; logged out
الرئيسية / السلام البارد في آسيا لن يقود إلى حرب كورية جنوبية ـ صينية العلاقات الصينية ـ الكورية: النشأة والتطور وموجات المد والجذر

العدد 113

السلام البارد في آسيا لن يقود إلى حرب كورية جنوبية ـ صينية العلاقات الصينية ـ الكورية: النشأة والتطور وموجات المد والجذر

الأربعاء، 02 تشرين2/نوفمبر 2016

ترتبط دراسة طبيعة العلاقات بين دول متجاورة جغرافية بدراسة أبعاد وسياقات متعددة خلفها المكان والزمان أو التاريخ المشترك يزيد عليها حجم المصالح الذي قد يمتزج بالتضارب فى المصالح فى حالة تباين حلفاء كل دولة. وينطبق ذلك إلى حد بعيد على العلاقات الصينية الكورية، فالدولتان في إقليم يعاني من صراعات حدودية، وتاريخيًا كانت هناك فترات وقعت فيها الدولتان تحت حكم واحد (وفقًا للرؤية الصينية على الأقل)، كما تعرضت الدولتان لمستعمر واحد وهو اليابان أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم اعترفت الصين بكوريا في 1919م، التزامًا بإعلان مؤتمر القاهرة الذي أقر استقلال كوريا عن اليابان. وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 1948م، وبعد اعتراف كوريا الجنوبية بالصين الشعبية في 1992م، تم تبادل العلاقات الدبلوماسية ولذلك جمدت كوريا الجنوبية علاقاتها مع تايوان وأوقفت رحلاتها الجوية لتايبيه. وما بين الفترتين كان هناك حالة من الخلاف حيث تباينت المصالح والعقائد السياسية بينهما مع نشوب الحرب الكورية منتصف القرن العشرين حيث أيدت الصين كوريا الشمالية ضد الجنوبية، وساهمت بقوات لضرب قوات الأمم المتحدة وكوريل الجنوبية. عقب ذلك تحول كامل فى الرؤى عندما قررت الدولتان إقرار حالة "تعاون وشراكة" مع بداية التسعينيات من القرن العشرين لتستمر فترة من الاتفاق حتى بداية العام الجاري عندما انزعجت كوريا الجنوبية من التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية فقررت زيادة تسليحها فانزعجت الصين وبدأ الخلاف بين الطرفين وإن بقت المصالح الاقتصادية والتجارية. وتتناول السطور التالية تطور وطبيعة العلاقات الصينية الكورية.

الحديث عن الصين وكوريا الجنوبية هو حديث عن قوتين اقتصاديتين وإن اختلف حجمهما. تصدر الصين منتجاتها للعالم بما يزيد عن 2 تريليون في عام 2015م، بنسبة أكبر من 18% من حجم الصادرات العالمية، وتذهب نصف الصادرات الصينية لشركاء الصين من الدول الآسيوية، تليها أقاليم أمريكا الشمالية وأوروبا على الترتيب. ويأتى على رأس المنتجات الصينية أنظمة حاسب آلى واتصالات ودوائر كهربائية متكاملة كسلع أكثر طلبًا بين السلع الصينية، إضافة للمنتجات الخاصة بتوليد الطاقة من مصادر متجددة، حيث بلغت الصادرات الصينية من مولدات وأجزاء مولدات الطاقة الشمسية 33.5 مليار دولار في عام 2015م. وتأتى الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر شريك تجارى للصين بصادرات صينية تتخطى 400 مليون دولار في 2015م، وتأتى كوريا الجنوبية كرابع شريك تجارى بصادرات صينية زادت عن 100 مليار دولار، تليها ألمانيا ثم فيتنام وتسبقها اليابان وهونج كونج.

على الصعيد الكوري، فقد بلغ إجمالي الصادرات الكورية في عام 2015م، حوالي 527 مليار دولار بنسبة 3.2% من إجمالى الصادرات العالمية. وبلغ نصيب الشركاء الآسيويين من تلك التجارة 63%، يليها إقليم أمريكا الشمالية والدول الأوروبية بنصيب 26% من الصادرات الكورية مجتمعين. الصين هى أكبر مستورد لمنتجات كوريا الجنوبية ويفصل بينها وبين ثانى الشركاء (الولايات المتحدة الأمريكية) 67 مليار دولار، يليها هونج كونح ثم فيتنام ثم اليابان. وقد زاد الطلب الفيتنامى على الصادرات الكورية بنسبة 106% خلال الفترة من 2011م، وحتى العام الماضي في إشارة واضحة لولادة شريك تجارى واستراتيجى جديد لكوريا الجنوبية خلال سنوات قليلة.

وقد كان وراء الزيادة الكبيرة فى حجم التجارة المتبادلة بين الصين وكوريا الجنوبية الدور الذي لعبته القيادة السياسية وكان محوريًا فى إحداث تقارب كوري مع الصين، فمع وصول الرئيسة الحالية لكوريا الجنوبية لسدة الحكم في 2013م، كان الإعلان واضحًا بسعي كوريا الجنوبية لتعزيز العلاقات الكورية مع الصين. وبالفعل تقربت كوريا الجنوبية من الصين ورحبت الأخيرة بذلك حيث وجدت فى هذا التقارب وسيلة لحماية كوريا الشمالية، ذلك التقارب والرغبة الكورية فى توطيد الصلات مع الصين جاء بصورة واضحة من خلال عدة أحداث لم تقم بها حكومات كورية سابقة. من ذلك أن تم إرسال أول وفد بعد انتخاب الرئيسة الجديدة فى زيارة خارجية للصين وكان المتبع أن تكون أول زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، أيضًا شاركت الرئيسة بالحضور في العرض العسكري الذي يجسد ذكرى الانتصار على المستعمر اليابانى، وكانت هذه هى المرة الأولى التى تشارك فيها رئيس كوري. وامتزجت تلك الأحداث الرمزية بعدة تحركات وجولات تفاوض لتعزيز الروابط الاقتصادبة وتأييد الصين دوليا فكانت كوريا ضمن الأعضاء المؤسسين للبنك الآسيوى لاستثمارات البنية التحتية، كما حرصت كوريا الجنوبية على توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الصين حتى وإن خرجت فى النهاية بمكاسب كورية محدودة. كما رحبت الصين بالتودد الكوري، وصدر عن الجانب الصينى بعض الأحداث الرمزية لإظهار ذلك التقرب، ومنها زيارة الرئيس الصينى لكوريا الجنوبية قبيل زيارته لكوريا الشمالية في 2014م، وكانت هي المرة الأولى التي يقوم رئيس صيني بالتوقف في كوريا الجنوبية قبيل زيارة كوريا الشمالية. على الرغم من ذلك، فإننا نجدها الآن وهي تتحول عن خط الاتفاق مع كوريا الجنوبية والسبب أيضًا كوريا الشمالية، ورغبة كوريا الجنوبية فى تعزيز قدراتها التسليحية كما ذكرنا.

تبين أن العلاقات بين الطرفين تشهد موجات من الانتعاش يعقبها موجة أخرى من التوتر وهكذا وإن اختلفت أسباب نشوب هذا التوتر، وبخلاف النزاعات الحدودية التى يعج بها إقليم شمال شرق آسيا فإن النزاع حول الهوية والتاريخ أيضًا يعد جزءًا من الخلاف بين دول هذا الإقليم ويعد هذا ضمن محددات العلاقات الصينية الكورية. فى هذا الصدد، يذكر أن الحكومة الصينية قامت في عام 2002م، ومن خلال الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية بتدشين مشروع بحثي نشر ضمن أعماله أن كوريا كانت ضمن مملكة جوجيريو الصينية التى حكمت لمدة 600 سنة انتهت مع نهاية القرن السابع الميلادي، مما أثار جدلًا واسعًا ورفضًا شديدًا من الجانب الكوري على اعتبار أن نتائج هذا المشروع تمس الاستقلالية والهوية الكوريتين. ونشب على إثره خلاف بين الطرفين. أيضًا في عامي 2010 و2011م، تعددت أحداث اختراق سفن صيد صينية للمياه الإقليمة الكورية حتى تم استخدام القوة لإجبار إحداها على العودة إلى مكانها. أيضًا في ديسمبر 2011م، تسللت سفينة صيد صينية للمياه الإقليمية الكورية وتم استخدام القوة مما أدى إلى إصابة اثنين من خفر السواحل الكورية بجروح.

ويظل التعاون الاقتصادي والتجاري البعد الأكثر استدامة فى العلاقات الصينية الكورية. ففي نهاية عام 2015م، شهدت دخول اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين الصين وكوريا الجنوبية حيز التنفيذ، ولكن عمليًا لا تضيف الاتفاقية الكثير فقد جاءت غير مشتملة على عدد كبير من الأنشطة الاقتصادية بما يجعل مساهمة تلك الاتفاقية فى تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدولتين محدودة، خاصة إذا تمت مقارنتها بالامتيازات التى حققتها حكومة كوريا الجنوبية من توقيع اتفاقيات مناطق تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، فإن المفاوضات الكورية مع الشريك الصيني شهدت إقصاء العديد من الأنشطة والتركيز على توقيع اتفاق حتى وإن خلا من امتيازات كثيرة تتضمنها عادة اتفاقيات مناطق التجارة الحرة. ونذكر هنا على سبيل المثال أن التعريفة الجمركية التي سيتم رفعها بلغت 71% فقط خلال 10 سنوات مقابل أكثر من 98% مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال المدة ذاتها، علاوة على استثناء السيارات ومنتجات تكنولوجيا المعلومات من ذلك التخفيض على الرسوم الجمركية.

اتسع نطاق العلاقات الصينية الكورية خلال السنوات القليلة الماضية ليشمل أيضًا التعاون فى مجال المشروعات التنموية والاقتصادية الكبرى، فأيدت كوريا مبادرة الصين فى إنشاء البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية كما أيدت مشروع طريق الحرير الجديد وبدأ التنفيذ على الأراضي الكورية بالفعل. علاوة على ذلك أعلنت كوريا أن المشروع المذكور يخدم ويكمل مشروعها "المبادرة الأوراسية" الذي سيربط من خلال سكك حديدية بين الكوريتين وروسيا (خط سكة حديد سيبريا شمال روسيا)، فى دلالة على التوافق فى الرؤى ليس فقط الحالية وإنما أيضًا فيما يتعلق برسم ملامح التطوير والتنمية فى الإقليم مستقبلا.

بمعنى آخر، وبمراجعة تطور العلاقات الصينية الكورية فى مرحلتها الأخيرة، والمقصود منذ عام 1992م، نجد أنها -إجمالا-علاقات ظلت تتطور إيجابيًا خاصة على صعيد التجارة والاقتصاد والدبلوماسية الإقليمية. فكوريا الجنوبية والصين يتقابلان كشريكين فى عدد من الترتيبات الإقليمية مثل المؤتمر الثلاثي الذي يجمعهما باليابان وتجتمع الدول الثلاث فى ترتيبات أخرى مثل الآسيان+3، ومفاوضات كوريا الشمالية بأطرافها الستة، إضافة إلى ذلك فالصين وكوريا إضافة إلى اليابان تجمعهم مائدة مفاوضات منذ عام 2012م، لتوقيع اتفاقية تجارة حرة، ولم يتم إحراز تقدم رغم انعقاد 10 جولات ثلاثية داخل تلك المفاوضات.

لم يلغ هذا التوافق الاقتصادي حالة عدم التكافؤ بين الشريكين الصيني والكوري. فكوريا الجنوبية مصنفة قوة اقتصادية متوسطة، بينما الصين أكبر مصدر فى العالم تسيطر –كما ذكرنا-على حوالي 18% من حجم صادرات العالم. من ناحية أخرى، فإن كوريا الجنوبية عضو بمنظمة الدول الصناعية فيما لا تزال الصين تصنف نفسها على أنها دولة نامية حتى مع دخول عملتها سلة عملات الاحتياطي النقدي العالمي، مما يعني أنها على وشك أن تكمل ملامح "القوة الكبرى".

انعكس عدم التكافؤ بين الدولتين على رسم السياسة الأمنية. فالتعاون فى مجال الأمن لم يذكر على مائدة محادثات الطرفين ويبدو أيضًا أنه لن يظهر على أجندة العلاقات الصينية مع كوريا الجنوبية. ويعد هذا الوضع ضمن المؤشرات الأساسية على عدم غياب الدور الأمريكي في الإقليم وإن أخذ شكلًا مغايرًا، إلا أن كوريا الجنوبية تتمسك بالولايات المتحدة كحليف لها بجانب اليابان لمواجهة صعود كوريا الشمالية.

من هنا فإن التهديد الأمنى قد يخلق معادلة تخالف الصورة التجارية والاقتصادية بين الصين وكوريا الجنوبية، فقد يؤدي المزيد من التعاون الأمني الكوري مع اليابان إلى خلق معسكر كوري يابانى أمريكي في مواجهة أخر صيني وكوري شمالي روسي.

ولذلك لم يكن مستغربًا صدور القرار الكوري بتطوير تسليحها بالتعاون مع الولايات المتحدة فى مواجهة كوريا الشمالية وهو القرار الذي قوبل بتعنيف ومعارضة من الصين والذي تم تفسيره على أنه يهز الثقة المتبادلة بين الطرفين، وعلقت عليه الصين بأن مثل تلك الأنظمة من شأنها نقل معلومات دقيقة عن تجارب الصين بشأن الصواريخ للولايات المتحدة الأمريكية. بينما قوبل بتأكيد أمريكي على سرعة إرسال النظم الدفاعية المطلوبة لكوريا الجنوبية في رد سريع على استمرار كوريا الشمالية إجراء تجارب لصواريخ.

ونتيجة لهذا القرار الذي عكّر صفو العلاقات الصينية الكورية يمكننا توصيف العلاقات الكورية الصينية حاليًا بأنها علاقات تشهد حالة من إعادة الحسابات لدى الطرفين أو هى علاقات لا تمر بأحسن حالاتها كما كان الوضع عليه خلال السنوات القليلة الماضية. والسبب فى هذا التحول ليس كوريا الجنوبية وإنما كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية حيث دفع تهديد الأولى وضغط الثانية  بقرار من كوريا الجنوبية بشراء نظم حماية متقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو قرار هدفت كوريا الجنوبية منه إلى تعزيز أوضاعها الأمنية إلا أنه يشكل -من وجهة النظر الصينية- تهديدًا أمنيًا، علاوة على أنه يكشف عن حالة من عدم الثقة بين الطرفين، خاصة وأن التعاون الكوري الياباني في مجال الأمن يشهد إزديادًا مطردًا في مواجهة مشتركة لتهديد كوريا الشمالية التي قامت بإرسال صاروخ وصل للمياه اليابانية فى سبتمبر الماضي.

في الوقت ذاته، فإن التسليح الذي تسعى كوريا لتطويره له تحدياته أيضًا فهو من ناحية يلقى اعتراضًا شعبيًا نسبيًا، وهو من ناحية أخرى قد يجر كوريا الجنوبية لسباق تسليحي فى كل مرة تطور كوريا الشمالية من تسليحها وتقوم بإجراء تجربة صاروخية جديدة، خاصة وأن الأخيرة استطاعت تطوير صواريخ متعددة المدى. وهذا التطوير يخلق مواجهة جديدة بين الصين والولايات المتحدة فى الإقليم إضافة للمواجهة القائمة بالفعل بين الدولتين خلال اجتماعات محادثات الأطراف الستة، وهي الآلية للتفاوض وتعقد بصفة غير دورية ونشأت في عام 2003م، بمشاركة كوريا الشمالية واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة وترأسها المضيفة لها الصين، للتعامل مع التسليح النووى لكوريا الشمالية.

 ونعود للعلاقات الصينية الكورية الاقتصادية، وعلى الرغم من أن فصل التجارة عن السياسة أصبح نمطًا راسخًا للعلاقات الدولية، وبالتالي فنتوقع استمرار حالة الاعتماد المتبادل بين الصين وكوريا الجنوبية حتى وإن تصاعد الخلاف بشأن كوريا الشمالية، وحيث تفرض أرقام التبادل التجارى بين البلدين نوعًا من الحذر والحرص على صانع القرار فى إدارة أى أزمة تنشب بين الصين وكوريا الجنوبية، إلا أن هناك عوامل أخرى قد تؤثر على تلك العلاقات. فبالنظر لكل دولة على حدة نجد أن هناك بعض التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومنها العجز المتوقع في العمالة فى ظل زيادة نسبة كبار السن إلى الشباب، هي مشكلة تواجهها كل من الصين وكوريا الجنوبية، وكذلك تباطؤ معدلات النمو في الاقتصاد العالمي، وزيادة الإنفاق العسكري.

في الوقت ذاته، كان للقرار الكورى بشأن التسليح له آثاره الاقتصادية أيضًا، حيث وجدنا أن شركات كورية كبرى تعمل في مجال الإعلام وذات تواجد قوي في السوق الصينية تعرضت لخسائر كبيرة في سوق المال والبورصة بعد القرار الكوري بشأن تطوير نظم تسليح مع الولايات المتحدة الأمريكية. تزامن ذلك مع تراجع حجم الاستثمار الكوري في الصين، والذي شهدت معدلاته تراجعًا في ضوء تراجع معدلات النمو بصفة عامة، وارتفاع تكلفة تنفيذ مشروعات كوريا فى الصين علاوة على المناخ التشريعي للاستثمار الأجنبي المباشر الذي تفرضه الحكومة الصينية على الشركات الأجنبية بصفة عامة، نتيجة إصلاحات ضريبية خفضت معدلات الضريبة على الشركات المحلية مقابل رفع المعدلات الضريبية على الشركات الأجنبية العاملة فى الصين. وبعد أن كانت الصين تستحوذ على حوالي 40% من الاستثمارات الكورية في الخارج وكان ذلك في عام 2005م، أصبح النصيب الصيني حوالي 10% فقط في عام 2015م. وتتحول كوريا تدريجيًا من الصين إلى قوى اقتصادية صاعدة كدول الآسيان التى استثمرت فيها 4 مليارات دولار في 2015م، مقابل 2.8 مليار فقط في الصين. وهو تراجع عام تعاني منه الصين حيث انخفض الاستثمار الأجنبى المباشر في الصين بنسبة 7% في عام 2015م، نتيجة مواقف دول عدة بخفض استثماراتها بالصين وشملت تلك الدول الولايات المتحدة واليابان.

أدى تراجع التواجد الكوري في الصين فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبى المباشر إلى ظهور أطراف أخرى جديدة جاذبة للأموال الكورية، فبعد أن كانت الصين ساحة جديدة على مدار عشر سنوات تقريبًا، تصل كوريا الجنوبية الآن لساحات أخرى جديدة داخل إقليم جنوب شرق آسيا وفيتنام تحديدًا، والتى يشهد ميزانها التجاري مع كوريا زيادات مطردة خلال السنوات القليلة الماضية، كما سبقت الإشارة.

لقد فرض القرار الكوري بتطوير التسليح والنظم الدفاعية لمواجهة الصواريخ الكورية الشمالية حالة من الارتباك في العلاقات الصينية الكورية، خاصة وأن استقرار كوريا الشمالية أولوية صينية تسبق تخليها عن السلاح النووي فالصين ترى أن انهيار كوريا الشمالية يعني احتمال نشوب أزمة لاجئين. وهنا فالصين أمام خيارين الأول بطبيعة الحال الضغط على كوريا الشمالية لصالح كوريا الجنوبية وهنا قد تهتز علاقتها مع كوريا الشمالية أو الضغظ على كوريا الجنوبية لصالح كوريا الشمالية وهنا سيتم تعزيز التعاون الكوري الأمريكي. وتحاول الصين تحقيق التوازن بالتظاهر بالتدخل لصالح كوريا الجنوبية من خلال التزام الصمت عند الحديث عن فرض عقوبات اقتصادية على كوريا الشمالية، لكن الأزمة الحقيقية بالنسبة لكوريا الجنوبية تدور في التجارب الصاروخية وهي القضية التي ربما تنتظر الضغط الصينى عليها لفترات طويلة.

وختامًا، فإن الحديث عن العلاقات الصينية الكورية هو حديث عن تفاعل آسيوى فى نهاية المطاف، وتحليل تطورها أو التنبؤ بمستقبلها لا ينفصل عن الحديث عن مجموعة من القيم الآسيوية. وهنا يمكننا القول أن العنف والمواجهة ليست ضمن القيم الآسيوية، فى حين أن الحذر والاحتياط والالتزام قيم أصيلة في منظومة القيم الآسيوية.  وبالتالي لم تواجه اليابان أو كوريا الجنوبية كوريا الشمالية مباشرة.

صحيح أن العلاقات الصينية الكورية هى مثال لعلاقات بين دول متجاورة تشترك فى العديد من المصالح، دائما كانت كوريا ترى الصين وصعودها فرصة وليس تهديدًا، كما ربحت الصين شريكًا تجاريًا كبيرًا بتطوير علاقاتها مع كوريا الجنوبية، إلا أن معادلة تلك العلاقة تتضمن دائمًا دولا أخرى ثبت أن لها تأثير واضح في تشكيل طبيعة هذه العلاقات. تلك الدول حسب أهميتها هى كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية واليابان. فكوريا الشمالية منذ الحرب الكورية وهي تحت رعاية صينية في مواجهة كوريا الجنوبية وحلفاءها من الغرب ولم يتغير الموقف الصيني من رعاية كوريا الشمالية حتى مع التوجه نحو التعاون مع كوريا الجنوبية. الولايات المتحدة هي حليف أمني محوري لكوريا الجنوبية حتى وإن لم يشارك في مواجهات مباشرة إلا أن التمسك الكوري به لا يزال شديدًا خاصة مع تلويح كوريا الشمالية باستخدام القوة من خلال ما تقوم به من تجارب صاروخية. بمعنى أن الدور الأمريكي المباشر في الإقليم ربما تراجع ولكن استراتيجية الولايات المتحدة كحليف أمني حتمي لن تتغير على الأقل خلال الفترة القادمة سواء بالنسبة لكوريا الجنوبية أو اليابان. الطرف الخارجي الثالث في معادلة العلاقات الصينية الكورية هنا اليابان وهي تشترك مع كوريا الجنوبية في التحالف الأمني مع الولايات المتحدة في مواجهة كوريا الشمالية، وفي ضوء علاقات اقتصادية وطيدة مع الصين لا تقوم اليابان عادة بمواجهة صينية أو الضغط عليها لتخفيف الدعم لكوريا الشمالية.

يبقى أن البيئة التي تزدهر أو تتراجع فيها العلاقات الصينية الكورية هى بيئة غير مستقرة أمنيًا تضع صانع القرار في حالات كثيرة في موقف صعب للاختيار بين بدائل أصعب، ولكنها لا تشير إلى نية أي من أطرافها استخدام القوة حتى ذهب البعض بتوصيف الوضع الحالي في شرق آسيا بالحرب الباردة الآسيوية، وإن كان من الأفضل تسميته سلام بارد آسيويا لأن الروابط الاقتصادية خلقت حالة من الاعتماد المتبادل ودفعت الدول الأطراف لصيانة مستوى معقول من العلاقات التعاونية حتى وإن كان عمق هذه العلاقات به العديد من الرؤى الخلافية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحثة في العلاقات الدولية ومتخصصة في جنوب شرق آسيا

 

قائمة المراجع التي اعتمدت عليها الباحثة:

-         Is China Losing South Korea? The Diplomat, 22/8/2016.

-         THAAD Coming to South Korea ‘As Soon As Possible’, The Diplomat, 29/9/2016.

-         People’s Republic of China-Korea Free Trade Agreement, at: http://aric.adb.org/fta

-         China’s Top Import Partners, World’s Top Exports at: www.worldexports.com

-         Korea’s Top Import Partners, World’s Top Exports at: www.worldexports.com

-         Korea Decreasing Investment in China, The Korea Times, 18/9/2016 at: koreatimes.co.kr

-         South Korea-China FTA falls short on reform, East Asia Forum, 29/5/2016 at: www.eastasiaforum.org/2016

-         THAAD and the Sino-South Korean Strategic Dilemma, The Diplomat, 7/10/2016.

-         Time for China to Rethink South Korea Relations? The Diplomat 9/8/2016.

-         South Korea Balance of Trade, Trading Economics, at: www.tradingeconomics.com/south-korea

-         World Economic Outlook: Too Slow for Too Long, Washington: International Monetary Fund, April 2016.

-         Tze Chin, South Korea- China Mutual Perceptions: The Good, The Bad and the Ugly, SAIS U.S. Korea Yearbook 2009.

-         Alice Ekman, China’s Rise: the View from South Korea, European Union Institute for Security Studies (EUISS), May 2016.

-         Shaping the Future: How Changing Demographics can Power Human Development, New york: United Nations Development Programme, 2016.

-         Taylor Washburn, Goguryeo Ghosts: China’s History Dilemma and the Future of Sino-Korean Relations, Historical Disputes and Regional Stability.

-         Korea faces risk of losing AIIB vice president post, Korea Times 7/7/2016 at: koreatimes.co.kr

-         Asian Development  Outlook 2016 Asia’s Potential Growth, Manila: Asian Development Bank, 2016.Phillip C. Saunders, et.al., North Korea 2025: Alternate Futures and Policy Challenges, National Defense University at: http://ndu.edu/inss

 

مجلة آراء حول الخليج