ـ الكورية ستكون تحت سقف واحد، أو في إطار توجه واحد، فليس الاقتراب الخليجي من سيئول معناه على حساب الولايات المتحدة بل الأخيرة طرف فيه.

كما أن التعاون الخليجي ـ الكوري في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية آتى أكله في السنوات الأخيرة، وهذا المجال غاية في الأهمية لأغراض التنمية المستدامة في دول مجلس التعاون، إضافة إلى توطين التكنولوجيا واقتصاديات المعرفة والاستفادة من التجربة الكورية في التدريب والتأهيل ومخرجات التعليم وتنمية الموارد البشرية، كما أن كوريا لديها برنامج طموح ومهم في مجال الصناعات العسكرية الحديثة يجب أن تستفيد منه دول مجلس التعاون في إطار توسيع مصادر السلاح، وتوطين الصناعات العسكرية الحديثة التي تسعى إليه دول المجلس ومن ثم يجب أن تتجه العلاقات الخليجية ـ الكورية إلى نمط الشراكة الاستراتيجية المستقبلية متعددة الاتجاهات.

ولتحقيق هذه الشراكة، يجب على الجانبين الدخول في تفاهمات لتعزيز الاتفاقيات السابقة الموقعة بين دول مجلس التعاون وكوريا الجنوبية، والتأسيس لاتفاقيات جديدة  على أن تكون في إطار صيغة خليجية جماعية وليست مبادرات فردية من دول المجلس، أي تقود الأمانة العامة لدول مجلس التعاون هذا التوجه الخليجي الجماعي، وأن يتم تحديد الأولويات الخليجية والمجالات التي يجب التعاون فيها مع الشريك الكوري، والتركيز على المزايا النسبية لكل دولة خليجية حتى تكون المشروعات الخليجية ـ الكورية تكاملية وليست تنافسية بما يدعم اقتصاديات دول مجلس التعاون مجتمعة، كما يجب التهيئة القانونية وتحسين مناخ الاستثمار في دول مجلس التعاون لجذب المزيد من الاستثمارات الكورية، وتشجيع القطاع الخاص الكوري من خلال الحوافز للاستثمار بدول مجلس التعاون الخليجي، مع الاستفادة من التجارب الكورية في مجال تطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر ، مع إيجاد فرص للتعاون في إعادة التصنيع أو تجميع المنتجات الكورية بدول مجلس التعاون  وإعادة تصديرها  خاصة أن دول الخليج تتميز بموقعها الجغرافي المهم وقربها من الأسواق العالمية.

إن هذا التعاون الاستراتيجي المنشود بين دول مجلس التعاون وكوريا الجنوبية هو مقصد مهم لتثبيت التوازن في منطقة الخليج العربي وجنوب شرق آسيا، ولتطويق مشاريع إيران التوسعية خاصة أن طهران لها علاقات سرية مع كوريا الشمالية تصب في دعم البرامج النووية الإيرانية، وكذلك لمحاربة الإرهاب، ولتحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة وتوطين الخبرات والصناعات المتقدمة وتحويل العلاقات الثنائية من علاقات بائع ومشتر للطاقة إلى شراكة تخدم الطرفين على المدى المتوسط والطويل. 

مقالات لنفس الكاتب