array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 113

مستقبل العلاقات الثنائية على ضوء متغيرين: الطاقة والتوجه العالمي التنافس الدولي يتطلب موقف خليجي موحد ويفرض 3 سيناريوهات تجاه كوريا الجنوبية

الأربعاء، 02 تشرين2/نوفمبر 2016

يرجع التواجد الإسلامي في كوريا إلى قبل سبعمئة عام حين بدأ التجار العرب الوصول إليها ليطلقوا عليها أيام مملكة قوري إسم كوريا.  إلا أنهم لم يمكثوا طويلا هناك.  ومع بداية الحرب الباردة وحرب انفصال الكوريتين 1950-1952م، التي سبقها احتلال لكوريا من قبل اليابان الذي استمر قرابة 35 عامًا، ساندت القوات التركية كوريا الجنوبية في حربها ضد الجزء الشمالي الشيوعي من كوريا الذي يعرف الآن بكوريا الشمالية. ومنذ ذلك الوقت بدأ الإسلام ينتشر هناك.  حيث تقدر الجالية المسلمة بها اليوم بعدد بـ 200 الف مسلم. ( آل الشيخ، 2016 ). 

وبسبب حرب الاستقطاب بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب الباردة، مالت دول الخليج العربي إلى التعاون الاقتصادي مع كوريا الجنوبية وليست الشمالية التي انضمت للمعسكر الشرقي كانضمام أيديلوجي - عسكري.

ومع ظهور النفط في منطقة الخليج بكميات تجارية في ستينيات القرن الماضي، بدأت كوريا الجنوبية والخليج العربي الدخول في علاقات إقتصادية أسست إلى ظهور العلاقات التجارية بينهم فيما بعد لتستمر وتتنوع وتقوى إلى أن وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 112 مليار دولار في عام 2012م. حيث تمثل المملكة العربية السعودية وحدها نسبة 10.5 % من الشركاء التجاريين الرئيسيين في كوريا الجنوبية في ذلك العام.

إن المهتمين بدراسة الشأن السياسي- الاقتصادي الكوري الجنوبي و الخليجي،  غالبًا ما يتناولون دراسة العلاقة فيما بينهما من خلال عدة مستويات تحليلية. أولًا، من خلال مستوى إطارها القاري آسيا  تلك القارة التي تعتمد كثيرًا على الطاقة التقليدية: النفط والغاز.  ثانيًا، من خلال مستوى علاقات كوريا الجنوبية مع الدول المجاورة لها وخاصة مع كوريا الشمالية وعدم عزلها عن سياسات و علاقات دول الجوار حين الدراسة.   ثالثًا، من خلال مستوى المجتمع الدولي و تأثير التنافس الدولي فيه على سياسات كوريا الجنوبية الاقتصادية والسياسية وخاصة فيما يتعلق بالتحالفات الأمنية معها. ولكن يظل، جوهر تلك العلاقات هو النفط الذي أسس لهكذا علاقات في المقام الأول ويعتبر أيضًا مقدمة جيدة لفهم تلك العلاقات.   

فالباحث في العلاقات الاقتصادية بين كوريا الجنوبية ودول الخليج العربي، لابد أنه سيدرك أن المصلحة النفطية وما أرتبط بها من صناعات بتروكيمياوية دون سواها من المصالح الاقتصادية الأخرى، تقف بعمق تاريخي طويل وراء تلك العلاقة الاقتصادية المتينة بينهم اليوم.  فالنفط الذي تمتلكه دول الخليج العربي، تحتاجه كوريا الجنوبية الصناعية. هذه هي المعادلة الأساسية في تلك العلاقات.  وهي نفس المعادلة التي يجب أن يبنى عليها تحليل تطور العلاقات الاقتصادية في الحاضر والمستقبل.

حيث قامت العلاقة النفطية -الصناعية بينهما على مبدأ(حقق لي شراء النفط أحقق لك الصناعة ) وهي لاشك علاقة نفعية - تكاملية تقدم بها المصلحة الاقتصادية.  ولكنها علاقة تتأثر الآن أيضًا بمتغيرات التي من ضمنها: سوق الطاقة والتنافس الدولي على منطقة: المحيط الهندي و المحيط الهادي. فدراسة وتحليل العلاقات الاقتصادية المستقبلية بين الخليج العربي وكوريا الجنوبية وبناء سيناريوهات مستقبلية حولها، يجب أن يولي تلك المتغيرات المستوى التحليلي المطلوب بجانب المستويات التحليلية الأخرى في محاولة لمعرفة الاتجاهات المستقبلية وطبيعتها وما يجب أن تكون عليه.   

وترجع العلاقات الاقتصادية بين كوريا الجنوبية ودول الخليج العربي إلى السبعينيات من القرن الماضي. قامت حرب عام 1973م، بين الدول العربية وإسرائيل. اتخذت المملكة العربية السعودية موقفًا نفطيًا يتمثل بقطع تصدير النفط عن أوروبا مع تخفيف تصديره للولايات المتحدة الأمريكية ويعرف هذا الموقف بسياسة الحظر النفطي ( Oil Embargo).  أثرت تلك السياسة على أسعار النفط فيما بعد، لترتفع إرتفاعًا كبيرًا مقارنة لما كانت عليه قبل ذلك العام.  استفادت الدول المصدرة من ارتفاع أسعار النفط  من زيادة في دخلها ومن ضمن  تلك الدول دول الخليج العربي. انعكست زيادة أسعار النفط على إقتصاديات دول الخليج.  

حيث بدأت البرامج الاقتصادية التنموية المختلفة حيز التنفيذ ومن ضمن تلك البرامج المشاريع العقارية والبنية التحتية. زمنيًا، يسجل التاريخ هنا تواجدًا فعليًا للشركات الكورية الجنوبية في دول الخليج العربي. حيث ساهمت الشركات الكورية الجنوبية في تطوير البنية التحتية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ومملكة البحرين. ولكن، قبل دخول تلك الشركات للمنطقة، فإن كوريا الجنوبية عاشت تجربة تنموية أهلتها بأن تستقطب من قبل دول الخليج العربي للمساهمة في تنميتها العقارية وبنيتها التحتية.  والتجربة جديرة بأن تبرز ربما لتكون حافز ومحفز في العلاقات المستقبلية فيما بينهما.

التجربة الإنمائية لكوريا الجنوبية

أعتبرت كوريا الجنوبية  ثاني أفقر دولة في العالم في ستينيات القرن الماضي. " بلدًا متخلفًا من جميع الوجوه كما تدل بعض المؤشرات الاقتصادية حينذاك (نصيب الفرد من الدخل القومي 82 دولار، 2.9 % نسبة الزيادة السكانية 3.3 % نسبة التوفير القومي، 335.5 مليون دولار عجز في الميزان التجاري". ( محمود، 1990).

أتبعت كوريا الجنوبية سياسات إنمائية اعتبرت نموذجًا اقتصاديًا فيما بعد.  حيث قامت بتقديم العلم والتكنولوجيا على رأس السياسات الإنمائية ليتغير معهما نمط الاقتصاد الكوري الجنوبي ولتخرج كوريا الجنوبية من مستنقع الفقر لتضعها في مصاف نمور آسيا.  مستعينة بالتكنولوجيا وأسس البحث العلمي، قامت صناعة كوريا الجنوبية بداية بتقليد صناعة المنتجات. ومع مرور الوقت، أصبح لديها منتجاتها الخاصة بها. وفي محاولة لرفع جودة منتاجتها وبهدف استراتيجي بدافع اللحاق بدول صناعية قريبة منها اليابان مثلًا، قررت في خطتها الاستراتيجية تقليص الفجوة التكنولوجية بينها وبين الدول الصناعية.  وقد تضمنت الخطة الاستراتيجية في ستينيات القرن الماضي، بعض البنود الأساسية التي ذكرها محمود محمد كامل في " الارتقاء التكنولوجي كمدخل هام من مداخل التنمية الاقتصادية والاجتماعية " صفحة 44 و45 نذكر منها:

  1. التوسع المتزامن في الصناعات الاستراتيجية (الالكترونيات-الهندسة الميكانيكية –السيارات) والخدمات الموجهة للانتاج (الاتصالات-البنوك-شركات التأمين-البحوث التعاقدية-مؤسسات التسويق).
  2. الاستيراد الانتقائي لأحدث التكنولوجيا المجربة عالميًا.
  3. التوسع السريع في إنشاء وحدات البحث العلمي والتطوير في الشركات الكبيرة.
  4. التوسع وتقوية معاهد البحث العلمي التي تخدم الصناعة خدمة مباشرة.
  5. وضع أهداف محددة للبحوث في القطاعات الاستراتيجية للصناعة مثل تطوير المواد نصف الموصلة، طرق التصنيع المرنة، التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية.
  6. استقطاب العلماء الكوريين الذين شغلوا وظائف كبرى في الشركات ومؤسسات البحث العلمي الأمريكية.
  7. التوسع في نظم حوافز البحوث والتطوير في الشركات.
  8. المراقبة المستمرة من الحكومة لجهود البحث والتطوير في الصناعة.
  9. التشاور المستمر الوثيق بين الحكومة والصناعة ومعاهد ومراكز البحوث.

بالطبع، إن هذه الاستراتيجية تزامن معها إصلاح سياسي واجتماعي كوري ساهمت في نجاحها.  ولكن، هذه الاستراتيجية الشاملة ـ والرأي لمحمود ـ لم تنجح في سد الفجوة التكنولوجية بينها وبين الدول الصناعية إلا في الصناعة وبالتحديد في التكلفة التنافسية.  وبعيدا عن رأي محمود فالحقيقة التي تعاملت معها دول الخليج العربي بشكل واقعي-عقلاني ووفق آليات العرض والطلب الخاصة بسوق النفط، أن كوريا الجنوبية أصبحت في ذلك الوقت دولة صناعة محتاجة دائمًا للنفط الذي يحرك مكائن صناعتها. ومن هذه العقلانية، أصبحت العلاقات الاقتصادية تخضع لمعادلة النفط الخليجي لمقابلة الصناعة الكورية الجنوبية المترامية. 

تطورات مهمة في العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج العربي وكوريا الجنوبية منذ 2012م

يعتبر عام 2012م، عامًا فارقًا في عمر العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج العربي وكوريا الجنوبية.  حيث قام رئيس كوريا الجنوبية بزيارة شملت دول الخليج. وفي تفضيل اقتصادي مهم، حصلت كوريا الجنوبية على اتفاقية امتياز النفط من المملكة العربية السعودية.  حيث بموجب اتفاقية الامتياز، تقوم كوريا الجنوبية بتطوير حقل  تافولا النفطي البحري.  ليس هذا فحسب بل  "  فضلا عن اثنين من الامتيازات البرية.  كما أن (إس - أويل) ، ثالث أكبر شركة لتكرير النفط البري (S-Oil) وقعت صفقة طويلة الأجل لمدة 20 عامًا لشراء النفط من المملكة العربية السعودية". ( شحادة، 2012).

إن الجديد في هذا التطور، وجود رغبة من كوريا الجنوبية في زيادة التعاون الاقتصادي وقابله رغبة سعودية في ذلك أيضًا.  إن الإشارة الملتقطة من هكذا تفضيل اقتصادي، يدل أن العلاقات الاقتصادية قد ارتقت إلى مرحلة الشراكة فيما بينهما. فالتعاون الاقتصادي بمثل هذه الامتيازات لابد أن يواكبه تعاونًا استراتيجيًا تعدى التعاون النفطي العقاري التقليدي ومعادلة النفط مقابل الصناعة. ولاشك، أن كوريا الجنوبية رغبت  في منافسة نظرائها مثل الصين واليابان على النفط والفرص الاستثمارية في منطقة الخليج العربي .  فاليابان، كانت بالفعل حظيت في وقت مبكر من خمسينيات القرن الماضي بحق امتياز الخفجي المنطقة المقسومة ما بين السعودية والكويت. 

والجديد أيضا،  أن كوريا الجنوبية  وقعت مع السعودية في تلك الزيارة على عدد من عقود الصناعة والدفاع وتعتبر شركة هونداي للهندسة والبناء أحد الرابحين من تلك العقود.  لم تنته تلك الزيارة بحق الامتياز وصفقة الامتياز النفطي طويل الأجل وعقود الدفاع، بل حازت شركة كورية على صفقة قدرت بنحو 1.5 مليار دولار لبناء مصفاة لتكرير الألمنيوم في السعودية. ( شحادة، 2012). ولهذا ، شهد هذا العام زيادة غير مسبوقة في حجم العلاقات التجارية بين الخليج العربي وكوريا الجنوبية.

وفي تطور مهم في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين وبحلول ذلك العام، أن دول آسيا بصورة عامة وكوريا الجنوبية بصفة خاصة تحاول منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008م، ملء التراجع النفطي – التجاري الذي أحدثته كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مع دول الخليج العربي.  " بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي تشكل نحو 85 % من إجمالي حجم التجارة مع دول مجلس التعاون الخليجي في عام 1980م، تقلص هذا الرقم كثيرًا ليصل إلى 21% بنهاية 2012م...  تشير الإحصائيات إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون ودول شرق آسيا (تحديدًا كوريا الجنوبية، واليابان، وتايوان، والصين) من 480 مليون دولار في عام 2008م، إلى 814 مليون دولار في عام 2012م، أي أنه تضاعف خلال 4 سنوات فقط" (غالي، 2014).

الأرقام الإحصائية الاقتصادية المرتفعة بين الجانبين، تدل على أن مستوى العلاقات الاقتصادية  المستقبلية بينهما آخذه نحو توثيق العلاقات بشكل متدرج - استراتيجي.  ولكن،  إن الحكم العلمي على إمكانية وصول تلك العلاقات إلى علاقات استراتيجية متقدمة بحاجة ماسة لدراسة المتغيرات التي تؤثر في حجم العلاقات الاقتصادية وعدم الاكتفاء بتلك الأرقام وتطورها التي ربما خضعت لظروف سياسية – اقتصادية معينة قد لا تتكرر في المستقبل .

متغير سوق الطاقة

حسنًا صنعت المملكة العربية السعودية من توقيع حق الامتياز وإمداد كوريا الجنوبية بالنفط لمدة عشرين عام في عام 2012م.  وحسنًا صنعت حكومة أبوظبي من توقيع مذكرة تفاهم مع كوريا الجنوبية في قطاع النفط والغاز في 2011م.  تلك المذكرة التي تحولت إلى منح شركة بترول أبوظبي الوطنية " أدنوك" " مؤسسة النفط الكورية الجنوبية عقدًا للتنقيب عن النفط مدته 30 عامًا، تبلغ حصة الشركة الكورية 40%". ( غالي، 2014).   

إن مدة العشرين أو الثلاثين عامًا هي مدة العمر الافتراضي الاقتصادي المتبقي للنفط من قبل الكثير من خبراء الطاقة. النفط الذي سيطر على أسواق الطاقة منذ الستينيات، يلقى مقاومة  ومزاحمة شرسة من الزيت الصخري الذي يعتبر متمم لعصر النفط. ولكن، فإن الأعين كل الأعين تنظر لمرحلة ما بعد النفط.  فالاهتمام كل الاهتمام تجاه الطاقة النظيفة - المتجددة.  إن عصر ما بعد النفط،  بدأت ملامحه في الظهور مع كل سياسة طاقة تطلقها إحدى الدول من وقت إلى آخر ابتداءً من الطاقة الشمسية وإلى أنواع جديدة من الطاقة المتجددة التي ستساهم التكنولوجيا بتقليل تكاليف انتاجها. فبسبب التكنولوجيا وفي أخر اختراع بشري في موضوع توليد الطاقة  ظهرت الطاقة الكهربائية من خلال الفيروسات ويطلق عليه ( M13).   

إن الطاقة المتجددة- النظيفة وظفت لها أوروبا وبخاصة ألمانيا مساحة كبيرة في خططها التنموية. ليست أوروبا فقط، بل معظم دول العالم بما فيها الدول المصدرة للنفط والغاز بدأت تتجه نحو الطاقة الوليدة  - القديمة والصديقة في نفس الوقت للبيئة.  وربما يرجع ذلك التفضيل إلى الجدوى الاقتصادية الجيدة للطاقة المتجددة، حيث أن عدد من أنواع الطاقة مثل الطاقة  الشمسية والرياح والمائية وغيرها " قدرت الإمكانيات الإنتاجية لهذه المصادر بنحو 72 تيراوات ... ويمكن لخمس هذه القدرة الإنتاجية الممكنة أن يفي بكل الطلب العالمي على الطاقة" ( سوفاكول، 2012).

إن العلاقات الاقتصادية الكورية الجنوبية والخليجية العربية الاستراتيجية المستقبلية، يجب أن تضع بعين الاعتبار و بشكل جدي في حساباتها الإستراتيجية متغير الطاقة النظيفة – المتجددة.  وحين دراسة كوريا الجنوبية بإعتبارها دولة تقع في قارة آسيا وعلاقتها مع دول الجوار ونظرًا لتنافسها التقليدي مع اليابان ، فإنها فعليًا بدأت الاتجاه نحو الطاقة المتجددة كما فعلت اليابان.     

فكوريا الجنوبية بما لديها من التكنولوجيا والمراكز البحثية،  قد دفعت سياستها للطاقة نحو الطاقة المتجددة والنظيفة.   حيث أنها  في عام 2008م، شرعت كوريا الجنوبية في تدشين مصنع ضخم للطاقة الشمسية بالقرب من سول يقدر إنتاجه 20 ميغاوات ويعد الأكبر في العالم.  وسعت كوريا الجنوبية بأن تشكل الطاقة المتجددة نسبة 5% من مجموع الطاقة المستهلكة في 2006م. (الجزيرة، نت). لا شك من أن نزعة كوريا الجنوبية التقليدية في استيراد التكنولوجيا بشكل انتقائي ومن توطينها كما خطط له في فترة الستينيات من القرن الماضي، قد ساعدت كوريا الجنوبية بأن تصبح رابع دولة في العالم في الاعتماد على الطاقة النووية اليوم.   

فكوريا الجنوبية ملتزمة بخططها الاستراتيجية المبنية على العلم وعلى التكنولوجيا.  حيث نجحت في الماضي وقد تنجح في المستقبل. وعلى دول الخليج العربي أن تتعامل بشكل عقلاني مع مصالح كوريا الجنوبية المتعلقة بالطاقة المتجددة بل وتنظر إلى تجربتها في الستينيات لتستفيد من تلك التجربة وفق احتياجيتها الفعلية المبنية  على عقول أبنائها وبناتها.    

التنافس الدولي على منطقة: المحيط الهندي و المحيط الهادي   

منذ زيارة الملك عبدالله ملك السعودية الأسبق للصين والهند في أوائل  عام 2000م، و الحديث في أدبيات العلاقات الدولية عن تقارب بين دول الخليج العربي وشرق- جنوب آسيا.  هذا التقارب، كان من أحد أهم أسبابه تقليص التواجد الغربي وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية وبخاصة في المجال التجاري منذ عام 2007م، حينما أعلنت رغبتها البحث عن مصادر بديلة للطاقة غير النفطية كإشارة واضحة عن رغبتها في تقليص حجم العلاقات مع دول الخليج العربي.   

ولكن، إن دول الخليج العربي قد إلتقطت تلك الإشارة من خلال النظام الدولي في وقت مبكر بعد أحداث سبتمبر 2001م.  حيث بدأت في تنويع التحالفات الاستراتيجية وفق مصالحها السياسية – الاقتصادية.  توالت التقارير والدراسات المختلفة إليها  من قبل مراكز البحوث والجامعات ومن قبل الوكالات الدولية للطاقة من أن هناك زيادة في النمو الاقتصادي من قبل آسيا الصناعية وخاصة لكل من: الصين والهند وكوريا الجنوبية.  أدركت القيادة الخليجية أن ذلك النمو يتطلب المزيد من الطاقة خاصة من النفط الذي توفره بكميات كبيرة.  ولهذا، بدأت مرحلة علاقات اقتصادية استراتيجية مع دول آسيا منذ ذلك الوقت لتترسخ في عام 2012م، وخاصة مع كوريا الجنوبية.

وليس بعيدًا عن آلية العرض والطلب للنفط التي تربط كوريا الجنوبية مع دول الخليج العربي، فإن كوريا الجنوبية ليست بمعزل عن الدول المجاورة وخاصة كوريا الشمالية.  إن كوريا الشمالية والجنوبية تمر بعلاقات في الوقت الحالي أبسط ما يطلق عليها بالمتوترة. فهناك في كوريا الشمال يقف اليوم رئيس شاب يتحدى النظام الدولي من وقت إلى آخر بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الرئيس لكوريا الجنوبية ويختبر قوتها من خلال التجارب النووية التي يطلقها من وقت إلى آخر. فكوريا الجنوبية بالنسبة للسيد كيم ماهي إلا صنيعة غربية صنعت خلال الحرب الباردة لتقف أمام الزحف الشيوعي.  وأن الصراع معها تاريخي- ايديولوجي.

واليابان بالرغم من تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية، لم تنظر دومًا بعين الرضا لجارها الكوري بل تعتقد أنها منافس استراتيجي لها.   إن علاقة كوريا الجنوبية مع كل من اليابان وكوريا الشمالية، يجب أن تكون محور تركيز دوائر القرار السياسي-  الاقتصادي والاستراتيجي لدول الخليج العربي. تلك الدوائر عليها دومًا مراقبة تطور العلاقات بين الكوريتين واليابان والتوقع بمستقبلها لمعرفة الاستراتيجيات المثلى للتعامل من هكذا توقع .

وليس بعيدًا عن تلك العلاقات ومدلولاتها الاستراتيجية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت الإقتراب من أي وقت مضى من منطقة المحيط الهندي والهادي.  هذا التقارب من مناطق النفوذ الاستراتيجي الصيني لا شك أنه أزعج ليس فقط الصين بل والهند تلك الدول التي تسابقت من أجل تعميق العلاقة الإستراتيجية مع دول الخليج العربي لضمان انسياب النفط.  إن كوريا الجنوبية أيضًا كانت في حلبة السباق الاستراتيجي فأمن إمدادات النفط يظل مطلبًا لها الذي ما زال يعتبر شريانها الصناعي.

إن التنافس الدولي اليوم، بدأ  يتجه رويدًا رويدًا نحو المحيط الهادي والهندي.  فالكثير من محللي العلاقات الدولية، يرون أنه يوجد " تحول مركز النشاط الاقتصادي والسياسي والعسكري العالمي في الفترة القادمة صوب كل من منطقة المحيط الهادي الآسيوية ومنطقة المحيط الهندي الكبرى، في ضوء ما تتمتعان به من أهمية جيواستراتيجية واقتصادية تجعلهما مسرحًا لتحديد خريطة القوى العالمية خلال القرن الواحد والعشرين". ( غالي، 2014).

هذا التنافس الدولي، يجب أن يقابله موقف خليجي استراتيجي موحد تجاه شراكتها الاستراتيجية مع كوريا الجنوبية. وهناك على الأقل ثلاثة سيناريوهات قد تساعد في بلورة ذلك الموقف.  أولا،  أن تتعامل دول الخليج مع كوريا الجنوبية  كأساس"شريك حوار" كما فعلت مع الهند. ولكن، عليها الأخذ بعين الاعتبار قبل اتخاذ ذلك القرار معايير موازين القوى  لكوريا الجنوبية وصراعها مع كوريا الشمالية و تنافسها مع اليابان. في هذا الصدد، الهند لديها صراع مع الباكستان أيضًا ولكن يعتبر متوازن استراتيجيًا إلى حد ما بسبب امتلاكهما للسلاح النووي. كما أن الهند دولة مسالمة إلى حد كبير وترجح العلاقات الهادفة نحو السلام أكثر من الصراع.   

ثانيًا، أن تتعامل دول الخليج العربي مع كوريا الجنوبية بوضعها الحالي و وفق المعطيات الحالية من حيث موقعها الجغرافي في قارة آسيا وعلاقاتها مع جيرانها والتنافس الدولي.  وهنا، تصبح العلاقة مع كوريا الجنوبية رهينة للتطورات التي تحدث في علاقتها مع كوريا الشمالية واليابان وما سيسفر عنه التنافس الدولي في منطقة المحيط الهادي والهندي. و وفق هذا السيناريو ستصبح علاقة دول الخليج العربي تجاه كوريا الجنوبية براجماتية قائمة على مبدأ حقق لي أحقق لك كما كانت عليه قبل عام 2012 م.  في الحقيقة، العلاقة البراجماتية هذه إن اتبعت مع كوريا الجنوبية لن تطول كثيرًا.  حيث يبدو أنها ستحسم في وقت مستقبلي قريب وذلك وفق التطورات المشاهدة الخطيرة التي تحصل الآن في المجتمع الدولي وعلى دول الخليج العربي أن تدرس تلك التطورات دراسة عقلانية واقعية استراتيجية لتخرج بتصور للشكل الأمثل للعلاقات الاستراتيجية مع كوريا الجنوبية في المستقبل.

ثالثًا، أن تتعامل دول الخليج العربي مع كوريا الجنوبية من خلال الواقع السياسي اليوم وعلاقة تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية مع تقليص المخاوف من صراعها مع كوريا الشمالية وتنافسها مع اليابان و تعاملها بتحفظ مع الصين ومع إبعاد عملية التصادم التي قد تقع بين الصين والولايات المتحدة في المحيط الهادي والهندي.

حيث يمكن القول لو أخذ بهذا السيناريو المتفائل في ظل ظروف دولية حرجة للغاية، نجد أن كلما خف الصراع الكوري- الكوري وخف تنافسها مع اليابان و التنافس الدولي على المحيط الهادي والهندي، كلما أدى ذلك إلى تأمين خطوط الإمداد النفطي لكوريا الجنوبية وإلى تعميق علاقتها الاستراتيجية مع دول الخليج العربي بشكل أكبر. والمشكلة التي ستواجه دول الخليج العربي مع هذا السيناريو هو في عملية المفاضلة الإستراتيجية للمصالح المختلفة لكل من: الصين  واليابان و الهند و وكوريا الجنوبية فطبور المصالح المختلفة طويل والخيارات الاستراتيجية محدودة. ولنركز على كوريا الجنوبية هنا ونترك الدول الأخرى لمقالات استراتيجية أخرى.    

تستطيع دول الخليج العربي الاستفادة من التكنولوجيا والتقنية الكورية ويجب عليها توطينها كما فعلت كوريا الجنوبية بناءً على احتياجاتها وخططها الإستراتيجية.  ويمكن أيضًا لدول الخليج، الدخول في علاقات إستراتيجية أكثر مع الشركات الكورية الجنوبية في مجال التعليم والتدريب والاستثمارات والطاقة النووية - الشمسية.  ولكن، قبل كل ذلك لابد لها الاستفادة من تجربة كوريا الجنوبية الإنمائية نفسها ككل وتعتبرها نموذجها التنموي وبخاصة صناعة التكنولوجيا والاهتمام بالعلم من خلال المراكز البحثية وإشراكها في برامجها الإنمائية وجعل العلم والعلماء والتكنولوجيا الركيزة الأساسية لمشاريعها وخططها التنموية.

في الختام، لا شك أن هناك سيناريوهات أخرى قريبة الأجل وقد يقدم فيها الاقتصاد على المخاوف  الجيو- سياسية للتنافس الدولي على المحيط الهادي والهندي.   ولكن، يجب أن يأخذ فيها تطورات أسوق الطاقة وظهور الطاقة المتجددة والنظيفة كمنافس للنفط.  فماذا ستفعل السعودية وحكومة أبو ظبي مثلًا بعد انتهاء الثلاثون عامًا في علاقاتها الاستراتيجية مع كوريا الجنوبية؟   كيف يمكن أن يذهبا مع كوريا الجنوبية في علاقة جديدة لمرحلة ما بعد النفط وهي علاقة لا شك ستعتمد ليس على القاعدة التقليدية النفط مقابل الصناعة؟  كل تلك الأسئلة بحاجة لدراسات أعمق حتى تصل إلى صيغة معادلة جديدة في العلاقات الاقتصادية لمرحلة ما بعد النفط. إن إجراء المزيد من المقالات والأبحاث والكثير من مراقبة تطور الصراعات الدولية، قد تكون مهمة نحو إيجاد قاعدة علاقات إستراتيجية جديدة بين الطرفين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس مكتب البوابات الأربعة للاستشارات الاستراتيجية

يرجع التواجد الإسلامي في كوريا إلى قبل سبعمئة عام حين بدأ التجار العرب الوصول إليها ليطلقوا عليها أيام مملكة قوري إسم كوريا.  إلا أنهم لم يمكثوا طويلا هناك.  ومع بداية الحرب الباردة وحرب انفصال الكوريتين 1950-1952م، التي سبقها احتلال لكوريا من قبل اليابان الذي استمر قرابة 35 عامًا، ساندت القوات التركية كوريا الجنوبية في حربها ضد الجزء الشمالي الشيوعي من كوريا الذي يعرف الآن بكوريا الشمالية. ومنذ ذلك الوقت بدأ الإسلام ينتشر هناك.  حيث تقدر الجالية المسلمة بها اليوم بعدد بـ 200 الف مسلم. ( آل الشيخ، 2016 ). 

وبسبب حرب الاستقطاب بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب الباردة، مالت دول الخليج العربي إلى التعاون الاقتصادي مع كوريا الجنوبية وليست الشمالية التي انضمت للمعسكر الشرقي كانضمام أيديلوجي - عسكري.

ومع ظهور النفط في منطقة الخليج بكميات تجارية في ستينيات القرن الماضي، بدأت كوريا الجنوبية والخليج العربي الدخول في علاقات إقتصادية أسست إلى ظهور العلاقات التجارية بينهم فيما بعد لتستمر وتتنوع وتقوى إلى أن وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 112 مليار دولار في عام 2012م. حيث تمثل المملكة العربية السعودية وحدها نسبة 10.5 % من الشركاء التجاريين الرئيسيين في كوريا الجنوبية في ذلك العام.

إن المهتمين بدراسة الشأن السياسي- الاقتصادي الكوري الجنوبي و الخليجي،  غالبًا ما يتناولون دراسة العلاقة فيما بينهما من خلال عدة مستويات تحليلية. أولًا، من خلال مستوى إطارها القاري آسيا  تلك القارة التي تعتمد كثيرًا على الطاقة التقليدية: النفط والغاز.  ثانيًا، من خلال مستوى علاقات كوريا الجنوبية مع الدول المجاورة لها وخاصة مع كوريا الشمالية وعدم عزلها عن سياسات و علاقات دول الجوار حين الدراسة.   ثالثًا، من خلال مستوى المجتمع الدولي و تأثير التنافس الدولي فيه على سياسات كوريا الجنوبية الاقتصادية والسياسية وخاصة فيما يتعلق بالتحالفات الأمنية معها. ولكن يظل، جوهر تلك العلاقات هو النفط الذي أسس لهكذا علاقات في المقام الأول ويعتبر أيضًا مقدمة جيدة لفهم تلك العلاقات.   

فالباحث في العلاقات الاقتصادية بين كوريا الجنوبية ودول الخليج العربي، لابد أنه سيدرك أن المصلحة النفطية وما أرتبط بها من صناعات بتروكيمياوية دون سواها من المصالح الاقتصادية الأخرى، تقف بعمق تاريخي طويل وراء تلك العلاقة الاقتصادية المتينة بينهم اليوم.  فالنفط الذي تمتلكه دول الخليج العربي، تحتاجه كوريا الجنوبية الصناعية. هذه هي المعادلة الأساسية في تلك العلاقات.  وهي نفس المعادلة التي يجب أن يبنى عليها تحليل تطور العلاقات الاقتصادية في الحاضر والمستقبل.

حيث قامت العلاقة النفطية -الصناعية بينهما على مبدأ(حقق لي شراء النفط أحقق لك الصناعة ) وهي لاشك علاقة نفعية - تكاملية تقدم بها المصلحة الاقتصادية.  ولكنها علاقة تتأثر الآن أيضًا بمتغيرات التي من ضمنها: سوق الطاقة والتنافس الدولي على منطقة: المحيط الهندي و المحيط الهادي. فدراسة وتحليل العلاقات الاقتصادية المستقبلية بين الخليج العربي وكوريا الجنوبية وبناء سيناريوهات مستقبلية حولها، يجب أن يولي تلك المتغيرات المستوى التحليلي المطلوب بجانب المستويات التحليلية الأخرى في محاولة لمعرفة الاتجاهات المستقبلية وطبيعتها وما يجب أن تكون عليه.   

وترجع العلاقات الاقتصادية بين كوريا الجنوبية ودول الخليج العربي إلى السبعينيات من القرن الماضي. قامت حرب عام 1973م، بين الدول العربية وإسرائيل. اتخذت المملكة العربية السعودية موقفًا نفطيًا يتمثل بقطع تصدير النفط عن أوروبا مع تخفيف تصديره للولايات المتحدة الأمريكية ويعرف هذا الموقف بسياسة الحظر النفطي ( Oil Embargo).  أثرت تلك السياسة على أسعار النفط فيما بعد، لترتفع إرتفاعًا كبيرًا مقارنة لما كانت عليه قبل ذلك العام.  استفادت الدول المصدرة من ارتفاع أسعار النفط  من زيادة في دخلها ومن ضمن  تلك الدول دول الخليج العربي. انعكست زيادة أسعار النفط على إقتصاديات دول الخليج.  

حيث بدأت البرامج الاقتصادية التنموية المختلفة حيز التنفيذ ومن ضمن تلك البرامج المشاريع العقارية والبنية التحتية. زمنيًا، يسجل التاريخ هنا تواجدًا فعليًا للشركات الكورية الجنوبية في دول الخليج العربي. حيث ساهمت الشركات الكورية الجنوبية في تطوير البنية التحتية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ومملكة البحرين. ولكن، قبل دخول تلك الشركات للمنطقة، فإن كوريا الجنوبية عاشت تجربة تنموية أهلتها بأن تستقطب من قبل دول الخليج العربي للمساهمة في تنميتها العقارية وبنيتها التحتية.  والتجربة جديرة بأن تبرز ربما لتكون حافز ومحفز في العلاقات المستقبلية فيما بينهما.

التجربة الإنمائية لكوريا الجنوبية

أعتبرت كوريا الجنوبية  ثاني أفقر دولة في العالم في ستينيات القرن الماضي. " بلدًا متخلفًا من جميع الوجوه كما تدل بعض المؤشرات الاقتصادية حينذاك (نصيب الفرد من الدخل القومي 82 دولار، 2.9 % نسبة الزيادة السكانية 3.3 % نسبة التوفير القومي، 335.5 مليون دولار عجز في الميزان التجاري". ( محمود، 1990).

أتبعت كوريا الجنوبية سياسات إنمائية اعتبرت نموذجًا اقتصاديًا فيما بعد.  حيث قامت بتقديم العلم والتكنولوجيا على رأس السياسات الإنمائية ليتغير معهما نمط الاقتصاد الكوري الجنوبي ولتخرج كوريا الجنوبية من مستنقع الفقر لتضعها في مصاف نمور آسيا.  مستعينة بالتكنولوجيا وأسس البحث العلمي، قامت صناعة كوريا الجنوبية بداية بتقليد صناعة المنتجات. ومع مرور الوقت، أصبح لديها منتجاتها الخاصة بها. وفي محاولة لرفع جودة منتاجتها وبهدف استراتيجي بدافع اللحاق بدول صناعية قريبة منها اليابان مثلًا، قررت في خطتها الاستراتيجية تقليص الفجوة التكنولوجية بينها وبين الدول الصناعية.  وقد تضمنت الخطة الاستراتيجية في ستينيات القرن الماضي، بعض البنود الأساسية التي ذكرها محمود محمد كامل في " الارتقاء التكنولوجي كمدخل هام من مداخل التنمية الاقتصادية والاجتماعية " صفحة 44 و45 نذكر منها:

  1. التوسع المتزامن في الصناعات الاستراتيجية (الالكترونيات-الهندسة الميكانيكية –السيارات) والخدمات الموجهة للانتاج (الاتصالات-البنوك-شركات التأمين-البحوث التعاقدية-مؤسسات التسويق).
  2. الاستيراد الانتقائي لأحدث التكنولوجيا المجربة عالميًا.
  3. التوسع السريع في إنشاء وحدات البحث العلمي والتطوير في الشركات الكبيرة.
  4. التوسع وتقوية معاهد البحث العلمي التي تخدم الصناعة خدمة مباشرة.
  5. وضع أهداف محددة للبحوث في القطاعات الاستراتيجية للصناعة مثل تطوير المواد نصف الموصلة، طرق التصنيع المرنة، التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية.
  6. استقطاب العلماء الكوريين الذين شغلوا وظائف كبرى في الشركات ومؤسسات البحث العلمي الأمريكية.
  7. التوسع في نظم حوافز البحوث والتطوير في الشركات.
  8. المراقبة المستمرة من الحكومة لجهود البحث والتطوير في الصناعة.
  9. التشاور المستمر الوثيق بين الحكومة والصناعة ومعاهد ومراكز البحوث.

بالطبع، إن هذه الاستراتيجية تزامن معها إصلاح سياسي واجتماعي كوري ساهمت في نجاحها.  ولكن، هذه الاستراتيجية الشاملة ـ والرأي لمحمود ـ لم تنجح في سد الفجوة التكنولوجية بينها وبين الدول الصناعية إلا في الصناعة وبالتحديد في التكلفة التنافسية.  وبعيدا عن رأي محمود فالحقيقة التي تعاملت معها دول الخليج العربي بشكل واقعي-عقلاني ووفق آليات العرض والطلب الخاصة بسوق النفط، أن كوريا الجنوبية أصبحت في ذلك الوقت دولة صناعة محتاجة دائمًا للنفط الذي يحرك مكائن صناعتها. ومن هذه العقلانية، أصبحت العلاقات الاقتصادية تخضع لمعادلة النفط الخليجي لمقابلة الصناعة الكورية الجنوبية المترامية. 

تطورات مهمة في العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج العربي وكوريا الجنوبية منذ 2012م

يعتبر عام 2012م، عامًا فارقًا في عمر العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج العربي وكوريا الجنوبية.  حيث قام رئيس كوريا الجنوبية بزيارة شملت دول الخليج. وفي تفضيل اقتصادي مهم، حصلت كوريا الجنوبية على اتفاقية امتياز النفط من المملكة العربية السعودية.  حيث بموجب اتفاقية الامتياز، تقوم كوريا الجنوبية بتطوير حقل  تافولا النفطي البحري.  ليس هذا فحسب بل  "  فضلا عن اثنين من الامتيازات البرية.  كما أن (إس - أويل) ، ثالث أكبر شركة لتكرير النفط البري (S-Oil) وقعت صفقة طويلة الأجل لمدة 20 عامًا لشراء النفط من المملكة العربية السعودية". ( شحادة، 2012).

إن الجديد في هذا التطور، وجود رغبة من كوريا الجنوبية في زيادة التعاون الاقتصادي وقابله رغبة سعودية في ذلك أيضًا.  إن الإشارة الملتقطة من هكذا تفضيل اقتصادي، يدل أن العلاقات الاقتصادية قد ارتقت إلى مرحلة الشراكة فيما بينهما. فالتعاون الاقتصادي بمثل هذه الامتيازات لابد أن يواكبه تعاونًا استراتيجيًا تعدى التعاون النفطي العقاري التقليدي ومعادلة النفط مقابل الصناعة. ولاشك، أن كوريا الجنوبية رغبت  في منافسة نظرائها مثل الصين واليابان على النفط والفرص الاستثمارية في منطقة الخليج العربي .  فاليابان، كانت بالفعل حظيت في وقت مبكر من خمسينيات القرن الماضي بحق امتياز الخفجي المنطقة المقسومة ما بين السعودية والكويت. 

والجديد أيضا،  أن كوريا الجنوبية  وقعت مع السعودية في تلك الزيارة على عدد من عقود الصناعة والدفاع وتعتبر شركة هونداي للهندسة والبناء أحد الرابحين من تلك العقود.  لم تنته تلك الزيارة بحق الامتياز وصفقة الامتياز النفطي طويل الأجل وعقود الدفاع، بل حازت شركة كورية على صفقة قدرت بنحو 1.5 مليار دولار لبناء مصفاة لتكرير الألمنيوم في السعودية. ( شحادة، 2012). ولهذا ، شهد هذا العام زيادة غير مسبوقة في حجم العلاقات التجارية بين الخليج العربي وكوريا الجنوبية.

وفي تطور مهم في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين وبحلول ذلك العام، أن دول آسيا بصورة عامة وكوريا الجنوبية بصفة خاصة تحاول منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008م، ملء التراجع النفطي – التجاري الذي أحدثته كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مع دول الخليج العربي.  " بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي تشكل نحو 85 % من إجمالي حجم التجارة مع دول مجلس التعاون الخليجي في عام 1980م، تقلص هذا الرقم كثيرًا ليصل إلى 21% بنهاية 2012م...  تشير الإحصائيات إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون ودول شرق آسيا (تحديدًا كوريا الجنوبية، واليابان، وتايوان، والصين) من 480 مليون دولار في عام 2008م، إلى 814 مليون دولار في عام 2012م، أي أنه تضاعف خلال 4 سنوات فقط" (غالي، 2014).

الأرقام الإحصائية الاقتصادية المرتفعة بين الجانبين، تدل على أن مستوى العلاقات الاقتصادية  المستقبلية بينهما آخذه نحو توثيق العلاقات بشكل متدرج - استراتيجي.  ولكن،  إن الحكم العلمي على إمكانية وصول تلك العلاقات إلى علاقات استراتيجية متقدمة بحاجة ماسة لدراسة المتغيرات التي تؤثر في حجم العلاقات الاقتصادية وعدم الاكتفاء بتلك الأرقام وتطورها التي ربما خضعت لظروف سياسية – اقتصادية معينة قد لا تتكرر في المستقبل .

متغير سوق الطاقة

حسنًا صنعت المملكة العربية السعودية من توقيع حق الامتياز وإمداد كوريا الجنوبية بالنفط لمدة عشرين عام في عام 2012م.  وحسنًا صنعت حكومة أبوظبي من توقيع مذكرة تفاهم مع كوريا الجنوبية في قطاع النفط والغاز في 2011م.  تلك المذكرة التي تحولت إلى منح شركة بترول أبوظبي الوطنية " أدنوك" " مؤسسة النفط الكورية الجنوبية عقدًا للتنقيب عن النفط مدته 30 عامًا، تبلغ حصة الشركة الكورية 40%". ( غالي، 2014).   

إن مدة العشرين أو الثلاثين عامًا هي مدة العمر الافتراضي الاقتصادي المتبقي للنفط من قبل الكثير من خبراء الطاقة. النفط الذي سيطر على أسواق الطاقة منذ الستينيات، يلقى مقاومة  ومزاحمة شرسة من الزيت الصخري الذي يعتبر متمم لعصر النفط. ولكن، فإن الأعين كل الأعين تنظر لمرحلة ما بعد النفط.  فالاهتمام كل الاهتمام تجاه الطاقة النظيفة - المتجددة.  إن عصر ما بعد النفط،  بدأت ملامحه في الظهور مع كل سياسة طاقة تطلقها إحدى الدول من وقت إلى آخر ابتداءً من الطاقة الشمسية وإلى أنواع جديدة من الطاقة المتجددة التي ستساهم التكنولوجيا بتقليل تكاليف انتاجها. فبسبب التكنولوجيا وفي أخر اختراع بشري في موضوع توليد الطاقة  ظهرت الطاقة الكهربائية من خلال الفيروسات ويطلق عليه ( M13).   

إن الطاقة المتجددة- النظيفة وظفت لها أوروبا وبخاصة ألمانيا مساحة كبيرة في خططها التنموية. ليست أوروبا فقط، بل معظم دول العالم بما فيها الدول المصدرة للنفط والغاز بدأت تتجه نحو الطاقة الوليدة  - القديمة والصديقة في نفس الوقت للبيئة.  وربما يرجع ذلك التفضيل إلى الجدوى الاقتصادية الجيدة للطاقة المتجددة، حيث أن عدد من أنواع الطاقة مثل الطاقة  الشمسية والرياح والمائية وغيرها " قدرت الإمكانيات الإنتاجية لهذه المصادر بنحو 72 تيراوات ... ويمكن لخمس هذه القدرة الإنتاجية الممكنة أن يفي بكل الطلب العالمي على الطاقة" ( سوفاكول، 2012).

إن العلاقات الاقتصادية الكورية الجنوبية والخليجية العربية الاستراتيجية المستقبلية، يجب أن تضع بعين الاعتبار و بشكل جدي في حساباتها الإستراتيجية متغير الطاقة النظيفة – المتجددة.  وحين دراسة كوريا الجنوبية بإعتبارها دولة تقع في قارة آسيا وعلاقتها مع دول الجوار ونظرًا لتنافسها التقليدي مع اليابان ، فإنها فعليًا بدأت الاتجاه نحو الطاقة المتجددة كما فعلت اليابان.     

فكوريا الجنوبية بما لديها من التكنولوجيا والمراكز البحثية،  قد دفعت سياستها للطاقة نحو الطاقة المتجددة والنظيفة.   حيث أنها  في عام 2008م، شرعت كوريا الجنوبية في تدشين مصنع ضخم للطاقة الشمسية بالقرب من سول يقدر إنتاجه 20 ميغاوات ويعد الأكبر في العالم.  وسعت كوريا الجنوبية بأن تشكل الطاقة المتجددة نسبة 5% من مجموع الطاقة المستهلكة في 2006م. (الجزيرة، نت). لا شك من أن نزعة كوريا الجنوبية التقليدية في استيراد التكنولوجيا بشكل انتقائي ومن توطينها كما خطط له في فترة الستينيات من القرن الماضي، قد ساعدت كوريا الجنوبية بأن تصبح رابع دولة في العالم في الاعتماد على الطاقة النووية اليوم.   

فكوريا الجنوبية ملتزمة بخططها الاستراتيجية المبنية على العلم وعلى التكنولوجيا.  حيث نجحت في الماضي وقد تنجح في المستقبل. وعلى دول الخليج العربي أن تتعامل بشكل عقلاني مع مصالح كوريا الجنوبية المتعلقة بالطاقة المتجددة بل وتنظر إلى تجربتها في الستينيات لتستفيد من تلك التجربة وفق احتياجيتها الفعلية المبنية  على عقول أبنائها وبناتها.    

التنافس الدولي على منطقة: المحيط الهندي و المحيط الهادي   

منذ زيارة الملك عبدالله ملك السعودية الأسبق للصين والهند في أوائل  عام 2000م، و الحديث في أدبيات العلاقات الدولية عن تقارب بين دول الخليج العربي وشرق- جنوب آسيا.  هذا التقارب، كان من أحد أهم أسبابه تقليص التواجد الغربي وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية وبخاصة في المجال التجاري منذ عام 2007م، حينما أعلنت رغبتها البحث عن مصادر بديلة للطاقة غير النفطية كإشارة واضحة عن رغبتها في تقليص حجم العلاقات مع دول الخليج العربي.   

ولكن، إن دول الخليج العربي قد إلتقطت تلك الإشارة من خلال النظام الدولي في وقت مبكر بعد أحداث سبتمبر 2001م.  حيث بدأت في تنويع التحالفات الاستراتيجية وفق مصالحها السياسية – الاقتصادية.  توالت التقارير والدراسات المختلفة إليها  من قبل مراكز البحوث والجامعات ومن قبل الوكالات الدولية للطاقة من أن هناك زيادة في النمو الاقتصادي من قبل آسيا الصناعية وخاصة لكل من: الصين والهند وكوريا الجنوبية.  أدركت القيادة الخليجية أن ذلك النمو يتطلب المزيد من الطاقة خاصة من النفط الذي توفره بكميات كبيرة.  ولهذا، بدأت مرحلة علاقات اقتصادية استراتيجية مع دول آسيا منذ ذلك الوقت لتترسخ في عام 2012م، وخاصة مع كوريا الجنوبية.

وليس بعيدًا عن آلية العرض والطلب للنفط التي تربط كوريا الجنوبية مع دول الخليج العربي، فإن كوريا الجنوبية ليست بمعزل عن الدول المجاورة وخاصة كوريا الشمالية.  إن كوريا الشمالية والجنوبية تمر بعلاقات في الوقت الحالي أبسط ما يطلق عليها بالمتوترة. فهناك في كوريا الشمال يقف اليوم رئيس شاب يتحدى النظام الدولي من وقت إلى آخر بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الرئيس لكوريا الجنوبية ويختبر قوتها من خلال التجارب النووية التي يطلقها من وقت إلى آخر. فكوريا الجنوبية بالنسبة للسيد كيم ماهي إلا صنيعة غربية صنعت خلال الحرب الباردة لتقف أمام الزحف الشيوعي.  وأن الصراع معها تاريخي- ايديولوجي.

واليابان بالرغم من تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية، لم تنظر دومًا بعين الرضا لجارها الكوري بل تعتقد أنها منافس استراتيجي لها.   إن علاقة كوريا الجنوبية مع كل من اليابان وكوريا الشمالية، يجب أن تكون محور تركيز دوائر القرار السياسي-  الاقتصادي والاستراتيجي لدول الخليج العربي. تلك الدوائر عليها دومًا مراقبة تطور العلاقات بين الكوريتين واليابان والتوقع بمستقبلها لمعرفة الاستراتيجيات المثلى للتعامل من هكذا توقع .

وليس بعيدًا عن تلك العلاقات ومدلولاتها الاستراتيجية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت الإقتراب من أي وقت مضى من منطقة المحيط الهندي والهادي.  هذا التقارب من مناطق النفوذ الاستراتيجي الصيني لا شك أنه أزعج ليس فقط الصين بل والهند تلك الدول التي تسابقت من أجل تعميق العلاقة الإستراتيجية مع دول الخليج العربي لضمان انسياب النفط.  إن كوريا الجنوبية أيضًا كانت في حلبة السباق الاستراتيجي فأمن إمدادات النفط يظل مطلبًا لها الذي ما زال يعتبر شريانها الصناعي.

إن التنافس الدولي اليوم، بدأ  يتجه رويدًا رويدًا نحو المحيط الهادي والهندي.  فالكثير من محللي العلاقات الدولية، يرون أنه يوجد " تحول مركز النشاط الاقتصادي والسياسي والعسكري العالمي في الفترة القادمة صوب كل من منطقة المحيط الهادي الآسيوية ومنطقة المحيط الهندي الكبرى، في ضوء ما تتمتعان به من أهمية جيواستراتيجية واقتصادية تجعلهما مسرحًا لتحديد خريطة القوى العالمية خلال القرن الواحد والعشرين". ( غالي، 2014).

هذا التنافس الدولي، يجب أن يقابله موقف خليجي استراتيجي موحد تجاه شراكتها الاستراتيجية مع كوريا الجنوبية. وهناك على الأقل ثلاثة سيناريوهات قد تساعد في بلورة ذلك الموقف.  أولا،  أن تتعامل دول الخليج مع كوريا الجنوبية  كأساس"شريك حوار" كما فعلت مع الهند. ولكن، عليها الأخذ بعين الاعتبار قبل اتخاذ ذلك القرار معايير موازين القوى  لكوريا الجنوبية وصراعها مع كوريا الشمالية و تنافسها مع اليابان. في هذا الصدد، الهند لديها صراع مع الباكستان أيضًا ولكن يعتبر متوازن استراتيجيًا إلى حد ما بسبب امتلاكهما للسلاح النووي. كما أن الهند دولة مسالمة إلى حد كبير وترجح العلاقات الهادفة نحو السلام أكثر من الصراع.   

ثانيًا، أن تتعامل دول الخليج العربي مع كوريا الجنوبية بوضعها الحالي و وفق المعطيات الحالية من حيث موقعها الجغرافي في قارة آسيا وعلاقاتها مع جيرانها والتنافس الدولي.  وهنا، تصبح العلاقة مع كوريا الجنوبية رهينة للتطورات التي تحدث في علاقتها مع كوريا الشمالية واليابان وما سيسفر عنه التنافس الدولي في منطقة المحيط الهادي والهندي. و وفق هذا السيناريو ستصبح علاقة دول الخليج العربي تجاه كوريا الجنوبية براجماتية قائمة على مبدأ حقق لي أحقق لك كما كانت عليه قبل عام 2012 م.  في الحقيقة، العلاقة البراجماتية هذه إن اتبعت مع كوريا الجنوبية لن تطول كثيرًا.  حيث يبدو أنها ستحسم في وقت مستقبلي قريب وذلك وفق التطورات المشاهدة الخطيرة التي تحصل الآن في المجتمع الدولي وعلى دول الخليج العربي أن تدرس تلك التطورات دراسة عقلانية واقعية استراتيجية لتخرج بتصور للشكل الأمثل للعلاقات الاستراتيجية مع كوريا الجنوبية في المستقبل.

ثالثًا، أن تتعامل دول الخليج العربي مع كوريا الجنوبية من خلال الواقع السياسي اليوم وعلاقة تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية مع تقليص المخاوف من صراعها مع كوريا الشمالية وتنافسها مع اليابان و تعاملها بتحفظ مع الصين ومع إبعاد عملية التصادم التي قد تقع بين الصين والولايات المتحدة في المحيط الهادي والهندي.

حيث يمكن القول لو أخذ بهذا السيناريو المتفائل في ظل ظروف دولية حرجة للغاية، نجد أن كلما خف الصراع الكوري- الكوري وخف تنافسها مع اليابان و التنافس الدولي على المحيط الهادي والهندي، كلما أدى ذلك إلى تأمين خطوط الإمداد النفطي لكوريا الجنوبية وإلى تعميق علاقتها الاستراتيجية مع دول الخليج العربي بشكل أكبر. والمشكلة التي ستواجه دول الخليج العربي مع هذا السيناريو هو في عملية المفاضلة الإستراتيجية للمصالح المختلفة لكل من: الصين  واليابان و الهند و وكوريا الجنوبية فطبور المصالح المختلفة طويل والخيارات الاستراتيجية محدودة. ولنركز على كوريا الجنوبية هنا ونترك الدول الأخرى لمقالات استراتيجية أخرى.    

تستطيع دول الخليج العربي الاستفادة من التكنولوجيا والتقنية الكورية ويجب عليها توطينها كما فعلت كوريا الجنوبية بناءً على احتياجاتها وخططها الإستراتيجية.  ويمكن أيضًا لدول الخليج، الدخول في علاقات إستراتيجية أكثر مع الشركات الكورية الجنوبية في مجال التعليم والتدريب والاستثمارات والطاقة النووية - الشمسية.  ولكن، قبل كل ذلك لابد لها الاستفادة من تجربة كوريا الجنوبية الإنمائية نفسها ككل وتعتبرها نموذجها التنموي وبخاصة صناعة التكنولوجيا والاهتمام بالعلم من خلال المراكز البحثية وإشراكها في برامجها الإنمائية وجعل العلم والعلماء والتكنولوجيا الركيزة الأساسية لمشاريعها وخططها التنموية.

في الختام، لا شك أن هناك سيناريوهات أخرى قريبة الأجل وقد يقدم فيها الاقتصاد على المخاوف  الجيو- سياسية للتنافس الدولي على المحيط الهادي والهندي.   ولكن، يجب أن يأخذ فيها تطورات أسوق الطاقة وظهور الطاقة المتجددة والنظيفة كمنافس للنفط.  فماذا ستفعل السعودية وحكومة أبو ظبي مثلًا بعد انتهاء الثلاثون عامًا في علاقاتها الاستراتيجية مع كوريا الجنوبية؟   كيف يمكن أن يذهبا مع كوريا الجنوبية في علاقة جديدة لمرحلة ما بعد النفط وهي علاقة لا شك ستعتمد ليس على القاعدة التقليدية النفط مقابل الصناعة؟  كل تلك الأسئلة بحاجة لدراسات أعمق حتى تصل إلى صيغة معادلة جديدة في العلاقات الاقتصادية لمرحلة ما بعد النفط. إن إجراء المزيد من المقالات والأبحاث والكثير من مراقبة تطور الصراعات الدولية، قد تكون مهمة نحو إيجاد قاعدة علاقات إستراتيجية جديدة بين الطرفين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس مكتب البوابات الأربعة للاستشارات الاستراتيجية

مجلة آراء حول الخليج