; logged out
الرئيسية / العلاقات الاقتصادية الكورية ـ الخليجية لم تنعكس على قضايا المنطقة كوريا الجنوبية والقضية الفلسطينية: مواقف إيجابية نظريًا وأقل تأثيرًا عمليًا

العدد 113

العلاقات الاقتصادية الكورية ـ الخليجية لم تنعكس على قضايا المنطقة كوريا الجنوبية والقضية الفلسطينية: مواقف إيجابية نظريًا وأقل تأثيرًا عمليًا

الأربعاء، 02 تشرين2/نوفمبر 2016

تؤكد الدراسة التحليلية والمتابعة المتواصلة لموقف كوريا الجنوبية إزاء الصراع العربي / الإسرائيلي بصفة عامة والقضية الفلسطينية بصفة خاصة أن هناك فجوة كبيرة في طبيعة العلاقات الاقتصادية بين كوريا الجنوبية والدول العربية ومدى انعكاسات هذه العلاقات على موقف كوريا من القضايا العربية ولاسيما القضية العربية المحورية وهي القضية الفلسطينية حيث يمكن القول بأن موقف كوريا الجنوبية من القضية الفلسطينية لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع الدور المأمول منها والذى من المفترض أن تلعبه بما لها من ثقل اقتصادي دولي في منطقة الشرق الأوسط .

*** ولعله من المفارقات التي تلفت الانتباه أن العلاقات الكورية الجنوبية مع إسرائيل بدأت في نفس العام الذى تم فيه إقامة علاقات دبلوماسية بين كوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية (عام 1962م) ولم يسبقها أي دولة عربية سوى مصر بعام واحد فقط (عام 1961م، وبدأت على مستوى العلاقات القنصلية) الأمر الذى يشير إلى أن الدول العربية لم تترك لإسرائيل مساحة زمنية طويلة لتتحرك فيها بمفردها وتوطد علاقاتها مع كوريا الجنوبية بل سارت العلاقات العربية مع كوريا في نفس المسار الزمني مع إسرائيل ليؤكد ذلك أن معضلة الغياب العربي عن الساحة الكورية لم يكن متواجدًا في هذه الحالة .

*** ومن المهم أن نشير إلى أن العلاقات بين الكوريتين الجنوبية والشمالية وطبيعة الصراع القائم بينهما والتوتر القائم في شبه الجزيرة الكورية كان بمثابة أحد العوامل التي طرحت تأثيراتها المختلفة على طبيعة العلاقات الخارجية لكوريا الجنوبية سواء مع الدول العربية أو مع إسرائيل لا سيما في ظل عاملين رئيسيين حيث تمثل العامل الأول في الموقف الأمريكي أساسًا ثم الموقف الدولي الذى اتخذ مواقف مضادة تجاه كوريا الشمالية نتيجة سياساتها المتشددة، أما العامل الثاني فهو ذلك النهج السياسي والعسكري الذى انتهجته كوريا الشمالية بمفردها متحدية المجتمع الدولي مما ساعد على توفير مناخ أفضل أمام إقامة علاقات أكثر عمقًا مع كوريا الجنوبية من جانب الدول العربية والعديد من دول العالم بما في ذلك  إسرائيل .

*** ولا يمكن لنا ونحن نتحدث عن مواقف كوريا الجنوبية تجاه الصراع العربي/ الإسرائيلي بصفة عامة والقضية الفلسطينية بصفة خاصة إلا أن نؤكد على أنها مواقف إيجابية تتمشى بشكل عام مع المواقف الدولية المعروفة، والتي يمكن الإشارة إليها من خلال ما يلي: 

   ** ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب يونيو عام 1967م.

   ** حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967م.

   ** ضرورة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية بما في ذلك حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.

   ** عدم شرعية سياسة الاستيطان الإسرائيلي في المناطق المحتلة.

   ** تأييد مبدأ حل الدولتين الذي يقضي بإنشاء دولة فلسطينية تعيش في أمن وسلام واستقرار بجوار دولة إسرائيل.

   ** أن حل القضية الفلسطينية يتم من خلال المفاوضات وبالتالي يجب العمل على استئناف المفاوضات السياسية.

*** كما سعت كوريا الجنوبية إلى تطوير مواقفها تجاه الفلسطينيين سواء من الناحية السياسية وذلك من خلال فتح مكتب لها في مدينة رام الله بالضفة الغربية وكذا الزيارات المتبادلة على مستويات عالية بين مسؤولي الجانبين ( زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لكوريا في بداية العام الحالي 2016م) أو من الناحية الاقتصادية حيث اتجهت  سيول إلى تقديم العديد من المساعدات المادية إلى السلطة الفلسطينية من أجل إحداث تنمية اقتصادية وإدارية وبشرية في الضفة الغربية مستهدفة أن يساهم ذلك في رفع مستوى معيشة الشعب الفلسطيني، كما شاركت في مؤتمرات إعادة إعمار قطاع غزة التي عقدت في مصر .

*** وهنا لابد أن نشير إلى أنه بالرغم من هذه المواقف الجيدة من جانب كوريا الجنوبية تجاه الفلسطينيين إلا أنه تلاحظ أن الجانب الكوري الجنوبي اتخذ مواقف سلبية من القضية الفلسطينية وتحديدًا بالنسبة لبعض القرارات التي تم طرحها للتصويت في الأمم المتحدة ، ومن الأمثلة التي يمكن الإشارة إليها في هذا الشأن امتناع كوريا الجنوبية عن التصويت على قرار يطالب بإرسال بعثة تقصي حقائق إلى قطاع غزة للتحقيق في نتائج الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2009م،  الأمر الذي عكس مدى التأثير الإسرائيلي على الموقف الكوري في هذا الشأن، كما يعطي دلالات سلبية عن إمكانية تكرار مثل هذه النماذج في التصويت خلافًا لموقف المجتمع الدولي تجاه مثل هذه القضايا .

*** ومما لاشك فيه أن إسرائيل حرصت منذ أن نجحت في إقامة علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية في إبريل عام 1962م، أن تتجه إلى تنويع وتطوير علاقاتهما الثنائية في كافة المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية والأمنية ومن أهم الصفقات العسكرية في هذا الشأن كان اتفاق كوريا على شراء عدد من الصواريخ طراز سبايك من إنتاج شركة رفائيل الإسرائيلية عام 2013م (عدد 67 صاروخ وأربع منصات إطلاق صواريخ – الاتفاق بين الدولتين على تطوير نوعيات جديدة من طائرات الاستطلاع بدون طيار) ، بالإضافة إلى التعاون في مجالات أخرى متنوعة مثل الزراعة والري ونقل التكنولوجيا ( إنشاء صندوق لدعم تكنولوجيا المعلومات )، كما ركزت على التعاون معها في موضوع الإرهاب وعرض الخبرات الإسرائيلية في هذا الموضوع بدعوى أن إسرائيل تواجه موجات من الإرهاب الدولي الموجه ضدها في الداخل والخارج .

*** كما حرصت إسرائيل على أن تتوافق بشكل كامل مع كوريا الجنوبية في مواقفها المضادة لكوريا الشمالية وخاصة في موضوع معارضة التجارب النووية التي تجريها (بيونج يانج) بين فترة وأخرى باعتبار أن ذلك يشكل تهديدًا للسلام الدولي والاستقرار العالمي والمطالبة بضرورة التصدي لهذه الإجراءات خاصة بعد أن أجرت كوريا الجنوبية تجربتها النووية الخامسة خلال شهر سبتمبر من العام الجاري 2016م، إضافة إلى معارضة موقف كوريا الشمالية في تصدير بعض النوعيات المتقدمة من الصواريخ إلى بعض دول منطقة الشرق الأوسط ، وهو الأمر الذى أدى إلى مزيد من التطور الإيجابي والتوافق في العلاقات بين كوريا الجنوبية وإسرائيل.

*** وقد حرصت كوريا الجنوبية على أن يكون لها مواقف محددة وواضحة إزاء القضايا والأزمات الأخرى التي تمر بها المنطقة، فقد تبنت مبدأ الحل السياسي لكافة المشاكل في سوريا وليبيا والعراق واليمن انطلاقًا من قناعتها بأن تفاقم هذه الأزمات من شأنه أن يعرض المنطقة لمرحلة طويلة من عدم الاستقرار مما سيؤثر على المصالح الاقتصادية لكافة الدول المتعاملة مع دول الشرق الأوسط، كما سعت كوريا لأن تؤكد رفضها التام لكافة العمليات الإرهابية التي تزيد من معدل تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة بالإضافة إلى المطالبة بمعالجة دولية موضوعية لمشكلة اللاجئين التي تفاقمت في أعقاب الأحداث الأخيرة في المنطقة.

*** وإذا انتقلنا إلى طبيعة العلاقات الاقتصادية بين كوريا الجنوبية والدول العربية تبرز لدينا بوضوح العلاقات الكورية مع المملكة العربية السعودية باعتبارها أكثر العلاقات قدمًا وتميزًا وهو ما يمكن أن نوضحه على النحو التالي:

     ** هناك زيارات تمت على أعلى المستويات بين الجانبين من أهمها زيارة الرئيسة الكورية (باك جون هيه) للسعودية عام 2015م، وزيارة رئيس الوزراء الكوري الجنوبي ( هوانج كيو آهن ) للمملكة في مايو 2016م،  ونشير في هذا المجال إلى أن أول زيارة تمت على أعلى مستوى سعودي كانت من جانب العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله عندما كان وليًا للعهد ، ثم تطورت الزيارات بعد ذلك .

   ** تعتبر كوريا الجنوبية من أكبر دول العالم استيرادًا للنفط من المملكة السعودية وتعد السعودية هي سادس أكبر شريك تجاري في العالم لكوريا الجنوبية والأول على مستوى منطقة الشرق الأوسط.

   ** هناك العديد من الاتفاقات التجارية الهامة الموقعة بين الدولتين من بينها اتفاق التبادل الثقافي الموقع عام1975م، واتفاقية تبادل الإعفاء الضريبي والجمركي الموقعة عام 1990م.

   ** وصول حجم التبادل التجاري بين الدولتين عام 2015م، إلى 29 مليار دولار وهناك اتفاقات أخرى يسعى إليها الطرفان من شأنها أن تؤدي إلى مضاعفة هذا الرقم.

   ** تأييد كوريا للخطة السعودية للتنمية طويلة المدى 2030م، وإبداء الاستعداد للمساهمة في إنجاحها.

   ** إرسال العديد من البعثات الطلابية السعودية إلى كوريا الجنوبية سواء كان ذلك للتعلم أو للتدريب.                                                          

   ** افتتاح المنتدى الاستثماري الخليجي الأول الذي ينظمه اتحاد الغرف الخليجية بالتعاون مع رابطة الأعمال الدولية الكورية (كيتا) وذلك عام 2013م.

*** وارتباطًا بنفس التوجه في العلاقات يتضح لدينا أيضًا نموذج جيد للعلاقات الكورية الجنوبية مع دولة الإمارات العربية المتحدة وهو ما يمكن إيضاحه فيما يلي:

   ** إتمام زيارات متبادلة بين الجانبين على مستويات رفيعة كان من أهمها زيارة رئيسة كوريا الجنوبية للإمارات في عام 2015م.

   ** هناك سعيًا حثيثًا من الجانبين نحو إقامة شراكة استراتيجية كاملة بينهما خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية.

   ** فوز كونسرتيوم تقوده كوريا الجنوبية بعقد بناء أربعة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية سلميًا ومن المقرر بدء العمل بهذه المفاعلات في عام 2020م.

   ** توقيع العديد من الاتفاقات التجارية والاقتصادية الهامة بين الدولتين منذ عام 2009 مما أدى إلى ارتفاع حجم وقيمة الاستثمارات المتبادلة بين كلتا الدولتين.

   ** وصول حجم التجارة غير النفطية بين الإمارات وكوريا الجنوبية إلى حوالي عشرة مليارات دولار العام الماضي 2015 م.

   ** افتتاح أول مركز ثقافي كوري في دول مجلس التعاون الخليجي في مدينة أبو ظبي عام 2016م.

*** وفى نفس الوقت حدث نوع من التطور الإيجابي في العلاقات الكورية الجنوبية مع مصر وذلك في أعقاب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سيول في مارس من العام الحالي 2016م (أول زيارة رئاسية منذ عام 1999م) حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات في المجالات المختلفة بقيمة بلغت حوالي ثلاثة مليارات دولار الأمر الذي أدى إلى تزايد حجم الاستثمارات الكورية في مصر.

*** وفى ضوء ما سبق وبتقييم موقف كوريا الجنوبية من القضية الفلسطينية ارتباطًا بالعلاقات الاقتصادية بينها وبين كل من الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي وإسرائيل (كل على حده) نوضح الأبعاد التالية: 

   ** أن الموقف الكوري الجنوبي من القضية الفلسطينية يعتبر موقفًا إيجابيًا من الناحية النظرية ولكنه أقل كثيرًا من الناحية العملية.

   ** أن كوريا الجنوبية ساندت لفترة كبيرة المواقف العربية من القضايا المختلفة إلا أنه قد تلاحظ حدوث تغيير في مواقفها في المرحلة الأخيرة وضحت ملامحه في بعض عمليات التصويت في بعض القرارات لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة.

   ** أن الثقل الاقتصادي الذي تتمتع به كوريا الجنوبية على المستوى الدولي يؤهلها للقيام بدور أكبر مما تقوم به حاليًا سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية أو فيما يتعلق بالقضايا الأخرى المثارة في المنطقة.

   ** أن حجم العلاقات الاقتصادية بين كوريا الجنوبية والدول العربية ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي لم ينعكس بالشكل المأمول على الموقف الكوري من القضية الفلسطينية.

   ** أن هناك ضرورة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج وكوريا الجنوبية مما يعود بالفائدة على كلا الجانبين وهو أمر طبيعي ومطلوب ولكن من الضروري أن يتم استثمار هذه العلاقة ونتائجها في دفع كوريا الجنوبية لتطوير مواقفها تجاه القضية الفلسطينية لا سيما مع تميز العلاقات الكورية / الإسرائيلية وقدرة سيول على أن تمارس دورًا أكثر تأثيرًا مع كافة الأطراف المباشرة والمعنية.

-------------------------

*رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية والفلسطينية بالمجلس المصري للعلاقات الخارجية

مجلة آراء حول الخليج